هي صورة لم يرها أحد، صورة لم يتم طبعها، لكن في »الفيلم السالب le negatif نرى بوضوح آية الله الخميني عند وصوله إلى مطار أورلي يوم 6 أكتوبر 1978 محاطا بحوالي 10 أشخاص. الشخص الذي التقط تلك الصورة، كريستيان بورغي، محامي، مدافع عن حقوق الانسان. في تلك الفترة كان هو الرجل الذي اختاره الايرانيون لمساعدة المعارضين للشاه محمد رضا بهلوي. في فرنسا، بعد بضعة أشهر، سيلعب بورغي أيضا دورا رئيسيا خلال عملية احتجاز رهائن السفارة الأمريكية في طهران، الصورة أخذت عشية الثورة الايرانية: زعيم الثورة المنفي طرد من بغداد، وصل إلى فرنسا (بعد أن رفضت الكويت استقباله)، ومنها كان عليه أن يجد الدعم لإعداد عودته إلى طهران. عند وصوله إلى مطار أورلي، كان هناك في استقباله صادق غلام زاده، وزير الخارجية المقبل وابو الحسن بني الصدر، الذي سيصبح أول رئيس للجمهورية الاسلامية. ... الرجلان يظهران في الفيلم السالب للصورة، الذي يحتفظ به كريستيان بورغي في ألبومه إلى جانب صور عائلية في أحد أدراج خزانته. المحامي بورغي، كان أحد صغار الشهود على تاريخ كبير، لكنه لم يتحدث عنه أبدا. »اعتقدت دائما أن أنجع وسيلة للحصول على نتيجة، هو الاشتغال في سرية، »يوضح وهو يشعل غليونه. حياته عبارة عن تاريخ من الالتزام والإحباط. حياة نضال إلى جانب ثورة، حولت بلدا إلى نظام تيوقراطي صارم بدل انقاذه. يقول »ورغم كل شيء، بعد الثورة، واصلت العمل لفائدة الايرانيين حتى سنة 1982، فما قام به نظام الشاه (الذي حكم من 1941 إلى 1979) كان بغيضا، اعتقدت ان تستحق ان تجد مخرجا للإفلات من سيطرة القوى العظمى«. الرجل ضخم. تعتلي وجهه لحية والشيب يكسو رأسه. يعيش في باريس مع زوجته كريستين التي التقاها، في نهاية سنوات 60 معا بدأ اهتمامهما بايران، والنضال من أجل تحريرها«. بورغي من مواليد 1934 بمدينة نيم، والده رجل دين، كبر بين الجزائر والمغرب، درس العلوم السياسية بجامعة غرونوبل في سنة 1959، أدى القسم كمحامي، بعد اشهر، دعي هذا الناشط الاشتراكي للذهاب إلى الجزائر، يقول عن تلك الحقبة »لم أكن أرغب في قتل اناس يطالبون بحريتهم. ولكن لو رفضت، كنت سأغامر بتدمير مساري المهني« بعد عودته إلى باريس. سنة 1962 بدأ بالاشتغال في مكتب جان لوي تيكسيي فينانكور، وهو محامي من اليمين المتطرف المرشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية لسنة 1956، يؤكد بهذا الخصوص: »سياسيا كنا نقيضين، ولكن بالنسبة لي، الامر يتعلق أولا بعملي كمحامي« شارك كيد صغيرة في الدفاع عن أعضاء تنظيم oas بمحاولة اغتيال الجنرال شارل دوغول. كريستيان بورغي، اهتم أساسا بالمحاكمات السياسية، ويؤكد »عندما غادرت مكتب تيلسيي فينانكور، لأشتغل في مكتبي الخاص رفقة اثنين من المحامين الشباب (بوتران فاليت وفرانسوا شيرون) واصلت الاهتمام بالسياسة، دافعت عن الكثير من الطلبة. بعد أحداث ماي 68« اصبح عضوا في مجموعة الاعلام ومع المهاجرين (gisti) وتخصص في الدفاع عن النشطاء الأجانب. في سنة 1971 أرسل إلى المغرب في مهمة مراقب قضائي، بعد عودته، دقت إيران على بابه، طلب منه صادق قطب زاده ممثل الخميني في أوربا المساعدة. »في سنة 1972 طلب مني أن أتوجه إلى إيران كمراقب لحقوق الإنسان«. قبل بورغي بالمهمة. كانت هذه الزيارة بمثابة شرارة، وبعدها انخرط بنشاط في المعركة ضد الشاه »خلال منفى الخميني، فكر قطب زاده في إقامة شبكة لنشر خطب الإمام، كان يسجل خطبه على أشرطة، كنت أنا وزوجتي نساعده على توزيعها ونشرها«. وعندما حطت طائرة الخميني بباريس سنة 1978 استدعى أنصاره من المحامي بورغي لمنع إرساله إلى العراق. وصل المحامي إلى المطار حاملا آلة تصوير، ويشرح »كنت درست حماية الأجانب فوق التراب الفرنسي،... كان من الممكن رفض دخول الخميني، لكن كانت لدي حجج للدفاع عنه. عموما، في ذلك اليوم، لم يتدخل أحد«. كان ذلك بداية مقام الخميني فوق التراب الفرنسي. قضى بضع ليالي في أحد الفنادققبل أن ينتقل للاقامة في نوفل لوشاتو، حيث بقي هناك ثلاثة أشهر، أصبح كريستيان بورغي رابطه مع العالم الخارجي: كان يزوره، يحمل له بريده وينقل الرسائل »يتذكر قائلا: »كان رجلا لا يتكلم كثير،وفي بعض الأحيان يبدي ابتسامات عريضة لكنني لم أكن أفهم ما يخبأ وراءها«. السماء سقطت على رؤوسنا الاتصال الأول مع السلطات الفرنسية، تم في يناير 1979 عندما حل مبعوث من الخارجية الفرنسية بمقر إقامة الخميني وطلب لقاء الخميني. عبر الدبلوماسي الفرنسي عن قلق فرنسا فيما يخص المواقف العلنية التي يعبر عنها الامام، وناشده وقف هجماته ضد الشاه. رفض الخميني ذلك ورد عليه بأنه مستعد لأن يطرد، لأنه لا يمكن أن يغض الطرف عما يجري في ايران، يحكي بورغي الذي حضر اللقاء. كانت الثورة قد بدأت تغلي. غادر الشاه البلاد يوم 16 يناير.لقد حان وقت العودة إلى البلاد، يرى صادق قطب زاده، غير أن مطار طهران مغلق، يمكن لشرطة الشاه أن تمنع الطائرة من الهبوط وربما تطلق عليها النار، لم تكن أي شركة طيران مستعدة للمخاطرة »بفضل شريكي في مكتب المحاماة. ربطنا الاتصال بين قطب زادة وشركة ايرفرانس من أجل كراء طائرة. بدأ بجمع المال وذات، يوم جاء يحمل حقيبة مليئة بالأوراق النقدية، وبمساعدة صديقة بورغي، أعد الايراني خطة: «الاعلان عن عودة الخميني لقيت صدى اعلاميا واسعا، ملأنا نصف الطائرة بالصحفيين والنصف الآخر بايرانيين. كانوا يريدون شرف العودة مع الامام. وكانوا مستعدين لدفع الكثير من المال لنيل هذا الشرف، وقت وجيز كان ثمن كراء الطائرة قد تم». أقلعت الطائرة يوم 1 فبراير 1979 كان صارق قطب زادة جالسا في الصف الأمامي إلى جانب الخميني. لم يكن بورغي ضمن المسافرين في هذه الرحلة، لكن الصورة (الذكرى للرجلين جنبا إلى جنب، في هذا اليوم التاريخي مازالت موجودة في مكتبه. »كنا خائفين مما سيحدث بعد الوصول إلى ايران، لكن في المطار، كان هناك ما بين 4 و5 ملايين ينتظرون الامام. لم يخاطر أيضا الشاه بإطلاق النار بالنسبة للايرانيين. كان الامام الخميني بمثابة رسول مرسل من الالاه«. يوم 30 مارس، ولدت الجمهورية الاسلامية في مناخ من القمع الشامل. تابع بورغي تطورات الثورة من فرنسا، خلال فترة لم يقع أي اتصال مع قطب زادة: »مع زوجتي وشركائي انشأنا الجمعية الفرنسية للصداقة ودعم الشعب الايراني من أجل مساندة الثورة انطلاقا من اوربا يحكي المحامي، لكن شيئا فشيئا، بدأت تصلنا الاخبار من ضمن الاجراءات الأولى التي اتخذتها الجمهورية الاسلامية. كانت الاعدامات والتصفيات الجسدية للضباط ومؤيدي الشاه، كنا كما لو أن السماء سقطت على رؤوسنا، بعثنا على الفور برقيات الاحتجاج، لكننا لم نتوصل أبدا برد«. قتل الأب العلاقة بين الايرانيين وبورغي بدت كما لو أنها انتهت إلى حدود شتنبر 1979 حيث ظهرت ايران مجددا في حياته، هذه المرة في شكل اقتراح طرحه فيكتور فيالون رجل الاعمال الارجنتيني والمساند للرئيس خوان بيرون "»كنت محاميه وصديقه، ذات يوم اقترح علي اقناع طهران ببيع بترولها إلى بنما (حافظ على الكثير من الاتصالات مع امريكا اللاتينية) حتى تتمكن ايران من الخروج من تبعيتها للولايات المتحدة"«. قبل بورغي مرة أخرى. كانت على الخصوص مناسبة لتجديد الاتصال مع صديقه قطب زاده في طهران. يحكي عن هذه الواقعة قائلا: »بالكاد تعرفت عليه. كان يلبس بذلة سوداء على شاكلة لباس ماوتسي تونغ، تخاصمنا، كنت محرجا جدا من الوضع العام«. بورغي يؤاخذ صديقه قطب زادة لكونه خان مثل الثورة "تحدثنا عن العدالة ايران تطبق دائما عقوبة الاعدام، مما يجعل الشاه (كان وقتها منفيا في المكسيك) مستحيلا، ولكن على الاقل كان بإمكانهم أن يحاولوا الحصول على محاكمة علنية في بلد آخر! في تلك اللحظة انهار قطب زاده بكاء". تحولت المفاوضات حول البترول بين بنماوطهران إلى مستوى ثانوي عندما استقبل الشاه المصاب بالسرطان يوم 22 اكتوبر 1979 بالولاياتالمتحدة لتلقي العلاجات. كان النظام الايراني يتخوف من خطة امريكية لاعادة محمد رضا بهلوي إلى الحكم، وفي هذا المناخ المهووس اجتاحت مجموعة من الطلبة مبنى السفارة الامريكية في طهران يوم 4 نونبر 1979 واحتجزت 52 شخصا كرهائن. طلب الخميني رسميا تسليم الشاه،وردت الولاياتالمتحدة بتجميد الاصول الايرانية المودعة في الابناك الايرانية. سيطلب النظام الايراني مرة اخرى من بورغيالمساعدة، ?يوم 15 دجنبر، رحل الشاه إلى بنما، طلب قطب زاده مني ومن فالالون Vallalon، التوجه إلى عين المكان من أجل طلب ترحيل محمد رضا بلهوي?. أصبح فالالون وبورغي ممثلين شبه رسميين لايران خلال أزمة الرهائن، .. قال بورغي عن هذه الفترة: كانت أصعب حالة في حياتي. وللخروج من الضغط كنت ألجأ إلى السباحة". وحول المفاوضات، يبقى بورغي غامضا كان كل طرف يجر الحبل لجانبه. كان الأمر معقدا جدا. ما كان يحرجني كثيرا، هو أنه سواء من الطرف الأمريكي أو من الطرف الإيراني، كانت هناك قوى تحاول تخريب كل شيء، أي إفشال المفاوضات. في كتابة مذكرات رئيس يقول جيمي كارتر «لا أعرف الكثير عن هذين الرجلين (ويعني بورغي، وفالالون) إنهما خاطرا عدة مرات بحياتهما لمساعدتنا وإنني والشعب الأمريكي ممتنون لهما إلى الأبد»، فشلت المفاوضات، ومع ذلك يوم 24 أبريل 1980 سمح الرئيس كارتر بعملية «مخلب النسر» لتحرير الرهائن. لكن تدخل الكومندو الأمريكي انتهى بالفشل الذريع (تحطمت طائرة هليكوبتر مخلفة 8 قتلى) يوم 27 يوليوز، توفي الشاه في مصر. ولم تنته أزمة الرهائن إلا يوم 20 يناير 1981. تم الإفراج عن جميع الرهائن. وحصل الإيرانيون بالمقابل على إنهاء الخطر والوعد بعدم المتابعة القضائية ضد السلطات الإيرانية. ويعلق بورغي قائلا: ?في النهاية، أعتقد أنها كانت انتصارا لإيران. لكن بالنسبة للنظام، المشاكل بدأت للتو، تم إعدام قطب زادة في غشت 1982، بعدما أدين بالإعدام بتهمة محاولة الانقلاب على الخميني. بالنسبة لهذا الجزء من الحكاية، حيث تختلط الصداقة بالسياسية، يخفض بورغي صوته «إنه شيء محزن، لم تكن لدي أدنى فكرة عن مخططه. أعتقد أنه بطريقة ما، ضحى بنفسه، لكي يذكر الخميني بأنه يبتعد عن الثورة، بالنسبة له، مهاجمة الإمام، مثل قتل الأب». في بعض الأحيان، عندما يغوص بورغي في ذكرياته، يحاول البحث عن تفسيرات، ويقلب الماضي من كل جوانبه: أعتقد في النهاية، أن الحظ لعب دورا كبيرا في انحراف هذه الثورة، كان هناك أيضا عنصر آخر وهو كون الإيرانيين كانوا ينظرون للخميني كرها، وبالتالي لا يمكن مناقشة الله. ثم إن التوريين ارتكبوا أخطاء، لم يكونوا جاهزين ومستعدين تماما". بعد وفاة صديقه قطب زاده، قطع المحامي نهائيا علاقته بالسياسة الإيرانية، ويختم قائلا: ?فيما بعد، عاد ممثلون عن طهران للقائي، لكنني لم أكن أدافع عن الدولة بل كنت فقط أدافع عن الإيرانيين?. عن ليبراسيون بتصرف