الأزمي: لشكر "بغا يدخل للحكومة على ظهرنا" بدعوته لملتمس رقابة في مجلس النواب    أخبار الساحة    الدار البيضاء.. توقيف المتورط في ارتكاب جريمة الإيذاء العمدي عن طريق الدهس بالسيارة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    أجماع يعرض جديد حروفياته بمدينة خنيفرة        تقديم العروض لصفقات بنك المغرب.. الصيغة الإلكترونية إلزامية ابتداء من فاتح يناير 2025    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا لثلاثة أيام مع أسبوع غضب    في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-    بووانو: حضور وفد "اسرائيلي" ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب "قلة حياء" واستفزاز غير مقبول        بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    المغرب-الاتحاد الأوروبي.. مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    نادي قضاة المغرب…تعزيز استقلال القضاء ودعم النجاعة القضائية        بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    تولي إيلون ماسك لمنصب سياسي يُثير شُبهة تضارب المصالح بالولايات المتحدة الأمريكية    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا        الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إيران وفرنسا.. لغة المصالح الاقتصادية لا دين لها !
نشر في المساء يوم 08 - 02 - 2016

كان مرشد الثورة الإيرانية، الراحل آية الله الخميني، ينعت فرنسا، عقب تعكر صفو العلاقات بين باريس وطهران بداية الثمانينات، ب»الشيطان الصغير» في مقابل «الشيطان الأكبر» الذي خص به العم سام. ومن الواضح أن الرباط كانت على صواب حينما حكمت منطق العقل والاتزان وعدم التسرع والانفعال أثناء الأزمة السعودية- الإيرانية الأخيرة. لأن الأيام أثبتت بما لا يدع مجالا للشك، عودة إيران إلى الساحة الدولية بعد رفع الحصار الاقتصادي والسياسي عنها. بل أكثر من ذلك، فها هو الحليف الاستراتيجي للمملكة وصديقها الدائم الفرنسي يفتح ذراعيه ويشرع أبوابه أمام الرئيس حسن روحاني، الذي استقبل استقبالا يليق بحجم دفتر شيكاته التي سودها أثناء مقامه بباريس، حيث لم يغادرها إلا بعد إراقة توقيعات مدادية لعشرات المليارات من الدولارات! وفي شتى المجالات الاقتصادية والصناعية… من بنية تحتية ونقل؛ وطيران؛ ونفط؛ وصناعة سيارات… ما دفع باريس إلى غض البصر وربما هذه المرة طويلا أمام الملف الأسود لحقوق الإنسان بجمهورية العمائم، من إعدامات بالمئات، نصيب الأسد منها للأقلية السنية المضطهدة، واعتقالات بالجملة للصحافيين والحقوقيين والنشطاء المعارضين وكل من سولت له نفسه إبداء رأيه أو معارضة النظام بطهران. ملف حقوق الإنسان الذي كان بمثابة حصان طروادة للضغط، تحول مع مرور الزمن وتفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية وارتفاع أسعار الذهب الأسود إلى مجرد لغة للابتزاز السياسي والاقتصادي الناعم والمزايدة «الطوباوية الفارغة»، التي لا تقوى على مقاومة أدنى صفقة اقتصادية من الحجم المتوسط، لاسيما أن الأزمة الخانقة تعصف بالقارة العجوز، وببلد برج إيفيل، ناهيك عن محاولة باريس بعد ليلة 13 نوفمبر 2015 استدراك حضورها الدولي على مستوى منطقة الشرق الأوسط، باحثة لها عن موطئ قدم أسوة بالعم سام والدب الروسي.
محطات التوتر بين باريس وطهران
لم يرع نظام الخميني جميل الدولة الفرنسية التي استقبلته متحدية ضغوط شاه إيران، بحيث سرعان ما توترت العلاقة بين البلدين والنظامين، لدرجة أن نزيل نوفل شاتو آية الله الخميني أطلق على مضيفته فرنسا لقب «الشيطان الصغير». وهو ما يترجم حجم امتعاض طهران من باريس نتيجة تحولها إلى قبلة للمعارضين الإيرانيين الجدد على اختلاف تشكيلاتهم السياسية والإيديولوجية. وكذا نتيجة انحياز باريس لصدام حسين في حربه ضد إيران وإبرامها صفقات تسليح ضخمة مع الغريم العراقي. علاوة على التعاون الفرنسي العراقي في ميدان الطاقة النووية. ومن أهم وأبرز محطات التوتر بين باريس وطهران خلال 35 سنة الماضية نرصد:
عملية سيغار العراقية بطائرات فرنسية معارة
إبان الحرب العراقية- الإيرانية، وبغية محاصرة البحرية الإيرانية النشيطة في الخليج العربي، قامت العراق بطلب صواريخ جو بحر من فرنسا من طراز AM-39 Exocet. ولأن المقاتلات العراقية من صنف ميراج إف1 لم تكن مجهزة لحمل هذه الصواريخ، ولأن Les Super-Etendards تم توقيف إنتاجها بالمصانع الحربية الفرنسية، اتخذت باريس قرارا في أكتوبر 1983 بإعارة العراق 5 طائرات من نوع Les Super-Etendards تابعة للبحرية الفرنسية. وموازاة مع ذلك تم تدريب ربابنة الطائرات والفنيين العراقيين بفرنسا، وفي 7 أكتوبر 1983أقلعت الطائرات الخمس يقودها فرنسيون حيث سلموها إلى بغداد، التي بدأت في استعمالها بداية من 1984 حيث أصابت 58 باخرة بما فيها بواخر نفطية. وقد تمكنت الدفاعات الجوية الإيرانية من إسقاط طائرة من الطائرات الفرنسية المعارة، وفي صيف 1985 أعاد العراق ما تبقى من الطائرات لفرنسا. ويبدو أن نظام آية الخميني لم ينسها لفرنسا، ما كان لها تبعات وخيمة على مستوى العلاقات الفرنسية الإيرانية وتطورات الأحداث.
تفجيرات المطار ببيروت 1983
كرد فعل على التعاون العسكري الفرنسي العراقي، لا سيما على مستوى عملية سيغار، ردت طهران بتفجيرات بيروت 23 أكتوبر 1983 المعروفة بتفجيرات المطار، والتي استهدفت مبنيين للقوات الأمريكية والفرنسية المنضوية تحت لواء القوات الأممية لحفظ السلام في لبنان، بواسطة شاحنتين مفخختين بأطنان من المتفجرات. العملية التي أسفرت عن مقتل 241 جنديا أمريكيا من المارينز، و58 جنديا فرنسيا من المظليين، و8 من المدنيين. وقد تبنى تنظيم يدعى حركة الجهاد الإسلامي مسؤوليته عن الحادث. وهو ما لم يتم التأكد منه بدقة، لأنه يعتقد أن العملية من تنفيذ حزب الله المدعوم من إيران. وكرد على الهجمات، قامت فرنسا بغارات جوية في وادي البقاع ضد مواقع قالت إنها للحرس الثوري الإسلامي.
قضية الدبلوماسي وحيد قورجي
وحيد قورجي، ملحق دبلوماسي ومترجم بالسفارة الإيرانية بباريس، أمر قاضي التحقيق الفرنسي حينها، جيل بولوك، في 2 يونيو1987 بالمثول أمامه للاستماع إليه على خلفية علاقته بمحمد مهاجر وفؤاد علي صالح المشتبه فيهما في الضلوع في تفجيرات هزت فرنسا ما بين 1985_1986. وغداة استدعائه من طرف الشرطة الفرنسية، فر ملتجئا داخل السفارة الإيرانية، حيث علمت السلطات الفرنسية بذلك مما جعلها تحاصر مبنى السفارة، التي فجرت القضية في ندوة صحفية. وفي 13 يوليوز أعلم جاك شيراك، الذي كان حينئذ يشغل منصب الوزير الأول، السلطات الإيرانية بأن وحيد قورجي لن يمكنه مغادرة مبنى السفارة والتراب الفرنسي إلا بعد مثوله أمام قاضي التحقيق. لتتطور الأحداث يوما بعدها حيث احتجز الدبلوماسيون الفرنسيون بطهران ما سبب قطع العلاقات بين البلدين للمرة 17 ! في المقابل، فتح وزير الداخلية وقتئذ شارل باسكوا مفاوضات سرية مع طهران من أجل تبادل الرهائن الفرنسيين المحتجزين من لدن حزب الله بلبنان، مقابل إطلاق سراح وحيد قورجي، بعد مثول رمزي أمام قاضي التحقيق الذي أخلى سبيله.
الرهائن الفرنسيون المختطفون بلبنان
في 22 مارس 1985 تم اختطاف دبلوماسيين فرنسيين يعملان بلبنان، هما مارسيل فونتين ومارسيل كارتون، و24 ساعة بعد ذلك، تم اختطاف جيل سيدني بايرول مدير المركز الثقافي الفرنسي بطرابلس. ثم في 22 ماي أضيف إلى قائمة المختطفين كل من جون بول كوفمان/ صحفي وميشيل سورات باحث سوسيولوجي، والذي لقي حتفه أثناء احتجازه. وقد تبنت عمليات الاختطاف كل من منظمة الجهاد الإسلامي اللبنانية، وتنظيم أطلق على نفسه: «الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية»، تنديدا بالدعم العسكري الفرنسي لصدام حسين في حربه على إيران، مطالبين أيضا بإطلاق سراح بعض المعتقلين اللبنانيين والإيرانيين بالسجون الفرنسية. لتتوالى الاختطافات في 8 مارس 1986 لطاقم تلفزي للقناة الثانية مكون من أربعة صحفيين ومصورين… وبذلك تحولت الساحة إلى معركة سياسية ودبلوماسية طاحنة بين باريس وطهران من أجل الضغط والضغط المضاد. ويكفي مثلا أن عددا من المختطفين الفرنسيين تمت مقايضتهم ومبادلتهم بورقة الدبلوماسي المحتجز في سفارة إيران بباريس وحيد قورجي.
تفجيرات محلات تاتي سبتمبر 1986
معروفة أيضا بتفجيرات شارع رين بالمقاطعة السادسة الباريسية، بتاريخ 17 سبتمبر 1986 والتي استهدفت محلات تاتي ومقر مجلة لوبوان الفرنسية، بواسطة قنبلة موقوتة وضعت بإحدى القمامات العمومية، مخلفة 7 قتلى و55 جريحا. وتعد أعنف عملية إرهابية وآخرها، ضمن 14 عملية إرهابية سابقة ضربت فرنسا وتبنتها لجنة التضامن مع الأسرى السياسيين العرب بالشرق الأوسط بقيادة فؤاد علي صالح لفائدة حزب الله اللبناني، والتي كان الهدف منها الضغط على فرنسا من أجل توقيف مساعدتها العسكرية للعراق في حربه على الجمهورية الإسلامية، وإطلاق سراح المعتقلين الثلاثة على التراب الفرنسي المنتمين لمنظمات إرهابية، أنس النقاش/ الإيراني، جورج إبراهيم عبد الله/ اللبناني، وفارادجيان غابريدجان/ الأرميني. وقد توقفت العمليات بعد اعتقال العقل المدبر علي فؤاد صالح في 21 مارس 1987.
اغتيال شهبور باختيار 1991
كان شهبور باختيار معارضا سياسيا لنظام الخميني، بمصداقية سياسية تفوق كل المعارضين، ما جعله عدو النظام رقم واحد. حاصل على دكتوراه في العلوم السياسية من السربون، ومتشبع بمبادئ الديمقراطية، حيث سبق له أن تردد على سجون الشاه غير ما مرة. اختار باريس كمنفى له بعد وصول أصحاب العمائم للحكم بطهران. لتبدأ محاولات اغتياله المتتالية، كانت أولاها في 18 يوليوز 1980، والتي أسفرت عن قتل جارة له وإصابة شرطي بإصابات خطيرة، كانت من تنفيذ الإيراني أنس النقاش، الذي تم إطلاق سراحه في صفقة بين باريس وطهران في صيف 1990، وعلى الرغم من الحماية الأمنية التي وفرتها له السلطات الفرنسية، فإن ذلك لم يحل دون الوصول إليه واغتياله في عقر داره، رفقة سكرتيره الخاص في 6 غشت 1991. الشرطة الفرنسية اتهمت 9 أسماء إيرانية بالضلوع وراء العميلة، يتقدمهم مستشار وزارة الاتصال الإيرانية حسين شيختار، بينما ألقت القبض على ثلاثة منهم. في حين سلمت الشرطة السويسرية فرنسا علي فاكيلي رضا، أحد المنفذين لعملية الاغتيال، والفارين بالأراضي السويسرية. للتتم محاكمتهم في 2 نوفمبر 1994 بمحكمة الجنايات بباريس وصدرت في حقهم أحكام بالمؤبد. وطبعا وكما جرت العادة بين طهران وباريس، فقد تمت مقايضة قتلة شهبور باختيار في صفقة ما عرف بإطلاق سراح الفرنسية المعتقلة بطهران كلوتيلد ريس في 18 ماي 2010.
قضية اعتقال كلوتيلد ريس 2009
كلوتيلد ريس، شابة فرنسية طالبة ومدرسة في الوقت نفسه، تم إلقاء القبض عليها بأصفهان بتهمة التخابر وكذا التظاهر غير المرخص له، من بين 4 آلاف آخرين اعتقلوا على خلفية الاحتجاجات التي شهدتها إيران بعد إعلان احمد نجادي فائزا في الانتخابات الرئاسية 12 يونيو2009. وقد اتهمتها السلطات الإيرانية بالتخابر بناء على الصور والتقارير التي ضبطت في بريدها الإلكتروني. لتتم محاكمتها محاكمة ماراثونية، قبل أن يتم إطلاق سراحها بكفالة ضخمة قدرها 285 ألف دولار. ثم ترحليها إلى فرنسا في 16 ماي 2010. وطبعا كان المقابل هو إطلاق سراح علي فاكيلي رضا، أحد المعتقلين الإيرانيين المتورطين في عملية اغتيال رئيس الوزراء الإيراني الأسبق شهبور باختيار، ثلاثة أيام فقط بعد إطلاق الفرنسية كلوتيلد ريس !
تاريخ العلاقات الفرنسية الإيرانية بين المد والجزر
على مدار القرون الماضية، اتسمت العلاقات بين الإمبراطورية الفرنسية ونظيرتها الفارسية بغلبة لغة التوازنات الدولية والمصلحة أولا، فقد كانت فرنسا تحاول أن تجد لها موطئ قدم في الخليج العربي وطريق الهند تحديدا، أسوة بالنفوذ البريطاني والروسي المتزايد بالمنطقة، في المقابل كانت إيران تسعى دائما إلى التحالف مع قوى إقليمية ودولية متصارعة معها ومهددة لها مثل روسيا وبريطانيا والدولة العثمانية. ففي 10 ماي 1807 أبرمت بين الجانبين اتفاقية فانكانستان، حيث كان الاتفاق مجرد حلقة من حلقات مشروع كبير أو حلم نابوليوني بالوصول إلى الهند. وقد تم تجاوز الاتفاق بعد تحالف فرنسا مع روسيا. حينها كانت إيران تجر ذيول التخلف والأمية الضاربة أطنابها في المجتمع، وغياب تام للبنية التحتية. وعلى العموم وإلى ما قبل الحرب العالمية الأولى، كان الحضور الفرنسي ثقافيا بالأساس ثم اقتصاديا، حيث حاول عدد من الفرنسيين المقيمين بإيران إدخال بعض التقنيات الجديدة لإيران الغارقة في سباتها، مثل إقامة مصانع للسكر وأخرى للكهرباء والغاز علاوة على المستشفيات التي كانت تشرف عليها البعثات الكاثوليكية الفرنسية. ورغم ذلك فقد اكتفت فرنسا بمرتبة المتعامل الاقتصادي الخامس. بعد خروج فرنسا رفقة الحلفاء منتصرين على ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، قام الشاه رضا بالاقتداء بالنموذج العسكري الفرنسي حيث أبرمت في 1922اتفاقية عسكرية لتدريب الأطر العسكرية الإيرانية، علاوة على محاولة الاستفادة من المنظومة التعليمية الفرنسية في المدارس والجامعات الإيرانية، لاسيما على المستوى الثقافي والفنون الجملية بحيث أمست اللغة الفرنسية لغة الطبقة الأرستقراطية الحاكمة بإيران. بيد أن العلاقات بين طهران وباريس سوف تصل إلى درجة القطيعة في 1938 عقب اتهام إيران بالنيل من الشاه عبر الصحافة الفرنسية الساخرة. ولكن العلاقة بين البلدين سرعان ما عادت عقب زواج ولي العهد محمد رضا بالأميرة فوزية فؤاد أخت الملك فاروق. وبعد إزاحة الوالد الشاه رضا من الحكم من طرف الاتحاد السوفياتي وبريطانيا بوصفهما دول الانتداب على إيران، نتيجة تعاطف الشاه مع ألمانيا، زاد التقارب بين باريس وطهران، لأن الشاه محمد رضا بهلوي كانت تربيته بالأساس فرنسية، بل وقد عمل على استقدام مربيات فرنسيات لأبنائه أيضا. أكثر من ذلك، كان معظم رؤساء الحكومة الإيرانية يتقنون الفرنسية. لكن هذه العلاقات سيصيبها نوع من الفتور عقب التقارب الكبير للشاه مع الولايات المتحدة الأمريكية بداية من الخمسينيات. وقد ساهمت أزمة النفط الخانقة عقب حرب أكتوبر 1973 في إعادة التقارب بين باريس وإيران من جديد، على الرغم من ضغط أزمة ملف حقوق الإنسان بإيران والقبضة الحديدية التي حكم بها الشاه محمد رضا قبضته على البلاد. وقد تطور التقارب السياسي إلى تقارب اقتصادي أيضا، ترجم في شكل صفقة ضخمة بين باريس وطهران في 1975 بغية بناء خمسة مفاعلات نووية بإيران, بالإضافة إلى تزويد طهران باليوارنيوم المخصب. وهي العلمية التي لم تتم نتيجة سقوط نظام الشاه في فبراير 1979.
وقد رأى الإليزيه بأن نظام الخميني قد أنكر جميل فرنسا التي آوته بعدما طرد من العراق، موفرة له حماية أمنية و»سياسية» رافضة ضغوطات الشاه بطرد الخميني من الأراضي الفرنسية. أو حتى على مستوى النخب الفكرية الفرنسية، بحيث تلقى آية الله الخميني التعاطف والدعم من طرف أبرز رواد الثقافة والفكر بفرنسا يتقدمهم كل من ميشيل فوكو وجون بول سارتر وسيمون بوفوار…والحال أن العلاقات الفرنسية الإيرانية عقب استلام الخميني وتلامذته للحكم في إيران قد ساءت كثيرا لعدد من الاعتبارات: الاعتبار الأول: بسبب تحول فرنسا إلى قبلة للمعارضين السياسيين الجدد، على اختلاف تلاوينهم. بدءا بشهبور باختيار، دكتور القانون وخريج جامعة السربون، وآخر رئيس وزراء زمن الشاه وبداية دولة العمائم. وكذا أبو الحسن بني صدر أول رئيس منتخب في عهد الجمهورية الإسلامية، وأيضا أحد من درسوا تخصص الاقتصاد بالجامعات الباريسية، والذي فر بجلده إلى باريس أيضا بعد قرار إقالته ومعها مطاردته من طهران. ثم منظمة مجاهدي خلق التي أعلنت التمرد على النظام الجديد بطهران. الاعتبار الثاني: وصول الحزب الاشتراكي للحكم في فرنسا بقيادة الرئيس فرانسوا ميتران في 1981، ودخول إيران في حرب طاحنة سواء مع المعارضة أو مع نظام صدام حسين بالعراق. وبذلك تم التوقيع على القطيعة بين البلدين، والتي ترجمت على أرض الجمهورية الإسلامية بإقصاء اللغة والثقافة الفرنسية لارتباطها بالنخب السياسية زمن الشاه في مقابل الرفع من حضور اللغة الانجليزية. وبذلك دخلت العلاقات الفرنسية الإيرانية مرحلة من التوترات طيلة عقدي الثمانينيات خاصة ثم التسعينيات وبدرجة أقل، في العقد الأول من الألفية الثانية.
مليارات روحاني تروض أصحاب ربطات العنق الباريسية
أعادت زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى باريس، يومي 27 و28 يناير الماضي، عقارب الساعة بين طهران وباريس إلى الصفر، قافزة على كل التعثرات والتراشقات السياسية بين البلدين، خاصة خلال 10 سنوات الماضية، والتي ترجمت إلى شبه قطيعة اقتصادية، وقبلها سياسية بين البلدين. على خلفية التوترات الدائمة سواء تلك المتعلقة بملف المتابعات القضائية من كلا الجانبين، أو الملف النووي الإيراني الشائك الذي فرض نوعا من العزلة السياسية والحصار الاقتصادي لطهران، لإرغامها على الانصياع لمنظمة الطاقة الذرية. في المقابل، كانت طهران لا تتورع في اتهام باريس بأنها تقود جبهة الموقف المتصلب ضمن لجنة المفاوضات. ويبدو أن هذا أضحى مجرد صفحة من تاريخ طويل من المد والجزر بين طهران وباريس، سرعان ما يتلاشى أمام منطق المصالح الاقتصادية والصفقات التجارية الكبرى . ويبدو جليا أن طهران تريد أن تجعل من باريس أقوى شريك اقتصادي لها، لعدد من الاعتبارات السياسية والجيوستراتيجية بالأساس: أولا، الفرار من القبضة الحديدية الأمريكية، التي يبدو أنها غير راضية عن رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران، كما يبدو أنه من الصعب أن يتحول «الشيطان الأكبر» الأمريكي، بتعبير مرشد الثورة الإيرانية آية الله الخميني، إلى صديق حميم للعمائم، وما يقال عن أمريكا يقال عن حليفتها بريطانيا التي لا تسبح إلا في فلك العم سام. أما الاعتبارات الأخرى فتلك المتعلقة بالحضور الفرنسي على المستويين الإفريقي والعربي، لاسيما دول المغرب العربي ولبنان، ويكفي أن تكون فرنسا أحد الفاعلين الرئيسيين في الورقة اللبنانية المنافسة للحضور الإيراني بلبنان، في شخص حزب الله الذي يعد الامتداد الطبيعي لإيران بلبنان، علاوة على الملف السوري الشائك. خاصة بعد تورط فرنسا في حربها ضد تنظيم داعش الإرهابي عقب أحداث 13 نوفمبر 2015. ومن الواضح أن زيارة رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية حسن روحاني جاءت كتتويج للتقارب بين باريس وطهران، فقبيل الإعلان عن رفع الحصار الاقتصادي عن إيران، استبق وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في 29 يوليوز 2015 في زيارة إلى طهران، والتي عدت أول زيارة لمسؤول فرنسي رفيع المستوى منذ 12 عاما. أعقبتها زيارة مماثلة لرجال أعمال ومدراء شركات فرنسية لطهران.
بلغة الأرقام
أكبر صفقة في تاريخ شركة الإيربيس! هكذا وصف المتابعون الصفقة الضخمة التي أبرمت بين طهران وشركة الإيربيس، حيث وقع الجانبان على صفقة لشراء 118 طائرة. وحسب وزير النقل الإيراني، عباس أخوندي، فمبلغ الصفقة يفوق 10 مليارات من الدولارات. ويضم 118 طائرة، 45 منها من نوع Airbus A32، وعدد مماثل من A330، و16 من نوع A350، و12 من نوع A380. وسيتم تسليمها على مدى الثمانية سنوات القادمة. على أساس أن تتسلم إيران في العام الحالي ثمانية نماذج من الطائرات. في حين قالت مصادر مطلعة إن حجم الصفقة يفوق ما تم تداوله لأنه ببساطة يناهز 25 مليار دولار! وتندرج الصفقة مع شركة الإيربيس ضمن مخطط شامل لتجديد الأسطول الجوي الإيراني، الذي أصيب بنوع من الشلل نتيجة الحصار الاقتصادي والسياسي الذي فرض طيلة السنوات الماضية على طهران. كما تم التوقيع على صفقة تجارية بين «بي اس آ بيجو-ستروين» الفرنسية لصناعة السيارات وشركة «خودرو» الإيرانية لتصنيع السيارات، من أجل تأسيس شركة لتصنيع السيارات بإيران من طراز بيجو208 و2008 و301، بدية من النصف الثاني من العام المقبل. حددت قيمة الصفقة في 400 مليون يورو. وتأتي الصفقة مع إيران لانتشال قطاع تصنيع السيارات بفرنسا من حالة الركود التي يمر بها، حيث سبق أن قامت شركة «بيجوستروين « قبل بضع سنوات بتسريح ثمانية آلاف عامل، عبر إغلاق مصنع اولناي للتجميع في الضاحية الباريسية الشمالية، نتيجة الخسائر المتفاقمة التي سجلتها الشركة. كما وقعت الشركة الوطنية الفرنسية للسكك الحديدية بروتوكول اتفاق مع نظيرتها الإيرانية، يروم تجديد النقل السككي بإيران على مستوى المدارات الحضرية والقروية وحتى النهرية، وتوأمة مع عدد من محطات القطار الفرنسية مع زميلاتها الإيرانية. ويقدر حجم مخصصات الاستثمارات الإيرانية لتجديد وإعادة هيكلة قطاع النقل ب50 مليار دولار، منها 20 مليار دولار في حدود 2025. وهو ما يؤسس لشراكة دائمة بين الشركات الفرنسية وإيران. كما تم إبرام عدد من الاتفاقيات مع عدد من كبريات الشركات الفرنسية، مثل عملاق البناء Bouygues الذي عهد إليه بتطوير ثلاثة مطارات كبرى بإيران، منها مطار طهران الدولي ومطار أصفهان، كما وقعت اتفاقية موازية مع شركات Vinci وADP الخاصة بالتصميم والتسيير. ومن جانبها، وقعت المجموعة المتخصصة في الصناعة الصيدلانية Sanofi اتفاقا مع وزارة الصحة الإيرانية. كما وقع العملاق Suez المتخصص في معالجة وتطهير المياه اتفاقية تعاون وشراكة مع الشركة الوطنية الإيرانية للماء. وفي الجانب الآخر، وقعت شركة المحروقات الفرنسية «توتال» اتفاقا مع إيران بموجبه ستقتني الشركة الفرنسية ما بين 150 ألف و200 ألف برميل نفط خام يوميا من النفط الإيراني، الذي يعد من أجود الأنواع وأقلها تكلفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.