شكل موضوع «الهيمنة والاختلاف في تدبير التنوع الثقافي»، وهو عنوان الكتاب الذي صدر حديثا للباحث أحمد بوكوس في حقل الأنتربولوجيا الثقافية، موضوع لقاء ثقافي انعقد أول أمس الخميس بالدار البيضاء على هامش المعرض الدولي للكتاب. وفي «استهلال» الكتاب ، أوضح المؤلف بخصوص «إشكالية الوضعية الرمزية» أن «هذا المؤلف يروم المساهمة في مقاربة الإشكالية الثقافية بالمغرب المعاصر وفهم الرهانات المرتبطة بها، من خلال معالجة بعض المظاهر البارزة للوضعية الرمزية»، مشيرا إلى أن «المقاربة المعتمدة تنحو منحى التحليل الوصفي والتحليلي لإجلاء جدوى الاستراتيجيات التي يعتمدها الأفراد والجماعات والمؤسسات بهدف صوغ وضع الإنسان المغربي في العالم عامة، والعيش في محيطه والتأثير فيه». وقام الكاتب بخصوص «الإطار المفهومي والتصوري»، لتيسير مقروئية النص ووضوح الحجج، باستقراء أهم المفاهيم الموظفية خاصة منها مفاهيم «الهوية»، و»الثقافة»، و»الخطاب»، و»الوضعية الرمزية»، و»سوق الثروات الرمزية»، و»الرأسمال الرمزي» كما استقاها من أعمال بيار بورديو وغيره من علماء الأنتربولوجيا الثقافي. وتعرض الفصل الأول إلى دينامية الحقل الثقافي من خلال مبحث هيكلة الحقل الثقافي الذي يتضمن حول الإنتاج الرمزي لفترة ما قبل الإسلام، وبعض مواقع الإنتاج الرمزي في الفترة الإسلامية، وفي الحقل الثقافي المعاصر ، وخلص إلى أن «اعتماد ثنائية (الثقافة العالمة)، المرتبطة بالسلطة، و(الثقافة الشعبية) المرتبطة بالهوامش ، اعتماد مؤسس على واقع وارد بشكل عام، لكنه ذات طبيعة اختزالية، لذا وجب تدقيق الثنائية على أرض الواقع». وينبه المؤلف إلى أنه انطلاقا من احترازات مفهومية ومنهجية، استعمل مفهومي «ثقافة المركز» و»ثقافة الهامش» للدلالة على الثنائية الناظمة للحقل الثقافي، موضحا أن «ثقافة المركز» تضم الثقافة العالمة التقليدية والثقافة العالمة الحديثة معا، للغة العربية واللغات الأجنبية، قي حين تدل «ثقافة الهامش « على الثقافة العامية بلسانيها الأمازيغي والدارج (ص 43). وفي مبحث عنوانه «في جدلية ثقافة المركز وثقافة الهامش» ، ضمن الفصل نفسه، فام الكاتب بمقارنة السمات البارزة لإشكالية التفاعل بين العناصر التي تعكس «المحلية» بمعنى «الهامش» والعناصر الدالة على الوطنية بمعنى «المركز» اعتمادا في تحليله على النظرية الاقتصادية لسمير أمين، ومن خلال الأدب الشفهي صوت الشعب والوظيفة الرمزية لجمالية فنون الهامش. وفي مبحث آخر معنون ب «المنافسة الرمزية والمثاقفة»، يؤكد المؤلف أن «السوق الثقافية المغربية سوق غير متجانسة ، كما هو الحال بالنسبة لسائر الثقافات عبر العالم ، وذلك بفعل الطبيعة الدينامية لعلاقات الإنتاج المادية والرمزية السائدة في التشكيلات المجتمعية»، مشيرا إلى أنه «إزاء هذا الواقع اختار المغرب، من خلال دستور 2011، أن يعتمد رؤية ثقافية مؤسسة على حماية التنوع الثقافي وتنميته» (ص 63). ويخلص الكاتب بعد دراسته «تجليات المنافسة» و»المبدع العضوي في خضم المنافسة» و»علائق وتناقضات» إلى «تعايش نماذج ثقافية مختلفة في بنياتها، وآليات اشتغالها ووظائفها الاجتماعية في إطار حقل رمزي متجدد، وذلك في وضعية يبدو فيها التنافس بين هذه النماذج أنه يميل إلى نحو هيمنة النموذج التقليداني»، مضيفا أن «الإنسان المغربي، يصبح في هذا السياق، مصابا بالحيرة أمام رهانات التغيير التي تعرفها الإنسانية في الوقت الراهن وفي ظل العولمة الحارقة». وفي الفصل الثاني ، وهو بعنوان جدلية الهيمنة الرمزية والاختلاف الثقافي، يركز الكاتب على تحليل بعض أوجه التنوع الثقافي بالمغرب في شقين مرتبطين في نفس المجال الثقافي، هما شق «ثقافة الهامش» الذي يمثله مسرح الحلقة، وشق «ثقافة المركز» ويمثله إنتاج محمد المختار السوسي، من خلال «تجليات الهيمنة والاختلاف في الثقافة الشعبية»، موردا متنا مشتقا من متون الأمثال والأقوال المأثورة ، ويمثل نماذج من الخطابات الموسومة التي تتعلق بلون البشرة واللغة والانتماء للعرق السامي والبداوة والمدنية والجنس، وكذا «محمد المختار السوسي أو الصدمة الثقافية». في مبحث آخر عنوانه «في السلطة الرمزية والمقاومة»، أوضح المؤلف أنه «يروم طرح بعض تمظهرات إشكالية الهيمنة والاختلاف في ضوء اشتغال آليات السلطة الرمزية، المتمثلة في المعرفة العلمية التي تجعل من مادة ثقافة الهامش موضوعا لها، والتي قد تفضي إلى تبخيس هذه الثقافة» (ص 94). وخلص الباحث إلى تسجيل ثلاث ملاحظات أولها أنه «يتبين بالملموس أن مجرد استنساخ النص الشفهي لن يفيد القارئ قي شيء إن هو لم يتملك البنيات النظمية للغة هذا الأدب»، وثانيها أن «الإلمام بالصيغ النظمية ودلالالتها من الضرورة بمكان لإسناد التأويل الملائم للنص الشفهي، سواء على مستوى الإدراك السمعي أو على مستوى الإنجاز الكتابي أو الشفهي»، وثالثها أن «النسخ والتدوين يفضيان إلى بتر الشفهية وتقليصها بل وتفقيرها بتجريدها من مجموعة من العناصر الأساسية». وتناول المؤلف أحمد بوكوس مبحث «في العنف الرمزي والثقافة المضادة» من زوايا الهيمنة والاختلاف والمقاومة، والواقع التاريخي والحضور السوسيو-لساني والثقافي، والوضع السوسيو-لساني، والاعتراف والحماية القانونية، قبل أن يخلص إلى أن «اشتغال آليات السلطة الرمزية يفضي إلى ممارسة العنف من أجل استمرارية هيمنة الثقافة العالمة المؤسساتية ، وفرض أنماطها على فرض أنها تشكل الأنموذج المشروع بامتياز» (ص 118). وجاء الفصل الثالث بعنوان «العولمة والتفاعل الثقافي»، ودرس المؤلف في مبحث أول فيه إشكالية الاختلاف في ظل العولمة، والغنى الرمزي، والتعبيرات الثقافية، جدلية المحلي والكوني في حقل الآداب، وفي حقل القانون، والعولمة والهوية الثقافية، ودرس في مبحث «في العولمة وثقافة الهامش» أيضا العولمة كظاهرة كونية لارجعة فيها، وتاريخانية «الثقافة الشعبية»، والثقافة الشعبية باعتبارها «ثقافة الشعب»، والثقافة الشعبية والثقافة الأمازيغية، و»الثقافة الشعبية» والحكامة المواطنة، وحقوق الإنسان، والثقافة الشعبية و»البعد التكنولوجي». أما المبحث الثالث المعنون ب»الما بين ثقافي .. المفارقات والتمثلات» الذي يدخل، حسب المؤلف ، «في إطار الإشكالية العامة للتفاعل الثقافي باعتباره نمطا لالتقاء الثقافات، ومجالا لاشتغال جدلية الهيمنة والاختلاف»، فقد طرح فيه فرضية مفادها أن «المثاقفة التي تحدث في إطار المابين تدرك وتمارس على النمط المأساوي التشاؤمي أو الابتهاجي والتفاؤلي، حسب ثقل الموقع الاجتماعي الذي ينتج منه الفرد خطابه وتبعا لوقع الخلفية الفكرية التي ينطلق منها». وتناول بالتحليل «المابين لغة» و»المابين في الخطاب» و»المابين باعتباره وضعية عصبية» و»الما بين باعتباره وضعية نفاق» و»الما بين باعتباره وضعية حيرة» و»المابين والتمثلات الاجتماعية» فضلا عن شهادات مواطنين مغاربة والباحث الأنتربولوجي الأمريكي رابيناو الذي قام بدراسة معمقة للمجتمع القروي المغربي في مؤلف صدر سنة 1988 عن تجربته بين حفدة الحسن اليوسي في ضواحي مدينة صفرو وتطرق أيضا إلى التفاعل الثقافي مابين الواقع واليوتوبيا انطلاقا من أن «التشابه هو البنية الأصلية والبنية النهائية لكل جماعة إنسانية»، وذلك من خلال تاريخية الدراسات الثقافية التفاعلية، وخطاب التفاعل الثقافي، والتفاعل الثقافي بين الأسطورة والواقع، والتفاعل الثقافي بين المركز والهامش، داعيا إلى «دعم أسس مجتمع المعرفة وتقوية القطاعات الإبداعية»، وكذا إلى «التبادل المتكافئ للمنتوجات المادية والرمزية بين الشمال والجنوب»(ص 168). وتعرض الفصل الرابع والأخير «رهانات تدبير التنوع الثقافي» إلى مبحث «في رهان التراث» (انبعاث التقليد، التوفيقية المستحيلة، بزوغ المكبوت التراثي، الشرعيات البديلة)، ومبحث «في رهان الحداثة» (التاريخانية بين المذهبية والمنهجية، العقلانية العربية بين العقل الخالص والعقل العملي، خطاب المثاقفة والتحديث، أدوار المثقف في التحديث)، ومبحث «في رهان التغير» (التغير وسؤال الهوية، التمدن والتغير اللساني ، التمدن والتغير الثقافي، الأدب الشفهي والتغير، المجال الفني والتغير، استراتيجيات الصمود، مجال البحث العلمي، والإنتاج الثقافي، والتربية والتعليم، والإعلام ). ويتمثل المبحثان الأخيران في هذا الفصل في «في رهان الديموقراطية» (إستراتيجية الإقصاء أو التهميش، المقاربة العروبية، المقاربة الأصولية، المقاربة الشمولية والعولمية، إستراتيجية الاعتراف بين الاستقلالية والاندماجية، والثقافة وهاجس الديمقراطية»، وفي «في رهان التنمية» (مفهوم الثقافة، مفهوم التنمية، جدلية الثقافة والتنمية). وفي «لازمة» الكتاب، من أجل ترسيخ «نظرية الممارسة»، شدد المؤلف على «أولوية الفكر العقلاني مقابل الفكر الخرافي، وأسبقية النسبي مقابل المطلق» داعيا إلى اعتماده «كمحدد أساس ساهم في تقدم الفكر العلمي، وتحقيق الاكتشافات التقنية التي جودت الواقع المعيشي للإنسان». واختتم الكتاب بلائحة بأهم المراجع المعتمدة باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية فضلا عن كتابات باللغة الأمازيغية، وثبت مصطلحي للمصطلحات الواردة في الكتاب مع ترجمتها إلى اللغة الفرنسية . وقد أهدى المؤلف كتابه، الذي يقع في 309 صفحة من القطع المتوسط، إلى «ذاكرة عبد الكبير الخطيبي فقيد الفكر المغاربي» وهو أستاذه بمعهد السوسيولوجيا (سابقا) بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، وصدر الكتاب في طبعة أنيقة مجلدة ضمن سلسلة دراسات وأبحاث رقم 56 في إطار منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.