وصلت رياح قضايا الفساد التي تعصف بعدد من بلدان أمريكا اللاتينية منذ أشهر إلى بنما، لتضع حكومة خوان كارلوس فاريلا في قلب أزمة سياسية تعتبر الاشد منذ توليه الرئاسة قبل حوالي سنتين ونصف. وخلال حملته الانتخابية، تعهد فاريلا بحمل مشعل محاربة الفساد خدمة لشعار حملته الانتخابية «الشعب أولا»، وانطلقت سلسلة من الافتحاصات المالية بالمؤسسات العمومية، والتي قادت في نهاية المطاف لفتح حوالي 17 تحقيق مع وزراء ومسؤولين في الحكومة السابقة، ما زال يقبع البعض منهم خلف القضبان في انتظار إحالتهم على العدالة. داخليا، بقيت حكومة فاريلا في منأى عن الاتهامات بالفساد، لكن الهزات القادمة من الخارج رجت البلد الذي أصبح في قلب دوامة دولية إثر تسريبات ما عرف ب (أوراق بنما)، وهي وثائق تأسيس حوالي 200 ألف شركة وهمية من طرف مكتب المحاماة (موساك فونسيكا)، الذي من بين مؤسسيه رامون فونسيكا، الذي كان يشغل منصب رئيس الحزب البنمي (في السلطة) ووزير مستشار للرئيس فاريلا إلى وقت قليل قبل تفجر التسريبات. واعتبرت الحكومة أن هذا الحادث مناسبة للقيام بإصلاح شامل لمنظومة الخدمات المالية والقانونية لتحصين البلد من «أن يصبح مركزا لغسيل الأموال القذرة المتأتية من تجارة المخدرات وباقي الأنشطة الاجرامية». لكن جهود الإصلاح التي توجت بالإعلان عن إحداث هيئة مستقلة لمراقبة منظومة الخدمات المالية والقانونية ذهبت سدى، بعدما طالت شظايا فضيحة الفساد الدولية التي تورطت فيها شركة (أودبريشت) البرازيلية الحكومة البنمية. وتتابع الشركة في عدد من بلدان أمريكا اللاتينية لتقديمها رشاوى بملايين الدولارات إلى رؤساء حكومات وسياسيين للحصول على صفقات عمومية، من بينهم على الخصوص الرئيس الكولومبي، خوان مانويل سانتوس، والرئيس البيروفي السابق، أليخاندرو طوليدو. ففي تصريح مثير من أمام مقر النيابة العامة حيث كان سيدلي بأقواله بخصوص تورط شركات أنشأنها في قضايا فساد بالبرازيل، ألقى رامون فونسيكا بجمرة ملتهبة بين يدي الرئيس فاريلا حينما اتهمه بتلقي تبرعات من شركة (أودبريشت)، مبرزا أن قيمة الرشاوى المقدمة تفوق كثيرا 59 مليون دولار. وهو الرقم الذي كشفت عنه التحقيقات الأمريكية اعتمادا على تصريحات مسؤولي الشركة بخصوص الفترة الممتدة بين 2009 و 2014. وحصلت شركة أودبريشت على صفقات لإنجاز بنيات تحتية من ثلاث حكومات بنمية متعاقبة ، برئاسة كل من مارتين توريخوس (2004 – 2009) وريكاردو مارتينيلي (2009 – 2014) وخوان كارلوس فاريلا (ابتداء من 2014)، بقيمة إجمالية تفوق 9 ملايير دولار. وخلفت تصريحات فونسيكا رجة في الأوساط السياسية للبلد لكونه كان من أقرب المساعدين للرئيس فاريلا، هذا الأخير سارع لنفي هذه الادعاءات الصادرة عن من وصفه ب «الصديق»، موضحا أن «التبرعات التي تلقيتها خلال الحملة الانتخابية كانت مساهمات سياسية ولم تكن رشاوى (...) لم أستفد لا أنا ولا عائلتي من أي دولار من هذه المساهمات». وأضاف فاريلا أن «العدالة عمياء، لا أحد فوق القانون، فمن يرتكب جريمة وتثبت عليه سيعاقب بما ينص عليه القانون»، مجددا التأكيد على أن «السياسة هي خدمة المجتمع وليست تجارة». من جانبها، أقرت المدعية العامة لجمهورية بنما، كينيا بورسيل أن «التحقيقات أبانت عن أن مكتب المحاماة موساك فونسيكا يعتبر كمنظمة إجرامية تعمل على إخفاء الأصول والأموال القادمة من مصادر مشبوهة، عبر تأسيس شركات وتقديم خدمات مالية»، موضحة أن اتهامات بتبييض الأموال وجهت إلى 4 أشخاص، من بينهم مؤسسي مكتب المحاماة. وداهم العشرات من محققي النيابة العامة وعناصر من الشرطة، الخميس، مقر مكتب (موساك فونسيكا) الذي أشرف على تأسيس شركات مجهولة الاسم بالبرازيل على صلة بقضايا (لافا جاطو)، كما تم اعتقال الشريكين في المكتب ووضعهما رهن الحراسة النظرية. وأكد فاريلا في كلمه الموجهة للشعب أنه «منذ تحمله المسؤولية، التزم بالعمل كل يوم من أجل القضاء على الفساد من المشهد العمومي بالبلد». لكن هذه الادعاءات دفعت الحكومة لتنتقل من موقع هجومي في محاربة الفساد بالنظر إلى القضايا التي أحالتها على العدالة، لتنكفئ في زاوية الدفاع عن نفسها، بعدما لطخت مزاعم الفساد، التي ألقى بها «صديق الأمس»، تلابيب الرئيس خوان كارلوس فاريلا.