نظم مركز مدى للدراسات والأبحاث الإنسانية، يوم السبت 28 يناير 2017، أمسية تواصلية فكرية ببصمة ثقافية وفنية احتفاء بمرور عقد زمني من ميلاد وحضور وإسهام واستمرار المشروع الفكري لمركز مدى مجلة "رهانات"، التي راهنت منذ عددها الأول على نشر فكر الحداثة والقيم ومبادئ الديمقراطية والحوار العلمي والفكري المرتبطين بقضايا المجتمع المغربي المعاصر وتعالقاته بقضايا المحيط العام العربي والإفريقي والدولي دون إلغاء الرأي والرأي الآخر، عبر آليات التحليل والمقاربة والدراسة والتمحيص.. ومن ثمة راكمت التجربة 40 عددا بعناوين مركزية واسهامات فكرية مختلفة ومتنوعة لها عمق المعنى وجدية المبنى تماشيا مع الخط التحريري لمجلة "رهانات" أغنى موادها وساهم فيها كتاب لهم مكانتهم العلمية من داخل الوطن وخارجه تعتبر مادتهم العلمية رصد للواقع الجغرافي الوطني والعربي والدولي. هذا، وبمناسبة صدور العدد الأول "41" لبدء العد للعقد الثاني، تكون الأعداد السابقة مرجعية وتراثا فكريا وسياسيا واجتماعيا لمرحلة هامة بدأت منذ سنة 2006 ، واستمرت إلى سنة 2016، وهي المرحلة التي تذكرنا بأسئلة انتخابات 2007، وما أفرزته من إرهاصات كانت لها تداعيات على جل المجالات، مرورا بالربيع العربي ورجته والتحولات التي عرفها المعرف في جل المجالات وصولا إلى محطة 7 أكتوبر 2016، وما أفرزته من بلقنة وخليط ولعبة سياسية وريعية لنتائج الانتخابات التي تعرف "بلوكاجا" فكريا وسياسيا يفوق راهنية تعطيل تشكيل الحكومة المغربية، وللإشارة فمحور العدد 41 هو " ماذا وراء الانتخابات التشريعية: قراءة في نتائج انتخابات 7 أكتوبر 2016" وقد جاء في افتتاحية العدد بقلم مدير ورئيس التحرير "رهانات" " إن أسباب الشكوى التي يكررها الكثيرون من ضعف المشاركة السياسية في بلادنا، إنما تكمن في هذه النقطة بالأساس، فما معنى أن أصوات للون سياسي إذا كان هذا اللون سوف يذوب في "عجينة" الحكومة؟ وما معنى أن تعزف حكومة بجوقة أصوات لكل منها نوتته الموسيقية الخاصة؟ وأن ينفذ وزير سياسة لم يشارك في التخطيط لها، أو تتناقض مع مرجعيات حزبه؟ إن هذا هو ما يجعل الإرادات السياسية البناءة والمواطنية أكثر فأكثر بعدا عن الأحزاب وما يجعل كذلك المنتفعين، وأصحاب المشاريع الشخصية والذاتية يملؤون هذا الفراغ، بما يوسع دائرة الهوامش المحبطة التي توفر البيئة المناسبة للنزوعية، والمحافظة، والتطرف". الاحتفاء الفكري اقترح ندوة محورية في موضوع، الإعلام وانتظارات المغاربة، سير أشغال الندوة ذ.المختار بنعبدلاوي، وساهم في أشغالها كل من ذ.محمد جليد، وذ. الصافي الناصري وذ.عبد العالي أوعلي بصفتهم فاعلين في الحقل الإعلامي ومساهمين في المجتمع من خلال فعلهم الجمعوي المنخرط في قضايا الناس. صرحت أفكار الندوة باسم كل المتدخلين أن الإعلام يعتبر شأنا عاما وخاصا في نفس الآن، وبذلك فهو قضية وتدبير وسياسة له ارتباط جدلي بالإيديولوجيات وبالديمقراطيات وقضايا الناس والمجتمع عموما، من تم فتوظيفه من طرف الدول والمؤسسات غايته خدمة لبرامج والتزامات وإملاءات ورهانات واستراتيجيات، إذ الإعلام ليس فقط مسألة خبر وإخبار، بل امتداد أفقي يلتقي ويتقاطع مع عدة حقوق، من الحق في التعليم والحق في الإعلام والحق في المعلومة والحق في القضاء والعدل إلخ.. ولكون الإعلام مؤشر أساسي للبناء الديمقراطي بشقيه العمومي والخاص كان مدخل الندوة التساؤل عن الإعلام الذي يمثل المواطنين ويمارس فعلا إعلاميا منخرطا ومندمجا أو بالأحرى ممثلا لصوت المتلقي ومن يمثله وليس الإعلام الذي يريد أن يجوفنا ويفرغنا من الداخل لإعادة تشكيلنا لنصبح متلقين سلبيين ومستهلكين فراغين. عبر هذا المدخل العام من طرف مسير الندوة الأستاذ المختار بنعبدلاوي، استحضرت من طرف المتدخلين المحطات الإصلاحية للإعلام التي نادى المجتمع الإعلامي والمدني بتحريره ومأسسته، والتي تبلورت خلال المناظرة الوطنية الأولى للإعلام والاتصال سنة 1993 حيث تأكد بأن الإعلاميين المغاربة لديهم أفكار وطموحات مهنية قائمة الذات، وأنهم ما انفكوا يتفاعلون مع الهم الذي يؤرق السياسيين كذلك بخصوص إصلاح المجال الإعلامي، هذه المحطة التي أفرزت فيما بعد وعبر نضالات رجال ونساء الإعلام مقترحات قوانين وصولا إلى القانون الجديد للإعلام الذي صدر بالجريدة الرسمية في سنة 2016، كما استحضرت الندوة محطات تاريخية للإعلام ورجاله ومؤسسيه وصولا إلى المرحلة الحالية التي يتحكم فيها منطق السوق وسلطة الإشهار وهو الحديث الذي جرنا إلى التطرق لعلاقة الإعلام بالإيديولوجيات وباللوبيات الاقتصادية وبالمسألة الحزبية والسياسية ثم مرحلة الكلام عن صحافة مستقلة التي نتساءل: مستقلة لماذا؟ ومستقلة عن ماذا؟ كما تم التطرق لقضية وحداثة ورسالة الصحافة الافتراضية التي ميعت الفعل الصحفي وميعت الكتابة والخبر والإخبار، وقد تكون بديلا موازيا بشروط مهنية وتعاقدية، من هنا تم التطرق للمهنية في صياغة الخبر ولغاته ووسائطه ارتباطا بالمؤسسة الإعلامية وبالجهة الممولة والممونة والجهات الرسمية في الدولة، تكاملا مع السؤال المشروع أي إعلام لأي مجتمع؟ا وأي مجتمع لأي إعلام؟ا. وفي ختام الندوة بلورت اللقاء سؤاله التقييمي والاستشرافي، هل المواطن كان ينتظر شيء ما من إعلامه؟ هل مازال المواطن ينتظر أشياء ما من إعلامه؟ وما هي العلاقة الجدلية والانتظارية بين الإعلام والمتلقي؟ أو بالأحرى ما هي العلاقة الحقيقية بين الإعلام والمواطن أو المواطن والإعلام؟ا