نشرت صحيفة «أكشام» التركية تقريرا، كشفت من خلاله عن معلومات جديدة تم تسريبها من جلسات التحقيق مع منفذ هجوم ملهى «رينا» الليلي في إسطنبول، عبد القادر ماراشيبوف، الذي أسفر عن مقتل 39 شخصا، ليلة رأس السنة. وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته «عربي21»، إن ماراشيبوف كان يلح بالسؤال عن مصير نجله (4 سنوات)، معربا عن رغبته في الاطمئنان عليه، مقابل أن يدلي بمعلومات أكثر بخصوص خليته وحول تنظيم الدولة. وتقول الصحيفة إن ماراشيبوف أبدى خوفه على حياة نجله، خاصة وأن تنظيم الدولة قد يستخدمه في عملية انتحارية في حال اعترف بمعلومات للشرطة التركية. وذكرت الصحيفة أن الشرطة التركية ألقت القبض على عبد القادر ماراشيبوف، بعد سلسلة من التحريات التي قادتهم إلى الشقة التي كان يختبئ بها في منطقة «اسان يورت». وإثر ذلك اقتيد إلى مركز الشرطة، حيث انطلقت التحقيقات معه. ومن الملفت للنظر أن ماراشيبوف لم يبد ندمه في أعقاب الهجوم الدموي الذي قام به والمجزرة التي ارتكابها، كما أنه أفاد خلال التحقيق أنه لو أتيحت له الفرصة مجددا لن يتوانى عن تنفيذ الهجوم مرة أخرى. وأوضحت الصحيفة أنّ عبد القادر ماراشيبوف، قد أجاب على العديد من الأسئلة، إلا سؤالا واحدا: «هل أنت مُسلم؟». ففي كل مرة يكرر المحققون هذا السؤال عليه، يفضل الصمت وعدم الإجابة. وكشفت الصحيفة أنّ أكثر من 50 عنصرا من جهاز الاستخبارات التركية، كانوا يراقبون المنطقة التي كان يختبئ فيها منفذ الهجوم. فضلا عن ذلك، قامت الشرطة التركية بتصوير المكان تصويرا حراريا، وتبين لها عدم وجود سلاح في الشقة، ما دفع رجال الشرطة لاقتحام الشقة واعتقال المنفذ بعد محاولته التصدي لهم. ونقلت الصحيفة تصريحات مصادر أمنية أفادت بأنّ منفذ الهجوم تقابل مع انتحاري في موقف للباصات ليس فيه كاميرات مراقبة، وذلك بتاريخ 26 ديسمبر الماضي. وتوصلت لجان التحقيق إلى هذه المعطيات من خلال مراسلات عبد القادر مع قادته في تنظيم الدولة، الذين طلبوا منه أن ينفذ الهجوم الأول، في حين ينفذ الشخص الآخر الهجوم الثاني. وفي الوقت الراهن، تجري الشرطة التركية عملية تمشيط واسعة لإلقاء القبض على هذا الشخص. ويعتقد الخبير الأمني، ميتيه يارار، بأنّ تنظيم الدولة من المستحيل أن ينفذ مثل هذا الهجوم لوحده، ومن المتوقع أنّ هناك أجهزة استخبارات تقف خلف هذا الهجوم الدموي. وبالتالي، يتوجب على الدولة التركية القيام بالتحريات اللازمة لكشف البؤر الظلامية التي سهلت وخططت لهذه العملية، وفق ما أوردته الصحيفة. وكانت صحيفة «حرييت» التركية قد نشرت تقريرا؛ تناول الاعترافات الأولوية التي أدلى بها، عبد القادر ماشاريبوف، منفذ هجوم الملهى الليلي في اسطنبول ليلة رأس السنة الميلادية، والذي أسفر عن مقتل 39 شخصا. وقالت الصحيفة في هذا التقريرإن منفذ الهجوم اعترف بأنه تلقى تدريبات عسكرية في مخيمات القاعدة في أفغانستان، قبل أن ينضم لتنظيم الدولة. وفي مطلع سنة 2016، وبعد فترة من مشاركته في الحرب السورية، تلقى ماشاريبوف تعليمات بالتوجه إلى تركيا، وبناء على ذلك دخل الأراضي التركية عبر إيران. وذكرت الصحيفة أن ماشاريبوف قد تلقى أمرا للقيام بعملية في تركيا ليلة رأس السنة. وامتثالا للأوامر، توجه ماشاريبوف إلى ميدان تقسيم في اسطنبول لمعاينة المكان. وفي أعقاب ذلك، تم الاتفاق على تنفيذ الهجوم في ميدان تقسيم، إلا أنّ الإجراءات الأمنية المكثفة في المنطقة حالت دون ذلك، مما استدعى تواصل منفذ الهجوم مع مسؤوليه في تنظيم الدولة في سوريا لإعلامهم بالوضع، فطلبوا منه تحديد هدف جديد. ونقلت الصحيفة اعترافات ماشاريبوف، الذي أورد تفاصيل العملية في تلك الليلة، حيث انطلق في رحلة لاستكشاف موقع مناسب لتنفيذ عمليته. وأفاد أنه استقل سيارة أجرة وتوجه إلى طريق الساحل. وفي الأثناء، لفت انتباهه أنّ الإجراءات الأمنية في محيط ملهى «رينا» الليلي عادية ويُمكن تجاوزها، فأرسل على الفور هذه المعلومات للمسؤولين في الرقة، الذين وافقوا على تنفيذ الهجوم هناك. وحسب اعترافات ماشاريبوف، تمت الموافقة على تنفيذ الهجوم في الملهى الليلي في تمام الساعة العاشرة مساء، وإثر ذلك، توجه إلى بيته في منطقة «زيتين بورنو»، وأخذ سلاحه وعددا من القنابل، واستقل سيارة أجرة وتوجه إلى ملهى «رينا»، ونفذ الهجوم. ونقلت الصحيفة جملة من المعلومات عن مصادر أمنية في جهاز الشرطة، حيث بيّنت أن منفذ الهجوم قدم إلى اسطنبول من قونية بتاريخ 16 كانون الأول/ ديسمبر، ومكث في بداية الأمر في أحد البيوت التابعة لتنظيم الدولة بمنطقة «باشاك شهير». وقبل يومين من تنفيذ الهجوم، قدم منفذ العملية إلى منطقة «زيتين بورنو». وخلال الهجوم، انفجرت إحدى قنابل «فلاش بانغ» في يده، وأصيب بجروح بليغة، وهو ما سهّل عملية فراره مع المصابين الذين تدافعوا هربا من الملهى. وأضافت المصادر الأمنية أنه في أعقاب ذلك، استقل منفذ الهجوم سيارة أجرة، ونزل في منطقة «كوروتشمة»، وركب سيارة أجرة أخرى، ليصل إلى «زيتين بورنو»، ودفع لسيارة الأجرة بعد استلافه المبلغ من مطعم يديره أشخاص من الأويغور. ونوهت المصادر الأمنية إلى أن ماشاريبوف مكث تلك الليلة في «زيتين بورنو»، لكنه في الصباح الباكر غادر إلى «باشاك شهير»، ومن هناك قاده شخصان، أحدهما عراقي، إلى منزل في منطقة «اسان يورت»، حيث توارى عن الأنظار إلى أن اعتقلته الشرطة التركية هناك يوم الاثنين. وأوضحت الصحيفة أنّ الشرطة التركية ضيّقت الخناق على منفذ الهجوم، من خلال تحريات واسعة بمساعدة جهاز الاستخبارات، وتوصلت الجهات الأمنية إلى معلومات حول الشقة التي كان يقيم بها في المجمع السكاني في منطقة «اسان يورت». وإثر ذلك، قامت الشرطة بمراقبة المكان على مدار ثلاثة أيام كاملة، حيث تمت متابعة ارتباطاته، ومراقبة الداخلين والخارجين. وفي اليوم الرابع، اقتحمت قوة من مكافحة الإرهاب المنزل، وكانت الجملة الأولى التي قالها منفذ الهجوم: «لا تقتلوني». وبيّنت الصحيفة أن الشرطة التركية عثرت على أطباق بيض عديدة فارغة داخل المنزل، وفواكه، وشوكلاتة، وعسل، وغير ذلك من الأطعمة. وحسب فاتورة الشراء، فإنّ هذه المواد جميعها تم شراؤها قبل شهر. علاوة على ذلك، عثرت الشرطة التركية على مواد تجميل خاصة بالنساء الثلاث اللواتي تواجدن في الشقة لحظة اعتقال المنفذ. وفي أعقاب الهجوم الدموي الذي شنه ماراشيبوف، نشرت صحيفة صباح التركية، تقريرا كشفت فيه عن مؤشرات ومعطيات تدلّ على وجود شخص ثان شارك في تنفيذ الهجوم على الملهى الليلي في إسطنبول. وقالت الصحيفة إن السؤال المطروح حول هوية منفذ الهجوم على الملهى الليلي في إسطنبول؛ عاد إلى الواجهة مجددا، بعد مقارنة الجهات الاستخباراتية التركية لأوصاف الشخص الذي أطلق النار داخل الملهى، مع صور الشخص الذي دخل المكان قادما من منطقة «زيتنبورنو»، وهو نفس الشخص الذي نشرت الجهات الأمنية صوره للاشتباه به في تنفيذ الهجوم. وذكرت أن مصادر استخباراتية توصلت إلى إمكانية مشاركة شخص ثان في الهجوم بعد أن استنتجت وجود اختلاف في لون السروال الذي كان يرتديه منفذ العملية قبل دخوله الملهى الليلي، «ولذلك؛ رجحت السلطات الأمنية فرضية أن يكون الشخص الذي نشرت صورته؛ مجرد مرافق لمنفذ عملية إطلاق النار داخل الملهى الليلي». وأشارت الصحيفة إلى أن السلطات الأمنية رجحت أن يكون الرجل الذي رافق منفذ العملية قد ساعده في تنفيذ الهجوم الإرهابي، وتأمين عملية هروبه من المكان، وهو ما قد يفسر حرص منفذ الهجوم على إخفاء ملامح وجهه بطريقة جيدة، وعدم وجود صور واضحة له على أجهزة كاميرات المراقبة. وذكرت نقلا عن مصادرها، أن مقاطع الفيديو التي تظهر خروج الشخص المتهم بتنفيذ الهجوم من بيته، وركوبه في سيارة الأجرة؛ سمحت بالتدقيق في أوصاف السروال الذي كان يرتديه قبل وصوله إلى مكان العملية. وفي هذا السياق؛ نشرت الشرطة التركية مقاطع فيديو تظهر منفذ الهجوم وهو يرتدي سروالا بنيا ذي جيوب، قبل دخوله إلى مكان العملية، لكن مقاطع الفيديو التي ظهر فيها منفذ الهجوم داخل الملهى الليلي، أظهرت شخصا يرتدي سروالا ضيقا بلون مختلف، وهو ما يعزز فرضية مشاركة شخص آخر في العملية. وقالت الصحيفة التركية إن مقاطع الفيديو التي تظهر الشخص المتهم أثناء خروجه من بيته من منطقة زيتنبورنو، كانت متطابقة تماما مع مقاطع الفيديو التي ظهر فيها الشخص نفسه أمام الملهى الليلي قبل تنفيذ العملية، بينما تتطابق مقاطع الفيديو التي تظهر منفذ عملية إطلاق النار داخل الملهى الليلي؛ مع أوصاف الشخص الذي ظهر في مقاطع الفيديو أثناء خروجه من المكان. وأضافت أن هذه المعطيات تؤكد وجود شخصين مختلفين شاركا في التخطيط والتنفيذ، وتدعم فرضية أن الشخص الأول تواجد في الملهى الليلي قبل وصول الشخص الثاني، «وتعتقد المصادر الأمنية أن كليهما شاركا في عملية إطلاق النار، قبل أن يتمكنا من الفرار عبر البحر، مثلما رجحت بعض الأطراف». وأشارت إلى أن شهود عيان أكدوا أن شخصين اثنين قاما بتنفيذ الهجوم، وسمع هؤلاء الشهود الذين كانوا في الملهى أصوات إطلاق نار كثيف أثناء تنفيذ العملية. ونفت الصحيفة نقلا عن مصادر أمنية تركية؛ الشائعات التي تحدثت عن وصول منفذ الهجوم إلى مدينة الرقة السورية، أو إمكانية هروبه خارج الحدود التركية، مؤكدة أن تنظيم الدولة يحاول الترويج لهذه الشائعات حول مكان اختباء منفذي العملية «لتضليل الجهات الأمنية، وصرف الأنظار عن المنفذين الحقيقيين، وأماكن تواجدهم». اعتقال ماراشيبوف قاد صحيفة «التايمز» إلى نشر تقريرا لمراسل شؤون الشرق الأوسط ريتشارد سبنسر، يقول فيه إن مناطق المسلمين في وسط آسيا تبدو الآن مصدرا لتوريد الجهاديين إلى سوريا والعراق. ويشير الكاتب إلى ما ورد في بعض التقارير الصحافية التركية، من أن منفذ هجوم مدينة إسطنبول، الذي أدى إلى مقتل 39 شخصا عشية احتفالات السنة الميلادية الجديدة، جاء من الصين، وينتمي إلى أقلية الإيغور المسلمة، التي تقطن مقاطعة تشنيجيانغ في شمال البلاد، لافتا إلى أن هجوم إسطنبول سيبرز النزاعات التي تشهدها مناطق المسلمين في وسط آسيا. ويعلق التقرير قائلا إنه «عندما أصدر تنظيم الدولة عام 2015 شريطا دعائيا، الذي ظهر فيه أكبر المحاربين عمرا (80 عاما) واسمه محمد أمين، اعتبر ظهوره نوعا من الإثارة ومحاولة للترفيه، لكن قصته أعمق من هذا كله، فقد قال إنه سئم عقودا من الاضطهاد الصيني، وقرر الانضمام لابنه، الذي قتل فيما بعد وهو يحارب في صفوف تنظيم الدولة في سوريا». وتقول الصحيفة إنه «مثل منفذ عملية إسطنبول، فقد أحضر الرجل العجوز معه زوجته وابنته وأربعة أحفاد، ولم يقل كيف وصل إلى سوريا، إلا أن الطريق الوحيد هو عبور الجبال بين الصين وقيرغيزستان، حيث أخذ طائرة من عاصمتها بشكيك إلى إسطنبول، وبعدها واصل الرحلة من خلال شبكات التهريب التي نقلته إلى سوريا». ويلفت سبنسر إلى أن الحكومة الصينية قدرت في عام 2015 عدد مواطنيها الذين يقاتلون في سوريا بحوالي 500 مقاتل، ومعظمهم انضم للفصيل المعروف باسم الحزب الإسلامي التركستاني، الذي يبلغ تعداد مقاتليه بالمئات، إن لم يكونوا بالآلاف، ويدير عملياته بالتنسيق مع جبهة فتح الشام أو جبهة النصرة سابقا، الموالية لتنظيم القاعدة. ويفيد التقرير بأن وثائق مسربة تابعة لتنظيم الدولة كشفت عن أن عدد الإيغور الذين انضموا إليه هم 114 مقاتلا، ومعظمهم مثل أمين، أحضر عائلته معه، ما يعد دليلا على عدم وجود نية للعودة إلى الصين، مشيرا إلى أن أطفال الإيغور والقزق والقيرغيز برزوا بصفتهم عناصر غالبة في ما يطلق عليهم «أشبال الخلافة»، وشاركوا في أول عملية قتل جماعي ل»الجواسيس». وبحسب الصحيفة، فإن المحللين يقدرون عدد الجهاديين من وسط آسيا، قزق وقيرغيز وأوزبك وطاجيك وتركمان وإيغور، بما بين ألفين إلى أربعة آلاف مقاتل، لافتة إلى أن النظام السياسي في كل الدول التي جاءوا منها يتسم بالقمعي والفاشل، ويتميز السكان في المناطق الريفية بالمحافظة، ونظرا للتقارب الثقافي واللغوي مع تركيا، فإن أبناء هذه الدول يستطيعون الاندماج بسهولة. وينقل الكاتب عن تشارلي وينتر، الذي يقوم برصد الدعاية الجهادية في كينغز كوليج في لندن، قوله إن أبناء آسيا الوسطى ينظر إليهم على أنهم وحدة نخبة داخل تنظيم الدولة، ويتم استخدام الكثير منهم في عمليات انتحارية، وتوقع وينتر أن تظهر الوحدات المقاتلة بشكل مستقل في السنوات المقبلة. وينوه التقرير إلى أن الكثير من المحللين توقعوا عندما انهار الاتحاد السوفيتي عام 1991، أن تشهد الدول السابقة فيه حروبا اثنية أو تحولات اقتصادية، وقيل إن قيرغيزستان، التي تتمتع بوجود جبال يعلوها الثلج ووديان خضراء ستصبح سويسرا وسط آسيا، مشيرا إلى أنه لم يحدث أي من هذا، بل برزت الحركات الإسلامية بصفتها طريقا ثالثا بين الأنظمة الديكتاتورية وروسيا، التي حاولت السيطرة على المنطقة، التي كانت خاضعة لنفوذها سابقا، وساعد قرب هذه الدول من أفغانستان على انتشار الحركات والأفكار الإسلامية. وتورد الصحيفة نقلا عن تيودور كراسيك من «غالف ستيتس أناليتكس»، الذي يقوم بمتابعة علاقة دول الخليج مع وسط آسيا، قوله: «أعتقد أن هناك استراتيجية كبيرة لدى تنظيم الدولة للدفع باتجاه دول آسيا الوسطى»، لافتا إلى أن إقليم تشينجيانغ الصيني هو جزء من هذه الاستراتيجية. وتختم «التايمز» تقريرها بالإشارة إلى قول كراسيك: «أعتقد أن جزءا من استراتيجية تنظيم الدولة زعزعة استقرار تركيا، وإثارة الانتباه لهذه المجتمعات، وما يقوم به هو تمرين للتجنيد».