قلنا أكثر من مرة إن بعض المفوض لهم أمر التدبير اليومي للشأن العام يتصرفون في الادارة كما لو أنها ملكهم الخاص دون احتشام أو خشية وغير محترمين للقانون بل و متجاوزين للتفويض الممنوح لهم والمجدد لاختصاصاتهم وسلطاتهم. واليوم، تأتي مؤسسة ديوان المظالم من خلال تقريرها السنوي المحدثة بمقتضى ظهير لتؤكد ما نقوله ونكتبه بخصوص تصرفات بعض الموظفين أو المنتخبين انطلاقا من غيرتنا على هذا الوطن وحبنا له ورغبتنا الملحة في أن يصبح مضرب المثل في التنمية والعدالة والأمن والحرية: أ - امتناع بعض الادارات عن تنفيذ الاحكام: تحتل الشكايات التي يرفعها المشتكون إلى المؤسسة بشأن حالات امتناع بعض الادارات عن تنفيذ الاحكام القضائية الصادرة في مواجهتها عن محاكم المملكة المرتبة الرابعة ضمن قائمة القضايا والموضوعات المثارة في شكايات المواطنين. ولئن كانت نسبة هذه الشكايات لا تتجاوز 5% من مجموعة الشكايات التي تدخل في اختصاص المؤسسة خلال السنتين الماضيتين، فإن ذلك لا يعني عدم وجود حالات كثيرة مماثلة تمتنع فيها بعض الادارات عن تنفيذ الاحكام الصادرة في مواجهتها لفائدة المواطنين لأسباب مختلفة منها ما هو متعلق بصعوبات مالية، ومنها ما يرجع إلى مشاكل اجرائية، ولكن منها كذلك حالات غير مبررة على الاطلاق، حيث ان بعض المسؤولين الاداريين وخاصة على صعيد الجماعات المحلية يرفضون تنفيذ أحكام قضائية صادرة في مواجهة الادارة التي يشرفون عليها. وقد سبق للمؤسسة في جميع تقاريرها السابقة أن أثارت الخطورة التي تمثلها ظاهرة عدم تنفيذ الاحكام القضائية من قبل أجهزة الدولة على مصداقية المؤسسات وهيبة القضاء واستفزاز المعاملات وسمعة البلاد. وعلى الرغم من الاقتراحات العملية التي قدمتها المؤسسة لإيجاد حلول إدارية ومالية وقانونية واجرائية من أجل تنفيذ الاحكام التي تنتظر التنفيذ منذ سنوات، ورغم التقارير الموجهة من المؤسسة إلى السيد الوزير الأول في الموضوع وقيامه بإصدار عدة مناشير تحت كلها على الزام الادارة بتنفيذ الاحكام القضائية النهائية الصادرة لفائدة المواطنين، فإن حالات تعد بالمئات ما تزال لم تعرف طريقها إلى التنفيذ لاعتبارات مختلفة منها ما يعود إلى الادارة نفسها، وهو أمر غير مفهوم وغير مبرر، ويستلزم إصدار تشريع خاص في الموضوع لالزام الادارة بتنفيذ الاحكام واثارة المسؤولية الشخصية للمسؤولين الاداريين الذين يعرقلون أو يتنصلون من تنفيذ الاحكام الصادرة في مواجهة الادارة التي يشرفون عليها ومنها ما يستلزم اتخاذ قرارات على صعيد الحكومة من أجل تذليل العقبات والاكراهات التي تحول دون تنفيذ الاحكام بكيفية ميسرة ومباشرة. ولعل التذكير واجب في هذا السياق، بمقترح سابق قدمته المؤسسة بشأن هذا الموضوع يروم ضرورة فتح حوار مؤسسي ومسؤول بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذ بشأن تذليل كل الصعاب والمعوقات التي تحول دون تنفيذ أحكام القضاء، مما سيمكن السلطة القضائية من لهم واقعي وصحيح لطبيعة القضايا المعروضة عليها في الموضوع تحقيقا للتوازن المطلوب بين حماية المصلحة العامة وحماية حقوق الأفراد والجماعات في ظل العدل والانصاف والاحترام التام للقانون. ب: مدى تجاوب الادارة مع مطالب المشتكين: في ضوء الدراسة التي قامت بها المؤسسة لقياس تجاوب الادارة مع مطالب المشتكين المحالة إليها يتبين أن عدد الشكايات التي استجابت الادارة لمطالب أصحابها لم يتجاوز ما يمثل 33% من مجموع الشكايات المحالة إليها. كما تبين أن 39 شكاية ملفاتها معروضة على القضاء و510 شكايات أي قرابة 26% لاتزال في طور الدراسة والتحري من قبل ا لادارة المعنية 703 شكايات أي ما يمثل 36% تدعي الادارة تعذر تسويتها لأسباب ومبررات مختلفة. وانطلاقا من هذه المعطيات وفي ضوء الدراسة التي قامت بها المؤسسة لأجوبة الادارة حتى لا تستطيع إخبار المشتكين، بمآل شكاياتهم يمكن تسجيل الخلاصات التالية: أولا: لقد أنصف موقف عدد من الادارات العمومية بالايجابية والفعالية في الاستجابة لعدد من المطالب التي تقدم بها المشتكون وتود المؤسسة في هذا السياق التنويه بالتعامل الايجابي والبناء الذي طبع سلوك عدد من الادارات العمومية كوزارة العدل ووزاة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي مثلا، التي أحالت المؤسسة إليها عددا من الشكايات وقامت بدراستها وتتبعها بتنسيق مع المؤسسة، بل واتخذت بشأنها قرارات ايجابية انصفت أصحابها ومكنتهم من حقوقهم ترسيخا لمبادئ العدل والانصاف وتطبيقا للقواعد القانونية الجارية. ثانيا: إن ثمة عددا من الادارات العمومية لم تكلف نفسها عناء تقديم اجابات إلى مؤسسة ديوان المظالم بخصوص الشكايات التي أحيلت إليها على الرغم من رسائل التذكير الموجهة إليها من أجل الحصول على موقفها إزاء مطالب المشتكين، وقد همت أغلب هذه الحالات طلبات التعويض عن نزع الملكية وعدم تنفيذ عقود إدارية مبرمة بين الادارة والخواص والامتناع عن تسليم شهادات ووثائق ادارية والامتناع عن تنفيذ أحكام قضائية والنزاعات مع بعض المؤسسات العمومية والتظلم من التبليغ بأداء ضرائب غير مستحقة والتظلم من قرارات ادارية، وحالات الاعتداء المادي على الملكية من قبل الادارة وفي مقدمتها عدد من الجماعات المحلية، وعدم الاستفادة من برامج إعادة الاسكان وعدم تسوية وضعيات ادارية ومالية وحالات المطالبة باسترجاع مبالغ مالية أديت خطأ والشكايات المتعلقة بالمعاشات المدنية والعسكرية.وتود المؤسسة أن تؤكد في السياق ذاته، أن عدداً من الإدارات قد أحاط المؤسسة علما بتعذر تسوية ملفات عديدة تقدم بها المشتكون خلال السنتين الماضيتين. بلغت في مجموعها 703 شكايات أي ما يمثل 36% من الشكايات المحالة، وهو أمر إذا كان مستساغاً في بعض الحالات لوجود عوائق قانونية أو إجرائيه، فإنه في أغلب الحالات غير مبرر وغير معلل تعليلا كافياً ومقنعاً، بل إن بعض الحالات، ولاسيما تلك المتعلقة بالمعاشات المدنية والعسكرية، أو النزاعات مع مؤسسات عمومية، أو حالات نزع الملكية دون التعويض عنها، أو عدم رفع اليد عن عقارات من قبل بعض الإدارات بعد مرور الآال القانونية لتصاميم التهيئة، تعتبر حالات يتم خرق القانون فيها بشكل واضح، وبالتالي، فإن هذه الحالات التي لاتزال المؤسسة تنتظر موقفاً إيجابياً بشأنها من قبل الإدارات المعنية، يعتبر عدم تسويتها أمراً منافياً للعدل والإنصاف. ثالثا: إن الإدارات العمومية المعنية بالشكايات المحالة إليها، والتي تجد صعوبة وإكراهات في تسوية الحالات المعروضة عليها. لم تُفعِلْ بعد مسطرة اللجوء إلى التسوية الودية للخلافات القائمة بينها وبين المشتكين، والتي عن طريقها يمكن التوصل إلى حلول منصفة وعادلة ومتوازنة وسريعة لعدد من الحالات، وذلك من خلال اللجوء الى مؤسسة ديوان المظالم لعرض مقترحاتها وفق آلية التسوية الودية والوساطة التوفيقية التي خول المشرع للمؤسسة صلاحية القيام بها بين الادارة والمتعاملين معها، والتي تم حث الادارة وتشجيعها على اللجوء إليها بمقتضى منشور السيد الوزير الأول في الموضوع. . رابعا: على الرغم من التذكير المتكرر، فإن المؤسسة لاتزال تسجل غياب التنسيق الفعال والمثمر بين مختلف المصالح الادارية المعنية بنفس القضايا والموضوعات المثارة في شكايات المواطنين. وفي هذا الصدد، فإن المؤسسة توصي بضرورة تفعيل آلية التنسيق في الحالات المشتركة بين إدارات متعددة، حتى يستنى تحقيق الفعالية المطلوبة والنتائج المرجوة. خامسا: إن المؤسسة تسجل بارتياح كبير تحسين بنية الاستقبال التي تمت في عدد من الإدارات العمومية، ولاسيما على صعيد مصالح وزارة العدل من خلال تفعيل دور مركز تتبع وتحليل الشكايات الذي أصبح ينهض بدور فاعل وبناء، ومن خلال البوابة الإلكترنية التي أحدثت على صعيد الوزارة لتلقي الشكايات. وكذا على صعيد الوزارة المكلفة بشؤون أفراد الجالية المقيمة بالخارج من خلال مشروع فضاءات الاستقبال والمصالح المكلفة بتلقي الشكايات ودراستها وتدبيرها والاتصال المباشر بالإدارات المعنية بها بتنسيق وثيق وموصول مع مؤسسة ديوان المظالم. سادسا: تثمن المؤسسة الدور الإيجابي الذي أصبحت تقوم به بعض الإدارات العمومية على الصعيدين المركزي والمحلي والقطاعي، من خلال الخدمات العمومية الإلكترونية التي تقدمها للمواطنين بكيفية ميسرة ومبسطة من أجل الإسهام في بلورة مفهوم إدارة القرب، وتحقيق الشفافية، وتذليل عدد كبير من الصعوبات والإكراهات، كما هو الشأن بالنسبة للمديرية العامة لإدارة الجمارك، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، وغيرها من الإدارات العمومية المحلية على صعيد عدد من الجماعات المحلية ببعض أقاليم وعمالات المملكة، مما يجعل تعميمها ضرورة ملحة. انتهى