مبادرة ايجابية يقوم بها أطر ومستخدمو ديوان المظالم من خلال تجندهم لإصدار تقرير سنوي عن نشاط هذه المؤسسة الوسيطة بين الادارة والمواطنين الهادفة إلى تخفيف بعض العبء عن الطرفين والتدخل المنظم للمساعدة على وجود حلول لبعض المشاكل العالقة بين المواطن والمرفق العمومي بشكل يضمن حق الاول وحفظ ماء وجه الثاني. التقرير التالي الذي سندرج منه بعض المعطيات جاء برسم سنتي 2006 - 2007 يؤكد أن الجماعات المنتخبة (قروية وحضرية) والادارة العمومية أولى المعتدين على حقوق وحريات المواطنين والموظفين. وإذا كنا لا نعطي أهمية لما تنجزه وتنشره مختلف المنظمات الاجنبية عن وطننا من تقارير - سلبية كانت أم ايجابية - فإننا على العكس من ذلك نعتبر أن المنظمات المغربية، بما فيها تلك ذات التوجه السياسي أو الشبه الرسمية (لكون أجور العاملين بها تصرف من المال العام) يكون لدى مسؤوليها وأطرها حد أدنى من الروح الوطنية يجعلها تكشف عن جزء ولو قليل من مشاكلنا الاجتماعية، ومعاناتنا النفسية مع الادارة والدوس عن حقوقنا هنا وهناك. التقرير سجل بعض النقائص في عمل الادارة المغربية نتمنى صادقين ان تلتفت له الجهات المعنية بالأمر. المحور الثالث: الشكايات والتظلمات المحالة على الادارة ونتائج معالجتها في ضوء المعطيات الإحصائية المشار إليها في الفصل السابق من هذا التقرير، تبين أن عدد الشكايات المندرجة ضمن اختصاص المؤسسة خلال سنتي 2007/2006، والتي أحيلت الى الإدارات المعنية قد وصل الى 2782 شكاية، وهو عدد يمثل نسبة 40% من أصل 6965 شكاية هي مجموع ما توصلت به المؤسسة برسم هاتين السنتين. ولعل الملاحظة الأولى التي يتعين تسجيلها تكمن في أن نسبة إحالة الشكايات الى الإدارات العمومية قد تضاعف أكثر من ثلاث مرات مقارنة بالسنتين السابقتين، حيث أحيل الى الإدارة ما يناهز 369 شكاية برسم سنة 2004 و 404 برسم سنة 2005 مقابل 1620 سنة 2006 و 1162 سنة 2007. وهو ما يؤشر الى ارتفاع وتيرة الشكايات التي تدخل في اختصاص المؤسسة، والمحالة الى الإدارة للنظر في مطالب أصحابها. وقبل تحليل الموضوعات التي تناولتها هذه الشكايات، والوقوف عند نتائج معالجتها، ومعرفة مآلها، فإنه من الجدير بالذكر أن الإدارات المعنية بهذه الشكايات ظلت خلال سنتي 2007/2006 تحتل نفس الترتيب والتصنيف على غرار السنتين السابقتين، إذ بقيت قطاعات الداخلية (الجماعات المحلية) بنسبة 36% والتربية الوطنية بنسبة 16% والمالية بنسبة 14% على رأس قائمة القطاعات المعنية بالشكايات، وهو أمر يجد مبرره في طبيعة الخدمات العمومية المقدمة من قبل هذه القطاعات، وارتباط هذه الإدارات بجمهور المواطنين، بكيفية مباشرة ومتواصلة. وهذا ما يفرض ضرورة إيلاء عناية خاصة لهذه القطاعات، وتحسين شروط تقديم خدماتها، والنظر في القضايا التي يطرحها المواطنون في شكاياتهم من خلال منظور إصلاحي شمولي يروم البحث عن حلول عامة وجذرية للقضايا المطروحة، سواء تعلق الأمر بالمساطر الادارية أو طبيعة الخدمات العمومية المقدمة وإطارها المرجعي والناحية القانونية والمالية والإدارية. أولا القضايا الادارية وتزايد أعداد الشكايات المتعلقة بالوضعيات الادارية للموظفين: من ضمن القضايا المثارة في الشكايات التي تندرج في إطار اختصاص المؤسسة، نجد أن القضايا ذات الطابع الاداري، والتي تبلغ 1616 شكاية، وتمثل حوالي 58% من الشكايات التي تمت دراستها، تتسم بظاهرة أصبحت لافتة للنظر، من شأنها التأثير على الأهداف التي تسعى المؤسسة لتحقيقها، والكامنة أساسا في العمل من أجل تنمية التواصل بين الادارة والمواطنين، وترسيخ قيم وثقافة حقوق الإنسان، ومبادىء المواطنة الصالحة، وثقافة المرفق العمومي لدى مصالح الدولة وسائر مكونات المجتمع. وتتمثل هذه الظاهرة في طغيان عدد الشكايات المتعلقة بالوضعيات الادارية والمالية للموظفين العاملين في المرافق العمومية، والتي تصل نسبتها الى 28% من مجموع الشكايات ذات الطابع الاداري، وهو أمر يجعل المؤسسة منكبة على دراسة القضايا الداخلية للإدارة على حساب القضايا التي تخص علاقة الادارة بباقي المواطنين، مما يطرح تساؤلا كبيراً حول الشكايات المتعلقة بهذه الوضعيات الادارية، التي غالبا ما تكون عبارة عن مطالب للتسوية أو الحصول على جملة من الحقوق، أو تسوية حالات، تتعلق بالترقية أو الأجور أو التعويضات أو طلبات انتقال من مكان إلى مكان آخر. وبالتالي فهي لا تتعلق بحيف أو ضرر أو شطط أو تجاوز في استعمال السلطة، بقدر ما تمثل طلبات لتحسين أوضاع العاملين في مرافق الدولة. وإذا كان مستساغاً النظر في الشكايات التي يقدمها بعض المشتكين الذين لهم صفة موظفين سابقين من أجل تسوية أوضاعهم المعيشية بعد إحالتهم الى التقاعد، أو من أجل الحصول على بعض الوثائق الادارية التي تمتنع الادارة عن تسليمها لهم لقضاء أغراضهم الادارية، أو لرفع حيف أو شطط بين في علم السلطات الادارية أو الاستفادة من تعويض عن ضرر لحق بالمشتكي من جراء عمل الادارة أو تصرفها، فإن وفرة الشكايات المتعلقة بالوضعيات الادارية للموظفين، والتي تمثل في جوهرها مطالب نقابية لها إطارها القانوني الخاص، من أجل تقديمها والدفاع عنها، يؤدي الانشغال به إلى التأثير على الأهداف التي أحدثت من أجلها المؤسسة، فضلا عما يطرحه من تساؤلات بشأن تزايد هذا النوع من الشكايات، التي من المفروض أن ثمة آليات مؤسسية متعددة لتسويتها وإيجاد الحلول الناجعة لها. إن مؤسسة ديوان المظالم تتتبع باهتمام خاص المجهودات التي تبذلها الحكومة لتسوية أوضاع العاملين بمختلف المرافق العومية، والاجراءات التي تتخذها من أجل مراجعة أوضاعهم المادية والنظامية، من أجل تحسينها والارتقاء بها، كما تتتبع الدور الحيوي الذي تقوم به المركزيات النقابية والنقابات القطاعية الممثلة لهذه الفئات من العاملين، من أجل الدفاع عن مصالحهم المادية والمعنوية. ولكن غياب نظرة موحدة، وعدم وجود سياسة أجرية قارة، وغياب معايير مرجعية في تسوية الأوضاع المادية والادارية لهؤلاء العاملين، تشكل إطاراً تعاقدياً مرجعياً بين مختلف الأطراف، يؤدي الى جعل تحسين هذه الأوضاع مطلبا وطنياً وقطاعياً يتكرر طوال أيام كل سنة مالية، ويدفع بالحكومة والإدارات المعنية الى اتخاذ عشرات الاجراءات المتفرقة خلال السنة، ومراجعة عشرات الأنظمة الأساسية للموظفين مراجعة جزئية، ويدفع الموظفين الى القيام بحركات احتجاجية لها تأثير بين وواضح على أداء وسير المرافق العمومية، كما حصل خلال السنوات الماضية بالنسبة لموظفي وأعوان الجماعات المحلية وبعض الإدارات القطاعية الأخرى، علما بأن المرفق العمومي بما يتوفر عليه من موارد بشرية وجد من أجل تقديم خدمة عمومية لفائدة المواطنين في المقام الأول، ولا يمكن للمشاكل التي قد يعانيها العاملون به أن تشكل عائقا مستمراً وخللا دائماً يحول دون قيامه بمهامه، وإلا فإن وجود المرفق أصلا يصبح غير ذي جدوى، ويمثل عبئا ثقيلا على اقتصاد البلاد، ويحول دون تمكين المواطنين من الاستفادة من الخدمات العمومية التي وجد من أجل تقديمها. لذلك، فإن مؤسسة ديوان المظالم ترى ضرورة الانكباب على وضع رؤية ومنهجية تعاقدية جديدة من أجل إصلاح أوضاع العاملين في مرافق الدولة، ووضع إطار قانوني مرجعي جديد لوضعيتهم النظامية، والتوافق بين الدولة والفرقاء الاجتماعيين على إطار جديد لسياسة أجرية متوازنة، مبنية على معايير مرجعية، ومؤشرات موحدة لتحديدها، حتى يتسنى الانتقال من ثقافة المطالب التي تستهدف التصحيح الجزئي والانتقائي لأوضاع العاملين بالمرافق العمومية الى وضع سياسة واضحة المعالم قوامها الارتقاء بأوضاع الموارد البشرية العاملة على أساس التجربة والكفاءة والمردودية، وهدفها تحسين جودة الخدمات العمومية والرفع من أداء المرفق العمومي. ثانيا معضلة الوضعية القانونية للأراضي والشكايات المتعلقة بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة: تحتل القضايا العقارية الرتبة الثانية ضمن عدد الشكايات المتوصل بها، وكما سلف الذكر، فإن نسبة هذه القضايا تصل الى 21% من الشكايات التي تختص المؤسسة بالنظر فيها، وهي نسبة تمثلها 573 شكاية وردت على المؤسسة خلال سنتي 2007/2006. وتتناول هذه الشكايات قضايا وموضوعات متعددة كطلب التعويض عن نزع ملكية عقارات خاصة من قبل السلطات العامة، ولاسيما الجماعات المحلية، وظاهرة الاعتداء المادي على الملكية من طرف الإدارة، وطلب الحصول على مساكن ضمن برامج إعادة الاسكان، وعدم تنفيذ بعض العقود مع الادارة، أو عدم الالتزام ببنودها، كما تتناول النزاعات المثارة بخصوص الأملاك الخاصة للدولة وأراضي الكيش وأراضي الجموع، والاراضي المسترجعة وأراضي الاحباس وحالات التظلم من قرارات ضم الاراضي المملوكة لبعض الخواص. وضمن هذه الشكايات جميعها تصل قضايا التعويض عن نزع الملكية الخاصة، وحالات الاعتداء المادي على ملكية الاراضي من قبل الادارة إلى 366 قضية من أصل 573 وهو رقم دال على حجم المشاكل التي تطرحها القضايا العقارية بوجه عام وقضايا نزع الملكية بوجه خاص. وإذا كانت بعض الادارات قد أقلعت عن سلوك الاعتداء المادي على أراضي الخواص، وأصبحت تتقيد بسلوك المساطر القانونية والادارية المرعية، فإن عددا آخر من هذه الادارات وعلى رأسها الجماعات المحلية، حسب الشكايات الواردة، لا تزال تعمل على نزع ملكية أراضي الخواص دون ضوابط أو مساطر، وفي خرق سافر للقانون. وهو سلوك إن كانت تمليه ضرورات الحصول على الاراضي لاقامة مشاريع اقتصادية واجتماعية وتبرره الجهة الادارية التي تعتدي على ملكية اراضي الخواص بانعدام الاحتياط العقاري العمراني اللازم لاقامة هذه المشاريع، فإن هذه الادارات غير معفية من التقيد بالقانون وحماية حقوق اصحاب هذه الاراضي، ومنحهم التعويض المنصف كلما كانت مطالبهم عادلة وحقوقهم ثابتة. ومن جانب آخر، فإن عدة قضايا عقارية لا تقل أهمية عن قضايا نزع الملكية، أصبحت تطرح مشكلات قانونية متعددة، ويتعلق الامر بقضايا التحفيظ العقاري، التي تمتنع الادارة فيها عن الاستجابة لمطلب التحفيظ، أو الامتناع عن تنفيذ أحكام قضائية تتعلق بالتحفيظ أو الامتناع عن تسليم شهادات اثبات الملكية، أو عدم تمكين بعض المشتكين من نسخ من رسوم عقارية أو غيرها من الحالات. ومن خلال دراسة تحليلية لهذه القضايا يتضح أن الادارة تواجه حقا صعوبات واكراهات متعددة، من أجل الاستجابة لمطالب المشتكين بالنظر لتعقد المساطر، وتعلق الحالات المعروضة بحقوق الغير، وضرورة مراعاة عدد من الضوابط التي تجعل المحافظ مسؤولا بصفة شخصية عن تطبيقها، ومع ذلك فإنه من غير المفهوم على الاطلاق أن ترفض الادارات تنفيذ أحكام قضائية نهائية حائزة لقوة الشيء المقضي به بدعوى أن الأمر يتعلق بحكم غير صائب، أو ان لديها ما يثبت عدم أحقية المدعي في مطالبه في الوقت الذي يمكنها أن تثير كل ما لديها من أدلة أو اثباتات ضمن الدفوعات التي يمكن تقديمها خلال مرحلة النظر في الدعوى من قبل الجهة القضائية المختصة، أو اللجوء ضمن الحالات التي حددها القانون، إلى مسطرة طلب إعادة النظر في الحكم، أو اثارة صعوبة التنفيذ من لدن كل من يعنيه الامر أمام القضاء في حالة استنفاد جميع طرق الطعن المتاحة أما وأن الادارة المعنية لم تقم بواجباتها القانونية، أو أنها أدلت بما لديها من حجج لم يأخذ القضاء بقيمتها الثبوتية، فإن رفضها للأحكام القضائية النهائية، يعتبر موقفا مجانبا للصواب ويعتبر تحقيرا لهذه الاحكام ويثير كثيرا من التساؤل والاستغراب، فضلا عما يستوجبه من مواقف حازمة من أجل التقيد بضوابط سيادة القانون، ومبادئ العدل والانصاف. وضمن هذا الصنف من القضايا العقارية، فإن معضلة الوضعية القانونية لأصناف مختلفة من الأراضي، كما هو الشأن بالنسبة لأراضي الجموع، تشكل مصدر معاناة لعدد من المواطنين، بسبب تصرفات وقرارات منافية للقانون، أو متعارضة مع مبادئ المساواة والعدل والانصاف، كما هو الشأن بالنسبة لتصرفات بعض نواب الجماعة السلالية التي تقضي بإقصاء بعض ذوي الحقوق أو بشأن كيفية توزيع هذا النوع من الاراضي على أفراد الجماعات السلالية، أو التظلم في حالات اخرى من القرارات التي يصدرها مجلس الوصاية بشأن حق استغلال هذه الاراضي. وان مؤسسة ديوان المظالم انطلاقا من تحليل دقيق للمعطيات القانونية والادارية المتعلقة بوضعية هذه الاراضي، ولعدد من الاحكام القضائية الصادرة بشأن نزاعات تتعلقة بها، ترى من الضروري تشكيل آلية مؤسسية وطنية، للنظر في وضعية استغلال هذه الأراضي وتسوية المشاكل المتعلقة بها، ووضع قواعد شفافة لتحديد نظام قانوني جديد للاستغلال والتصرف في هذا النوع من الأراضي، وذلك ضمن تصور شمولي وهيكلي متعدد الأبعاد، يروم إصلاح الوضع القانوني للأراضي ببلادنا، تفاديا لحجم النزاعات المتزايدة كل يوم حول ملكية الاراضي واستغلالها، وتبسيطا للمساطر القانونية المطبقة على أنظمة استغلا ل هذه الاراضي ومراجعة للمنظومة القانونية التي تخضع لها، والتي تعود بعض نصوصها الأولى إلى بدايات القرن الماضي. وإن مؤسسة ديوان المظالم تؤكد في هذا الاتجاه أن إصلاح منظومة تدير الأراضي التي يخضع استغلالها لأنظمة قانونية خاصة، تعتبر أولوية من أولويات الإصلاح العقاري ببلادنا، الذي يشكل تحديا من التحديات المستقبلية التي تجب مواجهتها، من أجل مواكبة التطور الاقتصادي والاجتماعي المتسارع، والاستجابة للطلب المتزايد على الأرض، ومسايرة وتيرة النمو الديمغرافي واتساع حجم النشاط الاستثماري في مختلف المجالات. ثالثا: الشكايات المتعلقة بالنزاعات المالية وعوائق التواصل بين الإدارة والملزمين بأداء الضريبة: إلى جانب القضايا ذات الطابع الإداري والعقاري، تحتل القضايا ذات الطابع المالي ما يناهز 12% من الشكايات المندرجة ضمن اختصاص المؤسسة، وهي نسبة تمثلها حوالي 328 شكاية خلال سنتي 2007-2006، منها ما يتعلق بنزاعات مع بعض المؤسسات العمومية ذات الصبغة المالية والاقتصادية، و منها ما يخص نزاعات حول صفقات عمومية، بالإضافة إلى القضايا التي تهم أداء الضراب والجبايات ا لمحلية ورسوم التسجيل، والتي تمثل نسبة عالية من هذه الشكايات. ومن خلال تحليل هذا النوع من الشكايات يتضح، وهو أمر طبيعي، أن كثيرا من المشتكين، يعبرون عن تذمرهم من عدم التزام الإدارة وعدم وفائها بأداء مستحقاتهم المالية، أو تأخرها في أداء هذه المستحقات، مقابل الخدمات والأعمال التي قاموا بها لفائدة الإدارة في إطار عقود الصفقات المبرمة معها. وهي ظاهرة وإن كانت ليست عامة بالنسبة لعدد من الإدارات، فإنها تظل مع ذلك موجودة وغير مبررة بالنسبة لبعضها، علما بأن أي صفقة عمومية بين مقاول أو مورد والإدارة لا يمكن أن تتم إلا بعد وجود اعتمادات مالية خاصة بها. أما تحليل الشكايات المتعلقة بالمادة الضريبية، فيؤكد وجود عوائق حقيقية في عملية التواصل بين الإدارة والملزمين بأداء الضريبة. إذ علاوة عن حالات النزاع حول الوعاء الضريبي أو عمليات التحصيلي، فإن رفض الملزم أداء بعض المستحقات الضريبية الواجبة عليه، أو منازعة إدارة الضريبة في أصل إقرارها، أو طلب مراجعة المبالغ المقررة أو الطلب الإلغاء الجزئي أو الكلي لمبلغ الضريبة المفروضة، أو الإعفاء منها، كلها حالات تؤكد ضعف التواصل بين الإدارة والملزمين، بحيث يفضي في عدد من هذه الحالات، إلى سوء الفهم، أو الاعتقاد بأن الضريبة المفروضة أو المبلغ المقرر مبني علي أساس خاطئ أو معلومات غير صحيحة أو غير ذلك. ورغم أن ثمة أسبابا عدة متداخلة، منها ما هو قانوني يتعلق بشروط تطبيق القوانين الضريبية، وما هو إجرائي يتصل بحالات تطبيق المساطر الضريبية حسب الحالات، وما هو موضوعي يتصل بالوعاء الضريبي، أو بالتحصيل، فإن المستفاد من خلال تحليل الحالات التي وردت شكايات بشأنها يؤكد الحاجة الماسة لمراجعة القوانين الضريبية بما يكفل تبسيطها وجعلها في متناول فهم الملزم، وبما يجعلها قوانين محققة للعدل والإنصاف في توزيع التكاليف العامة، وبما يحقق الشفافية والمساواة بين جميع الملزمين عند تطبيقها عليهم. وإن مؤسسة ديوان المظالم إذ تثير انتباه السلطات العمومية المختصة الى ضرورة القيام بهذه المراجعة، توخيا للعدالة بين جميع الملزمين، فإنها تؤكد في الوقت نفسه على الضرورة القصوى لوضع سياسة تواصلية بين الإدارة الضريبية و الملزمين، من أجل بناء أسس ثقة متبادلة، وإقامة علاقة تواصل فعال وشفاف تقوم علي مبادئ المواطنة الصالحة، والمساهمة في تحمل الأعباء العامة، وتراعي تطبيق مبادئ العدالة والإنصاف في فرض الضرائب، والإعفاء منها، علاوة علي وضع آليات قانونية وإدارية فاعلة لمحاربة ظاهرة التهرب الضريبي والغش الضريبي بمختلف صوره وتطبيقاته، حتى يتسنى لبلادنا تحقيق عدالة ضريبية وتوزيعا عادلا للتكاليف والأعباء العامة. رابعا» استمرار ظاهرة الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهة الإدارة: استنادا الي الدراسات الأولية التي قامت بها المؤسسة لعدد من الشكايات التي تلقتها برسم سنتي 2007-2006 يتبين أن حوالي 155 شكاية خاصة فقط بامتناع بعض الإدارات عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في حقها. وهي ظاهرة تمثل من حيث حجمها الكمي حوالي 6% من الشكايات المحالة ا لى الإدارة، ولكن ثقلها من حيث تأثيرها على مصداقية الأحكام الصادرة عن السلطة لقضائية، وعلي الإدارة نفسها التي لا تتقيد بمبدأ الامتثال للحكمة القضائي الصادر في حقها، يعتبر بليغا، ويمثل حقيقة صادمة تؤثر علي سمعة البلاد، وتفقد سلطة القضاء جوهر الوظيفة التي تنهض بها في إقرار العدل وإشاعة الإنصاف. ورغم التقارير السابقة التي رفعتها مؤسسة ديوان المظالم برسم السنوات السابقة الي السيد الوزير الأول حول ضرورة التزام الإدارة بأحكام القضاء، والعمل على تنفيذ هذه الأحكام بحسن نية، وما تضمنته هذه التقارير من اقتراحات وتدابير مالية وقانونية وإدارية، ورغم ما أصدره السيد الوزير الأول من مناشير وما وجهه من مراسلات الي عدد من الإدارات، فإن معضلة الامتناع عن تنفيذ الأحكام ظلت قائمة، والشكايات التي تتوصل بها المؤسسة بشأنها لاتزال في تزايد مستمر، وهو أمر يؤكد وجود مشكلة بنيوية في سلوك بعض الإدارات في تعاملها مع أحكام السلطة القضائية، كما يؤكد في الوقت نفسه وجود إكراهات بنيوية لدى الإدارة تحول دون الالتزام التلقائي والمباشر بتنفيذ أي حكم قضائي صادر في مواجهتها. ومن أجل تجاوز هذا الوضع المريب الذي لا يستقيم علي الإطلاق مع مبادئ دولة الحق والقانون، وخضوع الجميع أفرادا ومؤسسات لضوابط الشرعية التي تمثلها أحكام القضاء، وقواعد القانون، وقيم العدل والإنصاف، فإن المقترحات المضمنة في التقرير الذي وجهته مؤسسة ديوان المظالم إلى السيد الوزير الأول بشأن حالات امتناع بعض الإدارات عن تنفيذ أحكام قضائية كفيلة بوضع حد لهذه الظاهرة التي تزداد استفحالا دون اتخاذ أي إجراء عملي عام من أجل الحد منها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن حوارا عميقا بين السلطتين القضائية والتنفيذية حول هذه الظاهرة، في ظل التواصل الفعال والمثمر بين سائر مكونات السلطة العمومية، وفي احترام تام لمبدإ فصل السلط وصلاحيات كل سلطة، سيمكن من إقناع الإدارة بضرورة تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهتها، بحسن نية، خدمة للعدالة وحماية لسمعة البلاد، وترسيخا لثقة المتقاضين في المؤسسات، كما سيتيح للقضاة والسلطات القضائية بمختلف درجاتها فهما صحيحا لواقع الإدارات المعنية، ومعرفة دقيقة بحيثيات القضايا المعروضة عليهم، وإلماما واسعا بالملفات المتنازع بشأنها تحقيقا للعدالة والتزاما بضوابط سيادة القانون.