استغرب منتخبو مجلس مدينة الدارالبيضاء، خلال اجتماع لجنة المالية قبل أسبوعين، وهم يتفحصون وثائق مداخيل الإشهار بالعاصمة الاقتصادية، أن الخانة المتعلقة بها لا تتعدى 4 ملايير، وسيزداد استغرابهم حين سيكتشفون أن الخانة المتعلقة بواجب أداء شركة (اف. س كوم) لصاحبها منير الماجيدي فارغة ، مع إشارة إلى أن ملفها محال على المحكمة! فما كان من الجميع إلا مغادرة مقاعدهم ورمي الوثيقة أرضاً، مطالبين بمدهم بالكشف الحقيقي عن التزامات الشركة مع مجلس المدينة ، هي التي استفادت من اللوحات الإشهارية منذ سنة 1998، ويجهل مآل واجباتها المالية تجاه خزينة المدينة، خصوصاً وأن الأنباء القادمة من دواليب المصالح التقنية تقول بأن عائداتها تقدر بصفر درهم لصالح الخزينة! سيظهر اسم منير الماجدي في مدينة الدارالبيضاء مع شركته الأم «فورست كونطاكت» برأسمال 10 ملايين سنتيم ومقرها بالرباط، كرجل أعمال يريد الاستثمار في مجال اللوحات الإشهارية... سيأتي به عبد المغيث السليماني ، رئيس المجموعة الحضرية إذاك، بأمر من إدريس البصري وزير الداخلية ليبرم معه عقدا سيستفيد من خلاله منير الماجيدي، من ترخيص مؤقت يضع بموجبه 800 لوحة إشهارية في جميع الجماعات الحضرية التابعة للعاصمة الاقتصادية لمدة 30 سنة، على أساس أن يؤدي عن كل لوحة مبلغ 12 ألف درهم سنوياً، ولم يحدد العقد مواقع هذه اللوحات وتركها على «الشياع»! بمعنى أن لشركته الحق في وضع لوحاتها أينما يحلو لها، مع إمكانية الحصول على المزيد من التراخيص. عبد المغيث السليماني لم يقف عند عملية الترخيص فقط، بل ذهب أبعد من ذلك، بحيث سيقوم يوم 1998/12/25، بمراسلة والي الدارالبيضاء، يحيطه علماً بأن ترخيصه لنشاط شركة الماجيدي، جاءه من الجهات العليا بالداخلية، أي الرجل القوي آنذاك إدريس البصري، وبالتالي، فإن على الوالي أن يعطي تعليماته لكل العمال كي يسهلوا للرجل عملية وضع لوحاته الإشهارية أينما يرغب ، وبما في ذلك الطريق المؤدية إلى مطار محمد الخامس! بمعنى أن تعليماته يجب أن تصل حتى إلى المسؤولين بالعالم القروي المحيط بالعاصمة الاقتصادية خصوصا منطقة بوسكورة واولاد صالح . هذه الاجراءات، ستتلوها دعاية عجيبة عبر راديو المدينة، تقول بأن اللوحات ستلعب دوراً كبيراً في«تنميق» جمالية المدينة، وبأن شركة الماجيدي هذه جاءت للدار البيضاء، لجعلها تشبه نيويورك وباقي العواصم الأوربية من الناحية الجمالية الإشهارية! أولى ردود الفعل ستأتي من الاتحادي عبد الله الشرقاوي، رئيس مجلس جماعة المعاريف آنذاك، الذي حمل «الطراكس» وقصد أول لوحة إشهارية وضعت في تراب جماعته واقتلعها، رافضا أن توضع أية لوحة إشهارية بتراب المعاريف، ما لم يعرف فحوى الاتفاقية، وبأن هذه الأخيرة غير ملزمة للجماعات ولا يحق لرئيس المجموعة الحضرية أن يوقع مثل هذه القرارات دون تشاور واتفاق قبلي مع الجماعات المعنية. موقف عبد الله الشرقاوي الذي كاد أن يعمم على باقي الجماعات، جعل ادريس البصري سنة 1999، يسارع الى عقد اجتماع مع رئيس المجموعة الحضرية ورؤساء الجماعات بالدارالبيضاء لحثهم على ضرورة الموافقة على هذا العقد وعلى نشاط الشركة، بمبرر أنها ستعود بالنفع على العاصمة الاقتصادية. تدخل البصري ستقابله مطالبة عبد الله الشرقاوي، برفع السومة الكرائية من 12 ألف درهم إلى 24 ألف درهم، أي على الماجيدي أن يؤدي على الواجهتين الإشهاريتين للوحاته ، وأن تعمم هذه المداخيل على الجماعات الحضرية المؤثثة للدارالبيضاء مع التدقيق في بنود العقدة، خصوصاً في الشق المتعلق بمواقع اللوحات والجزاءات في حال ما إذا تلكأت الشركة في الأداء. وهو المطلب الذي قوبل بالموافقة الشفوية من طرف المسؤولين . سنة بعد ذلك، سيُعصف بإدريس البصري وسيدخل عبد المغيث السليماني الى المحاكم، ليدخل ملف شركة الماجيدي إلى دوامة النسيان، ولم يكن يعلم أحد بأن شركته قد استفادت أيضاً من وضع لوحاتها حتى بالمحطات المغطاة الخاصة بانتظار الحافلات! في سنة 2003 ، وبشكل فجائي، سيظهر اسم محمد ساجد كمرشح لقيادة الدارالبيضاء في نسختها الجديدة (وحدة المدينة) بصلاحيات واسعة وتحكم في كل الصفقات والقرارات والمشاريع مع تحجيم دور المقاطعات، التي أصبح أعضاؤها لا يعلمون بما يجري في مدينتهم إلا عبر الإعلام ، كغيرهم من المواطنين! سيتضح فيما بعد أن ساجد مقرب جداً من إدريس جطو، الوزير الأول في تلك الحقبة، بل إنه شريكه في العقارات وغيرها، وبالتالي فهو مقرب من منير الماجيدي، كما سيتأكد ذلك مع توالي الأيام. من أولى الملفات التي سيباشرها ساجد، بعد «انغماسه» ، في الأسابيع الأولى من ولايته، في تفويت القطاعات الحيوية إلى الخواص، ملف اللوحات الإشهارية بمجال الدارالبيضاء، حيث أعلن للأعضاء في إحدى الدورات، بأنه سيقوم بهيكلة هذا القطاع، واعداً بأن المجهود الذي سيقوم به، سيدر على خزينة الدارالبيضاء، في مجال اللوحات الإشهارية، ما لا يقل عن 15 مليار سنتيم سنويا، لذلك، فإنه سيقوم برفع سومة كراء اللوحات الإشهارية من 12 ألف درهم الى 60 ألف درهم! في الظاهر، بدا ساجد أنه يعمل على إنماء مداخيل المدينة، لكنه في حقيقة الأمر كان يخدم مصالح شركة الماجيدي، التي لم يطبق عليها التسعيرة الجديدة، كما هو واضح على الأقل إلى حد الآن، مما جعل الشركات الأخرى تدخل في منافسة غير عادلة مع «امبراطورية» الماجيدي الإشهارية، ومنها من لم يقو على المسايرة، ففوت لوحاته الى الشركة الغول المحتكرة لكل المواقع، والتي لها الأسبقية في إعلانات الشركات التابعة ل «أونا». بعض المنافسين لشركة الماجيدي، يقدرون مداخيلها من اللوحات بالعاصمة الاقتصادية ب 50 مليار سنتيم سنوياً، ويصنفونها ضمن خانة الشركات المستفيدة من الريع الاقتصادي، إذ أنها لم تتوقف عند حد الاستفادة من انعدام منافسة شريفة، بل إنها لا تؤدي حتى ما بذمتها للدار البيضاء! أصوات داخل مجلس المدينة ، تعتبر أن ما يجري بين ساجد والماجيدي هو «صفقة سياسية» بامتياز يضمن من خلالها ساجد «حماية» من الرجل، ويستفيد الثاني من الصفقات المربحة في العاصمة الاقتصادية. وتساءلت هذه الأصوات ، في عدد من اللقاءات، عن سبب تأخر ساجد في سحب الترخيص للماجيدي، مادام أنه مؤقت ويحق للجماعة أن تسحبه في أي وقت بدل إحالة ملفه على المحكمة، إذ عليها أن تتابعه في المحاكم لاسترداد أموالها، وبالموازاة مع ذلك، تسحب الترخيصات التي يستفيد منها! تردد ساجد، يطرح علامات استفهام كبرى، وهي علامات الاستفهام التي تتضخم يوماً عن يوم، خصوصاً أمام اللبس الحاصل في التعامل مع شركة الماجيدي، وأيضاً بعد إقدام الأخير على حذف اسمه من خانة المدير المسؤول عن الشركة الأم ، ووضع اسم عبد الرحيم لحساني!؟