في أعمال فائز الفنية تتربع المرأة كي تصير المفردة المكررة الرامز إلى قضايا الوطن الجريح والمواطن التواق إلى الامن والاستقرار، بذلك تبدو وكأنها البطلة التي يُحَمّلها رسائله المتنوعة إلى المشاهد، كما يحملها ملامح من التراث الفلسطيني العريق، فهو يهتم بتفاصيل الزي، والحلي، كما يحيطها بما يذكرنا ببعض مظاهر المعمار التراثي الفلسطيني، علاوة على وضعياتها التراجيدية المجسدة للصراع من أجل الكرامة والحرية والأمن، إنه الهم الفلسطيني الذي اشتعل ولم ينته بعد، بل يزداد حرقة واضطراما وتوغلا في الوجدان الفلسطيني. أمام هذا الوضع صار التشكيليون الفلسطينيون بمختلف أجيالهم مدفوعين لإبراز معاناة هذا الشعب الأعزل الذي يبذل من أرواحه مضحيا من أجل حقه في الوجود الكريم. المرأة في لوحات فائز الحسني تجسد كثيرا من أوضاع الشعب الفلسطيني بطموحاته وبحرمانه ومعاناته تحت سياط الاحتلال، فالمرأة بوضعيتها الدالة على التوتر واللاأمن تأتي مقترنة بما يدفعها إما إلى التأمل، أو الاحتضان أو الشرود، أو النظر بعيدا، أو الطأطأة لرأسها ذليلة منكسرة تفكر في الحال والمآل، وقد تأتي وفي يديها طبق فاكهة لترمز بذلك إلى هدايا الأبطال، او الى الحرمان من الاستفادة من غلال الأرض. كما تأتي في علاقة بالطير ، تتداخل به عبر خطوط وألوان ليشكلا تراكبية موحية إلى الكثير من المعاني والقضايا الوطني وفي مقدمتها الطموح إلى الحرية واستعادة العزة والحياة الكريمة. وتأتي في بعض اللوحات مقترنة بالرجل كزوج يحمل همها وتحمل همه، مُظهرين لما يضج في وجدانيهما من أحزان، فعلى ملامحهما علامات الاغتراب وغموض المصائر، وملمح التيه والشرود. كما تأتي المرأة أحيانا متوسطة جموعا من الناس من مختلف الأعمار، وكأنها القائدة والمركز المستقطب والحاضن للمحيطين بها. في بعض اعمال فائز نجد المرأة منطلقة بحزم تنظر نحو المجهول أو المعلوم في الأفق، وعلى خلفية اللوحة نجد معمارات ومآثر تاريخية منقوشة في ذاكرة المسلمين وفي مقدمتها قبة الصخرة. كما تأتي في علاقة حميمية مع الصغار ممثلة بذلك الملجأ للأبرياء من الأطفال بمختلف أعمارهم. تلك بعض الوضعيات المجسدة لإبداعية وتصور المبدع فائز الحسني إزاء المرأة التي نعتبرها بوجه فلسطين ذاتها، وبوجه آخر المرأة الفلسطينية بأوجاعها المتلاحقة، وبمشاركتها في التضحية والتفكير إزاء مصائب الوطن في ظل الاحتلال البغيض. إن فائز مبدع متميز، ويبدو تميزه في انتهاجه أسلوبا خاصا تبدو فرادته في الاحتشاد والتداخلات الخطية واللونية المفضية إلى أعمال فنية مفعمة بالأشكال الهندسية الدالة، كما يبدو تميزه في طريقة تأثيث لوحاته بالأشكال المتنوعة المنصبة على ثيمة وموضوع اللوحة، علاوة على المفردات المتكررة بمظهريات متنوعة تحيل على خصوبة خياله وطول خبرته و تجربته الإبداعية. وقد سبق أن أشرنا في مقال عام عن أعماله إلى كونه في في شتى أعماله الفنية المختلفة يعتمد أشكالا هندسية من أجل إبراز تميز الملمح الثقافي والتراثي الفلسطيني، وذلك عبر شكل المعمار، وتلوينات وأشكال الأزياء.لوحات بقدرما تحمله وتعكسه من جمال بقدرما تحمل من إشارات عميقة للوجدان الفلسطيني بما يحويه من أحزان وآمال في الحرية والسلم وسائر الحقوق الإنسانية ...لوحات لا تخلو من جمالية الإيقاع والاتزان في تركيباتها المتشابهة كثيرا، تركيبات نعتبرها نافذة منعشة للمشاعر، تجعلك تستحضر حضارة عريقة وشعبا أصيلا يستحق الحياة والكرامة، أعمال التشكيلي فائز تتعانق مع أعمال الكثيرين من الفنانين الفلسطينيين المرتبطين بالأرض والتراث وجذور الثقافة الفلسطينية العريقة، ومن هؤلاء فتحي غبن، وعلي الكفري، ومسلم البدارين، ولطيفة يوسف، وحنان الأغا ، وعبد الهادي شلا، وكامل المغني وغيرهم. إلا أن الطاغي والمهيمن على أعمال فائز الحسني هو المرأة متخذا إياها رمزا للتفكير في التحرر الوطني، وأيقونة مفعمة بمختلف الدلالات الممثلة لقضايا هذا الشعب بمواقفه، بثورته، وبذاكرته الحالمة والحاملة لإرث من المستحيل محوه وإقباره مهما حاول العدو ذلك. ولقد أفضى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى التأثير سلبا على أحوال المرأة وحياتها اليومية، حياة التشريد واللجوء والتعذيب النفسي والبدني وفقدان الأبناء في مختلف أعمارهم. [فقد ابدعت في الإخلاص لفلسطين الأرض حينما رشت بحبات عرقها التراب الطاهر وهي تفلح الأرض مع الرجل وفي كثير من الأحيان لوحدها عندما كان يتعرض زوجها أو ابنها للاستشهاد أو الاعتقال حيث لم تدع الأرض تبور أو تجف ترابها كما أنها أبدعت في عطائها لفلسطين الانسان عندما كان لا يجد المال الكافي ليحقق حلمه في شراء البندقية للدفاع عن أرضه وعرضه وسرعان ما يجد المرأة وهي تقدم صيغتها وحليها مقابل الحصول على البندقية وذهبت في نضالها في نفس الأحيان إلى أبعد من ذلك حينما كانت تحمل البندقية وتواجه عمليات الاستيلاء على الأراضي وتخريبها من قبل المستوطنين الصهاينة منذ بداية الغزو الصهيوني لفلسطين. وعلى الرغم مما أحل بقضية فلسطين واتساع حلقة التآمر على شعب فلسطين على صعيد التهويد فإن ذلك زادها إصراراً على مواصلة نضالها...]1. المبدع يستلهم أفكاره وتأملاته من وجه ووضعية المرأة في أعماله ، فهي القادرة كمفردة تشكيلية أن تحمل مختلف التعابير المشحونة بمختلف المشاعر المتدفقة لتجعلك تحلق في عوالم مفعة بالحسرة والبهجة المسيجة بالألم، فهي تفتح أمامنا فسحة للسفر لنتجول بأبصارنا عبر المتخيل المنسوج بآثار رسخت في الذاكرة الفلسطينية. وسواء عبر المبدع عنها كرمز إلى فلسطين، أو كمجسدة لأوضاع النساء الفلسطينية فإنه في الأخير تمكن من التعبير العميق عما يريده وبأسلوب نعتبره بصمته الإبداعية الخاصة. لوحاته ناطقة بأعماق المرأة باعتبارها الأم والأرض، باعتبارها الجذع أصل الغصون والثمار فهي الشهيدة وأم الشهداء وهي المحتضنة لأبنائها الصغار مشردة متنقلة مشردة محرومة لكنها متشبثة بأرضهما تقاوم من أجل حقها وحق الشعب الفلسطيني الذي لن تزيده الجرافات والدبابات الإسرائيلية سوى المقاومة حتى النصر. ، ونعتقد بأن فائز عبر بها عبر التشكيل لترمز إلى أمور تعجز العبارات عن احتوائها. 1 للمزيد من المعلومات على أدوار المرأة الفلسطينية انظر «وكالة الأباء والمعلومات الفلسطينية « http://info.wafa.ps/atemplate.aspx?id=3477.