من المرجح أن وزارة الصحة قد فشلت في سباقها مع ساكنة إملشيل، إقليم ميدلت، التي أصرت على الخروج من بيوتها، يوم الأربعاء 14 دجنبر 2016، والدخول في اعتصام مفتوح، احتجاجا على تدني الخدمات الصحية وتضامنا مع حوامل المنطقة، مع المطالبة بتعيين طبيبة مختصة في التوليد وتجهيز قسم الولادة بالمعدات الضرورية، للحد من اتساع موجة الموت التي تحصد أرواح الحوامل ومواليدهن، وقد فات للمندوبية الإقليمية لوزارة الصحة بميدلت، أن قررت نقل مولدة تعمل بالمركز الصحي لإميلشيل، إلى المستوصف القروي ب «قصر تلمي»، ما فسره نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي بمحاولة احتواء غضب الساكنة إذا لم تكن شكلا ناتجا عن الارتباك الذي أصاب القطاع الصحي في الوقت الذي يتمسك فيه السكان بمطلبهم الأساسي المتمثل في تعيين طبيبة مختصة في التوليد وطب النساء. وكان عامل إقليم ميدلت، وفق مصادر «الاتحاد الاشتراكي»، قد أسرع، يوم الثلاثاء 6 دجنبر 2016، إلى عقد اجتماع طارئ في حضور المندوب الإقليمي لوزارة الصحة، ومنتخبين من جماعتي إملشيل وبوزمو، وتم الخروج خلاله بوعود شبيهة بالوعود المدرجة في الأعوام السابقة، من أهمها تجهيز دار الأمومة بإملشيل المركز، وإضافة سيارة إسعاف لكل من الجماعتين المذكورتين، مع تخصيص شاحنة مجهزة بالإيكوغرافيا وطبيبة مختصة في التوليد للقيام بدورات شهرية، مع تخصيص يومين في كل أسبوع لسكان إملشيل للاستفادة من المستشفى الميداني بأنفكو، علما أن دائرة إملشيل تتكون لوحدها من خمس جماعات ترابية، وعدد سكانها يبلغ حوالي 35000 نسمة، إلا أن الوعود لم تشمل إلا جماعتين من جماعات أخرى لا تقل عن آيت يحي وأموكر وأوتربات. وترى مصادر «الاتحاد الاشتراكي» أن جميع الوعود التي تم إطلاقها بعمالة الإقليم اعتبرتها ساكنة إملشيل مجرد حلول فضفاضة لربح الوقت، الأمر الذي جمع أبناء المنطقة في إطار مدني أطلقوا عليه «تنسيقية آيت حديدو للدفاع عن الحوامل بإملشيل»، والبداية من لقاء تم عقده، يوم 4 دجنبر 2016، من طرف عدد من الجمعويين بأوتربات مع نائب برلماني حول وضعية الحوامل بإملشيل، وبعد نقاش دام أزيد من أربع ساعات، تم الإجماع على التحضير للقاء يحضره عامل الإقليم والمندوب الإقليمي لوزارة الصحة، ومنتخبون وفعاليات مجتمعية من دائرة إملشيل، وذلك قبل يوم 14 دجنبر 2016، المقرر الخروج فيه للاحتجاج، غير أن الوضع ظل على حاله دون جديد. وفي الوقت الذي كانت فيه الحملة التي أطلقها فايسبوكيون مستمرة من أجل توفير طبيبة مختصة في التوليد بالمركز الصحي لإملشيل، وبعد أسابيع قليلة من وفاة أم وجنينها، اهتزت المنطقة، يوم الأحد 11 دجنبر 2016، على نبأ وفاة توأم أنثيين «خدج» من امرأة حامل، تنحدر من قصر أكدال، البعيد عن مركز إملشيل ب 50 كلم، كانت قد حلت بالمركز الصحي اليتيم قبل أوان الولادة بحوالي شهرين، ونظرا لغياب التجهيزات اللوجيستية والطبية الضرورية، تقرر نقل الأم والتوأم صوب المستشفى الإقليمي بميدلت، على متن سيارة إسعاف، غير أن الأب رفض خوفا على حياة زوجته التي كانت في حالة صعبة، وعلى التوأم، جراء طول المسافة المتردية والطقس المثلج. وبدل أن يلجأ المسؤولون إلى حل آخر، مثل طلب مروحية الإسعاف، تم تشجيع أب التوأم على توقيع التزام يحمله المسؤولية في عدم السماح بنقل التوأم وأمهما، لأجل إبراء ذمة مسؤولي قطاع الصحة، بصورة تشبه الموت الرحيم، ولم تخجل مندوبية وزارة الصحة من ضم بلاغها بما يفيد أن الأب «عبأ الالتزام يتحمل فيه مسؤولية ما قد يتعرض له التوأم»، مؤكدة ذات المندوبية أن السلطات الصحية بالمنطقة «وفرت سيارة إسعاف مجهزة بتقنيات الإنعاش» لنقل التوأم، ومضيفة أنه بعد «كل المجهودات التي سخرها الطاقم الطبي والتمريضي، فإن هذين التوأم، وبكل أسف، توفيا»، وكم كرر البلاغ تحميله المسؤولية للأب، في حين لم يفت أحد الفاعلين التأكيد على أن التجهيزات المذكورة في البلاغ منعدمة في البناية التي لا تحمل حتى يافطة «بلاكة» فما بالك بتصديق احتوائها على التجهيزات المزعومة. وأكد فاعلون من أبناء املشيل ل «الاتحاد الاشتراكي» أن جماعات المنطقة استبشرت خيرا وقت إلحاقها بإقليم ميدلت، غير أن السبع سنوات التي مرت كانت عجافا في حصيلتها وانتظاراتها، بالأحرى الحديث عن الأوضاع القاسية خلال موسم الثلوج الذي تشتد فيه معاناة الساكنة مع العزلة، ومنها معاناة النساء الحوامل اللائي يجدن أنفسهن مجبرات على الولادة في الظروف الصعبة وانعدام الشروط، وغالبا ما يجبرن على طي التضاريس الوعرة أو يلقين حتفهن وهن يخضعن لوضع مواليدهن، إذا لم يتعرض بعضهن لنزيف حاد يواجهن الموت بسببه. وكانت إملشيل قد عاشت موجة احتجاجات، خلال فبراير الماضي، بسبب وفاة مواطنة حامل، من آيت حديدو، فور نقلها، في ظروف لاإنسانية، لمستشفى مولاي علي الشريف بالراشيدية، الذي يبعد بأزيد من 200 كيلومتر عن مركز إملشيل، وﺳﺮﻋﺎﻥ ما ﺗطورت الأوضاع إلى احتقان شعبي، لاسيما في تزامن الواقعة آنذاك مع حالة وفاة مواطنة حامل أخرى، مخلفة مولودة جديدة وطفلين آخرين، وخلال الاحتجاجات تعالت الأصوات المطالبة بحضور ﻮﺯﻳﺮ ﺍﻟﺼﺤﺔ للوقوف شخصيا على معاناة المنطقة عوض تجميل الوضع أو تبريره بالبلاغات والخرجات والوعود العقيمة. وفي ذات السياق، شدد عدد من الجمعويين المحليين، في تصريحاتهم ل «الاتحاد الاشتراكي»، على تمسكهم بحقهم في سلك كل ما يتطلبه الوضع من الأشكال الاحتجاجية الحضارية والسلمية حتى نيل الحق الكامل في الصحة، ووضع حد للمعاناة التي تتخبط فيها إملشيل وساكنتها، والتي قد لا تقف عند وفاة الحوامل، أو تنتهي بالظواهر الصحية المرعبة التي أصابت المنطقة، مثل «الجمرة الخبيثة» و»السواح» وغيرها من الأمراض والأوبئة.