ما يحدث اليوم في المغرب، من تعثر في تشكيل الأغلبية الحكومية، ليس غريبا في التجارب السياسية الديمقراطية، بل ليس غريبا حتى على ما حصل في المغرب، قبل تشكيل النسخة الثانية من الحكومة السابقة. فقد اِتخذ المجلس الوطني لحزب الاستقلال قرار الانسحاب من حكومة عبد الإله بنكيران الأولى، في منتصف مايو 2013 ، وانتظر وزراء الحزب، قبول استقالتهم، التي تمت يوم 9 يوليوز من نفس السنة، ولم يتمكن رئيس الحكومة من تشكيل أغلبية جديدة، إلا في 9 أكتوبر 2013 . ما بين قرار المجلس الوطني للاستقلال، وتشكيل الحكومة، ما يقارب خمسة أشهر، وبعد الاستقالة الفعلية، لوزرائه، ثلاثة أشهر. حيث لم تتشكل الأغلبية الجديدة، إلا بضم التجمع الوطني للأحرار، بالإضافة إلى عدد هام من الوزراء التقنوقراط، منهم من دخل الحكومة بهذه الصفة، ومنهم من اندمج في حزب من الأحزاب المشكلة للأغلبية، ومنهم، مثل محمد الوفا، من اِنسحب من حزبه، الاستقلال، ليحتفظ بحقيبة وزارية. فتعثر بنكيران، في تشكيل الأغلبية ليس جديدا، لعدة عوامل، من أهمها أن النظام الانتخابي، لا يسمح بفرز أغلبية مطلقة لأي حزب، مما يفرض عليه البحث عن تحالفات، لاستكمال الأغلبية. هذا معطى ثابت، لا يمكن تجاهله، إذ أن كل الأحزاب التي تخوض غمار الانتخابات تعرفه وتتعامل معه كعنصر أساسي، من عناصر النظام السياسي المغربي. بل إن ما حدث في اسبانيا، التي يسمح نظامها الانتخابي، بحصول أحزاب على أغلبية مطلقة، أنهى مع عهد التقاطب بين الحزب الشعبي والاشتراكيين، ليفتح الباب أمام أغلبيات نسبية، ببروز قوى جديدة، حيث دام «البلوكاج» حوالي سنة، أعيدت فيها الانتخابات التشريعية، دون تمكن أي حزب من الأغلبية المطلقة، فتم اللجوء للمفاوضات، وفي كل هذا المسلسل، أصبح دور ملك إسبانيا محوريا، رغم الضعف الكبير لصلاحياته الدستورية. وفي خطابه يوم 17 نوفمبر الأخير، أمام البرلمان الإسباني، دعا الملك فيليبي السادس، البرلمانيين، إلى «الحوار الدائم والمسؤولية والاحترام والتفاهم»، من أجل النجاح في مهمتهم التشريعية. فمثل هذه «الأزمات»، عادية في الحياة الديمقراطية، حدثت في بلجيكا، وتحدث باستمرار في إيطاليا، بل لقد «عشنا وشفنا» مظاهرات صاخبة وكبيرة، في بلد «العالم الحر»، أمريكا، ضد الرئيس دونالد ترامب، المنتخب ديمقراطيا، لكن لا أحد تحدث عن محاولة انقلاب، بل يتعلق الأمر بممارسة طبيعية، في الحياة السياسية العصرية. ما يحدث اليوم، في المغرب، سبق أن حصل، ويحصل باستمرار في الحياة السياسية، في البلدان الديمقراطية، فلا داعي للتهويل.