مخيم الهرهورة،الواقع على مرمى حجر من الرباط، تستهدفه أكثر من جهة وتسعى لإغلاقه في انتظار مصير مبهم .. فضاء تربوي عريق عمره ستة عقود يوجد اليوم في صلب اهتمامات عامل عمالة تمارة والمندوب السامي للمياه والغابات و...صمت رهيب لوزارة الشبيبة والرياضة . ويبدو أن الأطراف المتربصة اختارت وقتا فاصلا بين حكومتين كي تسلب أطفال المغرب وجمعياته التربوية مركزا للتخييم والتكوين وتفتعل مبررات كي تنتهك حقا وتطمس تاريخا وتمحو ذاكرة. قرار هذه الجهات لا يعترف لطفولة وشباب المغرب بأن يحتضنهم فضاء جميل يمرحون تحت أشجاره ويستظلون بصنوبره وينشدون في أرجائه ويمارسون أنشطة بمرافقه يتشبعون من خلالها بقيم المواطنة ويبنون شخصية المواطن الطموح للانخراط في العمل الجماعي بروح التطوع والتضامن والمسؤولية. قرار هذه الجهات يرى أن الأطفال والشباب لايستحقون غابة بلدهم كي يقضوا بها عطلتهم، لذلك فحرمانهم من التمتع بها أضحى أولوية تدبج بها الرسائل ومطلبا مستعجلا تُستنفر له الاجتماعات، وكأن سلطات تمارة أتخمت السكان بنجاعة الحلول لجميع المشاكل ولم يعد يؤرقها سوى مخيم لا يمثل سوى جزء يسير من غابة تمتد على مساحة 62 هكتارا. إن أجمل المخيمات التربوية بالمغرب هي التي توجد بغاباته، وطيلة سبعة عقود من تواجدها لم نسمع قط بأن العملية التخييمية أدت إلى اندثار مجال غابوي أو إلى انقراض فصيلة أشجار أو كائنات حية. واستهداف مخيم الهرهورة قد يكون بداية وبوابة الإجهاز على مخيمات خرزوزة وبنصميم وراس الماء وعائشة أمبارك و... وهي المراكز التي كانت إلى أمد قريب تستقبل أكبر نسبة من المستفيدين من المخيمات كل سنة. فبدل أن تبادر المندوبية السامية للمياه والغابات بالانخراط في عملية توسيع شبكة المخيمات كي تستوعب مئات الأطفال والشباب، هاهي تسعى لطرد هذه المراكز إلى مناطق قاحلة جماليا ضحلة طبيعيا. إن الغابات في العالم هي المناطق التي توليها السياسات العمومية أهمية بالغة في تشييد أماكن الاصطياف والتخييم، وبدل أن ينحو مسؤولونا هذا المنحى فإنهم يعملون على إفراغ الغابة من مكتسبات تاريخية وتسييجها بقرارات الحرمان. ويبدو أن هناك إرادة مسكوت عنها تفضحها فقط مثل حالة الهرهورة في أن يتحول التخييم من الفضاءات الطبيعية كالغابات والشواطئ إلى داخل كتل الاسمنت. وها هي أرقام هذه السنة شأنها شأن الخمس سنوات الأخيرة تؤكد ذلك: لقد تراجعت نسب المستفيدين من المراكز التاريخية المتواجدة بالغابات، بل إن بعضها تم إغلاقه واتسعت المؤسسات التي لا تتوفر فيها شروط العملية التربوية المنسجمة مع أهداف المخيم وأنشطته، إذ أن فضاءات وزارة الشبيبة والرياضة ال 62 لم تعد تستقبل سنة 2016 سوى أقل من نصف المستفيدين بينما يتوزع أكثر من النصف على حوالي 200 مؤسسة تعليمية واجتماعية ...ويغذي ذلك تهافت العشرات من الجمعيات على جعل المخيم ريعا لا يهم ظروفه وفضاءه. نتمنى أن تتراجع الجهات التي فتحت هذا الملف، ملف الهرهورة، عن قرارها، وأن تعي بأن أطفال المغرب وشبابه بحاجة لفضاء كذاك الواقع على عتبة الرباط، وأن على الجمعيات أن تتصدى ،بكل حزم، للحيلولة دون الإجهاز على مكسب تاريخي وذاكرة وطنية ومدرسة تربوية.