حدثنا عنه الأساتذة والمناضلون والشيوخ ..، وهتفت باسمه النوادي والساحات والشوارع ، وهطلت سيرته غزيرة ، وذاع صيته، ورفرفت خصاله ومبادؤه على أنغام أناشيد الحرية . ظللنا نسمع ونقرأ ونتحاور حول شخصية المهدي بن بركة، فانخرطنا في أسفاره العميقة والبعيدة ، وركبنا عباب فكره ، وفتحنا صفحاته الممتلئة ، وحلقنا بأجنحة الحلم والإعجاب والخيال في فضاءاته السخية . كانت مشرع بلقصيري قلعة اتحادية حقيقية، وكان مقر الحزب قريبا من منزلنا )مازال( ، فانجذبت كباقي أقراني ، وولجت ، في دهشة ، المقر ، سمعت كلاما جديدا ، وشدني حماس المناضلين ، وأعجبت بأفكارهم ، وسافرت على متن الشعارات الصاخبة . كانت صورة المهدي تملأ المكان كله ، وكانت سيرته تتجول بين الأفواه ، فتأخذ العقول والقلوب ، وتحمس النفوس ، وتثبت المبادئ وتقوي العزائم .. مازلت أذكر كيف كان يتحدث عنه الأساتذة، وكيف كانوا يحكون حياته ، ويتطرقون إلى خصاله ومبادئه ومحطاته النضالية ، ومواقفه الوطنية والإنسانية الجريئة والرفيعة ، ومازلت أذكر حين كنا نحيط بالمناضل الاتحادي الحاج اسويكت رحمه الله ، ونستمتع بأحاديثه عن الشهيد المهدي بن بركة ، عن تواضعه الإنساني الرفيع وهو يجالس الفلاحين البسطاء في المنطقة ، ويحثهم على الوفاء للوطن ، والتشبث بالأرض ، وأذكر كيف كان أستاذ اللغة العربية يتحدث عن فكر المهدي ، وعن خصاله ونضالاته المتعددة وأحلامه وتطلعاته إلى بناء مغرب حداثي قوي ومتقدم ، وإلى تحرر الشعوب وانعتاقها من قيود الاستعمار والتبعية . سمعنا عن المهدي بن بركة الكثير ، وقرأنا عنه ، فصار أشبه ببطل أسطوري في أذهاننا وخيالاتنا ، ألهمتنا سيرته الغنية ، فسكنت روحه أشعار ومسرحيات البدايات ، وظل القلق الذي ورثناه عن سجله النضالي الغني يسكن سطورنا وأوجاعنا وأمانينا . رافقتنا صورة المهدي ومبادؤه في الإعدادية والثانوية وفي دار الشباب وفي الكلية والنقابة والجمعية ..، وظل فكره خالدا وملهما . هو المهدي عاشق الوطن ، هو المناضل من أجل الأرض والحق والإنسان ، هو زارع الأحلام وساقيها ، وهو المتيم الذي غادر دون أن يترك عنوانا ، أو يدفن في قبر معلوم .