في ظاهرة فلكية تجتذب مرتين في السنة أنظار المهتمين بعلم الفلك من مختلف أنحاء العالم ، تعامدت الشمس في وقت مبكر من صباح السبت على وجه تمثال الملك الفرعوني رمسيس الثاني داخل معبده بمدينة أبو سمبل (مدينة أسوان) بالجنوب المصري. وتعامد الشمس على وجه تمثال رمسيس الثاني، الذي يدوم لمدة 20 دقيقة، يحدث عندما تدخل أشعة الشمس إلى منطقة "قدس الأقداس" داخل معبد أبو سمبل، في ظاهرة لا تحدث سوى مرتين في العام ، يومي 21 أكتوبر( يوم مولده) و21 فبراير ( يوم تتويجه ملكا. وقال باحث الآثار المصري ومدير معبد أبو سمبل ، أسامة عبود، إن تعامد الشمس على وجه تمثال الملك رمسيس الثاني تعد ظاهرة فريدة من نوعها يبلغ عمرها 33 قرنا من الزمان، وتجسد التقدم العلمي الذي توصل له قدماء المصريين ، خاصة في علم الفلك والنحت والتخطيط والهندسة والتصوير، كما تبرز ذلك الآثار والمباني العريقة التي شيدوها في كل مكان . وأشار عبود ، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إلى أن هذه الآثار شاهدة على الحضارة العريقة التي خلدها المصري القديم في هذه البقعة من العالم، حيث إن ظاهرة تعامد الشمس تتم مرتين خلال العام إحداهما يوم 22 أكتوبر، احتفالا بموسم الفيضان والزراعة ، والأخرى يوم 22 فبراير، احتفالا ببدء موسم الحصاد ،ذلك أن الشمس تخترق قاعات معبد رمسيس الثاني التي ترتفع بطول 60 مترا داخل (قدس الأقداس) ، وهي ظاهرة فلكية ساد معها الاعتقاد بوجود علاقة بين الملك رمسيس الثاني ومن كانوا يسمونه ب "الإله رع" وهو "إله الشمس" عند قدماء المصريين. وتحكي النقوش والرسوم التي تزين جدران معابد أبو سمبل ، حسب مجموعة المهتمين بعلم الآثار الذين حضروا هذه الاحتفالية، تفاصيل أقدم وأجمل قصة للعلاقة التي ربطت بين الملك رمسيس الثاني وزوجته نفرتاري، في واحدة من أقدم قصص الحب خلدها التاريخ قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة، حيث يظهر ذلك الحب الفياض جليا من خلال الكلمات الرقيقة التي نقشت على جدران معبد نفرتاري بداخل مجموعة معابد أبو سمبل، والتي يصف فيها رمسيس الثاني زوجته بأنها "ربة الفتنة والجمال وجميلة المحيا وسيدة الدلتا والصعيد". كما نقش على جدران المعبد إهداء رمسيس الثاني هذا المعبد لزوجته المحبوبة نفرتاري ، في عبارة "من أجل حب زوجاتي قمت ببناء هذا المعبد". وكانت الملكة نفرتاري الزوجة الوحيدة من زوجات رمسيس الثاني التي بنى لها معبدا خاصا إلى جوار معبده الكبير بمدينة أبو سمبل. وقال أسامة عبود، إن نجم الشمس خصص له المصريون القدماء مدينة سماها المصريون "اونو" وسماها الإغريق "هليوبوليس أي مدينة الشمس" وهي أقدم مدينة في مصر القديمة، موضحا أن كل شيء في تلك المدينة كان يتعلق بالشمس، حيث أن أقدم معابدها وكل رموزها أهديت إلى ما كان يسمى "الإله رع"، الذي كان يعتبر هو " اله الشمس ". وأضاف أن هذه المدينة ارتبط بها اختراع قدماء المصريين للتقويم الشمسي الذي يعد أقدم التقاويم في العالم ، ويرجع لخمسة ألاف سنة قبل الميلاد ، وهو يبدأ بيوم تشرق فيه الشمس ويسبقه ظهور لنجم " الشعري اليمانية " ثم يأتي الفيضان ، مؤكدا أن جميع تلك الظواهر تحدث في يوم 21 يونيو من كل عام وهو أول يوم لبدء فصل الصيف أو ما يسمي فلكيا ب " الانقلاب الصيفي " الذي قدره المصريون القدماء وسموه " وب رنبت " أي يوم بدء العالم. وأوضح أنه بسبب تقديرهم لهذه الظاهرة، "الانقلاب الشمسي "، وجهوا مبانيهم ومعابدهم تجاهها ، مشيرا إلى أن أقدم مرصد في العالم مرصد " النبطة " ، الذي يقع غرب مدينة ابوسمبل موجه تجاه هذه الظاهرة ، كما أن البوابة الغربية في معبد الكرنك تتعامد في غروب يوم نفس حدوث تلك الظاهرة. وتابع أنه في أغلب رسومات المقابر والبرديات صور المصري القديم الشمس في رحلتها النهارية من الشرق للغرب ، وفي رحلتها الليلية من الغرب للشرق ، وتصور أنها في رحلة تستغرق 24 ساعة ، واستطاع أن يستغلها في النهار ويضبط عليها ساعته أو وقته، وأدرك أن الظل يمكن قياسه وأنه يختلف في الطول والاتجاه على مر اليوم وعلى مر الفصول ، لافتا إلى أنه لذلك اخترع ساعة الظل أو ما يعرف ب"المزولة الشمسية" ، وهي أقدم ساعات الظل المصرية ، ترجع إلى ما بين القرن الثامن والعاشر قبل الميلاد. واستند، حسب مدير معبد أبو سمبل،قدماء المصريين في اكتشافهم على أن الشمس تمر على كل نقطة في أثناء شروقها وغروبها مرتين في كل عام، وأن المسافة الزمنية بينهما تختلف تبعا لبعد كل نقطة عن نقطة الشرق تماما، مبرزا أن تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني مرتين في العام جاء نتيجة لاختيار قدماء المصريين نقطة في مسار شروق الشمس تبعد عن نقطتي مسارها زمنا قدره أربعة أشهر لتتوافق مع يوم 22 أكتوبر و22 فبراير من كل عام، ثم قاموا ببناء المعبد بحيث يكون اتجاه المسار الذي تدخل منه الشمس على وجه رمسيس الثاني من ناحية الشرق من فتحة ضيقة. ويذكر أن ظاهرة تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني، تم اكتشافها سنة 1874 حيث قامت المستكشفة البريطانية إميليا إدوارد وفريق مرافق لها برصد هذه الظاهرة وتسجيلها في كتابها المنشور عام 1899 (ألف ميل فوق النيل) والذي جاء فيه " تصبح تماثيل قدس الأقداس ذات تأثير كبير وتحاط بهالة جميلة من الهيبة والوقار عند شروق الشمس وسقوط أشعتها عليها".