وهبي: مشروع المسطرة الجنائية لم تضعه وزارة العدل بل الدولة بكل مكوناتها وموازين القوى تتحكم فيه    14 مليار درهم لإنعاش سوق الشغل بالمغرب.. خطة حكومية جديدة لمواجهة البطالة    مجلس الحكومة يصادق على مراسيم وتعيينات في مناصب عليا    الاتحاد الإفريقي.. الوفد المغربي يشيد بعمل موسى فقي    ميناء العرائش يسجل تراجعًا بنسبة 38% في مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي خلال يناير 2025    الحكومة تخرج عن صمتها وتجيب حول احتمال إلغاء شعيرة الأضحية    إسرائيل: حماس ملزمة إطلاق سراح "3 رهائن أحياء" السبت بموجب الاتفاق    سيارة تقتحم حشدا في ميونيخ الألمانية وتتسبب في عدد من الإصابات    الكشف عن جنسية منفذ عملية "الدهس" في ألمانيا    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم أقل من 20 سنة…المنتخب الوطني المغربي في المجموعة الثانية    تكريم الحكم الناظوري جمال ميموني تقديرًا لمسيرته التحكيمية المتميزة    الحرس المدني المدني الإسباني يفشل تهريب أكثر من طنين من الحشيش    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    وفاة طفلة قاصر اختناقًا بالغاز.. وتوقيف أربعة أشخاص لتورطهم في ترويج المخدرات    بعد قرار الوزير قيوح.. الحافلة التي تمت معاقبة سائقها لم تدخل المحطة اليوم    بنسعيد يبرز بجدة دور الملك محمد السادس في الدعم الدائم للقضية والشعب الفلسطينيين    القناة الثانية تكشف عن برمجتها الخاصة برمضان 2025    الحكومة تصادق على قانون التصفية المتعلق بتنفيذ قانون المالية للسنة المالية 2023    الجزائر تفقد نفوذها في إفريقيا.. كيف أصبح نظام تبون وشنقريحة منبوذا في القارة    الحكومة تتجاهل توصيات هيئة "محاربة الرشوة" لتطويق الفساد في مشروع المسطرة الجنائية    غالبية الأمريكيين يعارضون خطة ترامب للاستيلاء على غزة    ارتفاع طفيف في تداولات بورصة البيضاء    البواري: الفلاحة المغربية اليوم تشتغل بلا ماء والجفاف فاقم عجز السدود وأثر على الغطاء النباتي    كأس إفريقيا للشباب: منتخب المغرب في مجموعة الكبار مع مصر ونيجيريا وجنوب إفريقيا    محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط تؤيد رفض طلب عزل رئيس المجلس الإقليمي الأسبق لتاوريرت    الجنايات تبدأ محاكمة كريمين والبدراوي    التوقعات الفلكية ترجح بداية شهر رمضان يوم الأحد 2 مارس بالمغرب    بورتو وروما يتصدران مواجهات ذهاب الملحق المؤهل إلى ثمن نهائي الدوري الأوروبي    تصعيد نضالي في مواجهة التملص الحكومي: رفض للتطبيع ودفاع عن الحقوق والمكتسبات    غبارٌ يَجثمُ في مِرآة    تفشي داء الكوليرا يقتل أكثر من 117 شخصا في أنغولا    مسؤول سعودي: لن نسمح باستهلاك الكحول في كأس العالم 2034    مصرع أربعيني في حادثة سير نواحي سطات    ميدلت :الطائفة اليهودية تحتفل بهيلولة "ربي إسحاق أبي حصيرة"    زهير بهاوي يلغي حفله في بلجيكا لهذا السبب    بايرن ميونيخ وبنفيكا يقتربان من ثمن نهائي أبطال أوروبا وكلوب بروج يفاجئ أتلانتا    10 جرحى بانفجار قنبلة يدوية في حانة بمدينة غرونوبل الفرنسية    ارتفاع طفيف لأسعار الذهب    كيف يستهدف النظام الجزائري بالمال والسلاح السيادة والاستقرار في مالي..؟    بنيس: حركة المساندة الفلسطينية تقتصر على التعبئة ولا تملك بُعدا ثقافيا    سيرة ذاتية لقالب السكر: فلسفة الهدايا التي لا تذوب    ذكرى رحيل الشّاعر خُوسِّيه إمِيليُو باشِيكُو    تعزيز التعاون الثقافي بين الدار البيضاء وشنغهاي: لقاء مع وفد من متحف الصين للفنون    النفط يتراجع مع احتمال حل الأزمة الروسية الأوكرانية    الصين: ارتفاع أرباح الشركات الكبرى لصناعة النسيج ب7,5 بالمائة في 2024    الصين: حوالي 2,11 مليون وحدة، اجمالي حجم انتاج سيارات الركاب في يناير    صندوق النقد الدولي يحث الحكومة على ضرورة توسيع قاعدة الضرائب    رمضان 2025 في المغرب .. إمساكية ومواقيت آذان الفجر والمغرب    الشيبي يتألق بعد "مباراة الإيقاف"    بعد المغرب.. تفشي الحصبة "بوحمرون" في الولايات المتحدة الأمريكية    الدكتور عميريش مصطفى: التلقيح يعد الوسيلة الوحيدة والأكثر فعالية للوقاية من داء الحصبة    إصابة عامل في مزرعة ألبان بولاية نيفادا الأمريكية بسلالة جديدة لإنفلونزا الطيور    الصحة العالمية: سنضطر إلى اتباع سياسة "شدّ الحزام" بعد قرار ترامب    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع عبد الكريم الأزهر الفني صرخة وصدى لكل الهوامش

لا يحتاج عبد الكريم الأزهر إلى تقديم أو تعريف، فهو المعرف بذاته وإبداعه، هادئ في طبعه، ومسالم في سلوكه، وهب حياته للفن ليسعد الآخرين بجمالية تكشف عن أسرار الوجود القابعة وراء حجاب شفاف، لا يمكن الولوج إليها إلا عبر عين لاقطة للخبايا الكامنة في الروح الإبداعية، وفي للمكان مرتبط بتربته المنحدرة من مدينة أصيلة وهي مدينة أزمور التي أعشقها بدوري حتى الردة، كانت هي العتبة لاكتشافه عوالم الجمال، إبداعاته امتداد لتاريخ هذا المكان الصغير، الذي يحبل بطاقات إبداعية كثيرة لم تعرفها المدن الكبيرة، صادق في تعبيره ومواكب للحركة الثقافية بكل أجناسها، قارئ متميز بعين الناقد المتمحص، منفتح على كل المبادرات الإنسانية، داعم لكل فعل ثقافي رصين، عرفته متواضعا منذ أواسط الثمانينات وبقي كذلك إلى حدود هذا اليوم، هذا اليوم الذي يعتبر يوما تاريخيا، اعترافا لما قدمه هذا الرجل لهذا الوطن في مجاله، وبهذه المناسبة نشكر دار لوان على هذه الالتفاتة الجميلة والصادقة في حق رجل صامت، صمت ناسك متصوف، زهد في الحياة على حساب وقته وعائلته الصغيرة، ليساهم في تأسيس المشهد الفني المغربي، غير عابئ لما يهرول إليه الآخرون من الفنانين.
عبد الكريم الأزهر، زهرة أقحوان يفوح منها عطر المحبة ليشمل حقول أرخبيل الفن والفنانين، متعدد تعدد الأزمنة في الزمن الواحد، أزمنة ارتبطت بتحولات في الأفكار وأساليب الاشتغال، وتقاطعت في زمن فيه الفكرة سيدة الموقف، بتسلسلها وامتدادها، لتجعل من مشروعه الفني صرخة وصدى لكل الهوامش والشوائب، مستجيبا ومستمعا لنبضات الشارع وهمومه.
عبد الكريم الأزهر حارس المعبد الآشوري والمحارب الذي لم يشهر سلاحه يوما إلا في وجه الرداءة والظلمة، ولم يأخذ قسطه من الراحة، دوما في صراع مع اللون والسند، مؤرخ للحظات طفولية تكبر فينا دون أن ننتبه إليها، فتارة تجده يشتغل على الورق والكرتون وتارة أخرى على القماش، محتفظا بشروخ من ذاكرة بائدة أحياها بعين اللاقط لتفاصيل الأشياء العابرة وما تبقى من المتلاشيات، مرتحلا بين تقنيات مختلفة، منها الرسم بالحبر، ثم صباغة الأكريليك، موازيا بين تقنيات كرافيكية جعلت من فن الحفر ملجأ لها.
مرت تجربة الفنان عبد الكريم الأزهر بأربع مراحل، بعد تخرجه من أكاديمية الفنون ببلجيكا، مرحلة الوصف المرتبطة بالطبيعة وبمسقط رأسه بالذات، ومرحلة التفكيك والمعالجة المتعلقة بالجسد وأسراره، ثم مرحلة الاهتمام بالملفات والأرقام، وأخيرا مرحلة الاهتمام بالأزهار والوجوه بمختلف تعابيرها.
فبعد انتقاله من مدينة أزمور لإكراهات مهنية، اتخذ شقة في إحدى عمارات بالدار البيضاء مسكنا له، فكانت هذه الفترة بداية لعهد جديد ومشرق في تجربته.
لم يرتبط قط عبد الكريم الأزهر في اشتغاله بالتقنية وجمالية المظهر فقط، بل كان الموضوع هو المحرك الأساسي والمحوري لتجربته كذلك، وبهما حقق توازنا شكلا ومضمونا، اعتمادا على مشاهد حية من أمكنة شعبية تعج صباحا بتحركات الناس وصراخهم، من مارة وبائعي الخضر وقنينات جافيل وأصحاب الشاحنات وسيارات الأجرة والإسعاف والعربات المجرورة ونهيق الحمير وطنين قوائم البغال والجياد وصراخ الأطفال والمتسولين وغيرها من مظاهر الحياة اليومية لهذه الأحياء، بينما في الليل يسكن عبد الكريم الأزهر إلى الهدوء بمظاهر صامتة من خلال أضواء منبعثة من شرفات ونوافذ طوابق شقق العمارة المقابلة، مختزلا تلك الشقق في صورة مصغرة للوجه الحقيقي للمغرب، فكان عامل الزمن والجسد مكونين أساسيين لتجربته، التي انسلخت من فضاء هادئ مريح لفضاء صاخب مقلق، فتحول الجسد إلى لغة تشكيلية استمدت كينونتها من هذا الواقع، وأصبحت الساعة شاهدة عصر على زمن ثابت ومتآكل، لم يعد فيه الإنسان إلا أكسسوارا أو دمية واقفة متفرجة أو قابعة في ركن الحجرة تنصت لنبضات العقارب التي عطلت هذا الزمن، الذي حول بدوره هذا الإنسان في تجربة الأزهر اللاحقة من منظور المؤسسات الرسمية كمخافر الشرطة والمحاكم والأبناك والمستشفيات... إلى ملفات وأرقام قابعة في رفوف مهترئة لم ينفض عنها الغبار لمدة طويلة في انتظار المعالجة والإنصاف.
لم يكتف الفنان عبد الكريم الأزهر ضمن هذا الأرخبيل الفني بجنس التشكيل فقط، بل شيد جسرا لينسج علاقات من جزر أدبية وإبداعية أخرى، فكان للقصة القصيرة حظ من هذا الاهتمام بعد الشعر، فأصبحت العيون والوجوه سندا للجوار والحوار، مستضيفا في تجربته الأخيرة عنصر الحكي، مع الحفاظ على الخط الرابط في شمولية مشروعه الإبداعي، ليدشن علاقته بهذا الجنس ولأول مرة في تاريخ التشكيل المغربي، إيمانا منه بالانفتاح على دواليب الكتابة الأدبية بعين الفنان المتمرس، ليجعل من هذه الوجوه بتقاسيمها وتفاصيل إيحاءاتها، عتبة لاكتشاف أسرار الكتابة من منظور مغاير في تجربة الكاتب والقاص أحمد بوزفور، اعتمد فيها على الأسود وتدرجاته الرمادية، ليعتق عين المتلقي ويريحها من تعب احتفالية الألوان، وليجعل اللوحة فضاء للسكون والطمأنينة، يفوح منها عطر الورود المؤثثة للتكوين الإجمالي لهذه اللوحة، مستعينا بصور لما تبقى من كتابات على كراسات ودفاتر وكنانيش الأطفال وصور أخرى لبطاقات تعريف وطنية مجهولة، ليحدد هوية عمله ويعيد الاعتبار لإنسانية الكائن البشري الذي أصبح رقما كما سلف الذكر.
(*) مداخلة الفنان والناقد التشكيلي شفيق الزكاري في افتتاح اللقاء المفتوح مع الفنان عبد الكريم الأزهر الذي نظمته دار لوان بالرباط يوم 13 أكتوبر 2016.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.