نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» مقالا للكاتب شموئيل روزنر، يقول فيه إنه بعد انتخاب أرييل شارون رئيسا لوزراء إسرائيل عام 2001 بقليل، سافر ليقابل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين. وينقل المقال أن بوتين، كعادة القيادات العالمية، حث شارون على تسليم الضفة الغربية للفلسطينيين، وشارون، كعادة القيادات الإسرائيلية، تعب من سماع ذلك، وقال له إن إسرائيل مكان صغير، وأن تقوم بالتنازل عن أراض قد يشكل خطرا عليها، لكن روسيا بلد كبير فيمكنها أن تفكر في إعادة جزر الكوريل، التي أخذتها روسيا من اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية، فأجابه بوتين: «روسيا لا تتنازل عن أراض.. وإلا فكيف أصبحت كبيرة بهذا الحجم؟». ويشير الكاتب إلى أنه «بعد ذلك اللقاء بعامين، قال شارون، الذي نشأ يتحدث اللغة الروسية، عن بوتين: (إنه صديق جيد لإسرائيل)، وكانت مقدرته الفكاهية العالية تمكنه من قول ذلك، دون أن يظهر على وجهه أنه يمزح». وتلفت الصحيفة إلى أن «بوتين لديه إمكانية أيضا على أن يخفي مشاعره الحقيقية، وإن كنت تريد الدليل فانظر كيف استطاع أن يجر إدارة أوباما معه في خطة لوقف إطلاق النار في سوريا، ودليل آخر هو إعلان روسيا حديثا عن نية الكرملين عقد قمة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في موسكو». ويقول روزنر إنه «مقارنة مع شارون، فإن نتنياهو لا يتحدث اللغة الروسية، لكن يبدو أنه وجد لغة مشتركة مع بوتين، لغة يتحدثها بطلاقة أكثر حتى من شارون، وينبغي ألا يشكل هذا مفاجأة، فالضرورة تولد الصداقة، وفي حالة إسرائيل أصبح الكرملين ضرورة لسببين مرتبطين ببعضهما: تنامي الحضور الروسي في شؤون الشرق الأوسط، في الوقت الذي تنسحب فيه أمريكا من المنطقة، وبصراحة فإن إسرائيل تصدق بأن روسيا تنوي أن تصبح لاعبا رئيسيا في المنطقة، أكثر مما تثق بنية أمريكا أن تضع حدا لهذه الطموحات». ويضيف الكاتب أنه «لطالما كانت إسرائيل بيدقا في اللعبة بين القوتين العظميين، ولذلك ظننا، بصفتنا إسرائيليين، بأن ظهر روسيا أقوى من ظهر أمريكا، فعندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية فإن روسيا أقل عاطفية، وتبدو أكثر قسوة، وهذه ليست بالضرورة مزايا، لكنها صفات يجب أن تأخذها الدول بالحسبان». ويتابع روزنر قائلا إنه «مع ذلك، ومن فترة ليست بالبعيدة، لم تشكك إسرائيل بالتزام أمريكا الأساسي باحتواء النفوذ الروسي في الشرق الأوسط، وكان الترتيب الاستراتيجي بسيطا: تتعامل إسرائيل مع الكلاب الصغار في المنطقة، وتضمن أمريكا عدم تدخل كلاب كبار لقلب الموازين ضد إسرائيل». وينوه الكاتب إلى أن «بوتين بدأ يتحدى هذا الترتيب منذ سنوات، ففي عام 2008 قامت روسيا بغزو جورجيا، وغزت عام 2014 القرم، ونجت في المرتين، ولم تكن هذه بالنسبة لإسرائيل علامة أكيدة على أن الأمور تغيرت، وكان بإمكان إسرائيل أن تأمل بأن أمريكا تسمح لبوتين باللعب في البلدان سيئة الحظ المجاورة لروسيا». ويستدرك روزنر قائلا إنه «في صيف عام 2015 أرسلت روسيا بقواتها إلى سوريا، وفي الوقت الذي كان فيه أوباما يوازن خياراته، قام نتنياهو بزيارة إلى موسكو لمقابلة شرطي الشرق الأوسط الجديد، وقد يكونان اختلفا في اجتماعهما، لكن كان نتنياهو يعترف بأن عليه التعامل مع الروس، وكان في دعم بوتين الجريء للأسد رسالة روسية قوية حول نواياها، ومع وجود الطائرات المقاتلة الروسية ليس بعيدا عن حدودها الشمالية، لم يمكن لإسرائيل أن تهمل الأمر». ويبين الكاتب أنه «بالنسبة للرئيس الروسي، فإن التدخل في سوريا، والدعوة لمحادثات بين نتنياهو وعباس، هي طرق لعرض مكانة روسيا، ولإزعاج أمريكا، وليس هناك دليل أقوى على علو شأن روسيا من استشارة حلفاء أمريكا التاريخيين، مثل مصر والسعودية وإسرائيل لبوتين، وحاول وزير الخارجية جون كيري الجمع بين نتنياهو وعباس، لكنه لم يتمكن من ذلك، ويمكن لبوتين أن ينجح؛ لأنه الزعيم الذي سيجد كل من عباس أو نتنياهو صعوبة في رفض دعوته، لكن هذا لا يعني أن الدعوة لمحادثات سلام تدعمها روسيا دعوة صادقة». ويقول روزنر: «قد يدعي بوتين أنه يريد أن يشجع على السلام في الشرق الأوسط، لكن كما رأينا في الأشهر الأخيرة، فإن منطقة غير مستقرة تخدم مصالحه بشكل أفضل، وقد يتظاهر بأنه يريد حلا دبلوماسيا للحرب الأهلية في سوريا، أو للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكن حلفاءه في سوريا وإيران وحزب الله سيفعلون كل ما بوسعهم لمنع أي حل سلمي في سوريا، غير انتصار كامل لحكومة بشار الأسد، والأمر ذاته لمنع أي اتفاق سلمي بين إسرائيل والفلسطينيين». ويجد الكاتب أنه «لذلك، فإن القيادة الفلسطينية غير متحمسة بشأن مبادرة بوتين، وهم يعرفون أن رئيس روسيا لا يهتم كثيرا بمعاناة شعب مسلوب الحقوق السياسية، كما أن بوتين لا يهتم كثيرا بشعب لا يؤثر في جعل روسيا أكثر قوة، لكنهم يعلمون أنه ربما يكون عليهم أداء الدور، فالقضية الفلسطينية تقع في أسفل سلم أولويات الشرق الأوسط». ويذهب روزنر إلى أن «نتنياهو ليس أكثر تحمسا للقاء عباس في موسكو، لكن دوافعه محسوبة، فهو لا يطمع في لقاء مع الفلسطينيين، بل يطمع في الحوار مع الروس، ومعهم المصريون والسعوديون، الذين أصبحوا يقتربون أكثر من روسيا ومن إسرائيل، والذين تعبوا وخاب أملهم في إدارة أوباما». ويخلص الكاتب إلى أن «هذا كله يعني أن الإدارة الأمريكية القادمة ستواجه تحديا فريدا في الشرق الأوسط، فبدلا من الحفاظ على النفوذ الأمريكي هناك، فإن على أمريكا أن تستعيد نفوذها، وبالنسبة للرئيس القادم قد تكون المهمة أكثر صعوبة: أن يجعل المنطقة أكثر وثوقا به وخوفا منه أكثر من بوتين».