الحرب لا تريد أن تنتهي، فقط ، هو الموت يخبط عشوائيا وعبثا في المدن الصغيرة والأرياف والعواصم، فمن لم يمت بالسيف أو بين قذيفتين ، تخترق دماغه رصاصة دافئة . الحرب تأتي يوميا، نستقبلها عاجلا أو على رأس كل ساعة في نشرات الأخبار وشاشاتها، في بيوتنا ، في المقاهي وعلى موائد الأكل، وعلى صفحات الجرائد الفايس ، وكما لو أنها واحدة منا.. الحرب تفتح أزرار صدرها برحابة للبنادق، للجنود، للأكفان، للتوابيت، للمقابر الجماعية، للأصص الجافة، وللأعشاب أمام عتبات البيوت وفي الشرفات. الحرب بركة آسنة ، طيور تفقس عيون الجثث، امرأة شبقة وتفتح ساقيها على مصراعيهما للمكبوت الديني والطائفي والقبلي ، وعقدة الحاكمية. الحرب موت لا يستثني أحدا، أطفال المدارس، القطط الشاردة والبريئة، الحمقى والمغفلون، وحتى مجانين العشاق في خلواتهم. الحرب تقصف بجنون روض الأطفال، دور العجزة وذوي الاحتياجات الخاصة، حدائق الحيوانات، دور القرآن، كنائس النصارى، متاحف التاريخ، وحتى الدراويش والمساكين . الحرب كلبة هرمة، عاهرة تبيع الموت، قلب قذر ومتعفن، عجوز بلا ملامح وسيئة السمعة، ويد متسخة بالموتى. الحرب جنرال عجوز لاشيء في رأسه سوى الثكنات ومهربي الأسلحة والمخدرات البيضاء، الجنود والمتاريس، الخطوط الأمامية وأصوات القذائف والطائرات. الحرب شيخ بقلب متسخ ، في رأسه رفوف صفراء ، سبحة بنية، بار للكحوليات الروحية، إعدامات وساحات عمومية، ومذبحة تبتسم بمكر. الحرب تلوي أعناق الراقصين في الساحات في الساحات ، وأعناق الورود في الحدائق، الحرب تحتاج فقط أن تقتل وتشوه جدا ، وترفض أن تتخلى عن دمارها وخرابها وقلبها الذي يخلو من أية عاطفة ومشاعر، سوى جمرات خبيثة. الحرب لا تتقن السهر القبل والعناق ، لا تفتح شباك الصباح في وجه أشعة الشمس كي لا تتعفن غرفتها، وتستغرق فترة طويلة في مشاهدة حياة المدينة حافية القدمين . الحرب لا تحتسي علب البيرة-، ولا تدخن السجائر الشقراء، لا تنتشي، لا تسكر، ولا ترقص بكل جسدها وضفائرها ملء الحلبة، على إيقاع موسيقى إفريقية . الحرب لا تصنع لحبيبها إبريق شاي بالزعتر البلدي ، ولا تجلس على الفوتيه كي تصغي لأغنية «جاك بري» ، وأحيانا تقرأ فصلا من رواية «قصة عن الحب والظلام » للكاتب الإسرائيلي «عاموس عوز» وجملة القول ، « الحرب امرأة عاهرة»، يكتب صديقي الشاعر «إبراهيم قازو» ..ذات خلوة وامضة ، على صفحة جسره وجسرنا الشعري والرقمي.