يزخر التراث العربي بقصص وأخبار الأولين التي تم تدوينها، في كتب ومجلدات عديدة، متناولة حيوات أو أحداثا وقعت لهذا الشاعر أو هذا الأديب أو لذاك الوالي أو ذاك الحكيم أو هذا المجنون، أو هذا الطماع وذاك المحتال إلخ.. وهي قصص وأخبار انتمت في غالبها إلى الأدب العربي، الفصيح العالم منه، أو الشعبي، مما ظل الحكاة والرواة يرددونه في مجالس أنسهم، أويطالعه المهتمون بالأدب لإغناء قاموسهم اللغوي، لما تنطوي عليه بعض هذه القصص من مفردات مُفعمة بنداوتها الأولى وطراوتها البدئية، أو لما تشمله من عبر وحكم وأمثال أو لمجرد متعة القراءة والترفيه عن النفس. لذلك، اخترنا منتخبات من هذا التراث ليصاحبها القارئ الكريم، عله يجد فيها من البلاغة والفصاحة وحسن القول وسرعة البديهة، وخفة الظل والدم ومن مهارات الخطابة وأساليب المكر والحيل لبلوغ الغاية ومن الامتاع والمؤانسة، ما يملأ به وقته استفادة ومتعة. جمع بين زوجين قال إبراهيم بن ميمون: حججت في أيام الرشيد، فبينما أنا بمكة أجول في سككها إذا أنا بسوداء قائمة ساهية، فأنكرت حالها، ووقفت أنظر إليها، فمكثتْ كذلك ساعة، ثم قالت: أعمرو علام تجنبتني أخذت فؤادي فعذبتني فلو كنت يا عمرو خيَّرتني أخذت حذاري فما نلتني فدنوت منها فقلت: يا هذه، من عمرو؟ فارتاعت من قولي وقالت:زوجي. فقلت: وما شأنه ؟ قالت: أخبرني أنه يهواني ومازال يدس إلي، ويعلق بي في كل طريق، ويشكو شدة وجده حتى تزوجني، فلبث معي قليلا، وكان له عندي الحب مثل الذي كان عنده، ثم مضى إلى جدة، وتركني، قلت: صفيه لي، فقالت: أحسن من تراه وهو أسمر حلو ظريف. قلت: خبِّريني، أتحبين أن أجمع بينكما؟ قالت: فكيف لي ذلك؟ وظنتني أهزأ بها، فركبت راحلتي وصرت إلى جدة، فوقفت في المرقى أتبصر من يعمل في السفن، وأصوت ياعمرو! ياعمرو! فإذا به خارج من سفينة وعلى عنقه صن (شبه سلة) فعرفته بالصفة. فقلت:»أعمرو علام تجنبتني. فقال لي: هيه، هيه رأيتَها وسمعتَه منها. ثم أطرق هنيهة، واندفع يُغنيه. فقلت: ألا ترجع؟ فقال: بأبي أنت، ومن لي بذلك؟ والله أحب الأشياء إلي، ولكن منع منه طلب المعاش. قلت: كم يكفيك كل سنة؟ قال: ثلاثمائة درهم، فأعطيته ثلاثة آلاف درهم، وقلت،هذه لعشر سنين، ورددته إليها، وقلت له:إذا فنيت أو قاربت الفناء قدمت علي وأعطيتك، وإلا وجهت إليك. وكان ذلك أحب إلي من حجي. عن مصارع العشاق، لأبي جعفر ابن أحمد السراج