يزخر التراث العربي بقصص وأخبار الأولين التي تم تدوينها، في كتب ومجلدات عديدة، متناولة حيوات أو أحداثا وقعت لهذا الشاعر أو هذا الأديب أو لذاك الوالي أو ذاك الحكيم أو هذا المجنون، أو هذا الطماع وذاك المحتال إلخ.. وهي قصص وأخبار انتمت في غالبها إلى الأدب العربي، الفصيح العالم منه، أو الشعبي، مما ظل الحكاة والرواة يرددونه في مجالس أنسهم، أويطالعه المهتمون بالأدب لإغناء قاموسهم اللغوي، لما تنطوي عليه بعض هذه القصص من مفردات مُفعمة بنداوتها الأولى وطراوتها البدئية، أو لما تشمله من عبر وحكم وأمثال أو لمجرد متعة القراءة والترفيه عن النفس. لذلك، اخترنا منتخبات من هذا التراث ليصاحبها القارئ الكريم، عله يجد فيها من البلاغة والفصاحة وحسن القول وسرعة البديهة، وخفة الظل والدم ومن مهارات الخطابة وأساليب المكر والحيل لبلوغ الغاية ومن الامتاع والمؤانسة، ما يملأ به وقته استفادة ومتعة. مجنون أديب قال أبو العباس أحمد بن يحيى المعروف بثعلب: كان ببغداد فتى يُجن ستة أشهر، فاستقبلني يوما ببعض السكك فقال: ثعلب! قلت: نعم قال: أنشدني فأنشدته: وإذا مررت بقبره فاعقر به--- كوم الهجان وكل طرف سابح وانضح جوانب قبره بدمائها--- فكذا يكون أخادم وذبائح فضحك ثم سكت ساعة وقال: ألا قال: اذهبا بي إن لم يكن لكما عقر على ترب قبره فاعقراني وانضحا من دمي عليه فقد كان دمي من نداه لو تعلمان ثم رآني يوما بعد ذلك فتأملني وقال: ثعلب! قلت: نعم، قال أنشدني، فأنشدته: أعار الجود نائله --- إذا ما ماله نفدا وإن أسد شكا جبنا --- أعار فؤاده الأسدا فضحك وقال: ألا قال: علَّم الجَوْدَ الندى حتى إذا--- ما حكاه علم البأس الأسدْ فله الجود مُقَرٌّ بالندى --- وله الليث مقر بالجَلَدْ *عن العقلاء المجانين