من نافل القول أن حركية المجال التشكيلي ظل مرتبطا بالرباط باعتبارها العاصمة الإدارية التي تضم أهم رواقَيْن عموميَّيْن للعرض (قاعة باب الرواح وقاعة محمد الفاسي)، وبالدار البيضاء بوصفها العاصمة الاقتصادية التي تضم أهم الأروقة والصالات الخاصة ومؤسسات الرعاية التابعة للأبناك والمؤسسات المالية وغيرها، إضافة إلى تموقع جل المؤسسات الصحافية والإعلامية بالمدينتَيْن. لكن، بالرغم من وجود دواعي تكريس هذه المركزية في النشاط الفني، فإن مدنا كبيرة باعتبارها عواصم لجهات كبرى مثل مراكش (الجنوب) وطنجة (الشمال) ووجدة (الشرق) استطاعت أن تتيح لمبدعيها بعض شروط الاستقرار والممارسة والعرض والترويج وإن بتبايُنات متفاوتة. بالنسبة لعاصمة المغرب الشرقي التي تعد من بين مدن المملكة التي شهدت ولادة أولى الجمعيات التي تُعْنى بالفنون الجميلة وذلك منذ 1975، فقد عرفت تطورا ملموسا مع بداية الألفية الجديدة على صعيد البِنْيات التحتية وإعادة هيكلة هندستها المَدَنِية التي كان للحقل التشكيلي نصيبا فيها بإحداث قاعتَيْن عموميتَيْن للعرض بمُواصفات حديثة، ما شكل حوافز ملموسة للفاعلين الذين ضاعفوا جهودهم في اتجاه خلق حيوية فنية تروم تثبيت برامج وأنشطة تمنح للمجال التشكيلي ديمومة الإبداعية والحضور. في هذا الأفق، تنظم جمعية «فن الشرق للتنمية» الدورة الثانية للمهرجان السنوي «فن الرمال» (ما بين 27 غشت و03 ستنبر 2016)، ضمن تكريس الفاعلية التشكيلية عبر أنشطة إبداعية متنوعة ومثمرة، في وجدة وبركان وواحة فجيج وشاطئ السعيدية، ما يؤكد أن الجمعية تتوجه نحو تغطية الإقليم قاطبة، باعتبار ذلك من أهدافها، لإيمانها بضرورة توسيع دائرة الأنشطة في مدن المحور الصغيرة منها والنائية، في اتجاه خلق تكافؤ إبداعي بين ساكنة الجهة الشرقية ومبدعيها. فيما تشير تسمية «فن الرمال» إلى جنس النحت الموصوف بالبعد الثالث الذي نستقدم من خلاله مختلف أنواع التراكيب والتجهيزات والأداءات المشهدية، كإشارة إلى عزم الجمعية على مسايرة مستجدات طرق التقديم والإنجاز الموصولة بالأشكال الفنية الجديدة، خاصة وقد سبق أن سجل أعضاؤها ممارستهم الإبداعية للفنون المعاصرة من خلال التنظيم والمساهمة الفعالة في مختلف المنتديات والمهرجانات والمعارض الوطنية والدولية. في حين، يحيلنا «فن الرمال» على الصحراء واللون البني والسُّمرة، بينما يضعنا أمام حقيقة انتمائنا الإفريقي، ما يبرر اختيار شعار عريض ومركزي: «حين يُسائل الفن الهوية الإفريقية للمغرب»، الشعار الذي يدفعنا لاستحضار فنانين مغاربة راحلين من أمثال فريد بلكاهية ومحمد القاسمي ومحمد نبيلي، إذ تميزت أعمالهم بذلك التوهج اللوني والشكلي والمادي الذي يعكس البعد الإفريقي ذي الجمالية المشتعلة والخاصة. كما يبقى هذا الشعار تيمة محورية لا تمس الجانب الجمالي فقط، بل تمس الفكر والتأمل الثقافي الذي يستدعي الإجابة عن العديد من الأسئلة المرتبطة بشعوب القارة السمراء وقضاياها الفكرية والإبداعية. ولعل هذا الميل الإفريقي نابع مما تحتله جهة الشرق من مكانة متميزة من بين جهات البلاد، بحكم تاريخها وجغرافيتها وموقعها الإستراتيجي الرابط بين الشمال و الجنوب، و كنقطة عبور و جدب منذ القدم لأفارقة جنوب الصحراء، فهي منطقة روافد و رواسب بدون منازع كما جاء في بلاغ الجمعية. من ثمة، ولتوسيع دائرة الجدل والتبادل والتقاسم والانفتاح، تمت دعوة مجموعة من مشاهير الفن الإفريقي الممارسين للنحت والمنشآت والفنون البصرية بعامة، فضلا عن ثلة من النقاد والباحثين الجماليين، دون إلغاء فئة الشباب لتدعيم تواصل إيجابي بين الأجيال، عبر إسهامهم في المعارض والندوات الفكرية واللقاءات التواصلية والمحترفات التطبيقية. ولأن الإبداع الفني مسألة مرتبطة أساسا بالوجدان وبالحس الإنساني المشترك بعامة، بما في الإنسانية جمعاء من ذوي الاحتياجات الخاصة، فقد عملت جمعية «فن الشرق للتنمية» على إدماج المكفوفين وفئة الصم والبكم ومرضى التوحد والنساء المتواجدات في وضعيات صعبة، لإقحامهم وجعلهم داخل الفعل الفني من خلال إشراكهم في الممارسة والعرض، علما أن العملية الإبداعية تعد من أرقى وسائل العلاج النفسي والترويح عن الروح. إن مهرجان «فن الرمال» الدولي في دورة 2016، وهو يختار الانفتاح على إفريقيا واستغوار جمالها وأسرارها البصرية، استنادا إلى توكيد أهمية الرمال كمادة أولية للبناء الإبداعي، إنما يعبر عن الوعي بقيمة الفن الإفريقي الذي صار يحتل الصدارة في الفن العالمي، لما تزخر به إفريقيا من حضارات ومجتمعات عريقة وشديدة الاختلاف والخصوصية، إن على مستوى تقاليدها ومعتقداتها وموادها الطبيعية، وإن على صعيد طقوسها وتراثها البصري القمين بالمراجعة والبحث والدراسة. وإذا كان بابلو بيكاسو يمثل أيقونة من أيقونات الفن العالمي الشامخة، فإن أشكال وألوان وموتيفات إفريقيا المرئية تبقى من السمات الكبرى والرئيسَة التي شكلت هذه الأيقونة وامتداداتها التكعيبية.