يزخر التراث العربي بقصص وأخبار الأولين التي تم تدوينها، في كتب ومجلدات عديدة، متناولة حيوات أو أحداثا وقعت لهذا الشاعر أو هذا الأديب أو لذاك الوالي أو ذاك الحكيم أو هذا المجنون، أو هذا الطماع وذاك المحتال إلخ.. وهي قصص وأخبار انتمت في غالبها إلى الأدب العربي، الفصيح العالم منه، أو الشعبي، مما ظل الحكاة والرواة يرددونه في مجالس أنسهم، أويطالعه المهتمون بالأدب لإغناء قاموسهم اللغوي، لما تنطوي عليه بعض هذه القصص من مفردات مُفعمة بنداوتها الأولى وطراوتها البدئية، أو لما تشمله من عبر وحكم وأمثال أو لمجرد متعة القراءة والترفيه عن النفس. لذلك، اخترنا منتخبات من هذا التراث ليصاحبها القارئ الكريم، عله يجد فيها من البلاغة والفصاحة وحسن القول وسرعة البديهة، وخفة الظل والدم ومن مهارات الخطابة وأساليب المكر والحيل لبلوغ الغاية ومن الامتاع والمؤانسة، ما يملأ به وقته استفادة ومتعة. أبو علقمة عند الطبيب! حدث عبد الله بن مسلم قال: دخل أبو علقمة النحوي على » "أعين"« الطبيب فقال له: أمتع الله بك، إني أكلت من لحوم هذه الجوازل(أفراخ الحمام وواحدها جوزل) فطسئت طسأة (أي أتخمت) فأصابني وجع بين الوابلة (طرف رأس العضد والفخذ) إلى دأية العنق (أي فقرات الكاهل والظهر) فلم يزل ينمى حتى خالط الخلب (وهي لحيمة رقيقة تصل بين الأضلاع) وألِمت لها الشراسف (الشرسوف غضروف معلق بين الأضلاع وهو المشرف على البطن) فهل عندك دواء؟ قال له أعين الطبيب: خذ حرقفا وسلقفا فزهزقه ورقرقه واغسله بماء روث واشربه بماء الماء«. فقال أبو علقمة:أعد، ويحك، علي، فإني لم أفهم عنك. فقال له أعين: لعن الله أقَلَّنا إفهاما لصاحبه، ويحك، وهل فهمت عنك شيئا مما قلت؟! * عن »مُلح الحديث« لأحمد الطيب