كنا في زمن قريب نتكلم عن وضعية المخيمات بالمغرب التي لم تكن دائما جيدة؛ إلا أننا كنا على الأقل نلتقي مع من يسمع لمقترحاتنا ولو أنه لا يعمل بها. أما اليوم فمشكلتنا أنه بالرغم من الكلام المسترسل سواء عبر الصحافة أو اللقاءات الوطنية؛ فإننا لا نجد من يستمع لنا ويفهم أفكارنا بل نكون في غالب الأوقات أمام من يسبق بالجواب قبل فهم السؤال، ومن تم تبقى مطالب الحركة الجمعوية التربوية النزيهة بعيدة عن أن تلقى مكانتها في السياسات العمومية المتعلقة بقطاعات الطفولة والشباب. ومناسبة هذا التقديم ما تعرفه ساحة المخيمات اليوم من عمليات البيع والشراء غير المشروع، ومن تنازلات واختراقات مصلحية أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها تسئ لبلدنا ولطفولته، فقطاع التخييم شكل منذ عقد الأربعينات مجالا لتجاذب الأفكار والمواقف وللمساءلة لدى المهتمين بميدان الطفولة والشباب ببلادنا، وإذا كان المتتبعون يعتبرون بأن ملف التخييم يتطلب تظافر جهود كل الفاعلين من أجل مواكبته للتحولات التي يعرفها مجتمعنا، سواء على المستوى الديمغرافي أو المؤسساتي لأنشطة متجددة في المجتمع؛ فإنه مع ذلك، ظل على هامش كل الرهانات الاجتماعية، في الوقت الذي تزداد فيه خطورة الوقت الحر بسبب التحولات التي تخترق الأسرة المغربية وتزايد حضور الشارع والإعلام في مسلسل التنشئة الاجتماعية، ورغم أنه قطاع له أهمية تربوية واجتماعية بالغة، حيث يلعب دوراً طلائعياً هاماً في رعاية الطفولة والشباب، ويشكل من جهة أخرى حلا لمشكلة العطلة لدى الأسر، كما يعكس ببنياته وطموحاته ومكاسبه صورة واضحة للواجهة الأمامية للتحولات التي يعرفها التنشيط السوسيو ثقافي ببلادنا. وإذا كانت التجربة المغربية في مجال التخييم إحدى التجارب التي استطاعت أن تؤسس لنفسها مكانة متميزة في شكلها ومضمونها من دون أكثر الدول العربية بالنظر إلى المسيرة الطويلة التي قطعتها وللمجهودات التي راكمتها الحركة الجمعوية والفاعلين التربويين وعطاءاتهم الإيجابية المتواصلة، والتي تحدت كثيراً من الصعاب والعقبات والإحباطات؛ فإن الاهتمام بها لم يحظ دائماً بما يلزم من رعاية وعناية، سواء من طرف الدارسين والباحثين، أو من طرف المسؤولين السياسيين عندما يخططون للبرامج والسياسات العمومية الكبرى للبلاد. فانسجاما مع التوجهات الدستورية، الرامية إلى نهج سياسة جهوية متقدمة ولامركزية محكومة بتضامن وتفاعل الساكنة ومواردها، فإن إدراج الهيئات المنتخبة محلياً وجهوياً كطرف فاعل في العملية التخييمية، سواء بدعم مجهود المنظمات العاملة في مجال التخييم بتوفير وسائل النقل إلى المخيمات بالمغرب وخارجه، ودعمها بمنح تشجيعية وتجهيزات ووسائل تربوية ومادية، أو بدعم مالي لتغطية مساهمات الأطفال وساكنة الجماعة في إطار سياسة اجتماعية، أو بتشجيع الشباب على الانخراط في هذا العمل التربوي عبر المساهمة في تمويل حاجياتهم، أو بالعمل على تأسيس فضاءات للتخييم في كل الجماعات ووضعها رهن إشارة العاملين في الميدان التنشيطي السوسيو تربوي، وتوأمتها مع الجماعات الأخرى لتبادل الأطفال والزيارات وللإجابة عن رغبة السفر وتغيير الجو كعنصر من عناصر التخييم، واقتراح معادلة مقدار مالي مساعدة عن كل طفل يسجل من الجماعة في اتجاه أي مخيم كوسيلة لتشجيع الجمعيات وللرفع من أعداد أطفال المدينة المستفيدين من المخيمات. سيخلق هذا الإدراج الفعلي بعد أن يجد من يترافع عنه ويغنيه، رفيقاً شرعيا جديداً ومتميزاً للأسرة، وسيمكن المؤسسة التخييمية من مكانة متميزة والعمل الجماعي الاجتماعي من تطوير أهدافه فعليا بدفع السياسات والمخططات المحلية الجهوية، لإيلاء الأهمية للموضوع بتبني طموح الوطن في خلق الشروط الموضوعية وتوفير الإمكانات اللازمة لتحقيق تربية مستمرة لأجيال اليوم والغد، ضمن مخططات تنموية مستمرة ومتكافئة بين الجهات والميادين. وكذلك يمكن العمل في نفس الاتجاه نحو الهيئات التعاضدية المنتخبة، والتي يساهم فيها المواطنون ماديا من أجورهم، بالدفع إلى إشراكهم في هذه العملية بدعمها المادي لتمتيع أبناء منخرطيها بمخيمات مفيدة ومريحة ليس فقط من تنظيم هيئاتها، بل كل المخيمات التي يختارها المنخرطون لأبنائهم. واليوم ومن خلال توجيه الزيارات الوزارية لمخيمات دون أخرى والاستجابة السريعة دون قيد ولا شرط لطلبات مسؤولين وبرلمانيين عبر شبكة من الجمعيات المحلية والسكنية في تنظيم مخيمات بالمجان ونقل أطفال الهوامش بالشاحنات وعربات النقل المدرسي دون تأمين خاص بالنقل لمراكز التخييم، وتسليط الضوء الإعلامي المرئي والمسموع على جمعيات محلية لها رخص قبول بأكثر من 200 منحة في مواجهة الجمعيات التربوية الوطنية التي لم تستفد هذه السنة إلا من نصف المقاعد والمنح التي برمجت لتنظيمها، فكيف يعقل أن خمس جمعيات محلية لها نفس مقاعد ومنح جمعية وطنية تتوفر على أكثر من 30 فرع. ونذكر هنا على أنه على المستوى العملي، تعرف بلادنا تدبيراً لقطاع المخيمات، لا يرقى إلى ما يستحقه من حيث عدم تعميم أنظمته على الجميع، ومن حيث غياب معايير ومواصفات قانونية، كما أن هناك ملاحظة حول ضعف التأطير والميزانيات المرصودة وكذا نوع الإطار القانوني للعمل التشاركي الذي ناضلت من أجله الجمعيات، والذي عرف منذ التراجع عن المجلس الأعلى للشباب إلى لجنة للتنسيق في الستينيات، ثم إلى لجنة وطنية في الثمانينيات، وكذا من حيث درجة الأهمية التي توليها السلطة الحكومية، بمقارنة مع القطاعات الأخرى التي تشرف عليها. ومن جهة أخرى، كان رفع عدد المستفيدين إلى حوالي 250 ألف مستفيد، قفزة نوعية/ كمية متميزة لم تتم مواكبتها بالوسائل والإمكانيات المالية والبشرية المماثلة. وحسب وثيقة للوزارة خاصة بالبرنامج الوطني للتخييم 2016، فإن أعداد المستفيدين من برنامج 2016 يتوزعون على 120 ألف مستفيد من المخيمات القارة و50 ألف مستفيد من المخيمات الحضرية، و15 ألف من المخيمات الموضوعاتية، و30 ألف من مخيمات اليافعين، و10 ألائف من مخيمات الشباب، و 15 ألف من مخيمات نهاية الأسبوع، و 8 ألائف من الدروات التدريبية، و2000 من اللقاءات الإعدادية. وهو توزيع على طول الموسم الشئ الذي يجعل من عدد الأطفال المخيمين فعلا خلال المراحل الصيفية أقل من نصف ذلك العدد. ومن جهة ثالثة، تراجعت الفضاءات المخصصة للمخيمات بشكل دائم بإقفال بعضها وعدم الحسم في وضعية بعضها وإهمالها في انتظار تفويتها ضمن مخططات أخرى وغاب وضوح اختيار مبادلة فضاءات أخرى في استثمارات مربحة للوطن ضمن خطته التنموية ووضعية تأطيرها الدائم، كما أن القطاع عرف من جهة أخرى بروز ظواهر جديدة، حيث بدأت بلادنا تعرف «إنشاء» مخيمات حرة خارج الإطار القانوني لفتح المخيمات الذي يعود قانونا فقط للقطاع الحكومي المكلف بالشباب والرياضة، هذا بغض النظر عن التأرجح في تحسين شروط استقبال وإيواء وتغذية وتنشيط المستفيدين من المخيمات، حيث انه ليست هناك خطة علمية ولا توازن بين الجهات والمخيمات ولا تغطية كاملة للحد الأدنى، لا لأشغال الصيانة والإصلاح فقط، بل كذلك لتجديد الأدوات والمعدات، وأخيراً إشكالية صرف منح التغذية التي وإن عرفت زيادة السنة الماضية، فإنها تعرضت لامتحان عسير مع موجة تصاعد الأسعار وتضاربها و ظلت عرضة لنسبة كبيرة من التآكل قد يصل في بعض المناطق إلى النصف بسبب صيغ صرفها البيروقراطي والمتعثر، سواء كمناقصات أو طلبات ضمن مناقصة أشمل، أو كتدبير مفوض لمجموعة من الممونين الذين لم يحترموا في غالبيتهم كناش التحملات، كما تثبت ذلك تجربة السنة الماضية وحسب تقارير الجمعيات التي فرضت عليها العملية، كما أن هناك عدم قبول الانتقال إلى نظام الخوالات Les régies الذي يتميز بصرف مباشر، ويمكن أن يخضع لترتيبات متميزة يشارك فيها الجميع، كما أن تقديم الوجبات عن طريق الممون «التريتور» في بعض المخيمات،عرف اختلالات كبيرة من حيث جودة الأطعمة المقدمة وتوفر التجهيزات الدنيا والتحضير بعين المكان وضعف الوجبات وعدم خبرة الممونين بالوجبات الجماعية والخاصة بالأطفال من حيث التوازن الغذائي وتنوعه ومناسبته للمستهدفين وسنهم نشاطاتهم البدنية. عدا مشاكل تفعيل اتفاقية التأمين المبرمة بين الوزارة وشركة التأمين، وغموض الموقف من مسؤولية الدولة القانونية، كما هو معروف من زمن وتراجعها عن المطالبة بتأمين عرف تلاعباً خطيراً في بعض المدن. ومشاكل التطبيب بعين المكان وانعدام معايير الأمن والسلامة في المخيمات وانعدام ضبط مواعيد نقل الأطفال عبر القطارات الخاصة، والتي يجب أن تجد لها حلا يراعي رغبات الآباء والعائلات من جهة ويحمي المنظمات التربوية وينظم القطاع في أبعاده التربوية والاجتماعية. وتهييء الظروف المادية للاستقبال واستقرار المستفيدين بشكل ملائم يساعد في النهاية على التفرغ للعطاء التربوي وتهديفه والرقي بالمجهودات والعطاءات التربوية عوض الغرق في حل مشاكل الحياة المادية اليومية التي من الممكن تجاوزها بتعيين إدارات دائمة لهذه الفضاءات. إن الرفع من أعداد المستفيدين من التخييم وفتح مجالاته لفئات أوسع لم يكن هو المطلب الوحيد لتجاوز الأزمة، بل إن مراجعة تحديد سن التخييم وتحينه وفتحه إلى ما دون التاسعة وما فوق الرابعة عشر كفيل بتجميع فئات عريضة من الأطفال بهذا الحق، وتجديد مراكز التخييم القائمة وإصلاح منشآتها ومعيرة المقاييس في هذا الباب وإخضاع الجميع لشروط إنشاء المخيمات، خاصة وشبه عمومية، وتوسيع خريطة التخييم بالبحث عن فضاءات جديدة وتحويل ما يمكن أن يسمح بذلك، ومراجعة صيغة صرف ميزانية التغذية وفتح اعتمادات الترميم وفق برنامج معلوم وميزانية التسيير وتسمية إدارات قارة للمخيمات ودعمها بكل الوسائل التقنية لمزاولة عملها الإداري والتربوي في أحسن الأحوال، ومدة التخييم أصبحت 15 يوماً ثم نزلت إلى 12 يوماً عوض 21 يوماً في الأصل وهو راجع لاعتبارات غير مفهومة تطورت منذ حوالي 30 سنة، عندما تزامنت العطلة الصيفية مع شهر رمضان أو بعض الأنشطة الرياضية الوطنية والدولية الكبرى، فقضى بعض المسؤولين بضرورة تقليص مدة التخييم، بينما تأكد أن الاستفادة من برامج تربوية منسجمة وتغذية متوازنة وتغيير الجو لا يتحقق إلا بقضاء ثلاثة أسابيع، فما أكثر خارج النظام العادي. هذه كلها يمكن اعتبارها مؤشرات لتشخيص أزمة التخييم اليوم ببلادنا. وفي هذه اللحظات تعرف العملية التخييمية اختراقات لا تربوية عديدة من طرف ممولي بعض الحملات الانتخابية السابقة لأوانها فكيف لم نفكر في رسائل توجيهية لمسؤولي الوزارة الوصية على القطاع من رؤساء مخيمات وقيادات ومناديب لإقليميين، وكيف نسمح لمخيمات بإقامة إذاعات طيلة اليوم يروج فيها لأفكار معينة ويوجه فيها الأطفال لأهداف لا أخلاقية ولا تربوية، وكيف يسكت بعض المسؤولين عن مخيمات بدون برامج تربوية وتنشيطية ويراقبون الجمعيات الوطنية في أدق تفاصيل مخيماتها. وفي ختام هذه الورقة نقترح نقترح أولا العمل سوية على معيرة إقامة المخيمات حتى تسترجع السلطة الحكومية المكلفة بالقطاع إشرافها القانوني على كل المخيمات بغض النظر عن طاقتها وإمكانياتها الحالية، فلا يحق لأي أن ينشئ مخيما في فيلا آو مقهى آو حديقة أو مزرعة فالمخيم منشأة وكيان، وقد نتج كل هذا من التهافت على العملية التخييمية في غياب خطة إستراتيجية وطنية لإنشاء المخيمات بتوازن بين المناطق وبمعايير محكمة وبدعم من العاملين المختصين. وثانيا العمل على دمج مجهودات وبرامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في مجهود الرفع من تأهيل المخيمات الحالية وإنشاء مخيمات أخرى وبرمجة وطنية لعمل موحد من أجل مخيم في كل جماعة ( مثلا) بإدماج المنتخبين للعمل على توفير بنيات استقبال وتبادل الأطفال في العطل مع الهيئات العاملة في القطاع والسلطات الحكومية المكلفة بطريقة مباشرة آو غير مباشرة به.