شكل قطاع التخييم بالمغرب منذ عقد الأربعينات مجالا لتجاذب الأفكار والمواقف وللمساءلة لدى المهتمين بميدان الطفولة والشباب ببلادنا، وإذا كان المتتبعون يعتبرون بأن ملف التخييم يتطلب تضافر جهود كل الفاعلين من أجل مواكبته للتحولات التي يعرفها مجتمعنا سواء على المستوى الديمغرافي أو المؤسساتي لأنشطة متجددة في المجتمع، فإنه مع ذلك ظل على هامش كل الرهانات الاجتماعية، في الوقت الذي تزداد فيه خطورة الوقت الحر بسبب التحولات التي تخترق الأسرة المغربية وتزايد حضور الشارع والإعلام في مسلسل التنشئة الاجتماعية ورغم أنه قطاع له أهميته تربوية واجتماعية بالغة، حيث يلعب دورا طلائعيا هاما في رعاية الطفولة والشباب، ويشكل من جهة أخرى حلا لمشكلة العطلة لدى الأسر، كما يعكس ببنياته وطموحاته ومكاسبه صورة واضحة للواجهة الأمامية للتحولات التي يعرفها التنشيط السوسيوثقافي ببلادنا. نقدم فيما يلي جزءا من مقاربة حركة الطفولة الشعبية (تأسست في 5 يناير 1956) لملف المخيمات ، لرهاناتها واوضاعها وعلاقاتها مع العديد من الفاعلين . المخيم و... معضلة العطلة إن كانت العطلة المدرسية تعني الاستراحة من عناء سنة دراسية، فإنها تعني كذلك بالنسبة للآباء فترة فراغ وربما ضياع بالنسبة لمستوى من الحياة وانتظامها طوال سنة كاملة، فترة غير مأمونة، فهي فترة متاعب بالنسبة للأسرة المغربية، والسؤال المطروح هل ساهم المخيم ويساهم اليوم في حل هذه المعضلة؟ وكيف يمكن أن يساهم في حل أوسع وأشمل لهذه الأعداد الغفيرة من الأطفال؟و العبء الأكبر الذي يظل اليوم على عاتق الأسر هو إيجاد حل لمشكلة عطلة منظمة لأبنائهم والبحث عن جهات مقنعة لتخييم أبنائها من حيث برامجها والفضاءات المقترحة والتمكن من مساهمة مالية لتغطية مصاريف المشاركة تفوق بكثير نصيب الأبناء في ميزانية عائلاتهم، يحتم علينا العمل على إشراك أطراف أخرى يجب أن تساهم مع الأسر في حل هذه المعضلة وتشاركهم في الاختيار والتكاليف. وان كانت المدرسة تساهم في هذا الباب بشكل معين على مستوى جمعية المخيمات المدرسية فذلك نابع من مبادرة مساهمة قطاع التعليم في حل مشكلة قلة أعداد المستفيدين والفضاءات المخصصة وتوفر القطاع على فضاءات يمكنها أن تساهم في ذلك بالإضافة إلى الطاقم التربوي التعليمي الذي هو مؤهل من قبل ومن بعد لذلك؛ فإنه يمكن للمدرسة أن تساهم بجانب الفاعلين الآخرين في فتح أبوابها لاستقطاب الأطفال والاستفادة كذلك من الفضاءات القابلة للتحول إلى مجال قابل لنوع من التنشيط السوسيو تربوي ثقافي للأطفال والشباب وبذلك تكثر الفضاءات القابلة لاحتضان عديد من أشكال التخييم التربوي، وتوزع المؤسسات التعليمية في خارطة البلاد كفيل بخلق قاعدة منتشرة عبر كل المناطق والجهات، وبالتأكيد فان معايير أنواع المخيمات كما يجب أن تحدد يجب أن تطبق على هذه الفضاءات المحتملة كذلك. وانسجاما مع التوجهات السياسية الكبرى في بلدنا الرامية إلى نهج سياسة جهوية متقدمة ولامركزية محكومة بتضامن وتفاعل الساكنة ومواردها فان إدراج الهيئات المنتخبة محليا و جهويا كطرف فاعل في العملية التخييمية سواء بدعم مجهود المنظمات العاملة في مجال التخييم بتوفير وسائل النقل إلى المخيمات بالمغرب وخارجه ودعمها بمنح تشجيعية وتجهيزات ووسائل تربوية ومادية، أو بدعم مساهمات تغطية مساهمات الأطفال ساكنة الجماعة في إطار سياسة اجتماعية، أو بتشجيع الشباب على الانخراط في هذا العمل التربوي بتمويل حاجياتهم، أو بالعمل على تأسيس فضاءات للتخييم في كل الجماعات ووضعها رهن إشارة العاملين في الميدان التنشيطي السوسيو تربوي، وتوأمتها مع الجماعات الأخرى لتبادل لأطفال والزيارات ا للإجابة على رغبة السفر وتغيير الجو كعنصر من عناصر التخييم، واقتراح معادلة مقدار مالي مساعدة عن كل طفل يسجل من الجماعة في تجاه أي مخيم كوسيلة لتشجيع الجمعيات وللرفع من أعداد أطفال المدينة المستفيدين من المخيمات. سيخلق هذا الإدراج الفعلي بعد أن يجد من يترافع عنه ويغنيه، رفيقا جديدا ومتميزا للأسرة وسيمكن المؤسسة التخييمية من مكانة متميزة والعمل الجماعي الاجتماعي من تطوير أهدافه فعليا بدفع السياسات والمخططات المحلية الجهوية لإبلاء الأهمية للموضوع بتبني طموح الوطن في خلق الشروط الموضوعية وتوفير الإمكانات اللازمة لتحقيق تربية مستمرة لأجيال اليوم والغد، ضمن مخططات تنموية مستمرة ومتكافئة بين الجهات والميادين. وكذلك يمكن العمل في نفس الاتجاه نحو الهيئات التعاضدية المنتخبة والتي يساهم فيها المواطنون ماديا من أجورهم، بالدفع الى إشراكها في هذه العملية بدعمها المادي لتمتيع أبناء منخرطيها بمخيمات مفيدة ومريحة ليس فقط من تنظيم هيئاتها بل كل المخيمات التي يختارها المنخرطون لأبنائهم. نقد التدبير الحالي على المستوى العملي تعرف بلادنا تدبيرا لقطاع المخيمات لا يرقى إلى ما يستحقه من حيث عدم تعميم أنظمته على الجميع ومن غياب معايير ومواصفات قانونية ومن حيث ضعف التأطير والميزانيات المرصودة وكذا نوع الإطار القانوني للعمل التشاركي الذي ناضلت من أجله الجمعيات والذي عرف منذ التراجع عن المجلس الأعلى للشباب إلى لجنة للتنسيق في الستينيات ثم إلى لجنة وطنية في الثمانينيات، وهيئة وطنية مؤخرا، وكذا من حيث درجة الأهمية التي توليها السلطة الحكومية بمقارنة مع القطاعات الأخرى التي تشرف عليها، ومن جهة أخرى كان رفع عدد المستفيدين إلى حوالي 200 ألف مستفيد قفزة نوعية/ كمية متميزة ولو أنها ناقصة ويتيمة بالنسبة للمطالب الأخرى، تستفيد منها مع الأسف جهات استخدمت المقاعد الممنوحة في أغراض سياسية انتخابية وجهات أخرى لا علاقة لها بالتنشيط التربوي، ومن جهة ثالثة تراجعت الفضاءات المخصصة للمخيمات بشكل دائم بإقفال بعضها وعدم الحسم في وضعيتها ووضعية تأطيرها الدائم وغاب وضوح اختيار مبادلة فضاءات أخرى في استثمارات مربحة للوطن ضمن خططته التنموية، ثم إنه عند مبادرة فتح فضاءات المدارس الحكومية لاستغلالها لم يتم ضبط إيقاع الوزارتين (الشباب والتعليم) مما انعكس سلبا على المبادرة، وعرف القطاع من جهة رابعة تصاعد المتاجرة فيه سواء على مستوى مخيمات الشباب والرياضة أو على مستوى القطاع الخاص حيث بدأت بلادنا تعرف «إنشاء» مخيمات حرة خارج الإطار القانوني لفتح المخيمات الذي يعود قانونا فقط للقطاع الحكومي المكلف بالشباب والرياضة، هذا بغض النظر عن التأرجح في تحسين شروط استقبال وإيواء وتغذية وتنشيط المستفيدين من المخيمات حيث انه ليست هناك خطة علمية ولا توازن بين الجهات والمخيمات ولا تغطية كاملة للحد الأدنى لا لأشغال الصيانة والإصلاح فقط بل كذلك لتجديد الأدوات والمعدات، وأخيرا إشكالية صرف منح التغذية التي وإن عرفت زيادة طفيفة فقد تعرضت لامتحان عسير مع موجة تصاعد الأسعار الحالية وتضاربها وظلت عرضة لنسبة كبيرة من التآكل - قد يصل في بعض المناطق إلى النصف - بسبب صيغ صرفها البيروقراطي والمتعثر سواء كمناقصات أو طلبات ضمن مناقصة أشمل وعدم قبول الانتقال إلى نظام الخوالات les régies الذي يتميز بصرف مباشر ويمكن أن يخضع لترتيبات متميزة يشارك فيها الجميع، عدا مشاكل التأمين والتطبيب وانعدام معايير الأمن والسلامة في المخيمات ونقل الأطفال والتي يجب أن تجد لها حلا يراعي رغبات الآباء والعائلات من جهة، ويحمي المنظمات وينظم القطاع باختصار. و تهيئ الظروف المادية للاستقبال واستقرار المستفيدين بشكل ملائم يساعد في النهاية على التفرغ للعطاء التربوي و تهديفه والرقي بالمجهودات والعطاءات التربوية عوض الغرق في حل مشاكل الحياة المادية اليومية التي من الممكن تجاوزها بتعيين إدارات دائمة لهذه الفضاءات. إن الرفع من أعداد المستفيدين من التخييم وفتح مجالاته لفئات أوسع لم يكن هو المطلب الوحيد لتجاوز الأزمة، بل إن مراجعة تحديد سن التخييم وتحينه وفتحه إلى ما دون العاشرة وما فوق الرابعة عشر كفيل بتميع فئات عريضة من الأطفال بهذا الحق، وتجديد مراكز التخييم القائمة وإصلاح منشئاتها ومعيرة المقاييس في هذا الباب وإخضاع الجميع لشروط إنشاء المخيمات خاصة وشبه عمومية، وتوسيع خريطة التخييم بالبحث عن فضاءات جديدة وتحويل ما يمكن أن يسمح بذلك، ومراجعة صيغة صرف ميزانية التغذية وفتح اعتمادات الترميم وفق برنامج معلوم وميزانية التسيير وتسمية إدارات قارة للمخيمات ودعمها بكل الوسائل التقنية لمزاولة عملها الإداري والتربوي في أحسن الأحوال، و مدة التخييم أصبحت 15 يوما عوض21 يوما وهو راجع لاعتبارات غير مفهومة تطورت منذ حوالي 30 سنة عندما تزامنت العطلة الصيفية مع شهر رمضان أو بعض الأنشطة الرياضية الوطنية والدولية الكبرى فقضى بعض المسؤولين بضرورة تقليص مدة التخييم ، بينما تأكد أن الاستفادة من برامج تربوية منسجمة وتغذية متوازنة وتغيير الجو لا يتحقق إلا بقضاء ثلاثة أسابيع فما أكثر خارج النظام العادي. كلها مظاهر الأزمة التي تتزايد سنة عن أخرى باعتبار تراكم نفس القضايا والسلبيات. إن ملف المناظرات السابقة غني بكثير من المقترحات والحلول الممكنة ، بل لقد ذهبت بعض التوصيات الى ابعد من حلول على مستوى القطاع فقط الى حلول على مستوى القطاعات الحكومية كلها. والاعتراف بالأزمة و أوجهها المختلفة لم يعد محل خلاف بين كل المتدخلين والمستفيدين، و ميكانيزم الخروج من هذا المأزق مرتبط بالرغبة السياسية في إشراك المعنيين لما لهم من تراكم خبرات وقدرة على البدل ، في كل أطوار التحضير والتنفيذ والتدبير وعلى المستويين المحلي والوطني مع هدف استحضار مفهوم النوع والجودة في الخدمات التي يقدمها فضاء التخييم. بدائل نموذجية إن البدائل الشاملة لأزمة المخيمات يمكن تصنيفها إلى نوعين: نوع مفروض بحكم الفراغ وعدم تحمل المسؤولية وهو الذي طورته الإدارات والمؤسسات والشركات في غياب المراقبة المباشرة للوزارة المشرفة على القطاع ككل حسب القانون، عندما أسست «مراكز تخييم « بصفة مستقلة وتعمل فيها بنوع من الانفصال عن المفاهيم البيداغوجية لجمعيات التخييم التربوي وتطورت هذه الوضعية إلى حالة متشردمة وتسيبت إلى ممارسات لا أخلاقية وتجارية محضة من الصعب احتوائها وتقويمها، ونوع ثان استقل بنفسه من خلال الممارسة اليومية لبعض المنظمات وهو المتمثل أولا برغبة وجهود الحركة الكشفية في الاستقلال بمراكزها ونشاطاتها وجهود حركة الطفولة الشعبية في إصلاح وتوسيع مخيم خرزوزة. بالإضافة إلى المقترحات الجريئة من مشروع صندوق وطني لإنعاش المخيمات الذي طرح إبان تحضير المناظرة الخامسة في محاولة للدفع نحو تكافؤ الفرص بين المستفيدين وتقريب المؤسسة التخييمية من أكثر عدد ممكن من الأطفال والشباب بديمقراطية ومساواة، إلى مقترح تحويل كل الاعتمادات المرصودة إجمالا إلى اوراش إصلاح وتجهيز المخيمات تجاوزا لأزمة ضعف المالية المخصصة لذلك، إلى مقترح فتح فضاءات أخرى للتخييم من مدراس و إعداديات مؤهلة لذلك . ويهدف مقترح حركة الطفولة الشعبية بتخصيص مراكز التخييم للمنظمات التربوية في إطار شراكة مع الدولة بناء على دفتر تحملات وعقدة برنامج واحترام التشريعات الجارية المتعلقة بالمخيمات وبالمراقبة المالية والمحاسبة العمومية والبيئة والصحة، إلى الاستقلال بتدبير مخيم معين لتطوير وتحسين الشروط المادية لاستقبال الأطفال والمراهقين والشباب به وضمان أمنهم وراحتهم و تفتحهم على الطبيعة والمحيط ، ويأتي هذا المقترح من أجل تمكين المنظمات التربوية من تسيير واستغلال وصيانة وتجديد وإعادة هيكلة مراكز التخييم وتوسيعها باتفاق وإشراف تربوي وإداري ومالي وللإدارة المشرفة على قطاع الشباب والطفولة، وذلك انسجاما مع اختيارنا بأن تقوي الدولة دورها في الميادين التنظيمية وأن يظل على عاتق المنظمات السوسيو تربوية دور الاستمرار وتعميق أنشطتها التعبوية للشباب، كما تظل كذلك مسؤولة عن توظيف طاقاتها الخلاقة والجدية وتعبئة الإمكانات المادية الجديدة باستقطاب جماعات جديدة للاستفادة من قطاع التخييم لأطفال مؤسسات و جماعات محلية في إطار تعاقدي لتوسيع القاعدة التخييمية ببلادنا. إن مشروع بديل حركة الطفولة الشعبية في المخيمات إنما جاء لتجاوز أزمة، تداخلت مظاهرها حتى أضحت محتاجة إلى حلول جذرية تهتم بالكل وليس بالترميم والترقيع، وإن شبكة المخيمات المغربية غنية ولا يجب التخلي عنها ولا تفويتها ولا بيعها، ونحن نطالب بتخصيصها لأصحاب الحق فيها أي الجمعيات التربوية. وحركتنا كانت واضحة وباستمرار فيما يخص اعتراضنا على تفويت أو خوصصة المنشئات العمومية المخصصة للطفولة والشباب أو التخلي عنها، ولذلك اقترحنا صيغة التخصيص AFFECTATION التي تحافظ على الملك العام وتخضع المستفيدين إلى شروط استغلال وتسيير في إطار عقدة / برنامج تبعا لدفتر تحملات قانوني يوضح التزامات و حقوق كل الأطراف، وقد تكون هذه الصيغة قريبة من التدبير المفوض المعمول به اليوم في بعض القطاعات الخدماتية. إطار دستوري لضمان خطة وطنية للطفولة والشباب يتضح للعاملين على التنشئة الاجتماعية السوسيو ثقافية والتربوية للطفولة المغربية ضعف الاهتمام بقضايا الطفولة بصفة عامة ، بل واتضح الاهتمام المناسباتي عند الإلحاح أو التقليد على المستوى الدولي بالخصوص، ولم يرق الضغط المحلى أو التحسيس الذي مارسه المجتمع المدني بتراكم تجاربه منذ أكثر من أربعة عقود إلى مستوى التبني الفعلي الملائم لقضايا الطفولة والانخراط العملي في حل معضلاتها، لانعدام رؤيا واضحة وبرنامج متكامل وخطة متفق عليها. إن الأعمال المنجزة في بلادنا لصالح الطفولة لحد الآن لم ترقى إلى الحد المطلوب لإنقاذ واقع بئيس نتيجة طغيان أهداف أخرى اختارت أسبقيات لها، بعيدة عن هدف الاستثمار في الموارد البشرية للبلاد في شكلها الحاضر كأطفال وشباب وفي شكلها المستقبلي كبالغين وراشدين. إنها لا تتعدى أربع مستويات: أولها رسمي وهو ما دبرته الحكومات المتعاقبة كحد أدنى لا يرقى إلى برنامج متكامل، بل فقط وظائف يومية لقطاعات تؤديها بحكم الروتين والتراتبية بدون خطة واضحة المعالم، وبتشتت وتكاثر الجهات المتدخلة بدون تنسيق، ثم تشريعي حاول أن يتماشى أخيرا مع الإلحاح الداخلي والالتزامات الدولية التي فرضت نوعا من الانخراط في اتفاقيات وملائمة التشريع معها، ومع ذلك هناك من يلاحظ التعثر الناتج عن قراءات خاصة و جمعوية وهو الذي راكم تجارب ومواقف ولو أنها غير واضحة بشكل جلي ولكنها تنخرط في الرغبة المؤكدة لبناء مغرب عصري/ حديث/ متقدم حاضر في المشروع المجتمعي للحركة الوطنية التي ولدت فيها أغلب هذه التنظيمات، و أخيرا مستوى /معاصر/ مع المد المسجل لفعاليات محدثة للمجتمع المدني بعد طفرته أو اكتشافه من طرف البعض أو محاولات القفز عليه من طرف آخرين، وتتميز جل أعماله التي تهم مجالنا هذا بنوعية متطورة ومتميزة ولكنها محدودة جدا في الزمان والمكان، ويتبقى منها فقط الوقع الإعلامي لا غير. وقطاع الشباب، والقطاع الجمعوي برمته أهل لتنظيم دستوري يضمن له في الأول تأطير الحوار و دسترته مع الدولة ودواليبها ويضمن له الحماية ويضمن له التطور في إطار واضح و مسؤول ومتفاعل مع العاملين الآخرين ويضمن له موقعا في الحياة المجتمعية بقدر حجمه و مردوديته كقوة اقتراحية مع قوة مكانتها العملية وقوة مكوناتها البشرية الهائلة، من أجل أن تصير قوة فكر ورأي وفعل متكامل. وإحدى المكاسب الايجابية السابقة المتمثلة في تجربة التدبير المشترك والتسيير الذاتي السابقين في هذا المجال والتي كان الجهاز الحكومي المشرف على القطاع بمعية الحركة الجمعوية رائدا وسباقا إلى ابتكارها من دون كل القطاعات في سنوات الستينات والسبعينيات لم تعرف تطورا طبيعيا بل أقبرت كمفهوم وممارسة متقدمة ورفضت كل أشكال تطويرها ومقترحات تعميمها، ويمكن أن يشكل اليوم مرجعية متميزة في هذا الباب. و إذا كانت المقاربات السابقة لمعالجة هذا الموضوع تنطلق في الأحوال الايجابية من نظرة جد تقنية تناقش وتحاول معالجة مشكل المخيم كأعداد المستفيدين وفضاءات وبنيات تحتية فإنها تهمل أو لا تتمكن من دراسة ميزانيات التسيير والتجهيز ومنح التغذية وطرق صرفها وتكوين الموارد بشرية عمومية وخاصة وإعادة مراجعة و تحيين وملائمة القوانين وشروط إحداث المخيمات ومراكز الاصطياف، ولا يتم ذلك إلا في ملتقيات تقييم يتيمة تعيد ذاتها وتكرر ملفاتها لأنها تعالج نفس المواضيع من نفس المنطلقات وإن اختلف القائمون عليها من حين لآخر. وإذا كان تأسيس اللجنة الوطنية للتخييم بشكل مؤقت في غياب الإطار القانوني والدستوري لمعالجة وتتبع سياسة وخطط الشباب والطفولة ببلادنا، قد تم تجاوزها قبل محاولة تمييعها سنة 1992 بإعطائها تركيبة وهمية، فقد آن الأوان اليوم لمعالجة الموضوع من وجهة نظر متفتحة على المستقبل، أي معالجة الموضوع من باب المسؤولية عن الملف من وضع خطة وطنية بأهداف واضحة والاتفاق عليها من طرف كل الفاعلين والمستفيدين وبلورة حلول منهجية وموحدة لكل قضايا الملف والعمل على متابعة الاختيارات الاستراتيجية المتفق عليها وتتبع ملفاتها تدبيرا ومحاسبة وتقييما وبرمجة كل المراحل إلى الإشراف على تنفيذها. .. إن الإطار الدستوري الذي يمكن أن يكون رافعة لقطاع التخييم ليس مغامرة لوكالة تجارية أو تغليف للفعل المباشر الذي تقوم به الدولة حاليا - مثلما تقوم به في ميدان السياحة الشبابية مثلا-، ولا هو كذلك مؤسسة تسعى لأن تحصر الجميع ضمن توجه توتاليتاري ضمن توجهات وحيدة، ولا يجعله جهازا استشاريا لا غير أو مكملا لضعف إداري معين، بل انه إطار يسمح بمشاركة كل الفاعلين وذوي الحقوق في رسم سياسة واختيارات وخطط متوسطة وبعيدة المدى في مقاربة مندمجة و تشاركية، إطار يسهر على ضبط المعايير التقنية والفنية والتربوية والبيئية والصحية ويسهر على مدى وضعها رهن التطبيق لدى كل الفاعلين كل بالشكل الذي اختاره لنفسه وكل بطريقته التي يرى أنه يبلغ بها أهدافه ومبادئه التربوية، وبذلك نحافظ على التنوع والاختلاف. و قد يكون موقع القطاع داخل جهاز دستوري عام كفيل بضمان حق تمثيلية لائقة بالمخيم كوسيلة تربوية ومؤسسة ضمن قضايا للطفولة والشباب...