اختارت الدورة السادسة لمهرجان جوهرة الجديدة الدولي للموسيقى شعار «مائة سنة من الحداثة» (بين 04 و06 غشت 2016)، احتفاء بالمسار التحديثي الذي راكمته مدينة الجديدة على مدار قرن من الزمن (1916- 2016) وعلى جميع الأصعدة، وبخاصة مجالَيْ البناء والتعمير اللَّذَين ساهما في تغيير بِنية المدينة المعمارية، السائرة قُدما نحو تكريس تخطيط مدني، يفي بتوفير حاجات الساكنة بقدر ما يستجيب للتطلعات السياحية وما تتطلبه من بنيات متوافقة مع روح العصر. وقوفا عند تراث الجديدة المعماري، تأتي مشاركة جمعية «باكت آر» Pact'Art، لمراجعة وتثبيت تلك العلاقة العضوية بين فن التصوير (La peinture) والفن المعماري، باعتبارهما جنسَيْن إبداعِيَّيْن ينتميان لمنظومة الفنون التشكيلية فيما يشكلان مَعاً العُصْب الرئيس في تاريخ الفن، بحيث لا يمكن فصل المعمار عن التخطيط في طوره التصميمي الذي يتوسل بالرسم المعماري Dessin d'architecture، كما لا يمكن فصله عن النحت، ليس من حيث الموتيفات المجسمة الموصولة بزخرفة الأفاريز والواجهات وغيرها، بل أيضا من حيث كون البناية تظل – بطريقة أو بأخرى - عبارة عن نحت هندسي ضخم يتضمن فراغات داخلية موكولة لوظيفة الاحتماء، ناهيك عن الشراكة الجمالية، على اعتبار الخاصية الجمالية في المعمار ظلت ركنا أساسا منذ توطين «ثلاثية» فيتروف Vitruve المعماري والمهندس المدني الروماني الذي عاش في القرن الأول قبل الميلاد، وهي «الثلاثية» الموزعة بين المتانة والوظيفة والجمال. في هذا الأفق، نظمت مديرية الثقافة بالجديدة لقاء حول الغنى المعماري بالجديدة ( المعمار البرتغالي، المعمار الكولونيالي وضمنه أصناف الآر ديكو)، ضم عرضَيْن مرفوقَيْن بالوثائق المصورة في الكنيسة البرتغالية (21-07- 2016) لكل من أبو القاسم الشبري مدير المآثر التاريخية بالجديدة ومدير مركز التراث البرتغالي بالجديدة، والمهندس المعماري آدم المحفوظي، بحضور الفنانين أعضاء جمعية «باكت آر»: عبد الكريم الأزهر، الزبير الناجب، سعيد حسبان، صلاح بنجكان، أحمد الأمين، توفيق شيشاني، خالد نضيف، المهدي موفيد، بنيونس عميروش. هؤلاء إضافة إلى ضَيْفَيْ الجمعية: الفنانان عبد الحميد قلمون وآدم المحفوظي، تجاوبوا وتفاعلوا مع العرضَيْن لتجديد صلتهم البصرية والمعرفية بالتراث المعماري الذي تزخر به عاصمة دكالة، ليشرعوا مباشرة في تصريف ذلك إبداعيا، في إطار ورشة الإقامة الفنية المُقامَة برواق الشعيبية طلال أيام 21- 22- 23 يوليوز 2016، حيث انصبوا جميعهم على البحث، لاختبار إمكاناتهم وقدراتهم التشكيلية على استلهام النسيج المعماري للمدينة وإيجاد السبل الكفيلة بالرصد والكشف والإبداع الموصول باستحضار إلزامية الموضوعَة التي تَعد قطب الرحى في خطة التعبير ضمن هذا المقام الاحتفالي بتراث البناء والتشييد المَديني. إن المعرض الذي نحن بصدده في قاعة الشعيبية طلال بالجديدة من 04 إلى غاية 30 غشت، هو ثمرة مجهود واع، يقوم على رغبة مشتركة بين جميع الفنانين المشاركين ذوي الحساسيات التعبيرية المختلفة والمعروفة – في مجملها- بأساليبها داخل فسيفساء الفن المغربي المعاصر، رغبة منبثقة من خلفية ثقافية بالدرجة الأولى، بينما تستند إلى الإيمان المتجذر بالبحث وتجريب مثل هذا الاشتغال الثيماتي: «التصوير والمعمار» Peinture et architecture. ولذلك تم الاتفاق على العودة إلى عنصر الخط والأسناد الورقية، لاسترجاع تقنيات الغرافيك والرسم Dessin والرسيمة Croquis، بالشاكلة التي يشرع بها المهندس المعماري في تصميم مشاريعه بالتخطيطات والرسوم الأولية على القرطاس. وفي اتجاه توجيه الخط نحو التعبير، يتوغل السؤال لدى كل واحد من هؤلاء الفنانين المشاركين: كيف يمكن جعل الأسلوب التشكيلي ينتصر للجَمال المعماري؟ هذا التحدي، هو ما تتقاسمه هذه الأعمال التي صنعت للمدينة بهاءها البصري. (*) فنان تشكيلي وناقد