نظرا للقيمة الاجتماعية للثقافة. من حيث التعبير عما يؤسس »الفعل الاجتماعي« من قيم وأدوار وعلاقات وتصورات وأطر مرجعية موجهة. ولكونها إحدى المكونات المركزية للمسألة الاجتماعية في مفهومها الشمولي. فقد أصبح اهتمام شريحة كبيرة من الباحثين والمعنيين والفاعلين الاجتماعيين »بالمسألة الثقافية« في عمومها. إضافة إلى عوامل وأبعاد أخرى حول ما تعرفه وتعيشه مجتمعاتنا من ظروف التخلف والتبعية والاغتراب الثقافي. وقلق المرجعية الفكرية والاجتماعية والحضارية المرشدة والمؤطرة للتفكير والسلوك. مما يعمق الرغبة في إنتاج معرفة مطابقة. نغتنم هذه الفرصة للتنويه بكل باحث وكل معني وكل فاعل اجتماعي سخر نفسه ووقته وطاقته الفكرية لبحث يهم بلده أو منطقته أو مسقط رأسه. وهي مناسبة أيضا للتنويه بالباحث والمؤرخ المقتدر. الدكتور علال ركوك الذي قام بتوثيق عدد من النصوص والمتون وأشكال الفعل والفكر التي أغنت مجال الثقافة الشعبية بمدلولها الكامل. خاصة بمنطقة آسفي وعبدة الكبرى. وهو بذلك انتشل هذا الموروث الثقافي الشعبي الذي لا وزن لقيمته من براثن النسيان والإهمال. وهو ما أكده الأستاذ مصطفى محسن الذي قام بتقديم كتاب: موسيقى آسفي، نماذج وتجليات، نستقي منه اليوم بعض شذرات الموسيقى والفنون الشعبية بآسفي وعبدة الكبرى. أكدت عدة بحوث تاريخية أن العيطة فن غنائي قديم، و بخلاف الموسيقى الأندلسية والملحون، لا نجد لها ذكرا في المصادر التاريخية و لا إحالة عند مؤرخي الموسيقى، كما أنها لم تكن موضوع دراسات أكاديمية علمية في السابق، اللهم بعض المهتمين بهذا الشأن وفي مقدمتهم الباحث حسن نجمي. لكن باعتماد الباحث علال ركوك على الميدان والنصوص أمكن تتبع تاريخ العيطة وتطورها. فالمؤشرات كلها تؤكد أن العيطة نشأت مع هجرات القبائل العربية الأولى نحو المغرب تحت سيادة يعقوب المنصور في عهد الموحدين. هذه القبائل التي أقامت بالسهول الأطلسية من الغرب والى عبدة. فكان هذا الصنف الجديد من الموسيقى والغناء الذي نسميه العيطة، نتيجة عملية التعريب التي شملت عددا من القبائل المغربية، وبفعل التقاء الحضارتين العربية والأمازيغية البربرية انبثق فن العيطة وانبعث معه لهوير. تطور فن العيطة خضعت المجموعات الأولى الرائدة في فن العيطة لتطورات عدة خصوصا على مستوى استعمال الآلات وما نتج عنها من إيقاعات موسيقية نحصرها في المراحل التالية: ففي المرحلة الأولى كانت الآلات المرافقة للعيطة هي الطبل والبندير أي الأدوات الإيقاعية فقط. وهي مرحلة تظل بالنسبة للباحث غامضة ومبهمة. أما المرحلة الثانية فقد أضافت آلات أخرى، مثل "الكصبة" و"الليرة،" و"الغيطة" أي أدوات النفخ. كما أن المؤرخ لا يمكن أن يجهل دور الاستقرار السياسي في تطور هذا النمط من الموسيقى لأن الاستقرار يمكن أن يدفع بشروط التطور والبناء الثقافي، في حين أن المرحلة الثالثة تميزت أولا بظهور الآلات الوترية مثل الكنبري والرباب، وثانيا بإقامة المواسم التي تدفع مجموعات المغنيين والمغنيات إلى مرافقة أشياخهم و»معلميهم« في الأسفار التي قد تدوم أسابيع وشهورا، وخلال أسفارهم وإقامتهم بالزوايا تؤدي هذه المجموعات الكثير من أغاني العيطة، التي تنظم نصوصا بكيفية تلقائية. حيث يرتجل كل شيخ أو مغن بيتا « يليه آخر، فثالث ورابع.. إلى أن يؤلف نصا يتركب من ثلاثة عناصر أساسية وهي: المقطوعات الموسيقية الاستهلالية التي تولف النص. ثم المقاطع الغنائية: الفصول أو الأبواب. وفي الأخير السوسية. وكل هذه النصوص لا تتقيد بالقافية. ويمكن للمغنين أن يضيفوا أبياتا أخرى حسب الظروف الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية. وقد تميزت بداية القرن 19 بضعف السلطة المركزية وبروز السلطات القائدية مما أدى إلى حالة من الفوضى والاضطرابات في بعض المناطق وقد أحدثت الظاهرة القائدية كثيرا من المشاكل والمآسي الاجتماعية. ولتصوير هذه الأوضاع وجد الجمهور في العيطة وسيلة يعبر من خلالها عن مصائبه وطموحاته. وفي القرن العشرين تغيرت بعض آلات العيطة كالدربوكة التي حلت محلها. الطعريجة. وتعددت البنادير إضافة إلى الأجراس الصغيرة التي تعاطت المجموعات استعمالها بكثرة. ولم يتوقف تطور العيطة عند ذلك بل مس التغيير هيكلة طاقم الفرق الغنائية أو »"الرباعة«" حيث كانت هذه الأخيرة بداية، تتشكل من مجموعات غنائية مكونة كليا من النساء اللاتي يعزفن بكل الآلات المستعملة في هذا النمط من الموسيقي، مثل الشيخة البوكدراوية والعرجونية، فهاتان المجموعتان أسهمتا في نشر الغناء من منطقة إلى أخرى، ويمكن أن نلاحظ أن فن العيطة قد تطور دائما على مستوى الآلات المستعملة. أنواع العيطة إن فن العيطة يختلف من منطقة إلى أخرى، ولكل نوع خصوصياته ولا يمكن لمن يبحث أن يصل إلى نتائج مقنعة ومرضية إذا لم يراكم كثيرا من الخصائص، لذلك يجب التعرف على الأشكال الإيقاعية الصوتية المميزة، لأن الاختلاف بين هذه الأشكال لا يظهر في الموضوعات المعالجة أو في الأبيات المؤداة ولكنه يظهر على مستوى اللحن والنغمة الموسيقية الأساسية والثانوية. ويمكن القول ،بصفة عامة، أن أشكال العيطة هي في عداد الأربعة إن لم تكن خمسة، إذا أخذنا بعين الاعتبار بروال الشياظمة، وأشكالها هي الحصبة ، المرسى ،الحوزي ، الزعري ، وما تفرع عنها من أنماط ثانوية إضافة إلى نمط الغرباوي والعيطة الجبلية.