زاوية أسبوعية تسلّط من خلالها الدكتورة خديجة موسيار، اختصاصية الطب الباطني وأمراض الشيخوخة الضوء على مجموعة من الأمراض بتعدد أنواعها وأشكالها مرض ويلسون (la maladie de Wilson)، هو اضطراب وراثي يتميز بتراكم كميات غير طبيعية من النحاس، تؤدي في غياب العلاج إلى أضرار خطيرة في الكبد والدماغ، وهو من الأمراض الوراثية النادرة التي يمكن علاجها بشكل فعال، وجدير بالذكر أن الكبد والدماغ يحتويان بشكل طبيعي على كميات أكبر من النحاس مقارنة مع باقي الأعضاء مثل القلب والكلى والدم، لهذا فهما أول من يعاني حينما يكون تركيز النحاس أعلى من اللازم و يصبح بذلك ساما. ويصيب مرض ويلسون شخصا واحدا من كل 30 ألف، إلى واحد من كل 100 ألف شخص، حسب البلدان، بشكل متساوٍ بين الإناث والذكور، خاصة خلال الفترة العمرية ما بين 5 و 40 سنة، وينتقل المرض بطريقة متنحية، ولا يكون الشخص مريضا بهذا الداء، إلا في حالة إذا ما كان الوالدان معا، الأم والأب، حاملان لنسخة من الجين المتحول، لأنه في هذه الحالة يكون هناك خطر انتقال المرض مع كل حمل، بمعدل طفل من كل أربعة أطفال . ويعتبر النحاس معدنا متواجدا بشكل طبيعي في مختلف الأطعمة، وهو ضروري في صناعة العديد من البروتينات، ويلعب دورا مهما في جملة من الأمور، مثل النمو، وصحة وقوة العظام، ووظيفة خلايا الدم الحمراء والبيضاء. ويتم نقل النحاس المزود من الطعام في الجسم إلى الكبد حيث يتم تخزينه، بينما يتم إقصاء النحاس الزائد، خاصة في الصفراء وبشكل ثانوي، في البول، على أن جزءا فقط من النحاس ينتقل إلى الدم ويتم حمله من طرف بروتين «سيرولوبلازمين». ويؤدي داء ويلسون إلى سوء إزالة النحاس من الجسم، مما يتسبب في تراكم مضر للنحاس في الكبد، علما أنه يمر في مجرى الدم وعليه فهو يفشل في الارتباط بشكل صحيح مع «السيرولوبلازمين»، فيصبح رائجا بشكل حرّ، وهو ما يجعل منه سمّا بالنسبة للدماغ وأجهزة أخرى مثل العينين والكلى. وتجدر الإشارة إلى أنه لا تعرف الآليات الدقيقة المسؤولة عن عدم المقدرة في التخلص من النحاس الزائد، لكننا نعرف أن ذلك يرجع إلى مشكل في ناقل النحاس، الذي يتكفل عادة بإخراجه من الخلايا. ويتم إنتاج هذا الناقل من طرف جين يسمى «ATP7B» عند الأشخاص الذين يعانون من مرض ويلسون، إذ يكون هناك تحول في هذا الجين الذي يتسبب في إنتاج حامل غير فعال للنحاس، حيث يبدأ النحاس الزائد في التراكم في الجسم منذ الولادة، لكن يستغرق الأمر عدة سنوات لتظهر أضراره، إذ لا تظهر الأعراض الأولى للمرض إلا عند سن المراهقة ما بين 10 و 20 عاما أو في ما بعد عند جميع المصابين. ويبدأ تراكم النحاس أولا في الكبد، لهذا غالبا ما ترتبط الأعراض الأولى بالتهاب الكبد، الذي تختلف شدّته حسب الحالات، ويحدث إما بشكل تدريجي أو مفاجئ، وقد يتشابه الأمر في البداية مع التهاب الكبد الفيروسي، مع وجود زيادة طفيفة في حجم الكبد، والتعب الشديد، وفقدان الشهية، وفقدان الوزن وارتفاع أنزيمات الكبد، وفي بعض الحالات، تتدهور وظيفة الكبد فجأة، إذ يحدث حينها اصفرار الجلد و اصفرار بياض العينين، وتورم في البطن نتيجة تراكم السوائل، والحمى، ويصل أحيانا هذا التأثير على الكبد إلى فقدان الوعي. ومن المعروف أنه كلما ظهرت أعراض المرض في وقت مبكر من الحياة، كلما كان تلف الكبد أكثر شدة، وفي بعض الحالات، قد يتطور إتلاف الكبد إلى تليف كبدي، يتضمن تحولا تدريجيا لبنية الكبد إلى عضو صلب مكون من نسيج ندب، وعندما يتضرر الكبد بشدة ولا يكون يعد قادرا على العمل بشكل طبيعي، يحدث فشل كبدي يمكن أن يهدد الحياة.