عادت الفنانة المغربية المقيمة بالديار الأوروبية فاتن بنعكيدة إلى الساحة الفنية بعد غياب طويل دام عقدين من الزمن من خلال أغنية جديدة «صياد النعام». في هذا الحوار تكشف بنعكيدة لجريدة «الاتحاد الاشتراكي»كيف جاءت فكرة أغنيتها الشهيرة «العظمة مامنوش»التي تجاوزت شهرتها حدود الوطن، وتغنى بها الجميع إلى درجة أن العديد من الناس يعتقدون أنها أغنية تراثية، لكن هي من تولت كتابة كلماتها بمنطقة سيدي حمو بأزمور نواحي مدينة الجديدة عن قصة واقعية، كما لحنتها وأدتها سنة1987مقابل ثلاثة آلاف درهم فقط، في حين أدرت الملايين على صاحب شركة الإنتاج .. تقر بنت مدينة اخميسات أن المجالين الفني والإعلامي موبوءان وتتحكم فيهما المحسوبية والزبونية، بالإضافة إلى تلقيها الضربات من العديد من الجهات قبل مغادرتها إلى الديار الأوروبية وعودتها من جديد إلى الساحة الفنية.. في الوقت الذي تقول فيه إن الساحة الفنية المغربية فارغة رغم الضجيج الذي يعمها.. وكشفت أن العديد من الأصوات خاصة النسائية، يتنقلن من مهرجان إلى آخر رغم عدم توفرهن على الصوت والموهبة الكافيين، ورغم ذلك يحققن انتشارا بسبب اللوبيات وأشياء أخرى دفعت بهن إلى قائمة»النجومية»على حساب الفنانين الحقيقيين. n الفنانة فاتن بنعكيدة بعد مدة طويلة من الغياب على الساحة الفنية تعودين بأغنية تحت اسم»صياد النعام». العنوان له حمولة معينة، لماذا هذا الموضوع تحديدا ولماذا هذا الغياب؟ p الأغنية الجديدة تحت عنوان «صياد النعام» هي من كلمات محمد المغربي، ألحان وتوزيع هشام التلمودي، تنفيذ محسن امغارن، ميكساج سليمان مطلب ماسترينغ رزيق موضوع الأغنية جاء في الوقت المناسب جدا، تزامنا مع ظروف أمر بها ومرتبطة بعدم الوفاء الذي أصبح عملة البعض. طبعا أغنية «صياد النعام» تأتي من أجل التواصل مع الجمهور المغربي، بعدما اضطرتني ظروف معينة إلى الغياب عن الساحة الفنية، لكن مع ذلك كنت أتتبع ما يجري في المغرب، لكن لما عدت وجدت الوسط موبوءا، بل هناك حتى الابتزاز.. فمثلا هناك من كان من المفروض فيهم أن يكونوا ساعدي الأيمن تحولوا إلى أعداء و صدمت فيهم . إذ بعد أغنية «سد الباب»، كنت أنوي أن انخرط في إنتاج العديد من الأعمال الفنية، وكنت سأبدأ بأغنية «العظمة مامنوش» على أساس كل ثلاثة أشهر أخرج عملا جديدا، لكن للأسف لم أجد التشجيع الكافي. وبالعودة إلى أغنية «صياد النعام» فقد تم اقتراح علي هذه الكلمات و أعجبت بها، ولم أتردد في أدائها في انتظار أعمال فنية أخرى في المستقبل، وأتمنى أن ينال هذا العمل إعجاب الجمهور المغربي. n من هؤلاء الذين يحاربون الفنانة فاتن بنعكيدة؟ وهل الأمر مرتبط بالمنتمين إلى المجال الفني أم يتعداه ليشمل أطرافا أخرى؟ وماذا كلفك المجال الفني ماديا؟ p هؤلاء الذين عملوا على الإضرار بي، يسر لله لي أناسا آخرين الذين اقترحوا علي هذه الأغنية، وكما يقول المثل المغربي «اللي حفر حفرة يطيح فيها» و«صياد النعام يلقاها يلقاها»،إذ بفضلهم خرجت هذه الأغنية إلى حيز الوجود. على المستوى المادي فقد كلفني لحد الساعة 50 ألف يورو أديتها من مالي الخاص بعيدا عن أي دعم يذكر، هذه المبالغ المالية تطلبها نشر أعمالي على قناة اليوتوب، ولم أتلق لحد الساعة ولو درهما واحدا. فهل يعقل هذا في حين نجد فنانين محظوظين لا رصيد حقيقي لهم ومع ذلك يتنقلون من مهرجان إلى أخر سواء في مهرجان موازين أو غيرها، في حين خلقت الحدث أو ما يسمى «البوز» سنة 1987 من خلال أغنية «العظمة مامنوش» التي مازال يتغنى بها الجميع، ومازالت حية رغم مرور 30 سنة تقريبا على إنتاجها، ومعروفة في المغرب وخارجه، بل أعاد غناءها العديد من الفنانين المغاربة والخليجيين . n هذا الانتشار تحقق في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي في الوقت الذي لم تكن الأغنية المغربية قادرة على تخطي حدود الوطن رغم تواجد أسماء فنية وازنة آنذاك، لماذا يعود السبب في نظرك؟ p هذه حقيقة، وقد استطعت آنذاك أن أحقق النجومية وعمري لا يتجاوز 14 سنة، ولو أعطيت لي الفرصة حينئذ لكان الوضع مختلفا الآن، إذ من خلال اللهجة المغربية واللحن المغربي استطاعت أغنية «العظمة مامنوش» أن تصل إلى الخليج العربي فقط باستعمال أربعة «بنادر» وآلة العود. السوق الفني اليوم تغير بشكل كبير، وهناك من دعاني إلى أداء أغاني مثل ما كانت تؤديه الفنانة المقتدرة نعيمة سميح والفنان الراحل محمد الحياني وغيرهما من عمالقة الفن المغربي، فكان ردي لهؤلاء أتوني بكتاب كلمات وبملحنين في مستوى هؤلاء العمالقة الذين لايستنزفون جيوب المغني ولا يطالبون أتعابا خيالية.. ورغم أنني في الغربة، بلجيكا تحديدا، إلا أنني أصر على مواصلة رسالتي الفنية التي أومن بها رغم أن هناك من يؤدي العشرات من الملايين من أجل تسويق الأغنية.. وتجدهم يقضون عطلهم في لاس فيغاس ودبي ومصر ولبنان وغيرها من الدول في حين أن ما أتحصل عليه من عرق جبيني في ديار الغربة أدخله إلى بلدي. n بمعنى أدق، أن هناك اختلالات بينة في المجال الفني تتسم بالمحسوبية والزبونية.. والضحية هم الفنانون الحقيقيون، هذا ما يمكن للمرء أن يفهمه من حديثك؟ p نعم المحسوبية والزبونية متفشية، بل يمكن الحديث عن لوبيات قائمة الذات في هذا المجال، وقد تلقيت الضربات من كل جانب، ولا أدري لماذا لا يستحمل البعض فاتن بنعكيدة. n وهل هذه الضربات معني بها أيضا الإعلام العمومي المغربي؟ p مع كامل الأسف، ورغم مرور عشرين سنة تقريبا على مغادرة التراب الوطني مازلت أجد نفس العراقيل بعد عودتي إلى المجال، فلا يمكن لفاتن بنعكيدة أن تترجى المسؤولين عن الإعلام العمومي آو غيرهم.. وإذا ما قصدت بابا معينا علي أن «أحك جيبي « .. كفى من هذه الأساليب، فمن حقي كمواطنة مغربية أن أستفيد من حقي في إعلامنا العمومي.. فهل يريدون مني أن اقصد الإعلام الأجنبي. أنا مغربية ومن واجب إعلامنا أن يسوق أعمالي ويستضيفني. n ألا ترين معي أن المشكل بخصوص هذا الأمر تتحملين فيه المسؤولية شخصيا ويتحمله أيضا معاونوك، إذ يبدو أنك غير مبادرة؟ p حينما عدت إلى المجال الفني جئت باستراتيجية، ورغم غيابي الذي طال عشرين سنة، فإنني كنت متتبعة بشكل دقيق لما يجري في الساحة الفنية وأعرف أيضا ما أريد، لذا كانت عودتي لأن الساحة الفنية فارغة رغم هذا الضجيج والضوضاء الحاصلين الآن، فأنا لاتهمني الملايين من المشاهدات في «اليوتوب»إن لم تكن حقيقية، وليس في اهتمامي أبدا الانتشار في الساحة الخليجية وغيرها بقدر ما أريد التواصل مع المغاربة.. ومثلي هو الفنانة القديرة نعيمة سميح، وان استطعت أن أصل إلى ربع ما وصلت إليه فهذا يمثل لي الشيء الكثير، ولاتهمني الملايين ولا الملايير، بل إنني أصرف من مالي الخاص لأوصل منتوجي الفني إلى المغاربة، وبالتالي أرى انه ليس هناك أي تقصير من جانبي، آذ هناك ثلاثة ألبومات تنتظر الخروج إلى حيز الوجود، لكن السؤال الذي يمكن أن يطرح هنا، هل يعقل ألا يتم استرجاع التكلفة المادية للأغنية التي ينتجها الفنان.. لكن ما يحز في النفس أننا نجد غرباء وداخل الوطن يتم احتضانهم وتبنيهم بشكل لا يوصف، بل هناك مغنيات من خلقن المشاكل ومرغن سمعة المغرب في التراب في الخارج بسبب سلوكاتهن ومع ذلك يتم مكافأتهن.. لماذا يحدث هذا، هل لأن فاتن بنعكيدة ليس من ورائها أمير خليجي أو مسؤول مغربي، أم لأنني لست في العشرينيات من عمري . ما يهمني حقا هو خدمة الأغنية المغربية وليس أي شيء آخر. n ماهي ردود فعل الجمهور المغربي وأنت تتواصلين معه من جديد من خلال آخر أعمالك الفنية «صياد النعام»؟ p ردود الفعل كانت إيجابية الحمد لله، وهذا ما أثلج صدري رغم أن هناك أعمالا أخرى مع كبار المبدعين المغاربة لم يكتب لها الخروج إلى حيز الوجود بعد، منها عمل فني مع المبدع والعملاق حسن القدميري. n لنعد إلى أغنية «العظمة مامنوش»، هذه الأغنية رددها الصغير والكبير، بل تغنى بها الخليجيون والعديد من المطربين المغاربة أيضا إلى درجة أن الكثير يعتبرها من التراث القديم، ولا يكاد يعرف هوية صاحبها، رغم أن هذه الأغنية من كلماتك وألحانك وأدائك، لماذا ترجعين السبب؟ p قبل ذلك لابد أن أتحدث عن بدايتي الفنية التي كانت من خلال برنامح «أضواء المدينة»، إذ كنت أؤدي الأغاني الطربية لأم كلثوم وفيروز ونعيمة سميح.. لكن لظروف عائلية ومادية وجدت نفسي في مسار مغاير تماما والتجأت إلى أداء الأغنية الشعبية بحكم أنها لم تكن مكلفة ماديا مقارنة مع المجال الأول الذي بدأت به، إذ أن صاحب شركة الانتاج كان يتولى كل شيء، خاصة وأنني كنت مازلت صغيرة جدا، مما اضطرت إلى أداء أغنية، «العظمة مامنوش»التي كتبتها شخصيا في «سيدي حمو» بمنطقة الجديدة ولحنتها أيضا وأديتها سنة 1987. n كيف جاءت فكرة هذه الأغنية؟ وهل تتحدث عن قصة واقعية لك؟ p هذه أسرار المهنة - تقول ضاحكة - على أي كان هناك وعد بالزواج من طرف أحد الشباب، ولظروف مادية واجتماعية خاصة لم يتم ذلك، رغم أن الزوج المفترض قوي البنية «كامل مكمول»، لكن الظروف المادية حالت دون ذلك. n هذه المواصفات لرجل دكالي؟ p - تجيب ضاحكة -على العموم كنت دائما بصحبة العائلة نقضي العطلة الصيفية في أزمور، والكل يعرف أن النساء يتحلقن ليلا في مكان ما ويرددن الأغاني بشكل جماعي أمام «الخيمة» ذات مرة سمعت أمرأة تغني «العظمة طويل وعالي، حيت دكالي»، فرسخت كلمة العظمة في ذهني، وحين عدت إلى منزلنا، كتبت القصة التي وقعت لي شخصيا، تقول الكلمات ،»العظمة ما منوش غير الفلوس اللي معندوش، مالي مالي هذا ما أراد الله ايامي، مالي مالي الجولة بغات الليل»، كلمات بسيطة لكن نابعة من الواقع، إذ أن السحر هو الآخر كان متداولا بين النساء أنذاك بشكل عادي «جيبوا لي الكومة نمسح سميتو من الحومة،على حبيبي ديت اللومة، جيبو لي زغيبات الفار......»، وحين أديت هذه الأغنية لم أكن راضية عنها بحكم أنني غيرت مساري الفني. n هل أنت نادمة الآن على ذلك؟ p لا أبدا، لكن نادمة على مسألة واحدة فقط، هو المال، إذ آنذاك كانت الفنانة نجاة اعتابو التي ولجت الميدان أربع سنوات تقريبا قبلي، وكانت أيضا الفنانة القديرة لطيفة رأفت التي غنت حينها أغنية «أنا فعارك ياما»، وأسبوعا بعد ذلك أديتها في «قافلة التنمية» بمدينة الخميسات، وبالتالي فالظروف كانت ضدي ولم تساعدني، لقد بدأت مع مثل هؤلاء العمالقة، وبالتالي كان من الممكن ألا أكون في الوضع الذي يجعل بعض الدخلاء على الفن يقولون بأنه «عاد قطر بيا السقف «، أقول لهؤلاء حرام عليكم . n رغم انتشار أغنية «العظمة مامنوش» لم نر أعمالا مثل هذه الأغنية لماذا؟ p المجتمع آنذاك كان محافظا، وقد اضطرت للزواج من أجل مواصلة الرسالة الفنية،لأكون في حماية رجل، وقد تلقيت ضربات قوية، وبعد طلاقي هاجرت إلى أوربا وكنت ضد فكرة الغناء في المراقص الليلية، واضطرت إلى التعلم الفلامانية والحصول على دبلوم لكي أشتغل كممرضة. بعد ذلك تزوجت ورزقت بالأولاد والانهماك في مساري العملي والأسري . n ماذا استفدت من أغنية «العظمة مامنوش» ماديا؟ p لم أستفد شيئا. n بالعكس الكل يعرف أن شرائط هذه الأغنية كانت تباع حتى في الأسواق الأسبوعية، وفي البوادي المغربية مثلها مثل السلع والخضر، وهذا يناقض المنطق؟ بل نجد النساء يطالبن أزواجهن باقتناء شريطك جنبا إلى جنب مع احتياجاتهن؟ p كان هناك احتكار للفنان، بل ظروف التسجيل كانت مزرية. وبخصوص أغنية «العظمة مامنوش»، تقاضيت مقابلها ثلاثة ألاف درهم فقط، تحصلت على ألف درهم كدفعة أولى، حيث صرفتها في شراء الملابس، وذهبت إلى الحمام و«صاوبت شعري» وأديت ثمن التصوير، لكي أمنح صاحب شركة الإنتاج صوري ليضعها في غلاف الشريط . n لكن بالمقابل كان هناك إقبال كبير على شراء الشرائط ؟ p طبعا لقد تم إنتاج الملايين من الشرائط، والدليل على ذلك أن صاحب الشركة في تلك السنة التي خرجت فيه الأغنية اقتنى فيلا وأصبحت لديه شركة والسيارات «ترافيك» التي كانت توزع هذه الشرائط وهاجر إلى إيطاليا. n كم في رصيدك الفني من أغنية؟ p بالإضافة إلى «العظمة ما منوش «هناك ألبوم مع شركة «البرهان» وصاحبها جزائري مقيم في باريس، وعمل آخر مع شركة أخرى لكن لم تحقق هذه الأغاني ما حققته «العظمة مامنوش» n لماذا في نظرك ؟ p في ذلك الوقت كنت أبحث عن مستقبلي، كما أن الظروف المادية اضطرتني إلى التعامل من أجل المادة، في حين أن «العظمة ما منوش» تمت عن حب وإحساس.. الأغاني الأخرى كان الهاجس هو المدخول المادي من أجل الهجرة إلى أوربا، الضغط لا يعطي ولا ينتج الفن كما يريده المرء، كما أن المنتجين تعاملوا معي كاسم فقط بدون مراعاة الجوانب الأخرى. بعد ذلك التجأت إلى الأغنية العصرية، «سد الباب» التي خرجت إلى حيز الوجود وأغاني أخرى مع مبدعين كبار، لكن للأسف ليس هناك منتجون، واستراتجيتي الآن هي خدمة الأغنية المغربية في بلدي، وأرى أن هناك من لا صوت له يتم الاحتفاء بهم، بل هناك من هو غير قادر على الغناء ولا صوت له لكن يتم استعمال التكنولوجيا في هذا المجال وأتحداهم أن يغنوا أمام الجمهور مباشرة . n كلمة أخيرة p لولا الجمهور ماعدت. وعاهدت جمهوري بتسجيل أغنية «العظمة مامنوش» كما هي من خلال فيديو كليب مع كتابة القصة التي كانت وراء خروجها إلى حيز الوجود.