بناية تاريخية مهددة بالزوال، صنفتها وزارة الثقافة كمعلمة وجب الحفاظ عليها. قدمت ضمن مشروع ترميم المآثر التاريخية الذي عرض بين يدي الملك سنة 2008 وخصص له الملايين، لكن هذا لم يشفع لها أمام أطماع لوبيات العقار التي تصر على هدمها بأية طريقة. تقف عبر السنين شامخة، تحيي كل وافد إلى قلب المدينة، أو عابر إلى الضفة المؤدية إلى سد «الجمعة» الذي يخترق مدينة تارجيست، تأبى الرضوخ لعوامل الطبيعة التي أفقدتها الكثير من جمالها أو الانحناء أمام أياد البشر التي تتربص بها في كل غفلة علها تحولها إلى حطام. تئن في صمت ململمة جدرانها المتداعية التي تحكي حجم الإهمال الذي تتعرض له رغم ما تحمله من أهمية تاريخية تنكر لها الكثيرون اليوم، بالإضافة إلى العبث في واجهتها الحضارية التي لم يُبق منها الزمان من شيء سوى ما يمكن أن يصفه العابر بأنه طيف باهت من الماضي. تهديد تم إحداثها أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي وتمتد على مساحة تصل إلى 3360 مترا مربعا، كانت مقرا إداريا للحاكم العسكري الإسباني بالمدينة، الذي كان يمتد نفوذه إلى دائرتي تاركيست وكتامة، ومنه كانت توجه عمليات الوجود الاستعماري الإسباني بالمنطقة، البناية تتميز بسحر الفن المعماري الأندلسي، مكونة من ثلاثة أجنحة، الجناح الأوسط مشيد على طابقين أرضي وعلوي، وهذا الأخير توجد به شرفة مطلة على ساحة كانت تقام بها الاستعراضات العسكرية، وبعد الاستقلال تم استغلال تلك الساحة كملعب لكرة القدم، والآن تحولت بقدرة قادر إلى تجزئة سكنية. أما الجناحان الشرقي والغربي فقد كانا مخصصين كسكن راق للمسؤولين العسكريين بتارجيست. الطابق العلوي شيد على أساس أن يكون مقرا إداريا للحاكم العسكري. هذه المعلمة التي توجه إليها أطماع لوبيات العقار اليوم، كانت شاهدة كذلك على حدث تاريخي بالمدينة خلال الزيارة التاريخية التي قام بها المغفور له محمد الخامس رفقة ولي عهده الأمير مولاي الحسن لتاركيست سنة 1957، وهي أول زيارة ملكية للمنطقة. هي اليوم مهددة بالزوال رغم تصنيفها من قبل وزارة الثقافة كمعلمة تاريخية، حيث كانت البناية موضوع طلب تصنيف توجه به رئيس المجلس الإقليمي لإقليم الحسيمة سنة 2009 لوزير الثقافة، وهو الطلب الذي تبنته ودعمته المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، حيث راسلت وزير الثقافة في الموضوع، كما أن والي جهة تازةالحسيمةتاونات كرسيف وعامل إقليمالحسيمة تدخل في الموضوع وطالب المجلس البلدي لتارجيست بإدراج نقطة متعلقة بالحفاظ على البناية والقيام بالإجراءات المتعلقة بتصنيفها في جدول أعمال دورة المجلس البلدي. وبتاريخ 20 أكتوبر 2012 عقد المجلس البلدي لتارجيست دورته الاستثنائية، وتم إدراج النقطة المتعلقة بالموافقة على الحفاظ على البناية وإبقائها كمعلمة تاريخية. وقد أسفرت هذه الجهود عن إصدار قرار رقم13. 1986 بتاريخ 2 غشت 2013 يقضي بتقييد هذه المعلمة في عداد الآثار. كما سبق في سنة 2008 تقديم البناية ضمن مشروع ترميم المآثر التاريخية الذي عرض بين يدي الملك، والذي رصد لها غلاف مالي بلغ مليوني درهم. ولكن بتاريخ 17 يناير ،2013 حسب ما صرح به فاعلون جمعويون بالمنطقة، أنه «في سابقة خطيرة وتعارض سافر مع التزامات المجلس البلدي بموجب مقرر الدورة الاستثنائية، أتت جرافة «المجلس البلدي» على الجناح الشرقي للبناية التي كانت سكنا للمسؤول العسكري الأول وقد شملت عملية الهدم جوانب أخرى من البناية». ومنذ ذلك الحين لم تتوقف أياد التخريب عن ممارسة الهدم الممنهج لعدة أجزاء أخرى منها. رد معارض الحديث عن هذه البناية دفع رابطة أبناء قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بتاركيست للخروج ببيان رأى فيه أبناء المنطقة تعارضا تاما مع واقع الحال والقيمة الرمزية لهذه المعلمة التاريخية، مما دفع جمعية أمازيغ صنهاجة الريف للرد على سابقيهم ببيان يستنكرون فيه كل تنقيص من الدور الذي تلعبه البناية في الذاكرة الجماعية للمنطقة، وأعربوا كذلك عن قلقهم واستنكارهم للبيان المذكور الذي اعتبروه «غير موفق وأنه بيان سياسي يفتقر للموضوعية والدقة». الجمعية وقفت على نقطة أخرى مهمة حول ما إذا كانت البناية آيلة للسقوط موضحين أن هذا الموضوع بالذات يعود إلى اختصاص اللجان التقنية والجهات المختصة، وليس من اختصاص الفعاليات الحمعوية. «كما أن الحديث عن كون البناية استعمارية فالبوادر الأولى للمدينة أصلا كانت من تأسيس المستعمر حيث كانت عبارة عن مركز عسكري إسباني، فهل يمكن تبرير هدم قصر الحمراء بالأندلس والإرث العمراني الذي خلفه المسلمون بإسبانيا فقط بدعوى أنه إرث استعماري؟» وعادت الجمعية عبر نفس البيان إلى التذكير بالمحطات التاريخية التي شهدتها البناية المذكورة، بحيث تعد جزءا لا يتجزأ من الذاكرة المشتركة المغربية الإسبانية وذلك بسبب الزيارة التاريخية التي قام بها المغفور له محمد الخامس رفقة ولي العهد آنذاك الأمير الحسن سنة 1957 لحاضرة صنهاجة السراير حيث خصص له أبناء المنطقة استقبالا كبيرا، ومن شرفة البناية الوسطى ألقى خطابا أمام الحشود الغفيرة من سكان قبائل المنطقة الذين رحبوا بقدومه. البناية التي تعود للفترة الاستعمارية هي المعلمة التاريخية الوحيدة التي لا تزال صامدة أمام جشع سماسرة العقار وتواطؤ المسؤولين، يضيف البيان، وهي آخر ما تبقى من الإرث العمراني بحاضرة قبائل صنهاجة السراير «تاركيست» بعد الإجهاز على كل من «إقامة الضباط» الذي كان معروفا لدى الساكنة ب»نادي العورج» نظرا لأنه كان مقرا للخيرية وملاذا لذوي الاحتياجات الخاصة، وتم الإجهاز عليه سنة 2011 من طرف مكتب المجلس البلدي الحالي بدعوى أنه كان آيلا للسقوط. وهو نفس المصير الذي عرفته «الكنيسة « المعروفة في الدوائر الدينية والرسمية الإسبانية ب «Iglesia de Cristo de Rey de TARGUIST «، إضافة طبعا إلى المقبرة المسيحية التي تحولت من طرف القائمين والساهرين على الشأن المحلي إلى مطرح عمومي للنفايات في خرق واضح للتعاليم الدينية السمحة وتحد سافر للمواثيق والقوانين الوطنية والدولية. هذا الوضع دفع الجمعية بمطالبة الجهات المعنية والمسؤولين بتحمل مسؤوليتهم والعمل على حماية البناية من أياد التخريب التي تتربص بها، ومن جشع سماسرة العقار والحفاظ عليها مع الإسراع في ترميمها وتصنيفها. سابقة بعيدا عن النقاش المحتدم بين أبناء المنطقة وموقف كل طرف من هذه البناية، نقف عند نقطة جد مهمة في هذا الملف المثير للجدل، كيف أمكن لشخص شراء معلمة تاريخية وكأنها أرض أو عقار عادي، وهو نفس التساؤل الذي تطرحه العديد من الجهات بالمنطقة، حيث يجهل إلى حدود كتابة هذه الأسطر كيفية تفويت أرض تجزئة النهضة 2 التي تتواجد فوقها المعلمة لآل اليطفتي بن حمادي بعد أن كانت في ملكية مديرية المساكن والتجهيزات العسكرية التابعة للقوات المسلحة الملكية. وهي الصفقة التي يطالب الفاعلون الجمعيون بالمنطقة بفتح تحقيق حول كيفية تمريرها والقيمة التي بيعت بها هذه المعلمة، موضحين أنها اليوم تعتبر غنيمة بالنسبة للوبيات العقار نظرا لمساحتها الشاسعة وموقعها الاستراتيجي بالمدينة. علما أن بعض المصادر يؤكدون أن الصفقة تمت في تسعينيات القرن الماضي بعد تحفيظ الوعاء العقاري الذي تقع به البناية سنة 1996 وتم بيعها بخمسين درهما للمتر المربع.