"الأطفال وكتابة الأشعار.. مخاض تجربة" إصدار جديد للشاعرة مريم كرودي    18 قتيلا و2583 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    وهبي: بابي مفتوح للمحامين ومستعد للحوار معهم أمام البرلمان.. "يقولو ليا غي شنو بغاو"    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعاً بريدياً تذكارياً بمناسبة الذكرى العاشرة لمتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر                الأحمر يغلق تداولات بورصة الدار البيضاء    أخنوش: خصصنا في إطار مشروع قانون المالية 14 مليار درهم لدينامية قطاع التشغيل    قرض ب400 مليون أورو لزيادة القدرة الاستيعابية لميناء طنجة المتوسط    جدل في البرلمان بين منيب والتوفيق حول الدعوة ل"الجهاد" في فلسطين    التجمع الوطني للأحرار يستعرض قضايا الصحراء المغربية ويشيد بزيارة الرئيس الفرنسي في اجتماع بالرباط    أنفوجرافيك | أرقام رسمية.. معدل البطالة يرتفع إلى 13.6% بالربع الثالث من 2024    إسبانيا تواصل عمليات البحث وإزالة الركام بعد أسبوع من فيضانات    تحقيقات جديدة تهز كرة القدم التشيلية    بن صغير يكشف أسباب اختياره للمغرب    كَهنوت وعَلْموُوت    التساقطات ‬المطرية ‬أنعشت ‬الآمال ..‬ارتفاع ‬حقينة ‬السدود ‬ومؤشرات ‬على ‬موسم ‬فلاحي ‬جيد    رئيس الحكومة يستعرض إنجازات المغرب في التجارة الخارجية    "روائع الأطلس" يستكشف تقاليد المغرب في قطر    بنعلي.. الوزارة ستواصل خلال سنة 2025 العمل على تسريع وتطوير مشاريع الطاقات المتجددة    وزارة الاستثمار تعتزم اكتراء مقر جديد وفتح الباب ل30 منصب جديد    إسرائيل تعين يوسي بن دافيد رئيساً جديداً لمكتبها في الرباط    الاحتقان يخيم من جديد على قطاع الصحة.. وأطباء القطاع العام يلتحقون بالإضراب الوطني    مستشارو فيدرالية اليسار بالرباط ينبهون إلى التدبير الكارثي للنفايات الخضراء و الهامدة بالمدينة    "متفجرات مموهة" تثير استنفارًا أمنيا في بولندا    فن اللغا والسجية.. المهرجان الوطني للفيلم/ جوائز المهرجان/ عاشت السينما المغربية (فيديو)    الأرصاد الجوية تتوقع ارتفاع الحرارة خلال الأيام القادمة في المغرب    غير بعيد على الناظور.. حادث سير مروع يخلف عشرة جرحى    حقيقة انضمام نعية إلياس إلى الجزء الثالث من "بنات للا منانة    لهذه الأسباب.. الوداد يتقدم بطلب رسمي لتغيير موعد مباراته ضد اتحاد طنجة    أولمبيك أسفي يوجه شكاية لمديرية التحكيم ضد كربوبي ويطالب بعدم تعيينها لمبارياته    القفطان المغربي يتألق خلال فعاليات الأسبوع العربي الأول في اليونسكو    صاعقة برق تقتل لاعبا وتصيب آخرين أثناء مباراة كرة قدم في البيرو    دقيقة صمت خلال المباريات الأوروبية على ضحايا فيضانات فالنسيا        آس الإسبانية تثني على أداء الدولي المغربي آدم أزنو مع بايرن ميوني    الانتخابات الأمريكية.. نحو 83 مليون شخص أدلوا بأصواتهم مبكرا    وزيرة التضامن الجديدة: برنامج عمل الوزارة لسنة 2025 يرتكز على تثمين المكتسبات وتسريع تنفيذ إجراءات البرنامج الحكومي    ترامب يعد الأمريكيين ب"قمم جديدة"    هاريس تستهدف "الناخبين اللاتينيين"    استنفار أمني واسع بعد العثور على 38 قذيفة في ورش بناء    على بعد ثلاثة أيام من المسيرة الخضراء ‮ .. ‬عندما أعلن بوعبيد ‬استعداد ‬الاتحاد ‬لإنشاء ‬جيش ‬التحرير ‬من ‬جديد‮!‬    تصفيات "كان" 2025.. تحكيم مغربي المباراة نيجيريا ورواندا بقيادة سمير الكزاز    افتتاح النسخة الثانية من القافلة السينمائية تحت شعار ''السينما للجميع''    «حوريات» الجزائري كمال داود تقوده الى جائزة الغونكور    نوح خليفة يرصد في مؤلف جديد عراقة العلاقات بين المغرب والبحرين    دروس وعِبر للمستقبل.. الكراوي يقارب 250 سنة من السلام بين المغرب والبرتغال‬    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)        خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحديات توظيف المقدَّس في الراهن العربي، نحو تَحرير الدين 1 0

يعد موضوع توظيف المقدس في التاريخ من الموضوعات المعقدة والملتبسة في الآن نفسه. وقد بلورت الفلسفات الحديثة في سياق نقدها لصور استخدام الدين في الحياة العامة، جملة من المبادئ التي تعد اليوم من المكاسب النظرية في موضوع تصورها لأسس الدولة المدنية. إلا أن المتغيرات التي عرفتها المجتمعات البشرية، أنتجت أنماطا أخرى من أشكال توظيف المقدس في العمل السياسي، بل وتحويل الجدل السياسي إلى مجال للاستقطاب الديني، الأمر الذي يدعونا إلى التفكير في كيفيات تحرير الإسلام وتحرير الدين عموماً، من المتلاعبين بقيمه السامية
«لا يمكن إرغام أحد بالقوة على امتلاك السعادة الأبدية».
سبينوزا
«ليس كلام روسو في عقيدة القس الجبلي عن الدين بقدر ما هو عن الهم الديني. وهذا الهم عاد بعد أن غاب، وإن قُدِّر له أن يغيب مُجدداً فهو لا محالة عائد مادام الإنسان إنساناً».
عبد الله العروي
«حين نطرح على العالم العربي المفاضلة الرهيبة بين بقاء الإسلام والولاء للماضي من جهة، وبين الانطلاق في طريق المستقبل والتجديد من جهة أخرى، فإننا نحصره في جدلية البؤس».
هشام جعيط
1 - نوجِّه اهتمامنا في هذه الورقة، نحو زاوية محددة من زوايا الانفجارات والتحولات السياسية الحاصلة في العديد من البلدان العربية(1)، يتعلق الأمر بمحاولةٍ في تعقل موضوع وصولِ بعض تيارات الإسلام السياسي إلى الحكم، قصد التفكير في النتائج المحتملة لهذا الوصول، في علاقتها بالمشروع السياسي الديمقراطي وقيَّمه الوضعية والتاريخية.
وسنعتمد في عمليات المساءلة والفهم، على المعطيات الحاصلة في البلدان، التي شكلت طلائع الحدث الثوري، أي في تونس ومصر والمغرب، وهي البلدان نفسها التي عرفت بعد الحركات الاحتجاجية، وصول أحزابها الإسلامية إلى السلطة، وذلك قصد التمثيل العياني، لصور وأنماط توظيف المقدس في التاريخ(2).
ننطلق في هذا العمل، من كون موضوع توظيف المقدس في التاريخ، يعد من الموضوعات المعقدة والملتبسة في الآن نفسه. وقد بلورت الفلسفات الحديثة في سياق نقدها لصور استخدام الدين في الحياة العامة، جملة من المبادئ التي تعد اليوم من المكاسب النظرية في موضوع تصورها لأسس الدولة المدنية. إلا أن المتغيرات التي عرفتها المجتمعات البشرية، أنتجت أنماطا أخرى من أشكال توظيف المقدس في العمل السياسي، بل وتحويل الجدل السياسي إلى مجال للاستقطاب الديني، الأمر الذي يدعونا إلى التفكير في كيفيات تحرير الإسلام وتحرير الدين عموماً، من المتلاعبين بقيمه السامية(3).
تتوخى الورقة تركيب جملة من القضايا المحفزة على مزيد من الجدل التاريخي في الموضوعات التي سنتجه صوبها، قصد المساهمة في تخليص الإسلام من قبضة الشيوخ والأمراء الجدد، الذين يمارسون اليوم عمليات سطو على لحظة في التاريخ، انتظرتها الشعوب العربية طويلا، وكان لها مكر التاريخ بالمرصاد.
تعود صعوبة ضبط الخيارات السياسية الإسلامية إلى تعدد مشارب الإسلاميين، ففي أغلب المجتمعات الإسلامية يتساكن إسلام المواطن، وهو يمتلك في الأغلب الأعم بعدا ثقافياً مرناً، مع إسلام الدولة المرتب في أحد بنود الدستور، والمحروس بطقوس وتقاليد معينة، وأشكال من تدبير نظام العبادات في المساجد، وخطب الجمعة ومجالس العلماء. إضافة إلى الإسلام الطرقي، الذي ترعاه الزوايا ويستقر بجوار أضرحة الصالحين، كما تخصص له مواسم محددة. وبالقرب من كل ما سبق، نجد الإسلام الجهادي، وهو إسلام دوغمائي يغلب عليه في تصوره للقضايا التي تكون محط اهتمامه الطابع الجذري المختلط، وقد أصبح اليوم أكثر حضوراً في مجتمعاتنا بحكم استفادة مُجَنَّديه من مكاسب التقنيات الحديثة في التواصل والعمل. وبجوار كل ذلك وفي قلبه، تبلور الإسلام السياسي، وهو إسلام برجماتي يروم الاستحواذ على مختلف تمثلات وتمظهرات وطقوس الإسلام(4).
رفع الإسلام السياسي شعار الدفاع عن الهوية والعقيدة، وركب درب المؤسسات والتنظيمات الحديثة، دون أن يغفل امتداده الدَّعوي المجسد في الجمعيات الإحسانية والخيرية، والمجسد أيضا في حرصه على ربط صلات من الوصل في المساجد وحلقات الوعظ، مع كل أطياف التمظهرات الدينية داخل المجتمع. وقد رتب مساراته في سياق تاريخي تميز بفشل مشاريع الدولة السائدة في الإصلاح، كما تميز بتراجع اليسار في أغلب المجتمعات العربية.
لم تستوعب الحركات الإسلامية قيم الحداثة، واكتفت بقراءة نصية للظاهرة الدينية، الأمر الذي ترتب عنه في أدبياتها كثير من الفقر الفكري والتاريخي. نحن نشير هنا إلى القراءات الجهادية والسلفية التي انتشرت في العقود الأخيرة، كما نشير إلى صور التوظيف الخطير للحساسيات الدينية في مجتمعاتنا، التي تعاني من تفاقم أزمات تاريخية كبرى. وفي هذا السياق، نفترض أنه ليس من حق أحد احتكار المخزون الرمزي للدين الإسلامي وتوظيفه في المجال العمومي.
وإذا كنا نسلم بأن البعد الروحي في حياتنا، يشكل جزءاً من حياتنا الحميمية ومشاعرنا الخاصة، فإن التلاعب به وبقيمه بواسطة مقتضيات آليات التوظيف، يُفجِّر معارك كنا نعتقد أن مجتمعنا تجاوزها، وها نحن نتبين اليوم، أننا لم نفكر فيها بعد، بالصورة التي تمكننا من بناء نقط ارتكاز وقناعات فكرية واضحة في موضوعها.
لقد كانت القوى الحية، في أغلب المجتمعات العربية، وبحكم انشغالها بالمعارك المجتمعية والسياسية العديدة التي تخوضها، تترك موضوع المقدس ولغته وصور قراءاته وتوظيفه، معتقدة أن تجاوز مثل هذه الإشكالات بتركها يحل المشكلة. إلا أننا نرى أن المشاكل لا تُحل بالترك، بل بالتداول فيها والجدل في قضاياها بروح تاريخية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.