لا جدال في جدة مفهوم المسؤولية المجتمعية في أدبيات النظم الاقتصادية والإدارية، وفي أدبيات المقاولات والمؤسسات الإنتاجية، حيث يرتبط المفهوم بجملة من السياقات والأطر النظرية، التي لا يمكن فصلها عن مباحث ونظريات المقاربات ذات الصلة بسجلاَّت البحث في العلوم الاجتماعية. نتابع في حلقات هذا العمل، السياقات التي أنتجت مفهوم المسؤولية المجتمعية في عالم جديد. ونبحث في صوَّر وكيفيات تلقِّي الثقافة الاجتماعية في مجتمعنا لهذا المفهوم، حيث نبحث في الشروط والمداخل المجتمعية والسياسية والثقافية، التي تساعد في عملية التهييء لولوج دروب المسؤولية المجتمعية وما يتصل بها من قيم. لا جدال في جدة مفهوم المسؤولية المجتمعية في أدبيات النظم الاقتصادية والإدارية، وفي أدبيات المقاولات والمؤسسات الإنتاجية، حيث يرتبط المفهوم بجملة من السياقات والأطر النظرية، التي لا يمكن فصلها عن مباحث ونظريات المقاربات ذات الصلة بسجلاَّت البحث في العلوم الاجتماعية. نتابع في حلقات هذا العمل، السياقات التي أنتجت مفهوم المسؤولية المجتمعية في عالم جديد. ونبحث في صوَّر وكيفيات تلقِّي الثقافة الاجتماعية في مجتمعنا لهذا المفهوم، حيث نبحث في الشروط والمداخل المجتمعية والسياسية والثقافية، التي تساعد في عملية التهييء لولوج دروب المسؤولية المجتمعية وما يتصل بها من قيم. في شروط توطين مفهوم المسؤولية المجتمعية ينتمي مفهوم المسؤولية المجتمعية إلى جيل من المفاهيم المركَّبة في حقل العلوم الاجتماعية، من قَبِيل مفهوم العدالة في الصيغ الجديدة التي اتخذها في الفكر المعاصر، وخاصة في الصيغ التي تضيف نعتاً يُحدِّد موضوعها، من قَبِيل العدالة الانتقالية والعدالة المناخية والعدالة اللغوية إلخ..، حيث تتلون المفاهيم وتركَّب في سياق الأسئلة والمرجعيات والأهداف المرسومة لها، وكذا القطاعات أو المجالات التي تُعْنَى بها. يُمكن الانتباه إلى أن هذا الجيل الجديد من المفاهيم المركَّبة يتجه للتقليص من الكثافة النظرية في المفاهيم التي يركِّبها، ومقابل ذلك تتم العناية بالجوانب الإجرائية المرتبطة بتطبيقاته. ونحن نفترض أن عوامل متعدِّدة ساهمت وما زالت تساهم في تبلور المفهوم بالصيغ العديدة، التي ما فتئ يتلون بها في الأدبيات التي تنخرط في تداوله. وهي عوامل يجمعها قاسم مشترك، يتعلق كما قلنا ونؤكد بالتحوُّلات الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسية التي عرفها العالم، منذ منتصف القرن الماضي وإلى يومنا هذا. إن ما أثارنا ونحن نعاين المنجزات التي رُكِّبَت في مجال العناية بالمفهوم ومكوِّناته، في المحيط الاجتماعي والثقافي العربيين، هو المحاولات التي اتجه أصحابها عند مقاربتهم للمفهوم، وما يرتبط به من مبادئ وقيم وأطر نظرية، إلى تغليب آليات في السجال تَرُومُ مُخاصمة عالم يتعولم، وذلك دون انتباه إلى الأدوار الهامة للمفهوم، في علاقاته بالإدارة والإنتاج في مجال المقاولات، ودون عناية بأدواره الأخرى في التوازنات الاقتصادية داخل المجتمع. كما لاحظنا أن بعض المقاربات ، حاولت تقريب المفهوم من العمل الخيري الإسلامي، وأعمال الإحسان ذات الروح الأخلاقية، مُغْفِلَةً النقاش النظري المطروح في هذا الباب حول أخلاقية المسؤولية المجتمعية. لا يمكن أن ننجح في مقاربة مفهوم المسؤولية المجتمعية ونحن نغفل القواعد الأولية، التي تسمح بإمكانية التفكير في سبل إعداد الشروط والمداخل المجتمعية والسياسية والثقافية، التي لا يمكن بدونها ولوج عوالم ودروب المسؤولية المجتمعية وما يتصل بها من قيم، ترتبط أشد الارتباط بضرورة بناء مجتمع جديد، يُؤَهِّلُ أفراده ومؤسساته لاستيعاب أخلاقيات العمل في مجتمع المواطنَة، حيث لا مسؤولية مجتمعية دون مواطنة، ودون تحديث في نظم السياسة والتربية والاقتصاد والإدارة. نحن نشير هنا إلى مواد منشورة في بعض المواقع الإلكترونية، حيث يقف المعاين لهذه المواد على تكرار ورود المواقف الرافضة للعولمة والتعولُم، أو تقريب المفهوم من المنظور الأخلاقي لإبراز القيم الخيرية في الإسلام، وذلك بصورة تميل إلى تبسيط القضايا واستسهالها. وإذا كنا نسلم بأن تبلور مفاهيم البحث في الظواهر الاجتماعية، واكب في التاريخ الغربي ميلاد المجتمع الصناعي وتطوُّر نمط الإنتاج الرأسمالي، كما واكب مجمل التغيرات التي عرفها الغرب في سياق تطور المجتمع الحديث، فإن التحوُّلات التي يعرفها العالم اليوم في مطالع الألفية الثالثة، تدفع إلى ضرورة ابتكار مفاهيم ومفردات، للتمكُّن من بناء الإجراءات المساعدة في عمليات التغلُّب على المآزق والأزمات الجديدة، بالصورة التي تمكِّن المجتمعات البشرية من تهييئ ما يسمح لها بتحسين أحوالها، والتحكم في مستقبلها ومصيرها، أي تحقيق التنمية والتوازن والعدالة. نتصوَّر أن تكون مقاربة موضوع المسؤولية المجتمعية في الثقافة والمجتمع العربيين ذات مردودية تاريخية ونظرية، عندما نقترب منه من زاوية تبحث في إمكانية وشروط توطينه الخلاق في مجتمعاتنا، الأمر الذي يُفْضِي في تصوُّرنا إلى ضرورة ربطه بمعارك التحديث، الجارية منذ عقود في أغلب المجتمعات العربية. فنحن نفترض أنه لا يمكن التفكير في الإشكالات المرتبطة بنقل واستيعاب مفهوم المسؤولية المجتمعية، دون ربطه بالسياقات العامة التي يندرج ضمن محمولاتها. نقصد بذلك قضايا التنمية في علاقتها بضرورة تكسير قيود التقليد والفساد، وهي القيود التي ما تزال تشكِّل القوى المُحَاصِرَة لتطلعات المجتمعات العربية في النهضة والتقدم. يمكن أن ندرج زاوية نظرنا ضمن المباحث التي تهتم بأسس ومنطلقات مفهوم المسؤولية المجتمعية. حيث سنواجه في بحثنا إشكالية تَقْرِن التفكير في أسس وأهداف المسؤولية المجتمعية، بالسياق التاريخي العام لأوضاع المجتمعات العربية، في علاقته بمسألة التحديث باعتبارها المسألة المركزية في الراهن العربي. نربط إشكالية بحثنا بتصوُّر عام له علاقة بتبلور نظريات جديدة في الاقتصاد والسياسة وفي دراسة المجتمع، تُعطي للبعد الثقافي ولتطور أنماط الوعي داخل المجتمع، أهمية قصوى في بناء التطلعات السياسية والاستراتيجيات الاقتصادية وبناء تنمية المجتمع. فقد أصبحت العناية بالبُعد الثقافي داخل بعض حقول المعرفة تُعَدُّ مسألة مُلِحَّة، حيث لا تنمية في الوعي السياسي الديمقراطي مثلاً دون ثقافة سياسية جديدة، ولا إمكانية لتحقيق النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة، دون إشراك مؤسسات الإنتاج في برامج ومخطَّطات النظام الاقتصادي، ودون توفير حَدٍّ أدنى من القيم الثقافية المطلوبة لإسناد حركية التحوُّل الجارية في المجتمع. ضمن هذا الأفق النظري والتاريخي، نبني مفاصل ومحاور هذه الحلقات. ولأننا نركِّب عملاً يروم التفكير في كيفية تلقي واستيعاب المجتمعات العربية لواحد من المفاهيم المركَّبة والمرتبطة بمقتضيات عالم جديد، فقد قسَّمنا عملنا في ضوء ما سبق إلى قسمين كبيرين، نقف في الأول منهما على ما نعتبره إضاءة مكثَّفة للمفهوم وسياقات تبلوره التاريخية، لنتوقف بعد ذلك أمام جوانب من مكوِّناته وأهدافه. وقد اعتنينا داخل هذا المحور، بالأفق الاستراتيجي المؤسسي الذي يضمن له النجاعة والمردودية، نقصد بذلك الأفق التضامني المعتمد على مبدأ المشاركة والمساهمة في مواجهة تحدِّيات الشأن العام داخل المجتمع، حيث انفتحت المقاربة على الأدوار الجديدة للمقاولات المواطنة في مجتمع متغيِّر ومتحوِّل. أما المحور الثاني، فقد اقتربنا فيه من السؤال المركزي في عملنا، يتعلق الأمر ببحثنا في التلقي العربي لمفهوم المسؤولية المجتمعية. وقد رتَّبنا في إطاره، خياراً في النظر يرى أن الاستيعاب التاريخي المُنْتِج للمفهوم، يتطلَّب مزيداً من انخراط المجتمعات العربية في مسلسل التحديث والتنمية، وذلك لوعينا بأن روح القيم التاوية خلف المفهوم وخلف الإجراءات والقيم التي تؤطره تقتضي ذلك، إنها هي التي تمنحه المردودية والتطور. أبرزنا في هذا المحور، أنه لا يمكن توفير الأرضية المناسبة لتوطين ونشر قيم المسؤولية المجتمعية في بلادنا، دون تعزيز قيم التحديث السياسي والفكري والمجتمعي. وتتضح أهمية هذا الشرط، عندما نكون على بينة بأن المشروع التحديثي في السياسة والمجتمع، هو أولاً وقبل كل شيء مشروع المواطنة والمجتمع المدني، مشروع الإدارة القريبة من القيم المرتبطة بمفهوم المسؤولية المجتمعية. سنعمل عند بلورة محاور ورقتنا، اعتماد المعطيات المحلية التي تساهم في بناء الإشكالات العديدة المرتبطة بأسئلة المسؤولية المجتمعية، مع محاولة نستفيد فيها مما حصل في المجتمعات الغربية في هذا المجال. وهكذا ننخرط في التفكير في بناء الظواهر المرتبطة بالمسؤولية المجتمعية في مجتمعاتنا، تجمعنا عتبة معرفية تسلم بأهمية المعرفة في تعقُّل الظواهر الاجتماعية، وذلك لما يترتب عنها من معطيات تتيح لنا إدراكاً أفضل لقضايانا، وتُمَكِّنُنَا من إيجاد الحلول للمشكلات التي تعترض حياتنا. نشتغل في تركيب محاور هذا العمل تحت ضغط هاجسين، أحدهما معرفي والآخر موجه بالرغبة في التواصل المنتج مع مكاسب عصرنا. نلح في موضوع الهاجس الأول، على مبدأ تعزيز الانخراط العربي في تأصيل حقول العلوم الاجتماعية في ثقافتنا، ونحاول في الهاجس الثاني، التأكيد على أهمية التلقي المنتج الذي يمنح ثقافتنا ومجتمعنا ما يؤهلها للانخراط بصورة أفضل في بناء مجتمع جديد.