اشتُهر المخرج الصيني وونغ كار واي، عالميًا، بكونه مخرجا له طريقته الخاصة بسبب أعماله الفريدة، حيث ساهم رفقة المصور السينمائي الملازم له كريستوفر دويل و المصمم وليام تشانغ في تأسيس أسلوب عصري مكثف بصرياً و المشحون بالعواطف من خلال فيلم «أيام البرية» (1991) ولاحقاً «تشونغكنغ اكسبرس» (1991) وسقوط الملائكة (1995)، وهو الأسلوب الذي ألهم مخرجي آلاف الفيديوكليبات والعديد من المخرجين الشباب. وقد حل وونغ كثالث أفضل مخرج وفقا للتصنيف الذي أجرته مجلة «سايت آند سوند» التابعة لمعهد السينما البريطاني عن أفضل عشرة مخرجين في الوقت الحاضر. ويشتهر وونغ كار واي بشاعرية السينما التي يقدمها ومفاهيمه الفلسفية ونظرته الى القيم الانسانية المعاصرة. فهو يعرف بسيد «الزمن السينمائي». والمقصود بذلك، قدرته الاستثنائية على استخدام الكاميرا والسيناريو والحوار على نحو يسلط الأضواء على تأثير الزمان والمكان على سلوك الانسان في عالم يبدو فيه الفرد ضائعاً تائهاً بين تقاليده الفردية والقيم المفروضة عليه من قبل أصحاب السلطة المالية والاجتماعية والسياسية. وقد ، أنه نجح وونغ كار واي في أن يبث في الأفلام التي قدمها حتى الآن رؤيته الفلسفية في مقاربة المادة السينمائية، وتقوم بالدرجة الأولى على ضرورة الانسجام بين الزمن ذي الوتيرة المتسارعة، والانسان الذي ينبغي ان يدرك هذه الحقيقة، فيتكيف معها على نحو لا يجعله اضحوكة وعديم الجدوى.. في ما يلي الدرس السينمائي الذي قدمه هذا المخرج بمهرجان كان سنة 2001 قبل «درسه في السينما»، فاجأ وونع كار واي الحضور بعرض فيلم In the Mood for love ، وهو يحكي واحدة من ثلاث حكايات عن التغذية التي شكلت مصدر فيلمه. ويتعلق الأمر بفيلم قصير من ثماني دقائق، حيث تلتهم ماغي شونغ حلويات في مطعم للأكلات السريعة يسيره طوني لونغ. عندما بدأنا مشروع فيلم In the Mood for love، كان الأمر يتعلق بإخراج فيلم حول التغذية، والعنوان الأصلي كان هو «ثلاث حكايات عن التغذية «، الفكرة تتمثل في تصوير ثلاث حكايات تصف الطريقة التي تؤثر فيها التغذية على حياة الجالية الصينية في هونغ كونغ، وكيف غيرت الابتكارات مثل آلة طهي الأرز أو المعجنات الفورية والأكلات السريعة حياة الآسيويين وقلبت كليا علاقاتهم الاجتماعية. في السابق كانت النساء يقضين وقتا طويلا في إعداد الأكل لكل العائلة،لكن بعد ابتكار الطاهي الآلي، أصبح لديهن وقت أكثر. كانت تلك قصتي الأولى عن التغذية، في الثانية أردت أن أظهر كما في فيلم In the Mood for love، كيف كانت النساء يخرجن في الغالب من أجل شراء معجنات جاهزة من متعهد، لم يكن ذلك بغرض شراء المعجنات أكثر منه رغبة في الخروج للترويح عن النفس. كن يعشن في أماكن ضيقة وكن بحاجة إلى ذريعة من أجل الخروج، أما الحكاية الثالثة فتتعلق بالأكلة السريعة، لأن كثيرا من الناس، وخاصة الشباب، لم يعودوا يحبون قضاء الوقت الكافي للطهي بأنفسهم وأصبحوا يفضلون تناول وجباتهم خارج المنزل. وهكذا، فهذه الحكايات الثلاث تجري في فترات مختلفة تجسد كيف تغير دور الرجل والمرأة بسبب العادات الغذائية. الفيلم الذي شاهدنا من المفترض أن يكون الأخير لكونه يعالج التحلية وتم تصويره أولا، خلال ليلتين فقط، بعد ذلك اشتغلنا على الطبق الرئيسي، لكن القصة أصبحت طويلة أكثر فأكثر وبآلة الطهي الآلي والعجائن الجاهزة ليتحول إلى عمل فني في حد ذاته. وبالتالي، قررت أن أصنع منه فيلما طويلا مغايرا هو فيلم In the Mood for love ، حيث استغرق مني 15 شهرا لتصويره. وعندما طلب مني «مهرجان كان» إلقاء درس في السينما، كنت منزعجا،... فليس لدي ما أعلمه لأي كان، لأنني لا أعتقد أني مثال جيد، ارتكبت أخطاء كثيرة ولكنني كنت أريد تقاسم تجربتي معكم. ولذلك اخترت تقديم هذا الفيلم القصير المنجز في بداية فيلم In the Mood for love، لأنه يظهر كيف أنجز فيلما وما هو المسلسل الذي نتبعه لبلوغ ذلك، نصور دون أن يكون لدينا سيناريو حقيقي ولا حتى غير حقيقي، ولكن بأفكار واضحة ودقيقة في الذهن، فإنجاز فيلم من 90 دقيقة يتطلب التوفر على الكثير من المادة الخيالية، وأنا أتوفر دائما على أفكار لأفلام قصيرة، في بعض الأحيان نبدأ فيلما بحكايتين أو ثلاث قصيرة، وفي أحيان أخرى بقصة واحدة. وهذه هي العلاقة الموجودة بين فيلم les anges déchus وفيلمchaung king express . في بداية هذا الفيلم الأخير، كانت هناك ثلاث حكايات، ولكن بعد أن أنهينا إنجاز اثنين لاحظنا أن ذلك أصبح يشكل فيلما طويلا غير أنني لم أنس القصة الثالثة المسماة fallen angels التي كانت في النهاية مصدر فيلم طويل آخر بعنوان les anges déchus. لم أدرس أبدا في مدرسة السينما، ومع ذلك أعتقد دائما أن ذلك شيء جيد، حيث من الممكن أن نشاهد فيها أفلاما عديدة، أو يمكن أن نجد فيها أصدقاء، ولكن بصدق لا أعتقد أنه بإمكانك أن تتعلم فيها كيفية صناعة أفلام، عليك أن تتعلم ذلك من حياتك الخاصة. إن تجربتي الشخصية جاءت من تربيتي. ولدت في شنغهاي وانتقلت إلى هونغ كونغ وعمري خمس سنوات ومثل شخصيات فيلم In the Mood for love ، كنا شنغايين ولا نتكلم الكانتونية. والدتي كانت تعشق السينما، وكنا نقضي أيامنا نشاهد أفلاما من كل الأصناف لأنه في هونغ كونغ كانت تعرض أفلام هوليودية، ماندرينية (صينية)، من هونغ كونغ وأفلام أوربية، وبالتالي أنصح طلبة السينما بمشاهدة أكبر عدد ممكن من الأفلام، الجيد منها والرديء، الأفلام الجيدة قد تعلمك أشياء وكذلك الرديئة . وإذا كنت قد قررت متابعة تكويني في مجال التصوير الغرافيكي بالجامعة متعددة الاختصاصات بهونغ كونغ، فلأنني كنت أعتقد بأنني لن أكون مجبرا على الكتابة أو إنجاز واجبات في المنزل، كان أحد أصدقائي يدرس الفنون الغرافية وكنت معجبا بطريقة اشتغاله. كان يقضي وقته خارجا يلتقط الصور. كان ذلك يبدو لي سهلا، لكنه لم يكن كذلك، فضلا عن أنني لا أتوفر على الصبر الضروري للرسم، وبالتالي أصبحت كاتب سيناريو لأنه في تلك الفترة كان تلفزيون هونغ كونع TVB يقترح دورات تدريبية في الكتابة لفائدة كتاب السيناريو والمخرجين المبتدئين. وعندما بدأت في المهنة، كتبت طيلة ثماني سنوات العديد من السيناريوهات للآخرين- كوميديا، أفلام رعب، أفلام كونغ فو، أفلام حركة، كل أنواع الأفلام. وكنت محظوظا بالعمل مع باتريك طام، أحد أهم مخرجي «الموجة الجديدة». وعندما كتبت رفقته فيلم Final Victory في العام 1987، اكتشفت لأول مرة أن نفس السيناريو قد يعطي أفلاما مختلفة جدا حسب المخرجين. عمليا، كنت أكتب سيناريوهات ولكنني كنت أكره الكتابة، وبالتالي أردت أن أكون مخرجا حتى يكتب شخص آخر سيناريوهاتي، لكن الأمور لم تتم هكذا. اضطررت لكتابتها بنفسي، والكتابة للآخرين أو لنفسك شيئان مختلفان. عندما تكون كاتب سيناريو تعرف أن المخرج في النهاية سيحول كلماتك إلى صور وبالتالي تحاول التأكد بأن الفيلم يشبه بهذا القدر أو ذاك ما تصورته من خلال الكتابة، وبالتالي تبحث بشكل أو بآخر عن تقليص حرية المخرج من خلال وضع الكثير من الحوارات والتوصيفات، لكن كتابة سيناريو وإخراجه شيئان مختلفان تماما. عندما بدأت كمخرج في نهاية الثمانينيات تصورت نفسي أنني سأكون مخرجا كألفريد هتشكوك الذي كان يعد كل شيء، كان يعرف بالضبط ماذا يريد تصويره وكان يعرف كل شيء عن التقنية، لكن منذ يومي الأول في التصوير فهمت أنني كنت مخطئا، لن أكون أبدا مثل هتشكوك لأنني كنت أغير أفكاري باستمرار في موقع التصوير. وبالتالي قررت عدم الاهتمام بالأمر، لأن الإغراق في استعدادات ثقيلة لا يفيد في شيء، بما أنني كاتب السيناريو أعرف كيف أغيره على الفور وبالتالي لا يمكن أن تضع كل صورك على الورق لأن الكثير من الأشياء تدخل في الحسبان: الصوت، الموسيقى، الجو العام، الممثلون، الأماكن، إذا حددنا كل هذه التفاصيل في السيناريو سيفقد إيقاعه، ستصبح قراءته صعبة ومملة لذلك اخترت ألا أكتب قبل التصوير سوى المشاهد والتفاصيل المهمة وكذا الحوارات. أعطي إيقاع المشاهد للممثلين وأقفز على كل التفاصيل التقنية. ما يهمني كثيرا هو أن يتأخر ما أمكن اكتشاف الشخصيات وعالمهم، وأن يكون ذلك بطيئا ما أمكن، يتعلق الأمر ببناء السيناريو والإخراج كلغز، هناك أشياء كثيرة يتعين تخيلها، أشياء كثيرة لا نراها مثلا بالنسبة لفيلم In the Mood for love، أردت في البداية أن يجسد الممثلان ماغي شونغ وطوني لونغ ،في نفس الوقت، المرأة والسيدة شان والزوج والسيد شو. وإذا كنت أعرف جيدا أنني مثله بالنسبة لي فيلم In the Mood for love، تشويقي فيلم مفاجئات، ولهذا احتفظت باستمرار بالرجل والمرأة الزوجين الخائنين خارج الصورة خالقا بذلك الحيرة كما لو أن هناك مؤشرا ما. الشخصان يحاولان فهم لماذا المرأة والزوجين الخائنين خارج الصورة خالقا بذلك الحيرة كما لو أن هناك مؤشرا ما. الشخصان يحاولان فهم لماذا وكيف تصرف زوج كل منهما بتلك الطريقة يبحثان عن الحقيقة ولكن أية حقيقة؟ بنية القصة هيتشكوكية بامتياز أنجزت فيلمي الأول سنة 1988 فيلم AS TEASS GO BY خلال العصر الذهبي لسينما هونغ كونغ، في تلك الفترة مر الكثير من المخرجين الشباب وراء الكاميرا لأنه كانت تنتج في هونغ كونغ حوالي 300 فيلم في السنة تمولها تسبيقات البيع في السوق الآسيوية. كان المنتج في حاجة فقط لقصة ونوع محدد وأسماء الممثلين. كانت لدي فكرة لإنجاز فيلم أشرار. بدأنا تصوير الفيلم ولكن خلال التصوير بدأت أغير أشياء كثيرة. وبما أنه كان فيلمي الأول، كان ذلك مرهقا. بالمقابل بالنسبة لفيلمي الثاني «أعوامنا المتوحشة»، كنت أتوفر على تجربة أكثر، وقررت العمل على تطوير السيناريو من خلال بعض الحيل. بدأت بتفكيك البنية الأولى، وغيرت طريقتي في حكي القصة.