دأب المهرجان الوطني لفيلم الهواة بسطات الذي تنظمه جمعية الفن السابع على برمجة مجموعة من الورشات التكوينية والدروس السينمائية لفائدة المخرجين الشباب والطلبة والجمهور المهتم بالثقافة السينمائية. يدخل هذا الدرس الذي ألقاه المخرج المغربي الأستاذ محمد الشريف الطريبق، ليلة أمس 25 نونبر 2015 بقصر البلدية، ضمن البعدي التكويني الذي جعل منه المهرجان إحدى دعاماته الأساسية. يهدف هذا اللقاء بالأساس إلى ترسيخ ثقافة الحوار بين المخرجين الشباب وذوي الخبرة والتجربة، وفرصة للحديث عن السيرة الذاتية للمخرج وعن مساره وأفكاره وتصوره ورؤيته للسينما و للعالم و للانسان و للاشياء عبر الصورة والصوت. كيف يفكر وكيف يكتب من خلال وعبر هذا الوسيط؟ ما هي عوالمه ؟ من هم شخوص أفلامه؟ ما هي القضايا والمواضيع التي يشتغل عليها؟ كيف يشتغل وما هو أسلوبه؟ ما هو مشروعه السينمائي؟ حاول المخرج محمد الشريف الطريبق من خلال هذا الدرس الذي حظيت بشرف تسييره، أن يجيب عن هذه الأسئلة أثناء الدرس، ومن خلال الأسئلة التي أثيرت أثناء النقاش. نعرض عليكم فيما يلي ملخصا لأهم الأفكار التي وردت في الدرس. الخطوة الأولى: بدأت مشواري السينمائي في النادي السينمائي بمدينة العرائش وفي الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب التي كانت بحق عبارة عن جامعة شعبية عفوية. وقبل ذلك لم أكن أذهب إلى السينما لأنني ربما جئت في فترة تحولت فيها السينما الوحيدة بالمدينة إلى وكر تمارس فيها سلوكات بعيدة عن السيما وتغيب فيها شروط الفرجة. الفيلم الوحيد الذي شاهدته في هذه القاعة كان هنديا. اكتشفت السينما أيضا مع نورالين الصايل من خلال برامجه السينمائية التي كان يقدمها بقناة التلفزة المغربية دار البريهي. هنا بدأت أكتشف أجواء أخرى خارج الحكاية. عرفت فيما بعد أنها تتعلق بالإخراج والكتابة السينمائية عموما. كانت سينما أروبا الشرقية إحدى أهم السينمات بالنسبة إلي، كان يثيرني الطابع السوداوي وطبيعة الإنسان ونمط عيشه، وحتى طريقة كتابة الأفلام تختلف عن السينما التي كنت أشاهدها. كنت أيضا أقرأ المجلات السينمائية كثيرا، ومن خلال بعض الحوارات سواء مع المخرجين ومديري التصوير الدين كانوا يشرحون طريقة اشتغالهم في التصوير والإخراج والمونطاج، بدأت أكتشف طريقة اشتغالهم وتصورهم للأشياء. وقد أتاح لي اللقاء الذي نظمه النادي السينمائي بسطات حول التنشيط السينمائي سنة 1992 فرصة التعرف على نقاد ومخرجين عن قرب وربط علاقات مع أعضاء من أندية أخرى. وكان للتكوين الذي تلقيته بمدرسة السينما La fémis أثر كبير على كتابة كل الأفلام التي صنعتها إلى هذا اليوم. هنا اكتشفت أن الفيلم الوثائقي ينجز انطلاقا من سيناريو ومن سيرة نوايا. هنا اكتشفت طريقة أخرى للتعامل مع الفضاء ومع الزمن ومع الشخوص. انطلاق رحلة الألف ميل: وحين كتبت «نسيمة» وهو أول فيلم قصير أنجزته، استحضرت كتابة الفيلم الوثائقي. والشيء نفسه بالنسبة لفيلم «بالكون اطلنتكو» أحد أهم أفلامي الذي حقق نجاحا كبيرا سواء في داخل أو خارج المغرب. فيلم لم أعد أطيق مشاهدته اليوم ، وتنميت لو انمحى من ذاكرتي ومن الوجود أيضا، لأنه غطى كثيرا على أفلام أخرى أنجزتها. في «بالكون أطلنتكو»حاولت أن أحكي عن علاقات الحب في المغرب، وكان أول تحد واجهته هو كيف أحكي هذه القصة؟ وكيف أتعامل مع الفضاء والزمن والشخصيات. هنا أيضا ستكون للمقاربة الوثائقية دورا حاسما في بناء الفيلم. لذا حاولت خلق مواقف situations انطلاقا من الحوارات والارتجال. كنت أطلب من الممثلين، سواء هواة أو محترفين الارتجال، ومن خلاله نخلق مواقف وأتخيل بعد ذلك نهاية لكل موقف. لقد قبل كل الممثلين الدخول في هذه اللعبة التي مكنتهم من التفاعل فيما بينهم ومع الفضاء، وساهمت في تذوبب الفوارق بينهم. وحين تشاهد الفيلم لا تحس بأن هناك ممثلا هاو وآخر محترفا، لقد انخرط الكل في العمل. ولهذا السبب بدت كل المواقف في الفيلم صادقة وأصيلة وكأنها حقيقية وواقعية. أحاول قدر الإمكان أن أشرك الممثلين في الكتابة، خصوصا حين يتعلق الأمر بالفيلم الوثائقي. أحب الاشتغال مع الممثلين الهواة وبدأت أتحاشى بعض الممثلين المحترفين، لأن انشغالاتهم وتنقلاتهم المستمرة لا تسمح لهم أحيانا بالتركيز على أدوارهم. لا أحب الأدوار والشخصيات النمطية، ولهذا السبب أحب أن أشتغل مع الممثل كثيرا وأن أصاحبه و أبني معه علاقة مثينة تمكننا من العمل بأريحية. لقد قمت أثناء التصوير بالتركيز على اللقطة/ المشهد كعنصرا جمالي وحاسم في بناء الفيلم، وعلى المونطاج/ القطع دون اللجوء إلى المؤثراث البصرية. أنجزت كل افلامي الروائية بمقاربة وثائقية مع الحفاظ دائما على الحكي والقصة . أحاول دائما أن أحكي الأشياء ببساطة، لأن هذه البساطة تتيح لك الفرصة لرؤية الأشياء بوضوح والتعمق فيها. ومع ذلك ورغم بعض الخيوط الرابطة بين كل أفلامي، مثلا اللقطة المشهد وتيمة الزوج، إلا أن كل فيلم يعتبر تجربة جمالية مختلفة. هناك من يقول بأني متأثر بالسينما الإيرانية، وأنا أوكد لكم أن مرجعياتي ليست أية سينما محددة، وإنما السينما كقيمة مطلقة. إن التجربة الشخصية في الحياة والدراسة والتكوين والمشاهدة والقراءة ومرجعياتك الفكرية هي من يجعلك تكون تصورا ورؤية للعالم بشكل مختلف. بين السينما والتلفزيون: لا يخضع الانتاج التلفزي لنفس شروط الانتاج السنمائي؛ فالتلفزة مرتبطة بالآني وباللحظي وبأجندة محددة، لذلك تحاول أن تفرض عليك إيقاعا سريعا في إنجاز كل مراحل الفيلم. ففي حالة قبول السيناريو، والإفراج عن الميزانية المخصصة له، تمنح للمخرج مهلة قصيرة للبدء في التصوير الذي قد لا يتعدى في غالب الأحيان أسبوعا، وبعد النهاية يبدأ في المونطاج الذي ينجز بدوره في وقت قياسي دون الحديث عن الميكساج الذي يختزل في تصحيح وتعديل بسيط لبعض الأصوات. زد على ذلك الرقابة الذاتية التي يمارسها المخرج على نفسه مسبقا لأنه يعرف أنه سيقتحم بيوتا فيها جمهور هجين. ولهذا السبب نكون تحت ضغوطات حين نشتغل في التلفزيون، ومع ذلك نحاول الرهان على أن نكون في المستوى، إنها بحق معادلة صعبة. فالذين شاهدوا الفيلم التلفزيوني « الخيل تسقط تباعا» اعتبروه من أهم الأفلام الدرامية التي أخرجت. السينما على العكس من ذلك، تتيح لك مسافة التأمل وإعادة النظر في الأشياء التي تقوم بها في كل مرحلة من مراحل إنجاز الفيلم. فالإعداد قد يأخذ سنة أوأكثر وبعد التصوير يمكنك الاشتغال على المونطاج والميكساج لمدة طويلة. الموسيقى: تعتبر الموسيقى عنصرا أساسيا وحاسما في أفلامي، ولذا أوليها أهمية قصوى. جل أفلامي تعمتد الموسيقى كعنصر أساسي في البناء الدرامي للفيلم، باستثاء فيلم 30 سنة. أكون دائما أمام اختيارات صعبة. أتعب كثيرا من أجل إيجاد الموسيقي التي تستهويني، وأبحث بكل الطرق لاستعمالها في الفيلم، غير أنني أحيانا أجد صعوبة في العثور على المؤلف أو من له الملكية الفكرية للعمل. وهذا يستنزف جزءا كبيرا من وقتي من ميزانية الفيلم. فيلمي القصير «موال» مبني على موسيقى الحضرة، وقد كان سببا قويا في اكتشافي لأهمية الموسيقي في السينما ودافعا أساسيا لأنجاز فيلمي المطول الأخير» أفراح صغيرة». يحكي هذا الأخير عن قصة مستلهمة من واقع مدينة تطوان ترصد نمط عيش عينة من النساء التطوانيات. من خلال فيلم سماعي للموسيقى الشعبية الأندلسية التي تحكي قصصا عن الحب نسجت سيناريو هذا الفيلم. إن للموسيقى قدرة هائلة على دفعنا للتخييل. السينما بالنسبة لي مسألة وجود: في نظري الإخراج السينمائي، ليس مهنة أوحرفة ولكنه بالنسبة لي مسألة وجود ونمط عيش. حياتي كلها مرتبطة بالكتابة والقراءة والاشتغال على المشاريع السينمائية والتنقل إلى المهرجانات. السينما هي الأوكسجين الذي أنتفس به. إن مهمتي نتحصر في صناعة الأفلام وليس النتظير للسينما. التنظير هو من اختصاص الأساتذة الجامعيين والنقاد والباحثين عموما. هم من يخضعون الفيلم للنقد والتحليل، وهم من يصنعون النظريات. هناك نقاد كتبوا مقالات جيدة عن أفلامي، ولكني لم أقرأها بعد، بل نستخها واحتفظت بها جانبا علني أقرأها يوما. أما المقالات التي تكتب أشياء خارج الفيلم أو تهتم ببعض الجزئيات وتحاول من خلاله محاكمة الفيلم أخلاقيا، فلا أعيرها أي أهتمام. ولكني بالمقابل أقرأ كثيرة المقالات النقدية والتحليلية التي تكتب عن السينما العربية والعالمية. باحث في الصورة وفن الفيديو