المخرج الشاب عبد اللطيف افضيل من الشبان المغاربة الذين عشقوا الفن السابع وابدعوا فيه، مشتغلين بأدوات بسيطة،و يفضل أفضيل الاشتغال على مواضيع لها علاقة بالطفولة لأن عالمهم يغريه على اعتبار أنه اشتغل في حقل التعليم الابتدائي، ولأنه أحب السينما وأغرته عوالمها فإنه بالموازاة مع تصويره للكثير من الافلام القصيرة فإنه يوسع معارفه الأكاديمية بالتكوين والبحث، في هذا الحوار يقربنا المخرج عبد اللطيف أفضيل من تجربته الفنية: - تنتمي إلى جيل المخرجين الشباب الذين يشقون طريقهم نحو الاحترافية ، عرفنا أكثر على شخصك وكيف كان اللقاء الأول مع السينما؟ من مواليد 1977 بمدينة أبي الجعد، أمضيت جانبا كبيرا من طفولتي بقرية كهف النسور ضواحي مدينة خنيفرة التي أتممت بها دراستي الثانوية بمؤسسة أبو القاسم الزياني. التحقت بعد ذلك بمدينة طنجة بمركز تكوين أساتذة التعليم الابتدائي و كانت المدينة بالنسبة لي فرصة لا تعوض لتدارك النقص الثقافي و المعرفي و الأدبي الذي كانت تعرفه خنيفرة أنذاك. و كان أن وجدت نفسي عاشقا لعاصمة البوغاز، أمضي ليال بيضاء داخل ورشة للفنون التشكيلية التي أنجزت بها مجموعة من اللوحات التشكيلية تم عرضها بالموازاة مع الأسبوع الثقافي الذه كان ينظمه المركز آنذاك. انخرطت كذلك بالمعهد الفرنسي الذي كانت برامجه تتناسب إلى حد كبير مع ما كنت أبحث في مجالات التكوين، الأدب، السينما، الموسيقى، المسرح،... بهذا المعهد كان لقائي الأول بالسينما، كان ذلك أثناء حضوري لأسبوع سينما المخرج الفرنسي إريك رومير الذي كانت تقدمه كاتبة السيناريو و المخرجة فرانسواز إتشيڭاري. لم أكن أعي آنذاك قيمة لقائي شخصيا بمخرج حكايات الفصول الأربعة الذي شجعني على ولوج عالم الفن السابع قائلا « La patient, l'énergie et l'amour qui vous exposez, vous suffira pour faire des films… faites des films ! رغم أنني لم أكن أفهم آنذاك سينما رومير، بل و أكثر من هذا كنت أجدها في بعض الأحيان تخاطب فئة لا أنتمي إليها، فقد كان ذلك حافزا قويا أمامي لأن ألج عالم الصورة و أبدأ بتصوير الأفلام القصيرة منتظرا خروج أول فيلم طويل مستقبلا إن شاء الله أما بخصوص تكويني فقد حصلت بجامعة القاضي عياض بمراكش على الإجازة في الأدب الإنجليزي، ثم إجازة ثانية مهنية في الدراسات السينمائية و السمعية البصرية. انتقلت إلى مدينة تولوز بفرنسا لأتابع دراستي في الإخراج السينمائي بالمدرسة العليا للسمعي البصري التي حصلت فيها على ماستر مهني في الإخراج السينمائي. الآن أنا بصدد تحضير دكتوراه دولة في السينما.. - ما هو السر في انخراط عدد كبير من أساتذة التعليم الابتدائي بالمغرب في حقل السينما والصورة؟ من المؤكد أن أساتذة التعليم الابتدائي بالمغرب كما هو الحال بالبلدان الأخرى مهووسين بالبحث و التنقيب في مجالات متعددة ليست ببعيدة كل البعد عن التدريس، و المهارات التي يعملون على تلقينها لتلاميذهم تجعلهم مجبرين على الاقتراب من مجالات متعددة، قد تولد لدى البعض الانبهار الذي تتلوه الرغبة في ولوج الميدان من باب الهواية و الحب.و اشتغال عدد كبير من رجالات التعليم في السينما مسألة جد صحية و يجب على الوزارة المكلفة تثمين هذه الجهود في البحث التي من المفروض أن تغني الخزانة السينمائية المغربية. أصبحنا الآن نشاهد مجموعة من الأساتذة، لهم حضور كبير على مستوى النقد و السيناريو، إن لم نقل أن أغلبهم يشتغلون بميدان التدريس في البادية أو الجبل حيث قساوة الطبيعة و غياب ظروف عمل مناسبة بالمؤسسات التعليمية،مما يقوي الرغبة في التواصل مع الآخر... كلها ما سبق ذكره يعتبرعوامل تدفع الوافدين الجدد لميدان التعليم للبحث عن أنماط تعبيرية مختلفة عن التي ألفوها. أصبحت الصورة اليوم لدى هؤلاء لغة يتواصلون بواسطتها بينهم عبر مهرجانات الفيلم التربوي و مع الآخر بالنسبة للذين قرروا إنجاز أفلام احترافية تعرض بتظاهرات وطنية و دولية كبيرة. - أخرجت إلى حد الآن أكثر من ثلاثة أفلام قصيرة حدثنا عن أهم المحطات التي تم فيها تتويجك ؟ قمت إلى حد الآن بإخراج أزيد من ثمانية أفلام، كان أولها جدول الضرب 2007، الذي يحكي عن درس في مادة الرياضيات يجعل تلاميذ الفصل يعانون ضغوطا نفسية وجسدية بطلها مدرس عنيف سلطوي، يجعل التلاميذ يتغيبون عن الدراسة خوفا من العقاب." بالمقابل رسخ الفيلم القيمة التربوية للتواصل الجيد والمرن في التعامل مع القضايا والمشكلات النفسية لدى التلاميذ. شارك الفيلم في مجموعة من الملتقيات الدولية والوطنية منها مهرجان ليون لسينما الذي فاز فيه بجائزة الفرنكفونية، ومهرجان الفيلم التربوي بفاس الذي فاز فيه بالجائزة الكبرى و مهرجان الفيلم الأمازيغي بورزازات الذي فاز فيه بجائزة الإخراج ومهرجان الفيلم الوثائقي و الفيلم القصير بالدار البيضاء الذي فاز فيه بجائزة الإخراج، كما مثل المغرب بمهرجان الإسماعيلية بمصر.... بعد هذا الفيلم، كان لي الشرف أن أعمل مع الممثلة مجيدة بنكيران و يوسف أيت منصور في فيلم " هذا عودي وانا مولاه '" بالأمازيغية تعني " اييس إنو" الذي يحكي عن ارتباط طفل بلعبته، و هي عبارة عن عود يجسد بواسطته ذلك الفرس الذي يجسد ملامحه بمخيلته. يحاول الفيلم الجواب عن إشكالية الإقتحام العنيف للآباء لرغبات الأطفال في اللعب و الاستمتاع بعوالمهم التجريدية التخيلية، وهي أشياء قد لا يدركها الراشد. الفيلم يحكي عن طفل نسج علاقة قوية مع عصا يرى فيها حصانه الذي يستمتع بالركوب عليه و يرفض الطفل الحصان الذي قدمه له والده و يقرر الاحتفاظ بلعبته. شارك الفيلم في مجموعة من المهرجانات منها مهرجان كان الدولي، مهرجان قليبية الدولي بتونس، الذي فاز فيه بالجائزة الثالثة، مهرجان إسني ن وورغ للفيلم الأمازيغي بأكادير الذي فاز فيه بالجائزة الكبرى، بالإضافة إلى جائزة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية و مهرجان فاس للفيلم التربوي الذي فاز فيه بجائزة الإخراج و مهرجان الفيلم الوطني للفيلم الأمازيغي بورزازات ... بعد انتقالي الى فرنسا قمت بإخراج مجموعة من الأفلام منها "سفر إلى طوكيو" الذي تم عرضه بمهرجان كان و مهرجان الرباط للفيلم القصير و مهرجان لاكوريدا بتولوز... أخرجت كذلك فيلم " القردانية " الذي تم تتويجه مؤخرا بمدينة القنيطرة. الفيلم شارك بمجموعة من الملتقيات السينمائية الكبرى منها مهرجان الفيلم الإفريقي بموريال و المهرجان الدولي بالعراق و مهرجان بروكسيل لأفلام الجنوب و مهرجان روتردام، مهرجان لاكوريدا بتولوز... أما الأفلام الأخرى: Le temps et la chamber, 2011 كيف تسلل وحيد القرن للكاتب المغربي محمد تينفو Une envie pressante 2011 La perchée 2013… - تركز في أفلامك على الأطفال ومعاناتهم في المدرسة والحياة اليومية، بماذا تفسر ذلك؟ أحب عالم الأطفال كثيرا، أتواصل معهم بشكل كبير، أحب تلقائيتهم و جنونهم في بعض الأحيان. أحب صدقهم و إحساسهم الطاهر. عالم الأطفال بالنسبة لي لم أستطع إخراج فيلم يتحدث بشكل قوي عن الطفل المغربي. يزعجني كثيرا بعض السوسيولوجيين الذين يربطون الطفولة المغربية بالمعاناة، بالفقر، بالحزن... لا أنكر أن ذلك موجود إلا أن وراء تلك النظرة القاتمة التي صورت لنا من طرف الساسة و الباحثين في مجال علم الاجتماع، هناك حياة عادية تأقلم معها الأطفال الصغار، حياة أصبحت تشكل جزءا من هويتنا الثقافية لابد من استغلالها في السينما، ليس من أجل تكريس الحرمان و الكلام عن الظروف الاقتصادية المتجاوزة، بل لصنع أفلام تمنح الأمل للجمهور المغربي بواسطة أفلام تخييلية مجردة من الضغوطات اليومية. علاوة على ذلك فاشتغالي بمجال التعليم و احتكاكي بالأطفال منحني الرغبة و المعرفة الكافية لتواصل أفضل معه. - كل مخرج يكون له مخرج أو أكثر يعتبرهم قدوة له في الحقل السينمائي، من يكون هؤلاء بالنسبة لك؟ أحب كثيرا المخرج الكوري الجنوبي كيم كيدوك و الألماني ڤيم ڤاندارس و السويدي انڭمار برڭمان و اليوناني انجيلوپولوس ثيودور و الدانماركي طوماس ڤينتيربيرغ. - ما هي الصعوبات التي تواجه المخرجين الهواة ، وهل هناك خصوصيات في هذه المعاناة بالنسبة للمشتغلين على الفيلم الأمازيغي ؟ أول الصعوبات التي تواجه المخرجين الهواة هي الدعم. العائق المادي لازال يؤثر كثيرا على مردودية إنتاج الأفلام، رغم القفزة الملحوظة في الآونة الأخيرة على مستوى التصوير الرقمي و الاعتماد على تكنولوجيا حديثة غير مكلفة. لكن الحديث لازال قائما عن تكلفة صناعة الأفلام بالنسبة للهواة. أظن أنه بدون مساعدات مادية لهؤلاء المخرجين الشباب، الذين غالبا ما يفاجؤون الجمهور بمستوى عال و أفكار قوية لا ينقصها في بعض الأحيان إلا الجانب المادي لجعلها تطفو على السطح و تعرض بمهرجانات الأفلام المحترفة. أما ثاني الصعوبات التي يواجهها الهواة فهي التكوين. بدون تكوين لا يمكن أن نبني لأسس قوية لأفلام مغربية لها خصوصياتها. لا أقصد بالتكوين التكوين الأكاديمي فحسب، و إنما أيضا التكثيف من الورشات، و الانخراط في الأندية السينمائية، ومشاهدة الأفلام و الاحتكاك بأنماط متعددة في السينما و تجارب خارجة عن الحدود، حتى نستطيع أن نطمئن على مستقبل السينما المغربية. أنا متفائل جدا بالجهود التي يقوم بها المركز السينمائي المغربي و الأندية السينمائية. نفس الشئ يمكن إسقاطه على السينما الأمازيغية في ما يخص الدعم و التكوين أو إن صح القول الفيلم الناطق بالأمازيغية حتى لا نسقط في اشكالية هوية الفيلم المغربي. - تتابع دراستك الجامعية في السينما ، واحتككت بتجارب عالمية ما الذي ينقصنا في المغرب لكي نصنع مخرجين وأفلام في المستوى العالمي؟ استطاعت السينما المغربية أن تجد لنفسها مكانا ضمن قائمة الدول التي أصبحت تفرض وجودها بواسطة أفلام قوية تستجيب لمعايير المهرجانات و الصالات الدولية، رغم أننا لم نحصل بعد على جائزة كبرى في هذه التظاهرات، إلا أن الجيل الجديد من المخرجين استطاع أن يفرض ذاته و يحضى باهتمام النقاد الدوليين. يحضر ببالي الآن و أنا أجيب عن السؤال أسماء مثل نبيل عيوش، حكيم بلعباس و فوزي بن سعيدي المتميزين بأسلوبهم السردي، الفني و الجمالي المقنع في الساحة السينمائية الدولية.. هناك من يلخص مشكل السينما المغربية في أزمة السيناريو، لا أتفق كثيرا مع هذا الطرح، النص جزء من الأزمة و كل التجارب السينمائية الدولية تمر عبر هذه المخاضات. بالنسبة لي، لا يمكن أن نجعل من النص سببا رئيسيا لمشكل السينما بالمغرب، بل المشكل الكبير يطرح بخصوص التوزيع، بدون توزيع جيد و محكم لهذه الأفلام ستظل السينما المغربية في حاجة إلى سياسة تعمل على تسويقها بشكل احترافي. وبالمناسبة لا أذكر حتى الآن اسم شركة توزيع مغربية مهمة تعمل على السفر بالفيلم المغربي بعيدا و تجعله يشارك بقوة في التظاهرات الدولية و الصالات العالمية. كلمة أخيرة. اتمنى أن يهتم أبناء مدينة خنيفرة بثراتهم الثقافي، الإيكولوجي و التاريخي حتى ينجزون أفلاما تتحدث لغتهم و تخاطب هويتهم و خصوصياتهم. خنيفرة، عاصمة البحيرات، لم يتم الى حد الآن إعطاؤها ما تستحق في مجال السينما. حاوره محمد زروال