يحل شهر رمضان أولا بالأسواق، فالمواد المرتبطة بمائدته المميزة عن باقي الشهور، تحل بها قبل أيام من حلوله في البيوت. هذا ما أكدته لنا جولة في مختلف أسواق الدارالبيضاء، حيث لامسنا العرض الكثيف و المتنوع من مواد يقبل عليها المغاربة بكثرة خلال الشهر الكريم. في قلب سيدي البرنوصي، حيث يقبع سوق نموذجي مميز بخيامه الحمراء وأزقته الصغيرة والنظيفة، والمميز بحراسه وكاميرات المراقبة والذي أضحى قبلة لمتسوقي الحي، قمنا بزيارة له في بحر الأسبوع الماضي، حركة المتسوقين كثيفة في كل أرجائه، أحاديث هنا وهناك وسؤال الأسعار يتكرر على مسامعنا دونما توقف. لا وجود هنا لصخب الباعة المميز للعديد من الأسواق ، فقط البعض من يرفع صوته من حين لآخر مروجا لسلعته. في المحلات المقابلة للشارع يوجد باعة الحلويات المغربية التقليدية، مرافقة الشاي الدائمة، جميعهم أخلوا مكانا لسيدة حلويات رمضان «الشباكية»رفيقة حساء الحريرة، ميزة المائدة الرمضانية. يعرض الباعة عدة أنواع منها تختلف حسب الأثمان، واختلاف السعر يرجعونه لجودة المواد المستعملة في إعدادها وخاصة العسل. العسل الذي يكون وجوده محتشما طيلة السنة، يطل في رمضان من جميع الزوايا، فالعرض يصبح كثيرا والاختيارات متعددة مابين نوع صناعي بالكامل رخيص ثمنه إلى عسل مختلف ثمنه باختلاف غذاء نحله. اللوز .. غلاء استثنائي إن ما يميز رمضان هو عاداته الغذائية المغايرة لعادات الشهور الأخرى، فينعكس هذا التغير على قفة ما قبل رمضان، فيصبح السؤال عن مواد من قبيل الجنجلان، اللوز، القرفة وغيرها من مكونات شهيوات رمضان مثل «سلو» و«البريوات»التي تزين مائدة الإفطار وتمنحها تميزها. في كل محل من المحلات ترى العرض الوفير من كل المواد بجودة مختلفة، فالرهان أن لكل متسوق طلبه، و إن كانت بعض المواد تعرف أسعارها غلاء يفوق القدرة الشرائية للمواطن البسيط خاصة اللوز الذي يتفق جميع الباعة الذين سألناهم، أن ثمنه قد تضاعف في السنين الأخيرة، فالنوع الرديء أصبح يلامس التسعين درهما في حين أن الجيد قد يفوق المئة بعشرين إلى ثلاثين درهما، و«الأسباب أننا نستورد أغلب حاجياتنا من هذه المادة من ولاية كاليفورنيا، وبما أن الجفاف مر من هناك فالإنتاج قل بشكل كبير مما يفسر غلاء الثمن»، يقول تصريح رسمي، إلا أن الإقبال عليه لا يقل فهو أساس «سلو». مادة أخرى يرتفع استهلاكها بشكل كبير في رمضان، وتصبح أساسية في كل موائد الإفطار المغربية لاعتبارات دينية، ولارتباطها بالتقاليد الأصيلة، هي التمر، فأرقام مبيعاتها تتضاعف، غير أن أثمانها غالبا ما تبقى مستقرة والسبب غياب الرسوم الجمركية عند استيرادها من تونس ومصر، ليصبح تمرهما حاضر بقوة فيما بيننا، أما تمرنا الوطني فيخفض سعره ليعيش بينهم. تختلف عادات الأكل في رمضان عن باقي الأيام، فتصبح وجبة الفطور أساسية و تتفنن المغربيات في إعدادها. ففي كل يوم هناك جديد على المائدة، ولتحضير شهيوات الفطور خاصة يعتبر البيض مكونا ضروريا لأغلب الأنواع، لهذا يصبح العديدون من بائعي البيض، الذي تظهر الأرقام ارتفاع حجم الطلب عليه في شهر الصيام. وبالإضافة للتمر والبيض، تزداد وتيرة استهلاك الحليب والزبدة والعصائر، فعين الصائم تأكل قبل معدته. إقبال متوسط يؤشر على ضعف القدرة الشرائية قبل أيام من حلول رمضان، أجمع عدد من التجار في أسواق بالدارالبيضاء، على أن الإقبال لا يزال متوسطا، فإن كانت المواد معروضة بكثرة في كل مكان ولا يوجد خصاص في أي منها، إلا أن ضعف عدد المشترين يرجعونه أساسا إلى انتظار أغلبية الأسر تحصيل أجور معيليها في نهاية الشهر الحالي. تخوفات تستوجب تشديد المراقبة إن كانت مسألة تزويد الأسواق بالمواد الأساسية لم تشكل معضلة في السنوات الأخيرة، كما أن تأكيد المسؤولين على ضمان تزويد الأسواق بالحاجيات الضرورية وحملات المراقبة التي تنشط طيلة شهر رمضان، تبعث على التفاؤل، فإن ما حدث هذه السنة بالنسبة للبصل وبعده البيض وهذه الأيام الدجاج من ارتفاع في الأثمان، تصبح معه مسألة مراقبة الأسواق والمبادرة السريعة للحفاظ على المنافسة الحرة ومحاربة الاحتكار، الوسيلة الوحيدة لجعل الأسعار مستقرة وصيام المغاربة آمنا بعيدا عن أي تشويش. تطمينات رسمية .. لكن ككل سنة تجتمع وزارة الداخلية مع مختلف الولاة والعمال وجميع رؤساء المصالح المعنية بمراقبة تأمين حاجيات السوق الوطني من المواد والمنتجات الأكثر استهلاكا في شهر رمضان، وهو ما تم هذه السنة برئاسة الوزير المنتدب لدى وزير الداخلية الشرقي الضريس .البلاغ الصادر عقب الاجتماع أكد أن «عرض المنتجات الأكثر استهلاكا خلال شهر رمضان المبارك يستجيب لحاجيات الاستهلاك لدى الأسر». كما ركز الاجتماع على «ضرورة تكثيف حملات المراقبة في الأسواق ومستودعات تخزين المواد الغذائية، والحضور الميداني وعمليات المراقبة قبل وخلال شهر رمضان» لتأمين حاجيات السوق الوطنية ولتدارك أي خصاص محتمل في بعض المواد التي يكثر عليها الطلب، وتتبع سلامة وجودة المنتجات المعروضة للاستهلاك». إن المراقبة تهم أساسا أسعار المواد المعروضة، مع العلم أن مسألة الأسعار غير متحكم فيها، لأن السوق سيد نفسه وخاضع للعرض والطلب. كما أن القانون 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة والمرسوم الخاص بالمواد الخاضعة للتسعير من طرف الحكومة تجعل السكر والدقيق الوطني المدعم المادتين الوحيدتين الخاضعتين لتحديد السعر وما عدا ذلك فالأمور متروكة للسوق وتقلباته عن طريق «المنافسة الحرة» باستثناء بعض الحالات الطارئة والتي لا بد من استشارة مجلس المنافسة قبل أن تقدم الحكومة على أي إجراء... إنها إجراءات تطمينية اعتاد المواطنون سماعها قبيل حلول الشهر الفضيل، لكن الواقع الملموس، داخل الأسواق وغيرها من الفضاءات التجارية، غالبا ما يؤشر على حقائق مغايرة سبق أن شكلت مبعث تذمر وشكاية من قبل مواطني العديد من المدن والجهات.