انعقد الملتقى الدولي للفلاحة بمكناس، في دورته الحادية عشرة خلال الفترة الممتدة من 26 أبريل إلى فاتح ماي 2016، تحت شعار «فلاحة مستدامة ومقاومة للتغيرات المناخية»، واختار المنظمون الإمارات العربية المتحدة ضيف شرف هذه الدورة، بالنظر إلى العلاقات المتميزة التي تجمع بين البلدين. وخلافا للدورات السابقة، فقدت هذه النسخة أحد أهم شرايين الملتقى المتمثل في المناظرة الوطنية للفلاحة، التي وبعد قرار نقلها من مكناس إلى الجديدة، وانتفاضة الهيآت السياسية والمجتمع المدني والغليان الشعبي الذي صاحبه، جاء الرد على لسان عزيز أخنوش وزير الفلاحة «أنه بتعليمات من جلالة الملك ستبقى المناظرة في مكناس»، لكن ليس في تاريخها المعتاد. ويمكن القول إن الملتقى الدولي للفلاحة بمكناس ومنذ تاريخ إنشائه سنة 2006، عرف تطورا مضطردا، حيث اكتسب منظموه، تجربة وخبرة كبيرتين في مجال تسيير وتدبير أكبر التظاهرات الفلاحية الدولية، إذ أصبح مرجعا على الصعيدين القاري والدولي من حيث الاستفادة من التقنيات والخبرة التي راكمها على مدى عشر سنوات مضت، ما جعل جمهورية الكوت ديفوار تتبنى التجربة المغربية في تنظيم الملتقى ، باختيار منظمي «سيام» للإشراف على تنظيم تظاهرة مماثلة بهذا البلد. وإذا كان الإجماع شاملا لدى المهتمين والمهنيين والمتتبعين بكون الملتقى الدولي للفلاحة، تظاهرة نوعية، اختار جلالة الملك مكناس لتكون عاصمة فلاحية بامتياز، فإن الاقتناع بالموازاة مع ذلك يكون عاما بكون 11 سنة مدة كافية لتقييم حصيلة هذا الملتقى، والخروج بنتائج وخلاصات وتوصيات تروم فعاليته وانعكاساته على البلاد سياسيا واقتصاديا وسياحيا وفلاحيا واجتماعيا. فمن الناحية التنظيمية، لا يختلف اثنان بكون الملتقى، تمكن من إغراء مجموعة من الدول من جميع القارات للحضور والمشاركة في هذه التظاهرة، ما جعله قبلة لصناع القرار من مختلف بقاع العالم لإبرام اتفاقيات شراكة أو لكسب تجارب دول متقدمة في المجال الفلاحي، أو اقتناء آلات ومعدات وتجهيزات فلاحية بجميع أشكالها. وما زاد من قيمة الملتقى، وبوأه مكانة خاصة وإشعاعا دوليا، هو تنظيمه تحت الرعاية السامية لجلالة الملك نتيجة العناية الفائقة التي يوليها للفلاحة، بشكل عام وللملتقى بشكل خاص من خلال مواكبة جلالته لتطوره وحضوره الفعلي له، ما أضفى عليه نكهة وميزة خاصتين، جعلت العديد من رؤساء الدول ووزراء يحجون إلى مكناس باعتبارها عاصمة للفلاحة الوطنية. فسياسيا يمكن القول إن المغرب «سرق» الأضواء، وربح رهان تسويق صورة جيدة، صورة مكنته من بسط إشعاعه عبر القارات في المجال الفلاحي، ومكنته من اكتساب تجارب وخبرات من لدن الدول المتقدمة في هذا القطاع، ومكنته أيضا من مد جسور التواصل مع مجموعة من دول القارة السمراء. أما على المستوى الاقتصادي، فشكل الملتقى فرصة حقيقية لتنشيط الحركة التجارية، المتمثلة في المطاعم والإيواء بالفنادق، وسائر الخدمات المرتبطة به، ووكالات الأسفار، والتنقل وكراء السيارات، وساهم بشكل وافر في تنشيط الحركة الاقتصادية. وإذا كان تنظيم مثل هذه التظاهرات يهدف أيضا إلى الارتقاء بالسياحة، فالملتقى فرصة لتنشيط حركتها، وذلك بتسويق المنتوج الثقافي للمدينة والتعريف بمؤهلاتها التاريخية، وهي الحلقة لربما الأضعف في الملتقى. وعلى المستوى الاجتماعي، يشكل الملتقى فرصة لليد العاملة المباشرة منها وغير المباشرة التي يتم تشغيلها قبل وأثناء الملتقى ، كما تستغلها عدة عائلات لكراء أجزاء من محلاتها السكنية والتجارية ما يشكل لها عائدات مادية لا محيد عنها. وتبقى الفلاحة التي تشكل 20 % من الناتج الوطني، من التحديات الكبرى التي راهن عليها الملتقى الذي ينعقد على بعد 4 سنوات من انتهاء المخطط الأخضر في أفق 2020، والذي يهدف إلى جعل الفلاحة المغربية في صلب اهتمامات العالم الفلاحي، بالنظر إلى اقتصاد البلاد الذي يعتمد عليها بشكل كبير، ويسعى إلى تطوير قدراته لبلوغ الهدف المنشود. إلا أن الفلاح الصغير لا يشاطر رأي السياسة الإستراتيجية للفلاحة بالمغرب، بقدر ما ينظر إلى منطق الاستفادة الفورية من جهة وتأمين فلاحته ومواشيه من السنوات العجاف من جهة أخرى. نقط قوة .. ونقط ضعف إذا كانت نقط قوة الملتقى تتمثل في الإشعاع الدولي الذي اكتسبه، وتسويق صورة جيدة لبلدنا والمتمثلة في كرم الضيافة، وحسن الاستقبال والتنظيم الجيد، ونقل التجربة في مجال التنظيم إلى دول أخرى، وتقريب عصرنة الفلاحة من الفلاحين بجميع فئاتهم، وتطوير قدراتهم في مجال الإنتاج والمحافظة على البيئة واستعمال المياه على النحو الأفضل، والاحتكاك بتجارب وخبرات الدول المتقدمة في المجال الفلاحي، فيبقى المسكوت عنه هو نقط ضعفه. إن سرد نقط القوة تقابله نقط الضعف المتمثلة أولا في كون الملتقى وعلى الرغم من مرور 11 دورة، لم يفكر المسؤولون في إنشاء بناية خاصة به تستغل أيضا في تظاهرات أخرى، تعود بالنفع على السياحة بالإقليم، وتجنب إدارته خسارة بالملايين من الدراهم لشركات مالكة للخيام الكبيرة التي تشرع في تركيبها منذ ما يقارب الثلاثة أشهر من موعد الملتقى، وهو ما يجعله مكلفا وباهظ الثمن. كما أن الموقع المقام فيه حرم أزيد من 68% من شباب الأحياء المجاورة التي تقل أعمارها عن 40سنة، من ملعب المولى إسماعيل كمتنفس رياضي وحيد بالمنطقة (التواركة، القصبة، الزيتون ، بني امحمد، السباتا، الروى، القصبة...) على الرغم من وعود المسؤولين بتعشيب الملعب / موضع الملتقى، واستعماله من لدن شباب هذه الأحياء في ممارسة كرة القدم كما كان الشأن عليه من قبل، على أن تستغله الإدارة خلال فترة «السيام» فقط. وإذا كان «السيام» حطم الرقم القياسي هذه السنة من حيث الزوار الذين بلغ عددهم المليون زائر، وفي ظروف تتسم بالأمن والأمان والطمأنينة، فإن منافذ الإغاثة في حال ما إذا وقع مكروه ، أو حريق لا قدر الله، فإن مأمورية رجال الأمن أو عناصر الوقاية المدنية تبقى صعبة ومعقدة بالنظر إلى السياج الحائط بجميع منافذ «السيام»، إضافة إلى قلة الموارد البشرية والإمكانات والوسائل اللوجيستيكية من طائرات الإغاثة، وشاحنات متطورة ومعدات وأجهزة حديثة تستجيب لمثل هذه التظاهرات وهذا النوع من البناء. كما لا يمكن الاستهانة بغضب الزوار والعارضين على حد سواء، والمتمثل في غياب المرافق الصحية؟ هذا في مجال التنظيم، أما الجانب المالي، فإن أمر تسيير وتدبير وتنظيم شؤون الملتقى وما يستتبعه من ميزانية ضخمة من المال العام، لا يمكن بأي حال من الأحوال ، أن يبقى في معزل عن المراقبة والمساءلة. فالمنظمون يعقدون ندوة صحفية قبل انطلاق الملتقى، لكنهم يتوارون عن الأنظار بعد ذلك، فيما الرأي العام المحلي والوطني يجهل تكلفة الملتقى، وما إذا كان تنظيمه من الناحية المادية مربحا، أم لا، بالنظر إلى الدعم المقدم له من المؤسسات العمومية، وبالنظر أيضا إلى الأسعار المرتفعة المحددة من طرف إدارة الملتقى والمتعلقة بكراء المساحات الخاصة بخيام Stand والمعروضات المختلفة. وبما أن ظهير الحريات العامة هو المرجع القانوني لأي جمعية، وتخضع لزوما لجميع مقتضياته، فإن جمعية «السيام» التي تعقد سنويا مجلسها الإداري قبل انطلاق أية دورة من الدورات، يخصص لتقييم التدبير الإداري والمالي للملتقى، لا يخضع جمعها هذا لأي مواكبة إعلامية، إذ أن هذا التقييم يبقى محصورا بين مكونات المجلس الإداري، ولا يعرف طريقه إلى الرأي العام. أما عن التسيير والتدبير والتحضير واللوجيستيك، وما يصاحب «السيام» من ترتيبات، من اختصاص الشركات، فإن الفاعلين الاقتصاديين يتساءلون عن سبب الاقتصار في ذلك على شركات بعينها، بعيدا عن المناقصة وطلبات العروض، بدءا من الشركات المالكة للخيام، وصولا إلى شركة الاتصال والتواصل وكأنها حكر على وكالة بعينها، مرورا بشركات الطبع والإشهار، وشركات الربط بشبكة الماء والكهرباء، والمكيفات الهوائية، والأمن الخاص، والحراسة والنظافة و.. ، في تغييب تام للشركات المحلية. من أجل تطوير المدينة جدير بالذكر أنه حينما وقع الاختيار الملكي على تنظيم الملتقى الدولي للفلاحة بمدينة مكناس، وتلاه بعد ذلك قرار آخر يتمثل في خلق قطب الصناعات الفلاحية والغذائية بالحاج قدور، فإن الهدف من ذلك كان هو خلق تنمية بالإقليم، والجهة التي تتميز بمؤهلات اقتصادية وفلاحية هامة. كما كان الغرض أيضا هو جلب استثمارات وطنية وأجنبية، تتعلق بمجال الصناعات الغذائية، وغيرها وما يرتبط بهما من فرص الشغل المباشرة منها وغير المباشرة، غير أنه وعلى الرغم من مرور أزيد من عقد ونيف على انتظام دورات الملتقى، و8 سنوات على تدشين الملك لمشروع أكروبوليس، لم تظهر أي مؤشرات ميدانية على أرض الواقع لاستقطاب الاستثمارات المنشودة، مما يؤكد فشل المسؤولين في ترويج هذا المشروع الضخم الذي كان من الممكن أن يغير نسبيا واقع الحياة الاجتماعية لليد العاملة بمكناس التي تمثل نسبة البطالة فيها 20%. وإذا كان لمثل هذه التظاهرات وقع على مدينة مكناس، التي تفتقر إلى البنى التحتية الأساسية لاستقبال الوافدين عليها في مثل هذه التظاهرة الدولية القارة سنويا، (الفنادق – المطاعم – المقاهي – فضاءات التنشيط - الطرقات - الإنارة العمومية - قاعات الندوات و..) فإن ذلك لا يظهر، إذ يقتصر المسؤولون عن المدينة على تزيين سطحي متسرع سرعان ما تنكشف عيوبه وثغراته خلال أيام انعقاد الملتقى أو بعده. فهل يتدارك هؤلاء المسؤولون ما فات من وقت، ويعيدون النظر في طرق عملهم انطلاقا مما راكموه طيلة الدورات العشر الماضية للملتقى، ويعملون على استقطاب وجلب استثمارات وطنية وأجنبية، من شأنها المساهمة في التنمية المحلية والجهوية على حد سواء، وتنشيط الحركة الاقتصادية والسياحية للمدينة، أم أن المهام الموكولة إليهم تقتصر فقط على التنظيم؟.