تنسى شخوص رواية »سينترا« .....أن تموت ! ربما لأنها تعيش في زمن ملتبس، هلامي ، غير محدد ولا مُجَدْول. ولهذا لا ترى ضرورة لكي تموت. أو لأنها ما زالت تعتقد بأن معركتها في الحياة، لم تنته أو ربما لأنها لم تدرك بأن هناك فعلا موتا .. من فرط ما تتداخل أسئلة الأحياء، نحن مع أسئلة الموتى في الرواية! الأحياء هنا إلى جانب الذين نعتقد في الحياة العادية بأنهم ماتوا، لكنهم كشخوص روائية لا يموتون : المهدي بنبركة، الكنفاوي، السلاوي، الطريس، عمر بنجلون، عنيبة الحمري، محمد الخامس، الأمير مولاي الحسن، الملياني الشاعر (مولا مليانة). الكل في هذا الفضاء المعتم، الخارج عن الزمن والمكان معا.. غير أن الرواية وهي تضع المكان، سينترا مجالا »طوب، فهي تعلق الزمن (الكرونوطوب) ، هو زمن معطل أو معلول عن قصد وبِنيَّة الكاتب :يتوقف الزمن لأنه توقف فعلا في البلاد.. مكان يخرج من مكان، واسم يخرج من آخر بدون أن تتغير جواهر الأشياء.. تحولات البطل: الرواية تمرين على نقل »سينترا«، الحانة التي رأت النور في الأربعينيات .. إلى حالة، كما تقول إحدى عبارات الرواية.. وهي تنجح في ذلك عن طريق مسايرة تحولات بطلها عمر بنمنصور، فهو عصب الرواية الذي يحمل، في البداية رؤية خاصة عن العلاقة الأم، مع فرنسا، ويعمل لحساب الدولة المستعمرة، إلى جانب ضابط الاستعلامات كازالطا..ثم ينمو وعيه شيئا فشيئا فيحصل أن يتزوج يهودية مغربية، تغادره في عز التحول إلى فلسطينالمحتلة، ثم يتعرف على الوطنية من خلال السفر إلى طنجة رفقة محمد الخامس، إلى جانب الفقيه باحنيني والأمير الحسن ولي العهد. ثم ينتهي به المسار في غرفة الإنعاش، عندما يعود ، بعد ستين سنة إلى جوار »سنترا«.. هنا تسهر على الإبقاء على حياته ووعيه، دكتورة مهتمة بالجانب الجسدي فيه، وحفيدته التي تدفئه بحرير العاطفة السارية والأستاذ طارق أوردي، أستاذ العلوم السياسية ، الذي يشتغل بتطبيب وعيه عبر الأشعار الرمزية للأدب والأغاني ، بين الغيوان وصلاح الوديع .. وكما استعمله كازالطا، يريد الجنرال أن يستخدمه في استئصال الحركة الأصولية بعد تفجيرات 2003. هو الدليل إذن على أن البنية التي كانت في الفترة الاستعمارية 1946 ما زالت حية إلى حدود الزمن الروائي لسينترا.. بنمنصور هو أيضا الوحيد الذي يربط أهل »سينترا«، كما نقول أهل الكهف بالعالمين، الماضي والحاضر، وهو الدليل على الوعي المركب، والمفارق في الوقت ذاته.. الذي يحتاجه للخروج من هذا الذهول العام، وأيضا لكي ينجح المغرب في رهانه على الحداثة الواعية والمنبثقة من التجربة الخاصة للبلاد.. من أكثر النقط إثارة في رواية، تغري فعلا بأن تقرأ من زوايا مختلفة ومتداخلة، هو ما تواجهه في كيفية تحرير بعض شخوصها من قوتها وهي غائبة حاضرة، وإدماجها في نسيج سردي..يقنع بأنها كائنات روائية.. كيف نجعل من الراحل الحسن الثاني شخصية روائية؟ كيف نحول المهدي ، في مغامرة كتابية يتحكم فيها الوعي التاريخي والمكنون الحكائي، إلى فاعل روائي، عنصر عقد سردي تتحكم فيه قوانين النص الأدبي أكثر من التحليل السياسي التاريخي؟ في الحالة الأولى يدور حديث، في القطار الذاهب إلى طنجة، بين الراحل الحسن الثاني، ولي العهد آنذاك وبين شلة المرافقين له ولوالده محمد الخامس، على لسانه سؤال بسيط عاد:كاين شي كَارو؟.. كما لا يخطر على بال القارئ، فيخرج من هالة القداسة السياسية إلى بساطة الإنسان المسافر، بين أصدقائه ويذهل الرواية طبعا.. ولأن الرواية تعتمد على زمن دائري، وأن الإشكالات التي واجهتها الشخصية ما زالت قائمة، كيفما كانت مستويات حياتها التاريخية، لهذا ربما يفسر النص لقاء محمد الخامس وعنيبة الحمري، الحسن الثاني والعلام، الفقيه باحنيني والشاعر الوديع وناس الغيوان ..... مع »ايريك لوبون«؟ كيف تحول الرمز الحي، والكائن إلى مجرد شخصية إذا لم تتوفر أطروحة كاملة يقايض فيها الروائي المؤرخ والرمزية بالبناء السردي، والمخيلة بوقائع الزمن الملموسة؟ كيف إذا لم يستبح الروائي بفضل سلطته التخييلية تاريخ شخوصه ويعيد تركيبه كما تريد الحرية الإبداعية؟..