إلى د : رشيد موجا ها أناذا يا صديقي أمام كتاب أهديتنيه ، فأجدني بين دفتي متن متفرد ألتمس منه لذة القراءة و أنا أتناوله عن سابق حكم كمنجز سردي مكون من 285 صفحة تتخلله ما ينيف عن 31 صفحة (بجمع الأسطر) وردت بها مقطوعات غنائية و أبيات شعرية وأسطر زجلية تحملني أنا وأمثالك عبر بساط ريح رخاء يسرها مفكر روائي مؤرخ وموظف سام سابق و أستاذ علوم سياسية اسمه حسن أوريد .. إنه منجز يحاول أن ينفلت عن التجنيس ، حتى أن صاحبه عن سبق إصرار لم يَسِمْه . هو منجز يتداخل فيه التخييلي والواقعي و التاريخي والسيرذاتي و التوثيقي .. لن أزعج لحظات أنسنا ونحن نسمع لخليفة مصطبة السقاط بما مجه الشكلانيون الروس أو النقد الفرنسي ، أو أتذاكى عليك بكلام جيرار جينيت أو تودوروف .. لن ألعب دور العارف بطرائق السرد وألاعيب حواة الحكي وكأنني جراح ماهر يُشرّح جسد المتن بمبضع .. أنا أعرف يقينا أنك لا تهتم بهذا ولكن غايتي أن أختصر زمن الحوارات بيننا حوله ، لأن ما يحبل به نص «سينترا» جراح لم تندمل بعد « و نكء الجرح بالجرح أألم « كما تعلم أيها الطبيب المبدع في عالمه .. دعنا إذا من الشكل ، وهاك ما بدا لي في مادة المضمون الدسمة ، أرى عن سابق معرفة بك أنك ستحفظها عن ظهر قلب كما فعلت مع «خلط الأوراق» وسأُبتلى بك وبنقاشاتك مادمتَ ستجد فيه بُغيتك وتسيح في فضاءاتك المحبوبة ، بيضائك وكريانك السنترالي ، مع أحبائك الغيوان وكل من يمثل بالنسبة لك زمن النضال و الأخطاء. ها أنا و إياك نجد مخيلتينا وقبلهما أرجلنا تطأ سينترا ذلك الفضاء الذي لا يرتاده في الغالب الأعم إلا من قد وخط الشيب فوذيه أو يكاد ، ذاك المسكون بليل الصب السائل عن غده ، دون أن يدرك التخلص من أمسه ، تحمله النوستالجيا السقاطية / الوهابية إلى استحضار الزمن المرير الجميل حيث وُئدت في غمرة النشوة وفي حضرة الزق و الغانية أحلامٌ مشروعة وأخرى تتجاوز الممكن و الإمكان ، وفُقدت معها أندلس أخرى في الشرق بل هي أقدس .. سينترا التي تجمع المتناقضات شأنها شأن البيضاء أرخبيل البؤس وواحات (السنوبيزم) الذي يحتضنها ، إن لم نقل شأن المغرب كله بوحدته المتعددة ، يلوذ بها الكاتب ويجعل منها ركحا للعرض فيُبئّرها ، يستحضر فيها السارد / الكاتب تاريخ بلد ، تاريخ أمة و أسئلة حارقة مُقِضّة يشيب بذكرها الولدان .. أسئلة تناسلت في زمن ما وتراكمت، فتدحرجت ككرة ثلج ، ثم ورّثها الآباء الأبناء .. أسئلة حاول الإجابة عنها الوطنيون كما الوتنيون ، الشيوعيون و الأصوليون ، الحداثيون والمحافظون ، اليهود و المسلمون ، العروبيون و الأمازيغيون و الصحراويون .. وكلٌّ بما لديهم فرحون أو مؤمنون .. ورغم هذا تجدهم لم يلامسوا سوى حواشي المسألة دون لبها ، وعوض أن نسمع جوابا سمعنا وجيبا و وِجابا . فلله الأمر من قبل ومن بعد .. وها هي ذي الأسئلة سنُورّثها نحن أيضا جيل مستهلكي التكنولوجيا ولا نعرف حتى كيف نصوغها له ، علما أنه جيل موغل في البراغماتية ونخرت عقليته قيم الاستهلاك، ولا يقبل بْلابلانا ولا بْلابلا من سبقونا . اسألني أنا الذي عاشرتهم عقودا تقارب على الثلاثة وسايرت تطور آليات تفكيرهم .. وهنا يفرض السؤال المعضلة نفسه، لمن نكتب ؟ لأرواح تسّاقط تباعا كما في لائحة إهداء الكتاب ، تلك الأرواح التي كان لها من اتساع الأفق ما جعل صدورها تتسع للاختلاف و التعدد ؟ أم لجيل لا يقرأ ، أو لا تعني له القراءة ولا التاريخ شيئا ؟ سيبدو لك كلامي هرطقة .. لعمري نحن نكتب لمن قضى أو بعض من لايزال ينتظر، أما هذا الجيل ، فأقصى ما يؤمن به ويناضل من أجله هو الكرة، وليته يمارس اللعبة بل يتقاتل من أجل لون ، ويرى الملايير التي تصرف في الملاعب أهم بكثير من بناء مدرسة تشيد عقولا ، ومشفى يخفف آلام وطن، ومراكز دراسات تسابق الزمن لتشكيل وعي جمعي، و تساير جنون سرعة التكنولوجيا ، وبحوث التعديل الجيني ومستجدات الخلايا الجذعية .. «حدثني ،إن كنت تعلم شيئا عن مصير هذا البلد ، نستطيع أن نتفاداه عن سابق معرفة .. تكلم «.اقتباس من «هاملت» الشيخ زبير، جاء به الكاتب كعتبة للاستهلال يلخص حيرتنا ويُهيّئنا لنتقبل جراحنا التي لم تندمل بعد .. اختلطت علينا الأمور يا صديقي ، ولم نعد نثق فيما نكتب ، بله ما يكتبه الآخرون الذين يجدون أنفسهم في (كوليماتور) النقد المجاني أو القصف العشوائي .. أقله : هذا مخزني (وقد سمعت الحكم غير ما مرة) ، و أخسه : ذاك يخدم أجندة خارجية و يجب معرفة من يقف وراءه . هو التخوين و نظرية المؤامرة ، فالكل يخوّن الجميع ، والجميع يسفه الكل ، فما نحن بعد هذا فاعلون ..قد تكون هناك حالات ولكن التعميم خاطئ منهجيا دون روية و تمحيص . ما تم التلميح إليه كان غاية السرد منذ البداية وهو ينعت أحد الشخوص بالصحافي الجليل تمييزا له عمن يُوصفون بالتابعين كناية على صحافيي السلطة وأسميهم أنا بتابعي التابعين هم بالكتابة إلى يوم يحالون على الظل أو يحيلون أنفسهم بعد أن يقضوا نهمتهم واحد من شلة الوعي الشقي الذي يدخلنا إلى فضاء النص ، هو و مجموعة مركبة من عناصر ذات أصول مختلفة متنافرة في ظاهرها تحاول ما أمكنها أن تتلاقح . فمن جهة ، هناك الثمانيني (مناضل سابق في الحزب الشيوعي راكم ثروة) و السبعيني (ناضل في صفوف الاتحاد الوطني) و كل واحد منهم يمثل لونا أو ما تبقى من أثر لون بعدما استحال ، ثم هناك مسؤول تحرير أربعيني، وصحافي ثلاثيني ، و امرأة قرينة أحدهما من جهة أخرى ، كأجيال متقاربة متعاقبة تبحث عن حقيقتها بطريقتها الخاصة .. وجهتا نظر مختلفتان، الأولى قائمة على ذكرى و الثانية قائمة على حلم .. شلة لا تعدو أن تكون مطية للسرد ليولجنا في عوالم الحكاية بأسئلتها المربكة عمن يجب أن يكشف غطاء المستور ليكشف عن (الحقيقة) للأجيال القادمة وقد تخلى المثقف عن دوره بعد أن تجاوزه الزمان رغم تشبته بالمكان ، فصمتَ ، و الصمت يُدرس الطلل ويتلف الأثر .. ها نحن ذان بعد ساعتين إلا قليلا من (العاشقة) ليلا بتوقيت سينترا الذي ينفلت عن نواميس الكون ودوران الأفلاك ، نجدنا مع شخوص واقعيين وآخرين تخييليين ، شعراء ومغنين ، مواطنين ورعايا ، موظفين ومياومين، مناضلين ومخبرين ، وكلهم في هم الوطن مشاركون ، كل حسب قناعاته ورؤاه حتى لا نقول أيديولوجيته .. ها نحن نخرج من الاستهلال ومن يوليوز 2015 ، لتبدأ رحلة الهلوسات الإبداعية التي تمتح من الإشارات التاريخية وبعض الأحداث الواقعية . ندخل القسم الأول من المتن فنجد أنفسنا في يوليوز 1946 ، وقد تلظت سينترا ببعض لفح ما تمور به البيضاء من آثار الحراك وفي ما حولها إقليميا ودوليا . وها هو بنمصور موظف الاستعلامات يلج هذا الفضاء في مهمة بأمر من رئيسه الفرنسي . يسمع ونسمع معه السقاط يدندن في الدور الأول «يا مسافر وحدك» وكلنا مسافر وحده فعلا في حضرة «الديفان» ، ونتخيل حكيا سماع الحسين ولد عيشة في الدور الأرضي ينبهنا «احضي راسك لايفوزو بك القومان يا فلان» ثم بعده نسمع زجالا يستجدي رواد الملهى .. فصل أقرب من فصل مسرحية بل هو أروع ، أبدع فيه الكاتب بما جاء فيه من اللغو الجاد والقفشات المضحكة ، زادها الكلام الدارج جمالية وشاعرية .. لكنات مختلفة وخطاب متأرجح بين جد وجد ، الجد التشخيصي و الجد الهزلي. و بعد يا صديقي .. ما أشبه اليوم بالأمس وما أشبه الواقع بما ورد في متن الكتاب، رغم ما يبدو عليه من هلوسات و عبث . تتداخل الشخوص و الشخصيات ، وتتداخل الأزمنة و الأمكنة ، رغم أن السرد لا يبرح السينترا. نلتقي رفقة بنمصور بالكنفاوي الذي يمسرح الواقع و الحلم، وبالرفيق «مول مليانة اللي ما معاه تغماس» حبيب الجميع الحالم بثورة الكادحين ، وعنيبة المايسترو العاشق للنغم و الكلم الملتزم ، والقادري ينسج سدى ولحمة أزجاله . ومليكة التي مر نهدها من هناك متمردا تبغي الزواج من الجميع و تتأبط يد صديقها المناضل الذي سيتخلى عنها بعد حين، وآخرون كالعلام البحاثة والمعطي مول النوالة والفقيه .. ثم هذا الموتشو القادم من اللامكان بلكنته الشمالية والمعروف بمهدويته وتكهناته والذي يتلاعب بزمكانية السرد كمتشوف سياسي. فما أكثر عبثيته الجادة ، يقول مخاطبا رواد سينترا وعبرهم نحن القراء : «شوفو الله يرضي عليكم ، قادّو الماكانات ديالكم ، ما يمكنش نمشيو بعيد ، وكل واحد عايش في زمان .. شي ف 1946 ، وشي مع سيف ذي يزن وعنتر بن شداد ، شي يامن بالتوكال و التشيار و العين ويدّاوى بكسكسو مفتول بيد ميّت ، وما عرفت شنّو ، وشي في العصر الحجري ، مامسوقش كاع، وشي ف عالم لانترنيت وبزنس كارت. وشي معنا وما معنا و يدير بحال إلا هو معانا، وإلا تزبلت إمشي من حدانا « ص 138 في فضاء سينترا الذي دخله بنمنصور في مهمة استعلاماتية يجد نفسه متأرجحا بين الواجب والاستمتاع قبل أن تكدر صفو متعته تكهنات الموتشو، ثم خربوشة فيما بعد لما أحضرها بوعزيز ، فتداخلت الأدوار بين بنمنصور وأوريد ، كما تتداخل الأزمنة بين زمن خربوشة العبدية الزايدية (أواخر القرن 19)، وزمن الغيوان (سبعينات القرن الماضي) أولائك الشباب الهبيين الذين جمعوا بإيقاعاتهم المنتقاة من كل لون مرتادي الفضاء بدوريه ، بل تقاطرت عليهم الجموع من كل دواوير قبيلة الدارالبيضاء وغنت معهم حتى بلغت القلوب الحناجر ، جاء الغيوان ليوقظوا رواد سينترا بكلامهم و يخرجوهم من غياهب الماضوية لأن «الماضي فات يا الساكن به بالك» ولأن الذاكرة ليست هي الماضي. كان السرد خلال هذا القسم ينتقل ما بين سينترا و شقة بنمنصور وزوجته سوليكا (مغربية يهودية)، ثم الرباط لما أوكلت لابن منصور مهمة التدريس بالمدرسة المولوية إلى جانب باحنيني و المهدي بنبركة.. وبعد ليلة الحضرة الغيوانية تلك تغير كل شيء في سينترا، وغاب من غاب لتأخذ الأحداث منعطفا جديدا وتتغير نظرة بنمنصور وتنعطف نحو بُعد آخر بعد ضربة «ساليكان» في بنمسيك وما خلفته من امتعاض لدى الجميع . سيبلغ الانعطاف أقصاه بالتمرد على أوامر السلطات الاستعمارية وقلب دفة الإخلاص تجاه الأهالي وخيارات القصر بعد مرافقة السلطان في رحلته إلى طنجة حيث سيتبلور وعيه في لقاءاته مع شخصيات منطقة الشمال وخصوصا عبدالخالق الطريس مهندس الزيارة السلطانية تتداخل الشخوص و الشخصيات و يختلط الواقعي بالورقي وتتلبد الرؤية مع نظرة تشوفية لخربوشة يتحول معها بنمصور إلى أوريد (وعليك صديقي أن تجد المسوغ) لينتقل السرد بعدها إلى سنة 1996 و يعطينا نبذة عن حياة أوريد الشاب .. لن أخفيك يا صديقي ، شخصيا عجزت عن إيجاد مسوغ لهذا الإقحام، ربما يحاول السرد وقد منعه مانع من التصريح المباشر أو كتابة المذكرات حال كل موظف سام سابق ، كما سيُطرح لبنمصور في نهاية الكتاب، أو ربما لنظرتي القاصر التي لم تستوعب الأمور. أمر لن تغفره لي ولن يمر في نقاشاتنا مر الكرام لمعرفتي بك وبنظرتك الفريدة تجاه الأحداث و الأشخاص . فقد سايرت كقارئ الانتقال كخيار فني من الحاضر إلى الماضي بل إلى ماضي الماضي وانتفاضة خربوشة ضد المخزن ممثلا في القايد عيسى كما تقول الرواية الشفهية، ولكنني فشلت في استساغة هذا. سيعود السرد إلى 47 ، وتُطرح مجددا مسألة الظلم و العدالة الاجتماعية ، ومسألة الهوية وما تطرحه من إشكالات ولو على سبيل الهلوسات ، والمهلوس كما تعلم في حكم المجنون أو الممسوس أو السكران ، مرفوع عنه القلم .. عاد بنمنصور من رحلة طنجة ليختبئ في بيت صديقه المناضل «بوعزيز» (تعاضد الأنتلجينسيا و البروليتاريا) ، فبعد أن أغلقت السلطات سينترا ، تفاجأ أيضا برحيل زوجته وعائلتها إلى فلسطين /إسرائيل ، خبر أكده مناضلو الحزب الشيوعي ومنهم شمعون ليفي الذين ارتأوا أن يرحلوه إلى بركان عند عائلة عياش فمليلية ثم مدريد ومنها نحو القاهرة التي كان قد اقترحها عليه الطريس في طنجة . وهنا سيكون السرد ممتعا حين يقدم لنا مشاهد من المعيش اليومي لبسطاء المغرب في هذه الفترة ، مشاهد أقرب للقطة الشاهد في السينما (المدينة القديمة حيث بيت بوعزيز وحروب زوجتيه ، ومشاهد في الحافلة التي كانت ستقله لبائعي الأدوية التقليدية ، وبائعي البيض والحمص و الزريعة والكاوكاو ، و المتسولين ، وقشبال و زروال ...) سافر إذن بنمنصور و غاب عن البيضاء وتوقفت الهلوسات لينتهي القسم الأول .. في القسم الثاني سيمارس السرد لعبة القفز على الزمن .. ثم يحاول عقلنة الأحداث و تقديم التبريرات و الإتيان بمسوغات لكل ما مر ، ويا ليته لم يفعل .. سيظهر بنمنصور عجوزا طاعنا في السن ينزل من سيارة مرسديس فخمة ، ويلج فندق رويال المنصور للغذاء بدعوة من مدير الاستعلامات الذي كان مرفوقا بصحفي من التابعين للحديث عن تداعيات أحداث 16 ماي الإرهابية . وعبر تقنية الاسترجاع يبسط السرد أمامنا خلاصة ما عرفته حياة الرجل. وتجربته تلك وخبرته جعلت منه رمزا و سلطة يحسب له حساب. وهذا جعله أيضا مخولا لكتابة مذكراته إلا أنه يرفض الفكرة من أساسها (ولا أدري هنا إن كان السرد يتحدث عن بنمنصور أم أوريد شخصيا) ذلك أنه من الصعب على السياسي و الموظف السامي أن يتماهى مع الأديب و المؤرخ و المفكر، ومعرفة حدود ما يسمح به «الإتيكيت» و «الطوب سوكري « و «الأفير ديطا «.. ولك يا صديقي أن تتمعن في قولة لا يكف بنمنصور عن ترديدها « ورثنا أداة عمل من غير دليل تشغيل « .. ستتوالى أحداث القسم الثاني على هذا المنوال ، ففي الفصل الثاني ستتناقل الصحافة خبر تعرض المؤرخ و المفكر لوعكة صحية ، استلزمت نقله إلى مستشفى ابن سينا بالرباط ، لتتناسل الأقاويل حول وضعه الصحي وسبب دخوله في غيبوبة .. ما لم أستسغه حقا في هذا القسم دخول شخصية الدكتورة فيفاني المكلفة بحالة المريض فقد منحها السرد دورا كبيرا في بناء دراماتورجيا الحكاية متجاوزة اختصاصها كطبيبة أمراض باطنية إلى محللة نفس اجتماعية وسياسية ، ومفكرة فذة . وستتحدى بذلك مدير المشفى بل السلطات أيضا من أجل انطاق لسان المريض، فهاهي تستدعي أقرب الناس إليه في محاولة منها للوقوف على تفاصيل ماضي الرجل الداخل في غيبوبة وكأنها تريد من خلاله تحرير ذاكرة فترة مربكة متشعبة من تاريخ بلد ، فلقد حاولت أن تستجلي حقيقة الرجل عبر ابنته التي لم تزره (الجيل الصامت لما بعد الاستعمار) لكنها حفيدته التي قبلت اللعبة على مضض فألبسها السرد رداء وعي بالأحداث و البلد أكبر من حجمها كحفيدة طبقة ممن سموا بالوطنيين درست أو تعيش في الغرب . وخوفا من أن تكون أحكامها ذاتية و مجانبة للحقيقة و الموضوعية استعانت الطبيبة بمثقف مشهود له في الساحة ، وبهذا يحول السرد حالة فرد إلى حال جماعة بل مجتمع بكامله ، مما استدعى تحليل مؤرخ ومفكر مثل الدكتور طارق أوريد. (ونحن ما لبثنا نصادف بين ثنايا المتن أوريد المؤرخ ،أوريد المفكر ، أوريد مركز طارق، أوريد أستاذ العلوم السياسية ) إنها محاولة « بعث الذاكرة في إحياء الوعي « كما جاء على لسان الذكتورة . إنها محاولة الجمع بين الفكر النظري و العلم التطبيقي . وبعد تضافر جهود كلا الطرفين تمّ انطاق المريض وحل عقدة لسان وعيه بأغاني ناس الغيوان واسم زوجته سوليكا ورحيلها إلى إسرائيل ، وكأن السرد اختزل الوعي الصامت في هذين المفتاحين وتنتهي الحكاية. بقدر ما أمتعنا النص ، و أعطانا إمكانية إعادة طرح الأسئلة و إعادة النظر في المسلمات أو ما يبدو للبعض كذلك ، إلا أنه بهذا يكرس وهما تحول إلى حقيقة تاريخية فيُصيّر الخونة وطنيين ويُضخم مقاومة السهل على حساب الجبل .. لينعم ذوي الحظوة بثروات مادية ومعنوية ورثوها عن آباء جمعوها في فترة ملتبسة تتداخل فيها مصالح البلاد و الأفراد ، وحُقّ لهم أن يتغنوا ببيت الشعر مقلوبا « ليس الفتى من يقول ها أناذا .. إن الفتى من يقول كان أبي «. أ لم أقل لك صديقي أنك ستنكأ جرح مرحلة نسيناها أو نكاد .. هلمّ إذن إلى سينترا (واسقني ديفانا وقل لي هي ديفان ، ولا تسقني تلميحا إن أمكن التصريح ) ولنردد مع الكادحين : مال كاسي باكي وحدو مال كاسي نادب حظو مال كاسي يا وعدو هذا نكدو غاب سعدو آااه يا سينترا واعر بلاه ما ساهل حب لبلاد واعر بلاه ما ساهل حب لعباد واااه يا سينترا