عندما تجتمع الحقارة والتفاهة في الكتابة يخلقان شيئا هجينا لا يمكن استيعابه، فتوفيق بوعشرين، الصحفي المعروف بملفاته الكثيرة المتعلقة بالنصب والاحتيال، يدافع عن حسن أوريد، الناطق الرسمي باسم القصر الملكي سابقا ووالي جهة مكناس ومؤرخ المملكة السابق ويكفي ذكره في مكناس لتبين مدى "نبل" أخلاقه. ولم يكتف بوعشرين بالحديث عن انزعاج البعض من كلام حسن أوريد. فأوريد لم يزعج أحدا بكلامه لأن كتاباته معروفة وما هي إلا عبارة عن "بلاجيا"، فهو يحفظ كثيرا من المقولات لكتاب ومفكرين ويستغلها دون الإحالة عليها ويمكن مراجعة "مرآة الغرب المنكسرة" لترى مدى حرص المفكر والمؤرخ على الأمانة العلمية، فالرجل غير أمين في نقل أفكار غيره بل ينسبها لنفسه، وهذه قمة الانحطاط في المعرفة وتدهور في أخلاق البحث العلمي، فهل نصدق أوريد عندما يسرد علينا معلومات وليس أفكار؟
لقد حوّل بوعشرين أوريد إلى مؤرخ، دون أن يستوعب الفرق بين مؤرخ المملكة والمؤرخ الذي يدقق في التدوينات والكتابات ليحاول الوصول إلى الحقيقة، فمؤرخ المملكة مكلف بتدوين الأحداث الرسمية حفاظا على استمرار الذاكرة، أما أوريد فلم ينج من لوثة الإحساس المتضخم بالنفس ليقفز على الواقع واضعا نفسه كمؤرخ مع العلم أننا لم نعرف له إنتاجا فيما يخص التاريخ ولا تحقيقا يعيد قلب الأمور حتى تظهر مهاراته.
لكن قصد بوعشرين بترك المؤرخ يتحدث بدون خوف غير ما نقصد نحن، فالمؤرخ ليس من طينة ما يريده بوعشرين، فبوعشرين لو كان يتحدث عن المؤرخ لما احتاج إلى هذه النصيحة، المؤرخ الذي يتعامل مع المعلومات والقضايا ويحقق ويدقق فيها، غير أن بوعشرين يريد من المؤرخ الجديد أن يبوح بمعلومات ليس من حقه أن يكشف عنها مادام كان موظفا في مؤسسات الدولة، وفي كل الدول يحتفظ الموظفون بالأسرار حتى تنصرم الآجال المعلومة ليصبح تداول تلك المعلومات قانونيا.
فأوريد كان موظفا وقبل هذا وذاك درس في المعهد المولوي، فمن حقه أن يكون مؤرخا لكن ليس من حقه استغلال المعلومات التي تحصّل عليها خلال مدة وجوده في القصر ليصنع من نفسه مؤرخا، إذ لا يمكن بناء المجد في الكتابة على حساب حياة الشعب والدولة، فهو كان موجودا في مؤسسة ويتقاضى راتبا عن عمله وليس من حقه في النهاية أن يستغل موقعه ومكانته ليكتب تاريخا يصفّي به فقط حساباته مع رفاقه السابقين.