بوريطة: استقرار إفريقيا مرتبط مباشرة باستقرار المغرب    المقاتلات الشبحية F-35.. نقلة نوعية في القوة العسكرية المغربية    مواجهات نارية في ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا    "حليوة" أمام النيابة العامة بسبب تدوينة حول الرئيس الفرنسي ماكرون    حماس: جثة بيباس تحولت إلى أشلاء    منتدى دولي بطنجة يناقش تنافسية واستدامة قطاع صناعة السيارات بالمغرب    منع مشجعي الرجاء البيضاوي من حضور مباراة فريقههم أمام الجيش الملكي    الحسيمة.. توقيف مشتبه به في تنظيم الهجرة غير المشروعة والاتجار بالبشر    تطورات التضخم والأسعار في المغرب    استعدادات لزيارة ملكية مرتقبة إلى مدن الشمال    النصيري يسجل من جديد ويساهم في تأهل فنربخشه إلى ثمن نهائي الدوري الأوروبي    شكاية ضد ابن كيران بتهمة القذف والسب ومطالبته بتعويض 150 مليون    إطلاق المرصد المكسيكي للصحراء المغربية بمكسيكو    شي جين بينغ يؤكد على آفاق واعدة لتنمية القطاع الخاص خلال ندوة حول الشركات الخاصة    القضاء يرفض تأسيس "حزب التجديد والتقدم" لمخالفته قانون الأحزاب    عامل إقليم الحسيمة ينصب عمر السليماني كاتبا عاما جديدا للعمالة    أداء مؤشر "مازي" في بورصة البيضاء    مضمار "دونور".. كلايبي يوضح:"المضمار الذي سيحيط بالملعب سيكون باللون الأزرق"    الجيش يطرح تذاكر مباراة "الكلاسيكو" أمام الرجاء    إطلاق تقرير"الرقمنة 2025″ في المنتدى السعودي للإعلام    الاقتصاد السوري يحتاج إلى نصف قرن لاستعادة عافيته بعد الحرب التي دمرته    كيوسك الجمعة | المؤتمر الوزاري العالمي الرابع للسلامة الطرقية يفي بجميع وعوده    باخرة البحث العلمي البحري بالحسيمة تعثر على جثة شاب من الدار البيضاء    المندوبية السامية للتخطيط تعلن عن ارتفاع في كلفة المعيشة مع مطلع هذا العام    الذهب يتجه لتسجيل مكاسب للأسبوع الثامن وسط مخاوف من رسوم ترامب الجمركية    روايات نجيب محفوظ.. تشريح شرائح اجتماعيّة من قاع المدينة    المغرب يحافظ على مكانته العالمية ويكرس تفوقه على الدول المغاربية في مؤشر القوة الناعمة    إطلاق أول رحلة جوية بين المغرب وأوروبا باستخدام وقود مستدام    توقعات أحوال الطقس ليومه الجمعة    تراجع احتمالات اصطدام كويكب بالأرض في 2032 إلى النصف    نتنياهو يأمر بشن عملية بالضفة الغربية    فضاء: المسبار الصيني "تيانون-2" سيتم اطلاقه في النصف الأول من 2025 (هيئة)    عامل إقليم الجديدة و مستشار الملك أندري أزولاي في زيارة رسمية للحي البرتغالي    كيف ستغير تقنية 5G تكنولوجيا المستقبل في عام 2025: آفاق رئيسية    محامون: "ثقافة" الاعتقال الاحتياطي تجهض مكتسبات "المسطرة الجنائية"    حوار مع "شات جيبيتي" .. هل تكون قرطبة الأرجنتينية هي الأصل؟    "بيت الشعر" يقدّم 18 منشورا جديدا    أوشلا: الزعيم مطالب بالمكر الكروي لعبور عقبة بيراميدز -فيديو-    "مطالب 2011" تحيي الذكرى الرابعة عشرة ل"حركة 20 فبراير" المغربية    حادثة سير مميتة على الطريق الوطنية بين طنجة وتطوان    "حماس" تنتقد ازدواجية الصليب الأحمر في التعامل مع جثامين الأسرى الإسرائيليين    طه المنصوري رئيس العصبة الوطنية للكرة المتنوعة والإسباني غوميز يطلقان من مالقا أول نسخة لكأس أبطال المغرب وإسبانيا في الكرة الشاطئية    سفيان بوفال وقع على لقاء رائع ضد اياكس امستردام    السلطات تحبط محاولة نواب أوربيين موالين للبوليساريو دخول العيون    6 وفيات وأكثر من 3000 إصابة بسبب بوحمرون خلال أسبوع بالمغرب    ثغرات المهرجانات والمعارض والأسابيع الثقافية بتاوريرت تدعو إلى التفكير في تجاوزها مستقبلا    غشت المقبل آخر موعد لاستلام الأعمال المشاركة في المسابقة الدولية ل "فن الخط العربي"    إطلاق النسخة التاسعة للجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في المجال الفلاحي والقروي    سينما المغرب في مهرجان برلين    الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في تحليل بيانات أجهزة مراقبة القلب    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    حصيلة عدوى الحصبة في المغرب    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    دراسة تكشف عن ثلاثية صحية لإبطاء الشيخوخة وتقليل خطر السرطان    صعود الدرج أم المشي؟ أيهما الأنسب لتحقيق أهداف إنقاص الوزن؟"    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في زمن الرواية الإبداعي
نشر في المساء يوم 24 - 12 - 2014

ربما ‬يكون ‬السؤال ‬عن ‬زمن ‬الرواية، ‬فيما ‬إذا ‬كان ‬مستمراً ‬أم ‬لا، ‬يطوي ‬استفزازاً ‬بين ‬جنباته؛ ‬فبالطبع ‬ليس ‬الزمن ‬المقصود ‬الزمن ‬الداخلي ‬أو ‬الزمن ‬الحكائي ‬في ‬تجربة ‬روائية ‬ما، ‬بل ‬الزمن ‬الموضوعي ‬الذي ‬يتعلَّق ‬بدوام ‬حضور ‬الجنس ‬الروائي ‬في ‬صيرورة ‬العطاء ‬والإنجاز ‬اليومي.‬
على ‬الصعيد ‬العربي، ‬ثمَّ ‬إنتاج ‬روائي ‬متواصل ‬العطاء، ‬خصوصاً ‬منذ ‬العشر ‬سنوات ‬الفائتة، ‬والحال ‬مستمر ‬في ‬كل ‬دول ‬الوطن ‬العربي ‬الجريح ‬بهموم ‬شتى، ‬حتى ‬إنك ‬تسمع ‬من ‬كل ‬الذين ‬حولك ‬أن ‬الرواية ‬العربية ‬تعيش ‬زمنها ‬الذهبي، ‬استناداً ‬إلى ‬مؤشرات ‬كمية ‬ومعاينات ‬احتفائية ‬بصدور ‬الأعمال ‬الروائية؛ ‬ففي ‬كل ‬دار ‬نشر ‬معنية ‬لا ‬يمر ‬شهر ‬من ‬الزمان ‬إلاّ ‬وتصدر (‬رواية) ‬ما، ‬وفي ‬كل ‬معرض ‬للكتاب ‬إلاّ ‬وتجد ‬منصات ‬مخصوصة ‬تحفل ‬بتوقيع ‬روايات ‬جديدة، ‬أما ‬الجوائز ‬العربية ‬فهي ‬حبلى ‬بكم ‬هائل ‬من ‬الروايات ‬الجديدة ‬التي ‬تتقدَّم ‬للمشاركة ‬فيها، ‬مثل (‬الجائزة ‬العالمية ‬للرواية ‬العربية-‬بوكر)‬، ‬و(‬جائزة ‬كتارا ‬للرواية ‬العربية)‬، ‬وغيرها ‬من ‬الجوائز ‬غير ‬المتخصِّصة ‬في ‬الجنس ‬الروائي.‬
مقابل ‬ذلك، ‬هناك ‬نشاط ‬قرائي ‬شعبي ‬متواصل ‬تؤشره ‬معدّلات ‬المبيعات ‬للأعمال ‬الروائية ‬العربية ‬والأجنبية ‬في ‬كل ‬شهر ‬من ‬خلال ‬معارض ‬الكتب ‬العربية ‬أو ‬من ‬خلال ‬بورصة ‬المبيعات ‬وازدياد ‬الطلب ‬في ‬المكتبات ‬التجارية ‬العامة ‬على ‬الروايات.‬
أما ‬على ‬صعيد ‬القراءة ‬الفاعلة ‬أو ‬القراءة ‬النَّقدية، ‬فترى ‬ندوات ‬وورشات ‬نقدية ‬لا ‬يٌستهان ‬بعددها، ‬تلك ‬التي ‬تلتئم ‬في ‬بلدان ‬عربية ‬عدّة ‬لمناقشة ‬جماليات ‬وثيمات ‬الرواية ‬العربية، ‬وهو ‬مؤشر ‬واضح ‬على ‬نوع ‬من ‬التواصلية ‬النَّقدية ‬بات ‬يمضي ‬بخطى ‬متسارعة.‬
كل ‬هذه ‬المؤشرات ‬تبدو ‬اليوم ‬دالة ‬على ‬أن ‬زمن ‬الرواية ‬آخذ ‬في ‬النمو ‬والتعافي ‬إذا ‬ما ‬فهمنا ‬الزمن ‬المقصود ‬بأن ‬تكون ‬الرواية (‬توجد ‬هنا -‬ ‬أو - ‬هناك)‬، ‬لكني ‬أجد ‬من ‬الضروري ‬الذهاب ‬إلى ‬أعمق ‬من ‬ذلك ‬رغبة ‬في ‬البحث ‬عن ‬الزمن ‬الإبداعي ‬الذي ‬يمكن ‬للجنس ‬الروائي ‬أن ‬يضطلع ‬به، ‬والذي ‬قد ‬تؤشره ‬القيم ‬الكمية (‬عدد ‬الروايات ‬الصادرة، ‬وعدد ‬الطبعات، ‬وعدد ‬الورشات ‬القرائية ‬المعنية ‬بالرواية) ‬كعتبة ‬أولى، ‬بينما ‬تظل ‬العتبة ‬الثانية ‬أو ‬القيم ‬المعنية ‬بزمن ‬الرواية ‬العربية ‬الإبداعي، ‬هي ‬الأكثر ‬مثاراً ‬للتأشير ‬والدلالة ‬على ‬قيمة ‬زمنية ‬الرواية ‬كموجود ‬يُراد ‬له ‬الحضور ‬الفاعل ‬في ‬كونية ‬ملتهبة ‬كالتي ‬نعيش ‬بين ‬ألسنة ‬نيرانها.‬
في ‬خلال ‬ثمان ‬سنوات ‬مرَّت، ‬قرأتُ ‬الكثير ‬من ‬الروايات، ‬وتخصَّصت، ‬إلى ‬حدٍّ ‬ما ‬في ‬الرواية ‬الخليجية ‬والعراقية، ‬ومن ‬ثم ‬العربية، ‬المصرية ‬والمغاربية. ‬وفي ‬رحلتي ‬تلك، ‬وجدت ‬نفسي ‬ذلك ‬القارئ ‬الفاعل ‬النائي ‬عن ‬دراسة ‬الثيمات ‬الموضوعاتية ‬بقدر ‬اقترابي ‬من ‬الثيمات ‬الأُسلوبية، ‬وتوسَّلت ‬المنهج ‬السيميائي ‬طريقاً ‬في ‬تحليل ‬القيم ‬الأسلوبية ‬والجمالية ‬في ‬النص ‬الروائي.‬
خلال ‬ذلك، ‬توافرت ‬ذائقتي ‬القرائية ‬بمؤشرات ‬دالة ‬على ‬إبداعية ‬العمل ‬الروائي، ‬وهي ‬بمجموعها ‬التراكمي ‬تولِّد ‬الزمن ‬الإبداعي ‬في ‬الرواية ‬العربية ‬على ‬الصعيد ‬الأسلوبي ‬من ‬حيث ‬قيم ‬التجريب ‬التي ‬لجأ ‬إليها ‬الروائي ‬العربي ‬فيما ‬يكتب ‬من ‬نصوص ‬روائية، ‬ومن ‬حيث ‬تعدُّد ‬أساليب ‬القول ‬الحكائي ‬وبناء ‬المتن ‬الحكائي ‬فيها.‬
إن ‬كل ‬القيم ‬الأسلوبية ‬والجمالية، ‬وبتعدُّد ‬أشكالها، ‬تلك ‬التي ‬لجأ ‬إليها ‬الروائي ‬العربي ‬تبدو ‬لي ‬مؤشراً ‬دالاً ‬على ‬زمن ‬تواصلي ‬جديد ‬تدشنه ‬الرواية ‬العربية، ‬ناهيك ‬عن ‬طرْقِ ‬الروائي ‬العربي ‬لموضوعات ‬وثيمات ‬جديدة ‬تبدو ‬حيوية ‬الحراك، ‬خصوصاً ‬تلك ‬المتعلِّقة ‬بما ‬يجري ‬في ‬البلدان ‬العربية ‬من ‬تحوُّلات ‬باتت ‬جذرية ‬الطابع، ‬أقبلَ ‬هذا ‬الروائي ‬على ‬تمثيلها ‬وتقديمها ‬في ‬معالجات ‬روائية ‬متعددة ‬في ‬أساليب ‬قولها. ‬
* روائي ‬وناقد ‬عراقي
زمن ‬لكل ‬الأزمنة
نجيب ‬العوفي
في ‬فضاء ‬الإبداع ‬العربي ‬كان ‬الشعر ‬وما ‬يزال، ‬إلى ‬هذا ‬الحد ‬أو ‬ذاك، ‬نجمة ‬ساطعة ‬في ‬سماء ‬هذا ‬الفضاء ‬وواسطة ‬عقد ‬هذا ‬الإبداع.‬
كان ‬الشعر ‬ديوان ‬العرب، ‬وعلمهم ‬الذي ‬لم ‬يكن ‬لهم ‬علم ‬أصح ‬منه. ‬كما ‬في ‬القول ‬المأثور.‬
كذلك ‬حال ‬ومآل ‬الشعر ‬العربي ‬منذ ‬معلقات ‬العصر ‬الجاهلي، ‬إلى ‬قصيدة ‬النثر ‬في ‬أزمنتنا ‬الحديثة.‬
لكن ‬مع ‬عصر ‬النهضة ‬والانفتاح، ‬وبفعل ‬المثاقفة ‬الأدبية ‬مع ‬الغرب، ‬أي ‬بفعل ‬صدمة ‬الحداثة، ‬حسب ‬تعبير ‬أدونيس، ‬اهتز ‬عمود ‬الشعر ‬العربي ‬وهيكله، ‬وهبت ‬عليه ‬رياح ‬التطوير ‬والتغيير ‬شكلا ‬ومضمونا، ‬قلبا ‬وقالبا..‬وبدأ ‬عكاظ ‬الشعر ‬بالتدريج ‬يفقد ‬ألقه ‬وسلطته ‬التاريخية ‬العريقة.. ‬ودخلت ‬إلى ‬فضاء ‬الإبداع ‬العربي ‬فنون ‬وأجناس ‬أدبية ‬جديدة، ‬وفي ‬مقدمتها ‬الرواية ‬والقصة ‬القصيرة.‬
بدأ ‬هذا ‬الإرسال ‬السردي ‬قويا ‬على ‬يدي ‬نجيب ‬محفوظ ‬ومحمود ‬تيمور، ‬وأينعت ‬ونفقت ‬سوق ‬الرواية ‬والقصة ‬القصيرة ‬بشكل ‬غامر ‬وباهر ‬في ‬العالم ‬العربي، ‬على ‬امتداد ‬القرن ‬العشرين..‬وتكاثرت ‬الدلاء ‬والأسماء ‬على ‬مورديهما، ‬مما ‬حذا ‬بأحد ‬الروائيين ‬الكبار، ‬وهو ‬حنا ‬مينة، ‬إلى ‬الجهر ‬بقولته ‬الشهيرة ‬غداة ‬الثمانينيات: ‬‮«‬الرواية ‬ديوان ‬العرب‮»‬. ‬كما ‬حذا ‬بالناقد ‬المصري ‬المعروف ‬جابر ‬عصفور ‬إلى ‬تخصيص ‬أحد ‬كتبه ‬النقدية ‬ل»زمن ‬الرواية‮»‬.. ‬بعد ‬أن ‬كان ‬أدونيس ‬ولعقود ‬حافلة ‬من ‬الزمن ‬ينظر (‬بالتشديد) ‬ويروج ‬ل»زمن ‬الشعر‮»‬.‬
وكانت ‬القصة ‬القصيرة ‬بدورها، ‬مدفوعة ‬بإيقاع ‬العصر ‬المتسارع ‬– ‬اللاهث، ‬تسعى ‬إلى ‬تكريس ‬شرعيتها ‬وجدارتها، ‬وتدشين ‬‮«‬زمن ‬القصة ‬القصيرة‮»‬ ‬إلى ‬أن ‬أفضى ‬الأمر ‬في ‬العقدين ‬الأخيرين ‬إلى ‬انتفاضة ‬نوع ‬سردي ‬جديد، ‬ملأ ‬الدنيا ‬وشغل ‬الناس، ‬هو ‬القصة ‬القصيرة ‬جدا..‬التي ‬تطمح ‬إلى ‬أن ‬تكون ‬وريثة ‬لأسرار ‬السرد ‬– ‬والوقت، ‬وفاتحة ‬لزمن ‬إبداعي ‬جديد ‬وفريد، ‬هو ‬‮«‬زمن ‬القصة ‬القصيرة ‬جدا‮»‬.‬
ولا ‬أخفي ‬أني ‬في ‬مناسبة ‬سابقة، ‬وفي ‬غمرة ‬هذا ‬الوابل ‬من ‬القصص ‬القصيرة ‬جدا، ‬ذهبت ‬إلى ‬القول ‬بأننا ‬مقبلون، ‬إبداعيا، ‬على ‬زمن ‬القصة ‬القصيرة ‬جدا..‬وأن ‬القرائن ‬والمؤشرات ‬متجهة ‬صوب ‬السرد ‬القصير ‬أو ‬‮«‬الميكرو- ‬سرد‮»‬.‬
وللثورة ‬الإعلامية ‬– ‬الرقمية ‬بلا ‬شك..‬لثورة ‬الأنتيرنيت، ‬دور ‬كبير ‬في ‬هذا ‬– ‬التشظي ‬– ‬الإبداعي ‬السردي..‬والشعري ‬أيضا، ‬عبر ‬قصيدة ‬الهايكو.‬
ولكل ‬حقبة، ‬صداها ‬الحاكي.‬
هكذا ‬يبدو ‬زمننا ‬الإبداعي ‬الراهن، ‬ناغلا ‬وحافلا ‬بأزمنة ‬إبداعية ‬متجاورة ‬– ‬ومتدافعة ‬في ‬آن.‬
زمن ‬الشعر. ‬
زمن ‬الرواية.‬
زمن ‬القصة ‬القصيرة .‬
زمن ‬القصة ‬القصيرة ‬جدا.‬
ذلك ‬أن ‬زمن ‬الإبداع ‬مبني ‬على ‬التعدد ‬لا ‬على ‬التوحد.‬
لأن ‬الإبداع ‬باستمرار ‬قوس ‬قزحي ‬متعدد ‬الأطياف ‬والألوان، ‬كالحياة ‬ذاتها ‬التي ‬ينهل ‬منها.‬
هكذا ‬نعاين ‬في ‬مشهدنا ‬الأدبي ‬وتيرة ‬منتظمة ‬ومستمرة ‬في ‬الكتابة ‬الشعرية ‬والكتابة ‬السردية ‬في ‬قرن ‬واحد. ‬مع ‬ملاحظة ‬نزوع ‬كثير ‬من ‬الشعراء ‬والقاصين ‬صوب ‬‮«‬القصيدة ‬القصيرة ‬جدا‮»‬ ‬و»القصة ‬القصيرة ‬جدا‮»‬...‬مع ‬ملاحظة ‬ثانية، ‬لا ‬تخلو ‬من ‬مفارقة، ‬وهي ‬نزوع ‬بعض ‬الشعراء ‬المعروفين ‬من ‬كتابة ‬الشعر ‬إلى ‬كتابة ‬الرواية..‬وأفكر ‬هنا، ‬خاصة، ‬في ‬حالة ‬محمد ‬الأشعري ‬وحسن ‬نجمي..‬
ومع ‬هذا ‬التنوع ‬والتعدد ‬في ‬زمن ‬الإبداع ‬المغربي، ‬أتوقع ‬في ‬الأفق ‬المنتظر، ‬وفيما ‬يشبه ‬الحدس، ‬انحسارا ‬في ‬حجم ‬كتابة ‬وقراءة ‬الرواية.. ‬نظرا ‬لمناخ ‬الوقت، ‬والتطور ‬السريع ‬لإيقاع ‬الحياة ‬المتجهة ‬نحو ‬مزيد ‬من ‬من ‬العولمة ‬– ‬الشرسة ‬والاستلاب ‬الآلي ‬– ‬الرقمي، ‬بما ‬يجعل ‬الرواية ‬– ‬نخبوية ‬– ‬صالونية، ‬لا ‬تكتبها ‬وتقرأها ‬سوى ‬نخبة ‬معدودة ‬ومحدودة ‬من ‬المجتمع. ‬أي ‬تعود ‬الرواية، ‬كما ‬قال ‬هيجل، ‬‮«‬ملحمة ‬بورجوازية‮»‬. ‬تعود، ‬كما ‬كانت ‬في ‬القرن ‬التاسع ‬عشر ‬وأوائل ‬القرن ‬العشرين، ‬تقرأ ‬أمام ‬المدافئ ‬في ‬ليالي ‬الشتاء ‬الطويلة.‬
* ناقد ‬مغربي
زمن ‬الرواية ‬كوعي ‬متجدد
‬محمد ‬غرناط
من ‬المعروف ‬تاريخيا ‬أن ‬الرواية ‬اقترنت ‬بالمجتمعات ‬التي ‬اعتنقت ‬الفكر ‬الديمقراطي ‬وآمنت ‬بقيم ‬التعدد ‬والاختلاف. ‬كما ‬أن ‬كتاب ‬الرواية ‬الحقيقيين ‬هم ‬كذلك ‬من ‬اعتنقوا ‬وآمنوا ‬عن ‬حق ‬بالمبادئ ‬التي ‬تتأسس ‬عليها ‬الديمقراطية. ‬إن ‬الرواية، ‬كما ‬تؤكد ‬الأبحاث ‬والدراسات ‬النظرية ‬والنقدية، ‬جنس ‬أدبي ‬تتطلب ‬نشأته ‬وتطوره ‬ضرورة ‬أن ‬تتوفر ‬له ‬مجموعة ‬من ‬الشروط، ‬تتعلق ‬أساسا ‬بالقيم ‬التي ‬تنبني ‬على ‬التنوع ‬الذي ‬يطبع ‬الحياة ‬الاجتماعية ‬على ‬مستويات ‬مختلفة، ‬لغوية ‬وفكرية ‬وإبداعية، ‬إضافة ‬إلى ‬ما ‬ينبغي ‬أن ‬يتمتع ‬به ‬الفرد ‬من ‬حريات ‬وحقوق ‬تسمح ‬له ‬بممارسة ‬أنشطته ‬في ‬الحياة ‬بصورة ‬طبيعية.‬
ولا ‬ترتبط ‬هذه ‬المعطيات ‬بزمن ‬محدد ‬تحديدا ‬خارجيا ‬صرفا ‬فنقول ‬مثلا ‬القرن ‬الفلاني، ‬أو ‬العهد ‬الفلاني، ‬أو ‬كذا ‬من ‬المؤشرات ‬الزمنية ‬التي ‬تدل ‬على ‬تاريخ ‬معين، ‬بل ‬ترتبط ‬بزمن ‬الرواية ‬الخاص، ‬وهو ‬زمن ‬الوعي ‬المتجدد ‬بقضايا ‬الشكل ‬الروائي ‬باعتباره ‬الشكل ‬الأكثر ‬تجسيدا ‬للقيم ‬الديمقراطية. ‬ولذلك ‬فإن ‬الرواية ‬لا ‬تولد ‬في ‬مجتمع ‬غير ‬ديمقراطي ‬تهيمن ‬فيه ‬طبقة ‬أو ‬فئة ‬اجتماعية ‬محددة، ‬فتنشر ‬الفكر ‬الأحادي ‬الثابت ‬الذي ‬لا ‬يعترف ‬بالآخر. ‬والأعمال ‬الروائية ‬التي ‬يتم ‬إنتاجها ‬في ‬هذا ‬الاتجاه ‬تكون ‬هي ‬أيضا ‬أحادية ‬الصوت ‬والرؤية، ‬ولا ‬تتأسس ‬على ‬المقومات ‬الفنية ‬الحقيقية ‬للرواية، ‬فلا ‬تعدو ‬هذه ‬الأعمال ‬أن ‬تكون ‬أكثر ‬من ‬سرود ‬قد ‬تتفاوت ‬قيمتها ‬الأدبية، ‬لكنها ‬جميعها ‬تنتمي ‬إلى ‬السرد ‬بمعناه ‬الواسع، ‬وهو ‬عنصر ‬تشترك ‬فيه ‬كل ‬الشعوب ‬والمجتمعات ‬والطبقات ‬والأفراد ‬على ‬تنوع ‬الأزمنة ‬والأفكار ‬والمعتقدات، ‬فيما ‬الرواية (‬الحقة) ‬تنتسب ‬إلى ‬زمنها، ‬وهو ‬زمن ‬الديمقراطية ‬بما ‬هي ‬إطار ‬للتعدد ‬والاختلاف ‬الذي ‬يضمن ‬حرية ‬التعبير ‬والتفكير ‬وتدبير ‬شؤون ‬الحياة ‬الخاصة ‬والعامة، ‬وهو ‬أيضا ‬زمن ‬ووعي ‬الفرد، ‬ليس ‬بوصفه ‬ذاتا ‬ضيقة ‬بلا ‬أفق، ‬ولكن ‬باعتباره ‬كيانا ‬يمتلك ‬قدرات ‬خاصة ‬على ‬التفكير ‬والبحث ‬والتحليل ‬في ‬عالم ‬متغير، ‬أي ‬بتعبير ‬آخر ‬الفرد ‬المبدع (‬المنتج) ‬وليس ‬الفرد ‬الانطوائي ‬الذي ‬يعكف ‬على ‬ذاته ‬فيكتفي ‬بها ‬ولا ‬يتجاوزها.‬
‬والرواية ‬إذا ‬لم ‬تتوفر ‬لها ‬شروطها ‬الطبيعية ‬في ‬مجتمع ‬ما (‬غير ‬ديمقراطي) ‬فإنها، ‬لكي ‬تتجاوز ‬العوائق ‬وتنتصر، ‬تصنع ‬شروطها ‬من ‬وعي ‬الكاتب ‬الذي ‬يؤمن ‬بالقيم ‬التي ‬تحتفي ‬بالاختلاف (‬مهما ‬حصل ‬تجاهلها)‬، ‬وبنمط ‬الحياة ‬الذي ‬يتميز ‬بسيادة ‬أساليب ‬الحوار ‬وتعدد ‬أشكال ‬الابداع ‬والكلام (‬بوليفونية)‬، ‬وذلك ‬كله ‬بالارتكاز ‬على ‬القيم ‬الكونية ‬التي ‬تؤمن ‬بالديمقراطية ‬بوصفها ‬منظومة ‬أفكار ‬وأسلوب ‬حياة ‬يسمح ‬للشكل ‬الروائي ‬باحتواء ‬اللغات ‬المتنوعة ‬وطرائق ‬التفكير ‬والميول ‬الطبيعة ‬والخصائص ‬التي ‬تميز ‬مصائر ‬الأفراد. ‬لذا، ‬فإن ‬زمن ‬الرواية ‬لا ‬يتوقف، ‬إنه ‬وعي ‬متجدد ‬بالشكل ‬ومقتضياته ‬الفنية ‬والفكرية ‬والاجتماعية، ‬فلا ‬يمكن ‬أن ‬تكون ‬الرواية ‬إطارا ‬لعرض ‬قيم ‬فكرية ‬وإيديولوجية ‬مغلقة ‬وثابتة، ‬لأنها ‬ليست ‬وسيلة ‬تستعمل ‬لأغراض ‬لم ‬تنشأ ‬لها ‬وخارجة ‬عن ‬زمنها ‬ووظائفها ‬الجمالية ‬ورسالتها ‬الانسانية ‬الخاصة. ‬كما ‬أنها ‬ليست ‬وسيلة ‬تعليمية ‬تتم ‬الاستعانة ‬بها ‬لتبليغ ‬دروس (‬أو ‬مواعظ) ‬في ‬هذا ‬الحقل ‬أو ‬ذاك، ‬كل ‬هذا ‬يتعارض ‬مع ‬طبيعة ‬الشكل ‬الروائي ‬وأهدافه، ‬فقد ‬قال ‬القدماء ‬إن ‬لكل ‬مقام ‬مقال، ‬فلا ‬يستقيم ‬الكلام ‬سوى ‬باختيار ‬الإطار ‬الذي ‬يناسبه (‬في ‬الزمان ‬والمكان).‬
إن ‬الأجناس ‬الأدبية ‬لم ‬تولد ‬من ‬فراغ، ‬هناك ‬عوامل ‬وشروط ‬وحيثيات ‬تتحكم ‬في ‬ولادة ‬كل ‬جنس ‬أدبي (‬شعري ‬أو ‬نثري)‬، ‬أي ‬أن ‬لكل ‬جنس ‬أدبي ‬زمنه، ‬كما ‬أن ‬له ‬آلياته ‬التي ‬تميزه ‬وتمنحه ‬فرادته (‬دون ‬أن ‬يعني ‬ذلك ‬عزلة ‬الأجناس ‬عن ‬بعضها، ‬فكل ‬أشكال ‬التعبير ‬تتقاطع ‬وتتحاور ‬في ‬ما ‬بينها)‬. ‬من ‬هنا ‬يتأكد ‬أن ‬الرواية ‬ليست ‬جنسا ‬مغلقا، ‬فالجنس ‬الأدبي ‬المغلق ‬لا ‬يحاور ‬محيطه، ‬بل ‬يكتفي ‬بنفسه (‬مونولوج)‬، ‬فيما ‬الرواية ‬هي ‬جنس ‬منفتح، ‬وغير ‬مكتمل ‬كما ‬يقول ‬باختين، ‬وهو ‬قابل ‬للتجدد ‬بفعل ‬قدرته ‬على ‬الحوار ‬واستيعاب ‬الأجناس ‬والثقافات ‬الأخرى، ‬وهذا ‬من ‬شأنه ‬أن ‬يطور ‬باستمرار ‬أدوات ‬التعبير ‬لهذا ‬الشكل ‬الذي ‬اتخذته ‬الطبقة ‬البرجوازية ‬للتعبير ‬عن ‬قضاياها ‬ومشاكلها، ‬فارتبط ‬بها ‬ارتباطا ‬وثيقا ‬إلى ‬حد ‬أن ‬هيجل ‬وصف ‬الرواية ‬بالملحمة ‬البورجوازية (‬مقابل ‬الملحمة ‬اليونانية). ‬وانطلاقا ‬من ‬ذلك ‬يظهر ‬بجلاء ‬أن ‬للرواية ‬زمنها ‬الخاص، ‬المتجدد ‬والممتد، ‬فهو ‬زمن ‬لا ‬يتوقف ‬بحكم ‬الحاجة ‬الدائمة ‬إلى ‬الحوار ‬والتعبير ‬بواسطة ‬الأشكال ‬التي ‬تتوفر ‬على ‬إمكانية ‬احتواء ‬مظاهر ‬التعدد (‬على ‬اختلاف ‬تجلياته) ‬الذي ‬يكون ‬مصدر ‬غنى ‬وثراء ‬في ‬الأدب ‬والحياة ‬على ‬حد ‬سواء.‬
* قاص ‬وروائي
الحياة ‬مجال ‬السرد ‬الأزلي
شعيب ‬حليفي
هناك ‬مداخل ‬عدة ‬لتفكيك ‬الاستفهام ‬وفهم ‬استمرارية زمن ‬الرواية ‬في ‬الخط ‬الفاصل ‬بين ‬الأدب ‬والحياة. ‬فالمجتمعات ‬منذ ‬القرن ‬السادس ‬عشر ‬عرفت ‬نقلة ‬نوعية ‬في ‬كل ‬المجالات، ‬من ‬بينها ‬انفتاح ‬الشهية ‬والبحث ‬عن ‬عالم ‬جديد، ‬باعتبار ‬أن ‬أوروبا، ‬آنذاك، ‬أصبحت ‬عالما ‬قديما، ‬وهو ‬تفكير ‬التقت ‬فيه ‬أطماع ‬الإقطاع ‬والمؤسسة ‬الدينية ‬مع ‬التطلعات ‬الكاسحة ‬للنخبة ‬البورجوازية ‬الصاعدة، ‬وكانت ‬الأشكال ‬التعبيرية ‬تتحول ‬بشكل ‬لافت ‬من ‬خلال ‬بروز ‬نصوص ‬سردية ‬تأسيسية ‬للتعبير ‬عن ‬التحولات ‬واستيعاب ‬فيض ‬الأحلام ‬والأوهام، ‬القديمة ‬منها ‬والجديدة .‬
ما ‬يهمني ‬هو ‬العالم ‬العربي ‬لفهم ‬كيف ‬يصبح ‬السرد ‬ضرورة ‬من ‬ضرورات ‬الحياة (‬ولو ‬رآه ‬البعض ‬تسلية ‬أو ‬جُرما) ‬سواء ‬منذ ‬القرن ‬السابع ‬الميلادي ‬إبان ‬مواكبته ‬للدعوة ‬الإسلامية ‬أو ‬حينما ‬شمّر ‬الجاحظ ‬والتوحيدي، ‬ومن ‬أتى ‬بعدهما، ‬عن ‬ساعديهما ‬تأسيسا ‬لأشكال ‬سردية ‬صغرى ‬وتمهيدا ‬لِما ‬سيأتي ‬من ‬أشكال ‬كبرى (‬سرود ‬الليالي ‬والسير ‬الشعبية ..)‬، ‬مما ‬يعني ‬أن ‬السرد ‬يحضر ‬في ‬لحظة ‬التحولات ‬والانفتاح ‬بين ‬الأدب ‬والمجتمع ‬وفي ‬لحظة ‬تكثيف ‬القيود ‬والقوانين ‬والضوابط ‬التي ‬تحدّ ‬أو ‬تنظم. ‬
ولعل ‬هذا ‬الأمر ‬يقودنا ‬إلى ‬النصف ‬الثاني ‬من ‬القرن ‬التاسع ‬عشر ‬حينما ‬أصبحَ ‬مدُّ ‬التحولات ‬هادرا، ‬صورته ‬تصرخُ ‬بالتخلف ‬والضعف ‬والجهل ‬والاستعمار ‬القادم ‬لا ‬محالة، ‬فكان ‬التعبير ‬السردي ‬الأقرب ‬إلى ‬البحث ‬عن ‬الذات ‬في ‬نصوص ‬روائية ‬أولى ‬ما ‬فتئت ‬أن ‬وجدت ‬سبيلا ‬مع ‬جورجي ‬زيدان ‬وغيره ‬ممن ‬احتموا ‬بالسرد ‬والتاريخ ‬للبوح ‬الأدبي ‬غير ‬البعيد ‬عن ‬أنين ‬الحاضر ‬العربي. ‬
والآن، ‬نحن ‬ما ‬زلنا ‬في ‬لحظة ‬تحولات (‬والتحول ‬صيغة ‬مهذبة ‬للزوبعة ‬التي ‬لا ‬نعرف ‬متى ‬ستتوقف ‬وأين ‬سترمينا ‬والحالة ‬التي ‬سنكون ‬عليها) ‬لذلك ‬فنحن ‬أكثر ‬الشعوب ‬حاجة ‬إلى ‬الرواية ‬حتى ‬تُلملم ‬ذبذبات ‬السقوط ‬المدوي ‬لكل ‬شيء، ‬وتتمثل ‬الأشكال ‬المقنَّعة ‬للفشل ‬والتردي، ‬وهي ‬ترى ‬الهامش ‬الصغير ‬من ‬الفرح ‬والأمل ‬والحياة ... ‬وكأني ‬بالرواية ‬جاءت، ‬وعلى ‬كاهلها ‬ديْن ‬تاريخي ‬وثقافي ‬لتوسيع ‬هذا ‬الخرم ‬الضيق ‬الذي ‬بقيَ ‬لنا، ‬وتواصل ‬النقر ‬بجمالياتها ‬أمام ‬الأبواب ‬المغلقة ‬على ‬فائض ‬الارتياب ‬والمجهول.‬
إن ‬الرواية ‬ذات ‬مقدرة، ‬أكثر ‬من ‬أي ‬خطاب ‬آخر، ‬بين ‬النخبة ‬المتعلمة ‬والحالمة، ‬على ‬التواصل ‬وتفكيك ‬البديهيات ‬ومحاورة ‬الجاهز ‬والتطويح ‬به.‬
إنّ ‬زمن ‬الرواية ‬مستمر، ‬بشكل ‬تصاعدي، ‬حيث ‬على ‬أبوابه ‬الكثيرة ‬يطلب ‬المبدعون ‬القادمون ‬من ‬قارات ‬أخرى: ‬شعراء ‬ومفكرون ‬وفلاسفة ‬ومؤرخون ‬ورجال ‬دين ‬وساسة... ‬اللجوء ‬لارتداء ‬الاستعارة ‬واللعب ‬في ‬ملعب ‬واسع ‬لا ‬مجال ‬فيه ‬لثلاثة ‬احتمالات ‬فقط، ‬وإنما ‬احتمالاته ‬تضرب ‬في ‬اللامنتهي. ‬
كما ‬أن ‬الفورة ‬في ‬المجال ‬الثقافي، ‬على ‬مستوى ‬النقد ‬الروائي ‬والبحث ‬الاجتماعي ‬في ‬الجامعة ‬والحياة ‬الثقافية، ‬تنتظم ‬لصيرورة ‬طبيعية ‬في ‬ظل ‬تحولات ‬الحياة ‬بما ‬تحمله ‬من ‬نثر ‬مبتذل ‬وجميل ‬لن ‬تصمد ‬أشكال ‬فجة ‬أو ‬ملساء ‬أمام ‬قساوته ‬ومراوغاته.‬
إن ‬استمرارية ‬زمن ‬الرواية ‬قد ‬تكون، ‬في ‬المحصلة، ‬من ‬التَّمَاس ‬السحري ‬بينها ‬وبين ‬روح ‬المجتمع ‬وتطلعات ‬الإنسان ‬في ‬ظل ‬شروط ‬تاريخية ‬وثقافية، ‬بالإضافة ‬إلى ‬قدرة ‬الرواية ‬على ‬تجديد ‬أشكالها ‬وتثوير ‬دلالاتها، ‬فهي ‬مثل ‬ذلك ‬الثائر ‬الأسطوري ‬الذي ‬نذر ‬روحه ‬للخوض ‬في ‬ما ‬لا ‬يخوض ‬فيه ‬غيره.‬
قد ‬ينتهي ‬زمن ‬الرواية ‬في ‬قرن ‬ما، ‬ولكن ‬السرد، ‬هذا ‬الكائن ‬الخرافي ‬الذي ‬هو ‬ماء ‬الزمن ‬والتاريخ ‬سيستمر ‬لأنه ‬الحياة ‬في ‬الصيرورة ‬والديمومة.‬
* باحث ‬وروائي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.