نكاد نجزم أن الأستاذ عبد الكريم غلاب ليس من الكتاب الذين يؤرقهم وسواس «الصفحة البيضاء» أو «حبسة الإبداع». فإنتاجه الغزير والمتنوع على امتداد عقود طويلة من مساره التأليفي، يفيد بأن الكتابة بالنسبة إليه رياضة يومية، ومصدر عافية للروح والجسد معا، ونشاط نابع من وعي مطمئن وملتزم يُعَبِّرُ عن اللحظة والذات والمجتمع دون المجازفة باللغة نحو حدودها القصوى، أو اجتراح أشفاء المتخيل ومجاهله. يمارس الأستاذ عبد الكريم غلاب الكتابة من منظور «الأديب» (homme de lettres/littérateur) في التقاليد الثقافية العربية والغربية كذلك، بما هو مثقف منخرط في الحركية الاجتماعية، وبوتقة لمعارف وعلوم وفنون متعددة، ومؤلف لا يتشرنق ضمن حدود جنس أدبي معين، بل ينفتح على أجناس وأشكال تعبيرية مختلفة. وهكذا، يخوض غلاب في قضايا التحرر والتقدم والديمقراطية والتعادلية باعتباره أحد أقطاب الرعيل الأول للحركة الوطنية، ويهتم بقضايا اللغة والفكر والعقيدة وهو «العالم» المتنور الذي خرج من رحم جامعة القرويين. كما أن انشغاله بالتأسيس للقول السردي بالمغرب: روايةً وقصةً وسيرةً ذاتية، لم يمنعه من خوض تجربة أدب الرحلة وفن التراجم والسير، وكذا كتابة المقالة والعمود الصحفي بما يستلزمه ذلك من رصد لتفاصيل اليومي وتفاعل فوري مع المتغيرات التي تطول الوقائع والمواقف، على الصعيدين الوطني والعربي. لقد شكلت افتتاحياته وأعمدته المنتظمة ( مع الشعب/ حديث الأربعاء...) على صفحات جريدة «العلم»(*)، واجهة أساسية للنقاش العمومي ومحركا للعديد من المناظرات الفكرية والمعارك النضالية التي طبعت المشهدين السياسي والثقافي طيلة العقود الأخيرة من القرن الماضي. ولا يضاهي هذا التراكم الوازن الذي حققه الأستاذ عبد الكريم غلاب من حيث النصوص الإبداعية والمؤلفات النظرية والدراسات التاريخية والسياسية، سوى الحظوة التي ما انفكت تنالها آثاره طي محفل التلقي بمختلف مستوياته؛ بحيث اتسعت دائرة مقروئية إبداعه السردي خاصة، ليصبح نصا أساسيا في مقررات تدريس الأدب بأسلاك التعليم الثانوي والجامعي ، ومتنا أثيرا لدى أجيال من النقاد والباحثين المغاربة الذين ألفوا في دينامية عالمه المتخيل وبنيته السردية والأسلوبية ما يسعف الأطر النظرية والمنهجية التي يتوسلون بها. وفي هذا السياق، وعلى فترات زمنية متعاقبة، تمت مقاربة أعمال غلاب الروائية والقصصية من منظورات جمالية متعددة ومناهج تحليلية مختلفة، مما أنتج حولها خطابا واصفا ثرا، تتوزعه أحكام ومواقف نقدية متباينة من حيث درجات المماحكة الإيديولوجية، والعمق المعرفي، وكذا الإنجاز الإجرائي. هذا الرصيد عبارة عن مقالات نقدية ودراسات وأبحاث أكاديمية يمكن تصنيفها إلى التوجهات التالية: 1. التخييل في قبضة الإيديولوجيا لقد صدرت بواكير التجربة السردية لغلاب في ظل مشهد ثقافي يعتمل بقيم الحركة الوطنية، ويفرد للأدب والنقد معا مهمة «مقدسة» في معركتها من أجل تصفية تركة العهد الكولونيالي، وتشييد النموذج المجتمعي البديل الذي بشرت به الأوراش المفتوحة للتغيير والتنوير فجر الاستقلال. ومن ثمة، كان الوعي النقدي السائد عندئذ ينظر إلى التحققات الإبداعية، ومن ضمنها روايات غلاب، من زاوية مدى تعبيرها عن الهموم الوطنية أو القومية الكبرى، وتمثلها لطموحات الجماهير وانتظاراتهم، واصطفافها إلى جانب آمالهم المرتجى تحقيقها (1). الأمر الذي جعل النقد يهفو وراء المضامين والأفكار والمواقف التي يجيش بها النص على حساب أدبيته ومكوناته الأسلوبية والجمالية التي يستمد منها هويته الإبداعية والأجناسية. في ضوء هذا المقترب، شددت جمهرة من النقاد والدارسين على ثلاثية غلاب «سبعة أبواب» و» دفنا الماضي» و»المعلم علي»، وعكفت على تشريح محكياتها وما يتخللها من وقائع وحالات، ومسارات الشخوص التي تلفي نصابها في نبض المجتمع، وتعكس التحولات الجارية خارج النص. ومن هنا، ذهب الناقد إبراهيم الخطيب إلى أن عبد الكريم غلاب في روايته «دفنا الماضي» لم ينجح في تخطي أسر «الإثنوغرافيا» التي كان يحذر الكتاب من السقوط في حبائلها، بل وقع هو ذاته، حسب الناقد، تحت طائلة الوصف الفلكلوري الذي يتمتع بروح «أهلية»، واستعاد بعين السائح الغارقة في «الغرابة» والدهشة العديد من التفاصيل التي تطبع الحياة اليومية داخل أسوار فاس العتيقة، وظل يقف موقف السارد المحايد الذي أخطأ المسافة الدقيقة والمعقدة بين الواقعية والالتزام والإثنوغرافيا (2). وفي رواية «المعلم علي»، يستنتج الخطيب أن صاحبها ظل وفيا لوسطه الاجتماعي التقليدي، وامتدح حرفة «الدباغة» التي زاولها أبوه منبها إلى ما يتهددها من تلاشي جراء التقدم الصناعي (3)، وهو ما يتعارض مع «الهدف الثوري» و»الدور الرسولي» الذي ما فتئ غلاب يوكله إلى الكاتب والمثقف (4). مِعولُ الناقد امتد أيضا إلى ذلك التضايف بين التاريخي والروائي في استراتيجية الحكي، بحيث انتهى إلى أن غلاب يتوسل في بناء شخوصه برؤية إيجابية مفرطة نابعة من حسه السياسي والأخلاقي، وارتباطه غير النقدي بالحركة الوطنية. الأمر الذي أضفى قدرا من الاضطراب على مفاهيمه الاستيتيقية، وأوقعه أحيانا، وفق تعبير الخطيب دائما، في « الحرج الفكري» أو «المأزق الحكائي» أو «الشعور بالذنب» (5). وعلى هذا النهج السجالي الذي يحاكم النوايا والسجايا، ويتناول النص كصك إدانة لصاحبه، درج العديد من النقاد (6) من أمثال محمد برادة وإدريس الناقوري والبشير الوادنوني وغيرهم في المطابقة بين أعمال غلاب التخييلية وقناعاته السياسية والفكرية المعلنة في كتابات ومناسبات بعيدا عن سياق الإبداع؛ بحيث استحالت ثلاثيته تعلة لصراع المواقع الطبقية والسياسية التي كانت تعج به المرحلة. ومن ثم، ادعاء إدريس الناقوري، على سبيل المثال، أنه وجد في مضمون روايات غلاب ما يؤكد فعلا أنها كتبت لتحقيق أهداف طبقية ومصالح برجوازية ( 7). الشيئ الذي أوقعها في مثالب وهنات حالت دون نجاح مؤلفها في كتابة الرواية التاريخية بحصر المعنى حسب تقديره (8). يلاحظ بجلاء، إذن، كيف تلبس الحكم النقدي بأحكام أخرى ذات نزعات سياسية أو اجتماعية سافرة أحيانا، رغم ما كان يدعيه نقاد المرحلة من موضوعية في تناول الأعمال الأدبية، وإعمال للمنهج في تحليل عوالمها، وتشديد على مقوماتها الفنية والجمالية. لقد تنبه الباحث عبد الكبير الخطيبي إلى هذا الوضع الملتبس حيث أصبح «النقد وسيلة لتمرير بعض التصورات الإيديولوجية المسبقة، أو بتكرار وصفات مدرسية عن المذاهب والاتجاهات كما فهمت مبسترة من خلال قراءات ينقصها التمثل والاستيعاب». (9). 2. من الواقع إلى النص مع توالي التحولات والقطائع التي همت الفكر النقدي المغربي، لا من حيث الخلفيات الفلسفية أو الأجهزة المفاهيمية والإجرائية، سيتأكد أن المنجز الإبداعي لعبد الكريم غلاب ليس بالمتن الذي يفقد جذوته أو يستنفد قيمته بمجرد انقضاء الشرط التاريخي لإنتاجه، أو بحصر تلقيه من زاوية نظر مغرضة ومتحاملة. فسرعان ما سيستعيد هذا المتن عافيته القرائية في رحاب آفاق انتظار أخرى تحتفي بالنصوص أولا مع تفطنها لتلك الأوعية التي تصلها كما تفصلها عن أجيج المجتمع. وبما يشبه الانتصار والإحساس بالإنصاف «النقدي»، سيعترف غلاب نفسه بعد ذلك بعقود، بأنه كان آنذاك هدفا «لمعركة ظالمة من مراهقين مسيسين لم يكسبهم النقد ولم تربحهم السياسة، كان همهم أن يجهضوا فن الرواية في المغرب، فتأصلت الرواية وأجهضت هذا النوع من النقد»(10). وهكذا، كانت ثلاثية غلاب الأثيرة، وأعماله اللاحقة، في صدارة التحققات النصية التي اشتغل عليها هذا المقترب النقدي وهو يتوسل بسعة العلم وصرامة المنهج في تعميق معرفته بطبيعة الظاهرة الأدبية وثوابتها البنيوية، وإرجاع النص الروائي إلى مكوناته التعبيرية والأسلوبية والجمالية وفق ما تسعف به المناهج التحليلية المعاصرة؛ من قبيل البنيوية والبنيوية التكوينية والسميائيات السردية. وفي هذا الصدد، تندرج المنظومة القرائية متعددة المصادر والمرجعيات التي اعتمدها الناقد والباحث الأستاذ أحمد اليبوري للإحاطة بالإنتاج الروائي والقصصي لعبد الكريم غلاب؛ إذ آثر الإنصات إلى نبض النصوص والقبض على إيقاعها السردي وبنياتها الدلالية وتنويعاتها الأسلوبية، وكذا محاولة الإفلات من إسار القراءة الأفقية التي تقيم تطابقا بين ما هو استدلالي وما هو إبداعي في تجربة غلاب (11). وهنا، يؤكد اليبوري على ضرورة التمييز بين المؤلف الواقعي وما يؤمن به من اختيارات فكرية وسياسية، والروائي كمنتج لخطاب تخييلي يتوسط بتقنيات التعتيم والترميز والتشخيص والسخرية وفق ما يقتضيه التسنين الجمالي، وبالتالي تندس إلى جانب صوته أصوات مضادة ولغات اجتماعية وأقنعة ولا شعور النص، من شأنها خلخلة يقينه الأطروحي والحد من صلابته وإطلاقيته (12). واحتكاما إلى مكوناتها الموضوعاتية والشكلية، وسماتها التعبيرية والأسلوبية، صنف الناقد أعمال غلاب إلى مرحلتين: - مرحلة إحالية (13) تغطي الستينيات والسبعينيات، حيث تهيمن اللحظة التاريخية ويحضر اليومي بصراعه وتناقضاته، وتمثلها روايتي»دفنا الماضي» و»المعلم علي»، ومجموعتيه «مات قرير العين» والأرض حبيبتي». - ومرحلة حداثية (14) ابتداء من الثمانينيات، يطبعها تحول في استراتيجية التعبير وتجديد في آليات الحكي والبناء الدرامي، وتمثلها نصوص من قبيل: «صباح ويزحف الليل» وعاد الزورق إلى النبع» و»شروخ في المرايا». وثمة، من جهة أخرى، الكتاب (15) الذي أفرده الباحث الأكاديمي حميد لحميداني لرواية «المعلم علي» من منظور سوسيو- بنائي، وكذا المبحث المفصلي طي رسالته الجامعية (16)، الذي انكب فيه على دراسة وتحليل ثلاثية غلاب السالفة الذكر في ضوء المنطلقات النظرية والترسيمة المنهجية للبنيوية التكوينية. صحيح أن مقاربة لحميداني ظلت وفية لهاجس الواقعية وسؤال الإيديولوجيا اللذين انشغل بهما النقد المغربي عندئذ، ولكنه تجاوز ذلك الفهم الميكانيكي لانعكاس حركية المجتمع في النصوص، مستعيضا عنه بمفاهيم أخرى أكثر تعقيدا وملاءمة مع الميكانيزمات الداخلية لفن الرواية، والخصوصيات التعبيرية والأسلوبية للأعمال المدروسة. وعليه، شدد الناقد على مقومات الخطاب السردي الذي ينتظم عوالم الروايات الثلاث؛ من مستويات معرفة السارد وملفوظات الشخوص وصيغ المحكي وغيرها، وذلك على اعتبار أنها مؤشرات دالة على حوار الأصوات والتقاطبات الإيديولوجية التي يمور بها النص(17)، ومشخصة لرؤية إلى العالم تختزل الصراع الاجتماعي، ويتلبس طيها تمجيد الماضي بالشعور بالإخفاق، وتنحو نحو المصالحة مع الواقع (18). أما الباحث عبد العالي بوطيب، فقد قدم بين دفتي كتاب (19)، هو في الأصل أطروحة جامعية، مسحا زمنيا ونقديا لمسار غلاب السردي، من روايات وسير ذاتية وقصص تتغذى على أنساغ فنية وجمالية يطبعها التحول والاطراد في نطاق ثوابت راسخة، وترتهن في تخلقها وتلقيها البدئي بشروط فكرية وإيديولوجية وسوسيو- ثقافية مختلفة. أخضع عبد العالي بوطيب النصوص المختارة لبعض أدوات السميائيات السردية بما يستلزمه التحليل من مرونة تتناسب وخصوصية كل نص على حدة، إذ حاول من خلال دراسته لبنيات الزمن والوصف والشخوص والوقائع والأشكال الأسلوبية والبرامج السردية، الدفاع عن تلك العلاقة الجدلية بين الوعي والكتابة في أعمال غلاب دون السقوط في المباشرة والتقريرية، وعن حضور الرؤية الواقعية الانتقادية في مفهوم الكاتب للتجريب على اعتبار أنه ممارسة وظيفية في بناء المعنى و تشكيل الدلالة. وفي أفق هذا المنظور النقدي الذي يوجه اهتمامه صوب النص وعناصره الداخلية على سمت المناهج المعاصرة، خاصة في حقل السرديات، تجدر الإشارة إلى دراسة الناقد رشيد بنحدو (20) حيث حصر تناوله لروايات غلاب على عنصر الاستهلال أو المطلع نظرا للوظائف الدلالية والتأويلية التي يضطلع بوصفه سرة تخلق العالم التخييلي، وعتبة عبور الملفوظ الحكائي من الواقع إلى النص، والانتقال من الأشياء إلى الكلمات وما يستلزمه ذلك من ملاءمة وكثافة وأسلبة. 3. في تكون الرواية والسيرة الذاتية استثار إنتاج غلاب السردي اهتمام جمهرة النقاد والباحثين، كذلك، في صلب النقاش النظري حول أسئلة الجنس الأدبي، وخاصة فيما يتعلق بإرهاصات استنبات الرواية والسيرة الذاتية والقصة القصيرة والتأسيس لتحققاتها، والتواشج الملحوظ بين شعرياتها في السياق المغربي. وهكذا ألفى الأستاذ أحمد اليبوري في «المعلم علي» نصا مركبا يتخلق بين حدود السيري والسيرذاتي والقصصي من جهة، والروائي من جهة ثانية. كما ذهب إلى أن هذا العمل يحكي عن مراحل تكون مسارين متعالقين: مسار تكون الوعي الوطني لدى النخب المثقفة، ومسار تكون الجنس الروائي في باراديكم الأدب المغربي الحديث(21). بينما يعود المبدع والناقد أحمد المديني إلى نص « دفنا الماضي» معتبرا إياه أول رواية فنية جديرة بهذه التسمية، ميثاقا ومحتوى، نظرا لما تتصف به من واقعية ترتفع عن شروط واقعها، والتفات إلى الماضي من دون استنساخ للوقائع التاريخية، وقدرة على الإمساك بخيوط صراع اجتماعي وقيمي كامل (22) . والحاصل، أن ما انتصر له الدارسان معا( اليبوري والمديني) في هذا الصدد، لم يكن سوى تعبير عن وجهة نظر راجحة ضمن سجال نقدي طال التجربة الروائية المغربية منذ بداياتها المحتملة، متقصيا من خلالها عن نموذج ناضج ومتكامل جدير بأن يؤسس لانطلاقتها الحقيقية بعيدا عن رومانسية الخمسينيات الحالمة (23). ولعل نصوص غلاب قد جسدت تلك الطفرة التيماتية والأسلوبية والجمالية، التي تعلن عن ميلاد هذا الجنس الأدبي الجديد. هذا، وعلى الرغم من أن النقد الإيديولوجي كان يقيم مفاضلة بين الرواية والسيرة الذاتية، توحي بالتراتب المعتبر وقتئذ بين «النحن» و»الأنا»، فإن رهان غلاب على جنس الرواية الذي أجمع النقاد على ريادته له، لم تمنعه من الإسهام بقسط وافر في ترسيخ تقاليد الأدب الشخصي؛ من مذكرات ومحكيات رحلية وتراجم وأوطوبيوغرافيا بحصر المعنى، والانكفاء إلى الذات ودواخلها، والبوح بسواكنها ولواعجها بتساوق مع هواجسها الموضوعية وانشغالاتها الكبرى بقضايا الفكر والتحرر والوطن. في أفق هذا الجدل بين الشخصي والغيري، والتواجش بين الذات والوطن، انبرى الناقد حسن بحراوي (24) للمنجز السيرذاتي لعبد الكريم غلاب، محاولا الإمساك بنواظمه البنائية ورصد متغيراته النابعة من بواعث انبثاق كل نص على حدة، والشروط التاريخية الحاضنة لانكتابه. ويبقى أحد أهم الثوابت التي استخلصها الناقد في هذا الإطار، ابتعاد غلاب عن «أسطرة» الذات وتورم الأنا والإغراق في دقائق الحياة الحميمة، ولكن نجده في المقابل ينزع نحو النقد الذاتي والصدع بالعيوب وتلمس نقاط الضعف الإنسانية (25). هذا، وعوض أن يتناول الناقد النصوص الذاتية لغلاب حسب تواتر صدورها وتواريخ نشرها، حرص على إعادة ترتيبها وفق التسلسل الكرونولوجي لوقائعها ومحكياتها، كالتالي: - نص «سفر التكوين» الصادر سنة 1997 الذي يغطي مرحلة الطفولة والصبا، مع التشديد على ظروف نشأته وتنشئته، والعوامل المؤثرة في شخصيته، والمحطات الرئيسية في الأطوار الأولى من حياته؛ - ونص «القاهرة تبوح بأسرارها» الصادر سنة 2000 بوصفه سيرة تعليمية تغطي رحلته إلى القاهرة، في أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي، من أجل طلب العلم والتحصيل الجامعي على مدى أكثر من عقد من الزمن، ويستحضر من خلالها مشاهداته وملاحظاته ما جاشت به مصر آنذاك من تحولات سياسية وثقافية؛ - ونص «سبعة أبواب» الصادر سنة 1965 الذي، يعتبره النقاد بداية الكتابة السجنية في مدونة السرد المغربي، حيث يسترجع غلاب تجربة الاعتقال السياسي التي تعرض لها على غرار معظم أقطاب الحركة الوطنية ورواد التحرر من الاستعمار على عهد الاستعمار؛ - وأخيرا نص «الشيخوخة الظالمة» الصادر سنة 1999، الذي ضمنه الكاتب مجموع تأملاته حول الحياة والكتابة والفن، متعاليا عن الوقائع والتفاصيل الشخصية، ومستكينا إلى حس نقدي هادئ ومطمئن لمراجعة مساره ومواقفه واختياراته. عود على بدء.. ومحصلة القول إن ما أوردناه طي هذه المحاولة من نماذج ومقاربات تحليلية ، ليس سوى غيض من فيض الأبحاث والدراسات والمقالات التي تغتني بها الخزانة النقدية المغربية والعربية حول المتن السردي للأستاذ عبد الكريم غلاب. إن متن غلاب، على غرار باقي التجارب الرائدة والنصوص المؤسسة، يظل حمال أوجه أمام تنامي محفل التلقي و تطور أنساق القراءة والتأويل. هوامش: (*)- لسان حزب الاستقلال، جريدة يومية منذ سنة 1946. (1) - الناقوري (إدريس)، تقديم، سلسلة دراسات تحليلية، العدد 3، دار النشر المغربية، الدارالبيضاء، 1984، ص.3. (2) - الخطيب (إبراهيم)، «الرواية المغربية المكتوبة بالعربية: الرغبة والتاريخ»، ضمن مجلة أقلام، العدد 4، فبراير 1977، صص.7-8. (3) المرجع نفسه، ص. 9. (4) نفسه، ص. 23. (5)- نفسه، ص. 12،24. (6) راجع اليبوري (أحمد)، الكتابة الروائية في المغرب: البنية والدلالة، الطبعة الأولى، النشر والتوزيع المدارس، الدارالبيضاء، 2006، ص. 81. (7) الناقوري (إدريس)، المصطلح المشترك، دار النشر المغربية، 1977، ص.15. (8)- المرجع نفسه، ص. 16. (9) نقلا عن المنيعي (حسن)، عن النقد العربي الحديث، مطبعة سيندي، مكناس،2000، ص.82. (10) نقلا عن اليبوري (أحمد)، مرجع مذكور، ص.82. (11)- نفسه، صص.80-81. (12) - اليبوري (أحمد)، دينامية النص الروائي، منشورات اتحاد كتاب المغرب، الطبعة الأولى، الرباط، 1993، ص. 34-35. (13) - اليبوري (أحمد)، الكتابة الروائية في المغرب: البنية والدلالة، صص.90-93. (14) - نفسه، صص.94- 104. (15)- لحميداني (حميد)، من أجل تحليل سوسيو- بنائي للرواية: رواية المعلم علي نموذجا، مؤسسة بشرة للطباعة والنشر، الدارالبيضاء، منشورات الجامعة فبراير ،1984. (16) - لحميداني ( حميد)، الرواية المغربية ورؤية الواقع الاجتماعي، دراسة بنيوية تكوينية، البيضاء، دار الثقافة، 1985. (17) - من أجل تحليل سوسيو- بنائي للرواية، مرجع سابق، ص. 21. (18) ? نفسه، ص. 108. (19) راجع بوطيب (عبد العالي)، الكتابة والوعي : دراسة في أعمال غلاب السردية، دار الحرف، القنيطرة، 2007. (20) « بلاغة الاستهلال في روايات عبد الكريم غلاب»، ضمن مجلة فكر ونقد، العدد 11، شتنبر 1998، الطبعة الإلكترونية على الرابط التالي: http://www.aljabriabed.net/n11_08bienhadu.htm (21) - دينامية النص الروائي، مرجع مذكور، ص. 36-37. (22)- المديني (أحمد)، رؤية السرد، فكرة النقد، الطبعة الأولى، دار الثقافة، الدارالبيضاء، 2006، صص.56-68. (23)- العلوي (هشام)، ذاكرات على مهاوي الكتابة: مقاربات نقدية، دار النشر المدارس، الدارالبيضاء، 2011، ص.11-13. (24) جدل الذات والوطن:بصدد السيرة الذاتية عند عبد الكريم غلاب، جذور للنشر، الرباط، 2005. (25) المرجع نفسه، ص. 124.