الناقد الأدبي الدكتور عبد الرحيم الإدريسي أستاذ باحث في النقد الأدبي والسينمائي أستاذ مادة السيناريو بمعهد الصحافة والإعلام بطنجة حاصل على دكتوراة في الأدب الحديث تخصص الرواية سنة 2002 وعلى شهادة استكمال الدروس العليا(السلك الثالث) سنة 1991 ودبلوم المدرسة العليا للأساتذة وهو مدير"مركز الصورة" وهي مؤسسة خاصة في السينما والسمعي البصري، ومدير تحرير مجلة "العبارة" المختصة في النقد والإبداع، وعضو المكتب المركزي للجمعية المغربية لدكاترة وزارة التربية الوطنية وعضو الخلية الإقليمية للمسرح بطنجة صدر له مؤلف "استبداد الصورة"سنة 2009 وشارك في مؤلفين جماعيين هما "أصوات طنجة" و "طنجة المشهدية"، وكتب السيناريو للفيلم الوثائقي "المشهد الأخير" المنتج من طرف قناة الجزيرة. ولديه قيد الطبع كتابا "بلاغة الصورة السينمائية" و"المحكي الصوفي في الرواية العربية". التقيناه بمناسبة فوزه بجائزة المغرب للكتاب صنف الدراسات الأدبية والفنية وأجرينا معه هذا الحوار : هل كنت تتوقع الفوز بجائزة المغرب للكتاب أم فوجئت بمنحك إياها؟ - إذا حصل الاعتماد على معايير موضوعية، فإن كل المرشحين للجائزة لهم الفرصة نفسها وبإمكانهم أن يتوقعوا الفوز أو غيره. لكن بغض النظر عن التوقع والمفاجأة، أرى أن جوائز المبدعين والنقاد هي من حيث المبدأ احتفاء بالكُتاب المغاربة ودعم لمجهوداتهم ودعوة لقراءة أعمالهم والحكم عليها. وهي في الآن نفسه موقف مساءلة وتفكير يلقي على كاهل الكاتب مسؤوليات كبيرة تجاه ما يكتب، فيحرص على التطوير والإجادة. هذا من حيث المبدأ، لكن ما نراه في الواقع شيء آخر ينحرف بالجوائز عن غاياتها تلك، ويصبح الحدث لحظة عادية ، لا يواكبه نقاش فكري ولا اتساع دائرة القراءة، بل يشعل بالمقابل فتائل حرب بين المتنازعين، تؤجج الصراعات بينهم إلى ما بعد الإعلان عن النتائج وتسقط أطرافها في مزالق وآفات تربأ عنها أخلاق المثقفين. حدثنا عن موضوع بحثك "استبداد الصورة:شاعرية الرواية العربية" الذي نلت عنه جائزة المغرب للكتاب مناصفة في صنف الدراسات الأدبية والفنية. - حاولت في هذا الكتاب أن أسهم في تطوير اجتهاد نقدي يحتفي بالصورة السردية التي حين تعالج بأصالة وعمق، تثبت قدرتَها الجمالية على إعادة التلازم الحي بين النقد والإبداع وعلى تقصي تفاصيل أدبية وانشغالات جمالية جديدة، غايته تجديد النظر إلى طبيعة الأدب والإنسان ومعضلات الحياة. وإن أصل مشروع هذا الاجتهاد النقدي يعود إلى الناقد محمد أنقار الذي أسس له سياقا علميا سخر له جهدا أكاديميا قل مثيله وأقام له تصورا نقديا رصينا دأب على استشكاله بين الباحثين والنقاد في كلية الآداب بتطوان وغيرها، وفي أعماله المنشورة، فأثمرالتصور عبر الحوار والنقاش تطويرا وإغناء، وانتشر من خلال قدر محترم من الكتب والأطاريح والمقالات ، كان كتاب " استبداد الصورة" أحدها. وقد انطلقت في الكتاب من إشكال نقدي يرى أن تأمل مصطلح الصورة الشاعرية واعتماده يسعفان على استشراف فكر نقدي يعالج مقومات المحكي الروائي البلاغية والأسلوبية في ضوء إمكانات الجنس الأدبي السياقية والجمالية. وكان سبيلنا إلى هذه المعالجة النقدية التقديرَ النوعي لبلاغة الصورة الشاعرية، حيث تبين لنا أن الشاعرية الروائية تكوين أسلوبي نسجت تفاصيله من سياق المتن الروائي وإمكاناته البلاغية والجمالية. وبذلك رأينا من غير المناسب اعتبار المحكي الشاعري تكوينا يجمع بين جنس الشعر والرواية، لأن ذلك يخلط بين مفهوم الشاعرية وبين حضور الشعر في الرواية. وهذا افتراض شائع ولكنه غير دقيق، ولا يستوعب مقومات المحكي الشاعري البلاغية والسياقية ولا يميز بين مقولات الشعر بوصفه جنسا بذاته ومفهوم الشاعرية التي تتسع مقوماتها وإمكاناتها لمختلف الأجناس الأدبية. لذلك توخينا أن نكشف مآزق قراءة جنس الرواية بمعايير جنس الشعر أو بمحددات ضروب أخرى من التصوير والتفكير، وقد تبين لنا من خلال دراسة روايات عربية أن الاحتفاء بالصورة الشاعرية بناء على حضور الشعر لا يجعلها معيارا من شأنه إكساب النصوص جمالية متميزة، كما تبين أن التكوين الروائي والسردي لا يقل شاعرية عن غيره في تصوير المواقف والعواطف والأفكار. ومن تم فإن أي معالجة نقدية مطلقة لشاعرية المحكي الروائي لابد أن يصمها التجريد والاختزال والتعميم، وكل حديث عن تلك الشاعرية من منطلق جنس الشعر لابد أن يقع في مآزق الخلط والتداخل. لذلك اقتضى منا الأمر الاحتراز من استيعاب كل إمكانات التعبير والتصوير وصيغ البلاغة الشعرية معا، والعناية بتلك التي تتكون شاعريتها النصية ضمن مرتكزات السياق النوعي لرواية بعينها. بل وحتى حين نقول بامتناع نقاء الجنس الأدبي واستحالة ثباته المطلق وباحتمال تداخل بعض مكونات الأجناس في البعض الآخر وفق مقتضيات أسلوبية وجمالية، فإن ذلك يضفي على مفهوم الجنس صفة الحيوية. وذلك ما توخينا ضبطه وتحديد مظاهره باعتمادنا مفهومي التساند والانشطار النوعيين داخل النص الروائي. بما أن بحثك الذي فزت عنه بجائزة المغرب للكتاب كان حول الرواية، فكيف ترى موقع الرواية المغربية ضمن المشهد الروائي العربي على الخصوص؟ - تعرف الرواية المغربية اليوم تطورا واتساعا مهمينين امتد أثرهما إلى المشرق، بل إن الرواية المغربية استطاعت أن تجعل من الأدب المغربي أدبا مقروءا خارج الحدود . وقد أصبح بعض الروائيين المغاربة يتميزون بإنجازات أسلوبية يصطفون فيها حوافزهم الجمالية من ذواتهم و من بؤر المجتمع وتفاعلاته ليهتدوا بها في مغامراتهم الروائية ويستشرفوا عمق معضلات الإنسان و الحياة. ، لكن في مقابل ذلك نرى النقد المغربي لا يواكب تلك الإنجازات الروائية المتنوعة ولا يبذل جهودا نقدية فيها عمق وجدة ، بل في الغالب يحتفي بأسماء دون غيرها . يركز الروائيون المغاربة على سيرهم الذاتية ضمن رواياتهم، بل تكاد أغلب الروايات المغربية تكون سيرا ذاتية صرفة..ألا تظن أن هذا يؤخرركب تطور الرواية المغربية ويجعل المشهد الروائي المغربي خاليا من ذلك النوع من الروايات التي تترك بصمة لا تنسى والتي أنتجها روائيون عالميون وعرب كبار؟ - التكوين السيري واضح في الرواية عموما بسبب تداخل الحدود واشتباهها بين الرواية والسيرة الذاتية، لكن في كثير من الروايات المغربية يصل الاختيار الأسلوبي أحيانا إلى مستوى تذعن له مكونات الجنس الروائي إلى درجة تلتبس فيها بعض النصوص وتنتفي الحدود بين الرواية والسيرة الذاتية. وتختل معها القيم الفنية للرواية. ولعل ذلك من مظاهر الضعف والتعثر في الرواية المغربية. إن الاستيحاء من السيرة الذاتية في الرواية يجب أن يكون استيحاء للحافز الجمالي من ذات الكاتب وخلاصةَ تدبير دقيق واختيار تعبيري يراعي الفروق النوعية بين الجنسين والفواصل الضيقة بين الأساليب والصوروالأحاسيس. تلك الدقة المرهفة التي تقدر على أسرنا وجذبنا إلى عوالم كائنات الرواية التخييلية المتفاعلة مع الصور الكونية الإنسانية المشتركة بين جميع الناس. انتقلت الرواية المغربية بسرعة من مرحلة السرد الخطي والتصوير الواقعي للأحداث والتي تحترم القواعد الكلاسيكية للكتابة الروائية مع عبد الكريم غلاب، ومبارك ربيع وأخيرا أحمد التوفيق، إلى مرحلة التجريب و خصوصا بعد دخول نقاد أمثال محمد برادة وعبد القادر الشاوي وغيرهم غمار الكتابة الروائية،ألا تظن معي أن هذا الأمر لم يترك المجال للتطور الطبيعي المفروض حدوثه في الرواية المغربية مثلما كان عليه الحال على سبيل المثال في بلد كمصر، و أن هذا قد أعاق بشكل ما تطور الرواية المغربية؟ - إن الكتابة الروائية ليست مشروع ورشة جماعية يستقصي الجودة الإبداعية والتطور الفني من مقتضيات التراكم والعدد فقط، بما في ذلك تجربة نجيب محفوظ الرائدة. ثم إن الرواية المغربية، على الرغم من أنها إنجاز أدبي حديث، لم يخل تاريخها القصير من بعض العلامات المضيئة التي أثبتت أن للروائيين المغاربة قدرة خلاقة على الإبداع السردي، لا سيما مع ظهور تجارب جديدة تركت أثرا طيباً لدى النقاد والقراء على السواء، لاحتفائها اللافت بعنصر الحكي و بتلك البلاغة الروائية المنزهة عن آفات الحشو و الإبهام واللامعنى والتمحل..، والمستشرفة للصور الروحية المستبصرة وما يتفيض منها من مواقف وأحوال بحذق فني يتجاوز الصنعة ويكاد يصل إلى حدها الأقصى وهو الفطرة الحكائية الكامنة والمتأصلة في الطبيعة البشرية والتي لا تتأتى إلا من ألفة جوانية حقة بين المبدع و اختياره الروائي. هل تتفق مع الرأي القائل أن القصة المغربية –عكس الرواية والشعر-قد تجاوزت بطرق سردها وبأشكالها التجريبية الطليعية القصة العربية وأصبحت هي الرائدة عربيا؟ -صحيح إن كل قارئ أو ناقد يتوخى التصدي لواقع القصة القصيرة المغربية ستشغله الإنجازات الأسلوبية والقصصية التي اختارها كتاب مغاربة مبدعون يستلهمون فيها ذواتهم المستخلصة من تجارب الحياة والقراءة والتأمل، قبل أن يستلهموا النماذج الخارجية المهيأة سلفا. حقا إن القصة القصيرة المغربية تشهد اليوم حيوية متطورة وإسهاما نوعيا سواء من لدن كتاب أفراد أو مجموعات باحثة بصورة تتطلب من النقد بالمغرب الارتقاء إلى الاستشكالات الجمالية القريبة من جوهر القصة القصيرة المغربية جماليا وفكريا، استشرافا للطرائق والأفكار القادرة على النفاذ إلى سر الإبداع القصصي المغربي واستنهاضا للقيم التعبيرية الرحبة والخلاقة التي يحتفي بها. كيف تقيم المشهد الثقافي المغربي حاليا بعدما وقع في اتحاد كتاب المغرب؟
- إن المشهد الثقافي المغربي في السنوات الأخيرة لم يعد له صلة واضحة باتحاد كتاب المغرب، إذ صار خارج نطاق تدبيره و لم يعد أمر الاتحاد يهم الكثير من الكتاب والمثقفين المغاربة. إن الاتحاد لم يعد يملك الآن ثقافة التحول ولا فلسفة التنوع تناسبا مع الحراك والحيوية الثقافيين الحاصلين، بل انشغل أعضاؤه بالنزاعات والتكتلات والبيانات واستنفدوا طاقاتهم في البحث عن الوساطات للخروج من المآزق التنظيمية والأخلاقية. هل تظن أنه مازال بإمكان اتحاد كتاب المغرب أن يلعب دورا طلائعيا كما في الماضي، وهل أنه مازالت هناك ضرورة لاستمرار هذه المؤسسة؟ لاشك في أن المؤسسات من نوع اتحادات الكتاب المستقلة حاجة ثقافية وكيان تنظيمي مهم . لكن الظروف التي يمر بها الاتحاد اليوم جعلته يشكل عبءا على الثقافة بالمغرب بسبب طغيان هاجس الانتخاب بين أعضائه وانحصار نشاطه في المركز وعزوف كثير من الكتاب، وبسبب ما لحقه من تصدعات وما أثاره البعض من مشاكل. هذا الواقع يجعل مستقبله غامضا ويدفعنا إلى طرح أسئلة تتسع لكل الاحتمالات.