لي صديق يحمل ترخيصا للعمل كقاطع طريق في المناطق الآهلة من قريتنا غير أنه رغم الوقت الطويل الذي قضاه في هذه المهنة لم يغتن أبدا بل ظل على الدوام مفلسا ومشغولا بتسديد ديونه لكن أمه المسكينة ترى غير هذا الرأي وتظن إن سوء الطالع لم يفارقه منذ أن بدأ ينظم الشعر.. تصوروا كيف لمواطن مثله يقضي سحابة يومه في التخطيط للإيقاع بالمارة ويصرف ليله غافيا في الحانة أن يجد وقتا ليقول شعرا.. ثم ماذا هو صانع به؟ أقصد الشعر وليس الوقت هل يضعه في قارورة ويقذف به إلى البحر لتقرأه الحوريات والقراصنة..؟ ومع ذلك لم يتركه النقاد وشأنه قالوا إنه شاعر نخبوي.. وبورجوازي صغير وابن أفعى.. غير أنه لا يأبه لهم ويفضل أن يتركهم يعمهون وهذا ما كان يؤجج غيظهم الأسماك تحب سماع شعر الهايكو ولذلك لا يعتبرها من ضمن قرائه وكذلك الأخطبوط الذي لا يعجبه في ديوان العرب كله سوى شعر الملحون «الدنيا أذواق وأمزجة» كان يقول. مدّع من يظن نفسه شاعرا للجميع قصائده كانت مغطاة بزبد البحر وأبياته تنمو في أطراف الخلجان أما قوافيه فخالية من الدموع بسبب الماء المالح ولذلك فهي لا تصلح لتلاميذ المدارس الذين يحفظون أشعار نزار قباني وأبي القاسم الشابي وغيرهما من الأموات الذين كتبوا بحكم العادة فقط أقمارهم تتدحرج نازفة من القصائد مثل كرات من الثلج وأكثر كلامهم أضغاث الأحلام وملائكة عراة ولزجو الملمس بحيث يتسللون بين الأصابع مثل سمك السلمون الذي تكتظ بها قوارب الشعراء. صديقي الشاعر لا تنس أن تنام في العسل واحذر أن تبرد قهوتك على رصيف المستقبل بين الحقائب وبلح البحر.. الديك لا يؤذن إنه يوقظ نفسه فحسب. أيها الصياد النموذجي الذي نسيناه في تلاوة بوكماخ ضع بعض المرهم على راحتك المتغضنة لتستعيد ذكريات الطفولة بشكل ناعم. ماذا ربحت أيها الشاعر الصعلوك وأنت تنصب شباكك في المنعطفات لشعراء المعلقات من أهل الجاهلية غير الشتائم والأهجيات هل تنتقم لعمتك الخنساء؟ على الحدود مع بلاد الأناضول يقعي صديقنا المرحوم ناظم حكمت: يظننا ما نزال في الحرب الباردة واسم داعش لا يوحي له بشيء وطبعا لا يعلم أن قدماء المعتقلين صارت لهم عندنا فيلات وضيعات وعربات من آخر طراز وحسابات يذخرون فيها الدرهم الأبيض لليوم الأسود مع أن الأيام السوداء قد ولت إلى غير رجعة ولم يبق لها أثر سوى في الحوليات وكتب التاريخ.. مسكين ناظم ما يزال يعيش في الأحلام لكن ذلك أحسن له فهو لا يعلم مثلنا أن الربيع العربي قد جاء ولكن الثورة للأسف أخلفت الميعاد ذهبت إلى حفل تنكّر هناك على مسافة ميلين ويزيد من ساحة التحرير وألقت بعباءتها فوق الجموع بعد ذلك جاء الشباب حاملين اللافتات والمصاحف وأغروها بعقد زواج عرفي لكنها تذكرت فجأة أنها نسيت أشفارها في موقد النار ولم تكمل صبغ أظافرها كما يليق بعروس تحترم نفسها. ناظم لا يعرف شيئا من ذلك يقف على أطراف أصابعه مخافة أن يثير شكوك شرطة الحدود وهذا أحسن كثيرا له.