صدر مُؤخراً عن دار كنوز المعرفة العلمية بالأردن كتاب جديد للدكتور زكرياء أرسلان يحمل عنوان: «إبستمولوجيا اللغة النحوية: بحث في مقاييس العلمية ومرجعيات التأسيس والتأصيل»، يقع في خمسمائة وأربعين صفحة، ويضم سبعة فصول. يُقدِّم المُؤلَّف إطاراً معرفياً عاماً، تُشكِّل عناصره مرجعية نظرية لكل دراسة تروم فهم الآليات العقلية واللغوية التي بُنيت بها اللغة النحوية العربية في كل مستوياتها، وكذا في إدراك أنماط صياغتها ومسالك اشتغالها، والتمهُّر في تحليل انتظاماتها النسقية وضوابطها الاصطلاحية التي هيأت للخطاب النحوي أسباب الشيوع على النهج الذي جعله خطاباً متميزاً في لغته ومضمونه ومراميه ومرجعياته. إن التصور الإبستمولوجي الذي ارتضاه الدكتور أرسلان في تحليل الأبعاد اللغوية والمفهومية والحدية للغة النحوية، وفي طلب حقيقة نشأتها وسيرورتها، يُقلِّل، في نظره، من أهمية تصورات أخرى ويحدُّ من فاعليتها. يُقصد بذلك طائفة التصورات التي لا تنظر في انتظام من انتظامات آليات المعرفة النحوية، إلا وتجدها حريصة على أن تُرغمه على الخضوع لهذه النظرية المعاصرة أو تلك، عن طريق البحث عن تماثلات نظرية أو تشابهات منهجية، بعضها مزعوم وبعضها الآخر سطحي خادع. حتى إذا ما استعصت سبل إحداث التماثل والتشابه بين ما هو عربي تراث، وما هو غربي معاصر، ادعى أهل هذه التصورات أنّ النص التراثي يفتقر لمنهج دقيق وواضح، إما على صعيد لغته، وإما على صعيد مضمونه. فلا يكون منهم إلا إجهاده بالتأويل تارة، وبالانتقاء أخرى، حتى يناسب مقومات ما يعتبرونه التصور المتين والنهج المكين. وهم، في هذا كله، معرضون عن الصواب، فاقدون لموجبات التواصل مع التراث. يخفون تحت مفاهيم «العلمية» و»الموضوعية» و»العقلانية» و»الدقة» وغيرها ادعاء باطلا، جوهره أنّ «العلمية» مفهوم واحد لا يطال مقاييسه ومبادءه التبدل أو التغير. وعموما، فإنّ الكتاب دراسة وصفية تحليلية مُؤسَّسَة على الأبعاد الفكرية والتاريخية والعقدية، متخذة من مبادئ بناء لغة العلم في المجال التداولي الفكري الإسلامي العربي مرجعاً للحكم على أساليب التعبير وضوابط التبليغ في اللغة النحوية، وسبيلا للظفر بالحقيقتين الأنطولوجية والعلمية لهذه اللغة.