ناقش الطالب الباحث إبراهيم إغلان، في رحاب كلية الآداب بالمحمدية، أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه يوم الجمعة فاتح أبريل الجاري. وقد أشرف د. حسن أميلي على الرسالة التي تناولت موضوع «التراث الثقافي الساحلي في المغرب، مدينة الرباط أنموذجا»، بينما تكونت لجنة المناقشة من: دة. فائزة البوكيلي رئيسة، ود.عبد الرزاق العسري ود. حسن بحراوي. وقد حصل الطالب الباحث على دكتوراه بميزة مشرف جدا مع توصية بالنشر. أسفله الجزء الثاني والأخير من ملخص العمل. المتن وفصول البحث استنادا الى المصادر والمراجع المشار اليها، قسمنا هذا البحث الى بابين رئيسين وستة فصول، الى جانب مقدمة عامة تناولنا فيها عناصر: الموضوع، الاختيار، مشكلات البحث، الاطار المنهجي للبحث، مصادر البحث و المتن وفصول البحث. الباب الأول: عنوناه ب» الرباط في الزمان والمكان «، ويضم اربعة فصول: تناولنا في الفصل الأول تتبع تاريخ المدينة منذ التأسيس الى العام 1912. وقد ميزنا مراحل التأسيس بين أربعة مراحل: المرحلة الأولى: الرباط المرابطي، والمرحلة الثانية: قصبة المهدية الموحدية، والمرحلة الثالثة: انبعاث الرباط (القصبة وسلا الجديد)، و المرحلة الرابعة: الرباط الحاضرة السلطانية (1757-1912). وخصصنا الفصل الثاني للحديث عن الحماية الفرنسية وظاهرة التمدن بمدينة الرباط، ومن عناصرها احتلال المدينة وإقرارها عاصمة ادارية للمملكة، والسياسة التعميرية الفرنسية بالمدينة، ومخططات التهيئة للمدينة الجديدة، التهيئة الحضرية، و المدينة العتيقة من المنظور الكولونيالي. وكرسنا الفصل الثالث للحديث عن مدينة الرباط خلال فترة الاستقلال، من خلال اشكالية التدبير الحضري، مع رصد المؤهلات والامكانات، وابراز المعيقات والاختلالات. أما الفصل الرابع، فقد أسميناه « مشروع تهيئة ضفتي أبي رقراق: مصالحة مع المجال أم تكريس للخصام؟» ومن عناصره استراتيجية تهيئة ضفتي أبي رقراق والساحل، والاختلالات على مستويات ثلاث: التدبير، التصميم و الاختيارات. الباب الثاني، خصصناه للتراث الثقافي الساحلي، حيث عرضنا في الفصل الأول تجليات التراث الثقافي الساحلي، ووقفنا على اشكالية التعريف، ثم أشكال هذا التراث: مواقع طبيعية ذات أبعاد ثقافية (وادي أبي رقراق، الساحل..)، التراث الثقافي المادي (البنيات والوظائف)، التراث الثقافي غير المادي (الذهنيات والممارسات). بينما أطلقنا على الفصل الثاني والأخير عنوان « من اجل مقاربة تشاركية لتثمين التراث الثقافي الساحلي بمدينة الرباط. وتجدر الاشارة الى أن الجزء الثاني من هذا البحث، خصصناه للملاحق، حيث قسمناه الى قسمين رئيسين: القسم الأول حول المرجعيات التشريعية، بما فيها المرجعيات الدولية بشأن حماية التراث الثقافي، وكذلك المرجعيات الوطنية المتعلقة بالحفاظ على التراث الثقافي، سواء في فترة الحماية الفرنسية أو في فترة الاستقلال، ويضم هذا القسم أيضا، الى جانب الظهائر والمراسيم الخاصة بالتراث الثقافي، قائمة بأسماء المباني والمواقع في مدينة الرباط والمصنفة تراثا وطنيا وانسانيا. وفي القسم الثاني، عرضنا فيه الرصيد الايكونوغرافي، من خلال صور فتوغرافية (207 صورة)، بعضها يعود زمنيا الى فترة الحماية وما بعدها، وبعضها الآخر التقطناها ضمن عملنا الميداني، وايضا خرائط وتصاميم تهيئة ومخططات حول مدينة الرباط (67 شكلا)، اضافة الى بعض أعمال الحغرافي والفنان تيوفيل جون دولي (10)، ثم نماذج من ملصقات خاصة بالرباط تعود الى فترة الحماية، أي أن هذا الجزء من البحث يضم إجمالا 288 شكلا. خلاصات: إن مدينة الرباط، من خلال مجالها الحضري، عرفت مراحل ولحظات تاريخية، تنتمي إلى ثقافات مختلفة، من حيث الاستراتيجيات والمنجزات، وإن كان محركها الأساس والمركزي هو موقع المدينة، والذي كان له الدور في عمارة المدينة وخرابها. مرت مدينة الرباط من مراحل عديدة، تبعا لوظائفها عبر التاريخ، من مجال ضيق نسبيا (رباط)، لمقاومة «الخارجين عن الملة»، إلى مجال أرحب (قصبة) للاستعداد النفسي والعسكري قصد «الجهاد» بالأندلس، إلى مجال أوسع (مدينة) للجهاد البحري، ثم الى مجال مركب (عاصمة سلطانية)، لتفعيل السلطة المركزية للحاكم، وأخيرا الى عاصمة ادارية وسياسية. وإذا كانت كل مرحلة مرتبطة بتوجه خاص أملته سياسات أنظمة حكم وتدبير لشؤون المدينة، انعكست على المجال الحضري للمدينة، فإن ذلك قد منح لهذا المجال عمقه الهوياتي، المتعدد في البناء والانتماء على حد سواء. حيث برزت الى الوجود كيانات حضرية متفاعلة مع محيطها، وتراوحت الإنجازات العمرانية والمعمارية، على الرغم من الأزمات التي تأتي على المدينة بين الفينة والأخرى. إنها مراحل رئيسية في مسار مدينة ، انتجت تراثا ثقافيا مشتركا، بفعل تراكم حضاري متعدد ، و بحراك سياسي مختلف، لكل أهدافه ومسوغات وجوده في المدينة. لا زالت الآثار أو بعضها شاهدة على هذا التراكم، الذي يندر وجوده في مدينة ساحلية مغربية أخرى. لكن أبرز هذه المراحل، هي مرحلة الحماية الفرنسية، على الرغم من قصرها النسبي (1912-1956)، فإنها شكلت لحظة حاسمة في بنية المجتمع الرباطي، بل صادمة في كثير من الأحيان، سواء على المستوى الفكري أو على المستوى الواقعي. هكذا سيجد المجتمع نفسه أمام بنيتين متناقضتين: بنية حضرية تقليدية و بنية حداثية، لا زالتا متفاعلتين حتى يومنا هذا. وبالقدر الذي كان لهذه المرحلة تأثيرها المباشر على السلوك والفكر المحليين، بالقدر الذي جعل الرباط مركزا للقرار السياسي، انطلاقا من اعتبارها عاصمة ادارية وسياسية للمغرب، وبسبب هذا الوضع الاعتباري للعاصمة، سيشهد المجال الحضري تغييرات جوهرية وهيكلية، بخاصة في مجال التهيئة العمرانية للمدينة ومعمارها. لقد ورثت مدينة الرباط، من حيث التخطيط الحضري، تركيبة ثنائية: نظام مخزني للمدينة العتيقة، ونظام استعماري إداري، سرعان ما سيضاف إليها نظام حضري متنامي منذ استقلال المغرب، فرضته حيثيات سياسية واقتصادية واجتماعية مرتبطة بسياق سياسي تحكمي. وبالرغم من تحقيق العديد من المنجزات في مرحلتي الحماية والاستقلال، فإن سؤال علاقة المدينة بمجالها الساحلي ظل مغيبا، في التخطيط والتهيئة، كما في الذهنية والتنمية. وهو الواقع الذي كرس الخصام بين المدينة والساحل، الى أن أتى مشروع تهيئة ضفتي أبي رقراق، كأفق حضري يعيد الاعتبار الى السؤال المطروح سلفا، وبالتالي لمصالحة مدينتي الرباط وسلا مع تاريخهما البحري العريق. واعتمادا على ما تحقق من منجزات هذا المشروع، يمكن التأكيد على أن ما تشهده المدينة اليوم من تغييرات مهمة، إنما لهذا المشروع دور فاعل، في مجالات البيئة والحفاظ على التراث المعماري والتنمية. لكن هذا لا يمنع من التذكير ببعض التأملات التي بدت لنا مشروعة في حدود ملاحظاتنا وزياراتنا وحوارنا مع أهل الاختصاص، وهي تأملات مرتبطة بثلاث إشكاليات بصدد هذا المشروع؛ وهي إشكاليات التدبير، التصميم و الاختيارات. ولعل واقع اليوم، وبعد مرور عشر سنوات تقريبا من سنة انطلاق المشروع (يناير 2006)، يؤكد الاستنتاجات التي خلصنا اليها، ومن أهمها: أن المشروع المذكور أصبح وكأنه مجرد مركزية حضرية جديدة لها استقلاليتها الخاصة عن محيطها، و منعزلة عن النسيج الحضري للمدينة، وبالتالي عوض أن يكون هذا المشروع نقطة وصل بين حاضرتي الرباط وسلا، بات نقطة فصل. تتميز مدينة الرباط بتراث ثقافي، طبيعي ومادي وغير مادي، ولا شك أن للبحر دور في تشكيل بعض تجليات هذا التراث. لذا جاء تعريفنا لمفهوم التراث الثقافي الساحلي تعريفا مركبا، في ظل غياب تعريف له في أدبيات المؤسسة المعنية بالتراث الثقافي الوطني؛ وأيضا لحداثة تداوله على مستوى البحث العلمي. والتراث الثقافي الساحلي هو مجموعة عناصر ثقافية وطبيعية، مادية وغير مادية، مرتبطة بالنشاط البشري، تطورت عبر مسارها التاريخي والزمني، في علاقة بعيدة أو قريبة بالموارد المائية، وقد اتخذنا من مدينة الرباط نموذجا (انموذجا) لتفاعل المدينة والمجال البحري، مما أنتج أشكالا متعددة ومختلفة، من حيث خصائصها البنيوية والوظيفية والجمالية، ومن حيث واقعها اليوم، وإمكانية إدماجها في التنمية. ولتحديد هذه الأشكال، كان لا بد من الاستئناس بالمرجعيات الدولية والوطنية؛ ونتائج العمل الميداني من جرد وتوثيق وتصوير وتسجيل، ويمكن حصر هذه الأشكال في ثلاثة تجليات مركزية: التراث المزدوج، أي المواقع الطبيعية ذات أبعاد ثقافية (وادي أبي رقراق، الساحل، الحدائق). التراث الثقافي المادي، وبخاصة التراث المعماري، بتنوع وظائفه العسكرية والدفاعية والمدنية والدينية. التراث الثقافي غير المادي، من خلال تمثلات ساكنة الرباط للبحر، وانعكاساتها على مستوى الممارسة البحرية، وفنون العيش. و إزاء ما يتعرض له هذا التراث، باختلاف أشكاله، نتيجة للإهمال والاستغلال، كان لزاما الوقوف على مسبباته وتشخيص راهنيته. فالحفاظ على هذا التراث يستدعي الحماية والتثمين. وهو خلصنا إليه في نهاية هذا البحث، انطلاقا من المقاربة التشاركية المقترحة، والتي تأخذ بعين الاعتبار مصالحة المدينة مع مجالها الساحلي، عبر آليات المحافظة على البيئة، وتغيير سلوك المواطنين؛ وإشراك الساكنة في التسيير، واستشارتهم في تحديد مستقبل مدينتهم، لتكون مدينة استثنائية، مدينة مستدامة، مدينة خضراء، مدينة الجميع، مدينة الأنوار، مدينة ثقافية و عاصمة المستقبل. بعيدا عن تكرار ما خلصنا اليه في متن هذا البحث، نود أن نستعيد الحديث عن أربعة إشكاليات أساسية: 1-إشكالية تأسيس المدينة: راكمت الدراسات والابحاث التي اتخذت من الرباط مادة لتفكيرها منجزا لا يستهان به، مرجعيا ومقاربة. لكن يبقى سؤال التأسيس مرتبطا بعوامل متداخلة، بين ما هو أسطوري وديني واقتصادي واجتماعي. مما يستدعي مقاربة هذا التراكم من زاوية نقدية، لاستجلاء الاشكاليات والبراديغمات، أي الانتقال من مرحلتي الوصف والتحليل (المدخل الاثنوغرافي) الى مرحلة التأويل، أي محاولة ربط الظاهرة الحضرية بسياقها التاريخي، وفهم تطورها، من زمنها الى زمننا الآن. 2-إشكالية التخطيط الحضري: إن محاولة رصد مختلف المنجزات العمرانية والتعميرية التي تحققت في المجال الحضري للمدينة، عبر مسارها التاريخي، تضع الباحث في كمين منهجي، يتأرجح بين الرؤية الى المجال باعتبار الخصوصية والهوية؛ وبين الرؤية التي ترى الى الظاهرة الحضرية باعتبارها ظاهرة مركبة، تتفاعل وتتقاطع في تفسيرها الكثير من العناصر والمكونات. ولكلا الرؤيتين ما يبرره نظريا ومنهجيا، لكن ما يجعل من فعل التخطيط الحضري إشكالية، من منظورنا المتواضع، كون هذا الفعل ليس منعزلا عن الخطاب الذي أنتجه، ذلك أن جل مخططات المدينة، منذ لحظة التأسيس الى اللحظة الراهنة، لم تكن وليدة رغبة في البناء والتشييد وحسب، بل هي نتاج خطابات ذات حمولات ايديولوجية وثقافية. وبالتالي فإن قراءة هذا المنجز يقتضي فهم خطابه المتواري، ويكفي الاشارة هنا الى الخطاب الكولونيالي الذي وضع فعل التخطيط الحضري في أطار مرجعي جديد، مع حماية الاطار المرجعي المحلي. وهو خطاب جديد في تاريخ المدينة، يحمل هوية جديدة تتعايش فيها تقاليد الحداثة وفنون العيش المحلية. 3-إشكالية التدبير الحضري: ستتضح هذه الاشكالية مع حصول المغرب على الاستقلال، وما رافق ذلك من تبعات الارث الكولونيالي. حيث شهد المجال الحضري للرباط اختلالات في التدبير، ما جعل قراءة منجزات هذه المرحلة رهينة بالنتائج السلبية، أفرزتها سياسات عمومية متحكمة في المجال. وعلى هذا الأساس، كان فعل التدبير الحضري مخيبا للآمال، والتي راهنت على جعل العاصمة نموذجا لباقي مدن المملكة. وظلت هذه الاشكالية مطروحة الى اليوم، لاعتبارات سياسوية ضيقة، مرتبطة بالحكامة الجيدة. 4-إشكالية التراث الثقافي الساحلي: هذا التراث وإن قاربناه في هذا البحث، من مدخلين اثنين: المدخل الاثنوغرافي، الذي يعتمد وصف المادة التراثية؛ خصائصها التقنية والوظيفية والجمالية والايديولوجية، والمدخل المندمج، أي محاولة استثمار التراث و إدماجه في البنية السوسيواقتصادية للمجتمع الساحلي، فيمكن مقاربته أيضا من عدة مداخل منهجية، ولعل أبرزها المدخل التأويلي، أي محاولة تفسير الظاهرة التراثية الساحلية، باعتبارها ظاهرة ثقافية. إن البحث في حقل التراث الثقافي الساحلي هو بحث ناشئ، وقليلة هي الدراسات والابحاث التي تناولت هذا التراث، وما هذا البحث الذي نقدمه اليوم الا بداية مجهود، نتمنى تعميق الأسئلة بصدده في الأفق القريب، علما أنني أعترف بصعوبة مقاربته، ولأنه كذلك، يمكن دراسته من زوايا مختلفة ومتباينة...