شهر غشت، تم التوقيع على اتفاقية التأهيل الحضري لمدينة سلا يوم 12-2- 2014 بميزانية قدرها مليار درهم تقريبا، بادرنا إلى تحليلها ونقدها في مقال لنا نشرته جريدة «بيان اليوم» في 25-2-2014. وهذا باعتبارها اتفاقية أنجزت بطريقة متسرعة، استجابة لظرفية معينة. وهو ما أتت اتفاقية التأهيل الحضري لمدينة الرباط الموقعة في 12-5- 2014 بميزانية 18 مليار درهم، كي تؤكده بوضوح، وتدفع نفس المسؤولين المتحمسين بالأمس إلى اكتشاف أخطاء مقاربتهم المختزلة للمدينة، والإسراع نحو مراجعة الاتفاقية المذكورة في ضوء التعليمات التي أعطيت لهم -على ما يبدو- لتنفيذ ذلك. والحال أن الإشكالية لا ترجع - في رأينا- إلى مجرد أخطاء في التقدير وتعليمات بشأن مراجعتها وتعبئة المسؤولين لتنفيذ ذلك، بقدر ما تعكس أزمة تعيشها مدينة سلا، ومعها سائر المدن المغربية، تتعلق بعجز الجماعات المحلية عموما عن التدبير، سياسيا وإداريا، وتخبطها في مشاكلها البنيوية المادية والبشرية، وتدخل السلطات المركزية المتواتر في شؤونها، بل والبرمجة مكانها، بما يطرح للنقاش وضع الديمقراطية المحلية وإشكالية التخطيط الجماعي للتنمية. هذا ما سنحاول مناقشته في هذا المقال انطلاقا من تجربة الجماعة الحضرية لسلا. وسيكون ذلك بالتوقف أولا عند هذه التجربة، قبل أن نبدي الملاحظات الضرورية بشأنها، ونربطها بإشكاليات التخطيط الجماعي للتنمية على المستوى الوطني، كي نختم باقتراح بدائل نظرية وعملية عامة في الموضوع. أولا: تجربة سلا مباشرة بعد انتخاب أعضاء المجلس الحضري لسلا سنة 2009، حاول هؤلاء إعداد مخطط جماعي للتنمية بالمدينة تنفيذا لما جاء به الميثاق الجماعي. وهكذا بعد سلسلة من الاجتماعات، تم الاتفاق على تكليف مكتب للدراسات بذلك، والذي أسفر في النهاية عن تقديم صيغة أولى للتشخيص المحلي للمدينة وحاجياتها، تمهيدا لوضع المخطط الجماعي المعني. وهي الصيغة التي سنبسط أهم خلاصاتها، كما تم تقديمها للفاعلين المعنيين بالمدينة، وهذا من خلال توضيح منهجية العمل التي تم اتباعها، وأهم النتائج التي تم التوصل إليها. -1منهجية العمل حسب التشخيص، فإن هناك تحديات كبرى تفرض ذاتها على المدينة، اقتصادية وديموغرافية ومجالية وعقارية وحركية وحماية البيئة والجودة الحضرية. وهي تحديات تفرض مواجهتها عن طريق المخطط الجماعي للتنمية، الذي من شأنه أن يكون أداة تعاقد الفاعلين بهذا الشأن. لذلك يمكن اعتبار هذا المخطط استراتيجيا على مستويين: مستوى المدى المتوسط (25-30سنة) الذي يأخذ بالاعتبار التوجيهات العامة لأجهزة وثائق التعمير (التصميم الجهوي لإعداد التراب، والتصميم الجهوي للتهيئة الحضرية، وتصميم التهيئة)، ومستوى المدى القصير (6 سنوات) الذي يجب إعداده بشراكة مع الفاعلين المحليين، وفق ما نص عليه الميثاق الجماعي المذكور. وبالنظر إلى محدودية الإمكانيات المالية للجماعة الحضرية المعنية، فإنه من الضروري تقسيم برنامج عمل المخطط المتعلق بها إلى قسمين: قسم يتضمن العمليات التي تدخل في اختصاصات المجلس الجماعي، وقسم يتضمن العمليات التي ترجع لاختصاصات أطراف أخرى (المصالح الخارجية). في سبيل ذلك، قام مكتب الدراسات المعني بوضع مقاربة قائمة على أربعة مبادئ اعتبرها أساسية هي الأفقية وتداول المعرفة والمشاركة ومراعاة البعد السوسيو-مجالي. وعلى أساس ذلك تم إنشاء 15 مختبرات للنقاش الموضوعاتي التي ترأس بعضها رئيس المجلس الجماعي المعني. -2 التشخيص وقف التشخيص على 5 مجالات اعتبرها أساسية هي: الدينامية الديموغرافية، والنمو الحضري للمدينة، ووضعها الاقتصادي والاستثماري، وتطورها البشري والاجتماعي، وحكامتها المحلية. أ- الدينامية الديموغرافية والنمو الحضري تتميز عموما بما يلي: * على مستوى الدينامية الديموغرافية نجد: أن عدد ساكنة بلدية سلا يقدر ب 988.000 نسمة سنة 2014، وأن نسبة نمو السكان في انخفاض، وأن هذا النمو يتم بفعل بالهجرة أكثر من النمو الطبيعي. وأن نحو 1⁄4 من الساكنة هي شابة، وتشكل نسبة التمدرس 72% (8% في الجامعة) والأمية 28%. * على مستوى النمو الحضري، يلاحظ أن هناك: انفصال بين مدينة قديمة وأخرى جديدة. وأن الأولى تتميز بتراث ثقافي متميز، بيد أنها تتعرض للتدهور، فيما تنمو الثانية بطريقة عشوائية عن طريق تجزئات متجاورة دون مركز حقيقي، مع وجود دور للصفيح وأحياء ناقصة التجهيز. ب- وضع الاقتصاد والاستثمار، يتميز بما يلي: *نشاط اقتصادي قائم على: ساكنة نشيطة تقدر ب 283.580 نسمة، يغلب على نشاطها القطاع الثالث/الخدماتي (64%) والثاني/القطاع الصناعي (30%) والأول/الفلاحة والصيد (5،1%). ويكاد يرتكز النسيج الاقتصادي للمدينة على الصناعة التقليدية وصناعة التغذية والنسيج والألبسة. * تقسيم قطاعي يغلب عليه قطاع الخدمات (على رأسه الإدارة، ثم خدمات القرب/الماء والتطهير والكهرباء والطاقة)، فيما توزع التجارة بين قطاع تقليدي وقطاع عصري، يغلب عليه القطاع غير المنظم، ولا تشكل الفلاحة والسياحة إلا نسبة ضئيلة في النسيج الاقتصادي القائم. ج- التطور البشري والاجتماعي، يتميز ب: * ضعف الاستجابة إلى الحاجيات التي فرضها النمو الديموغرافي السريع التي شهدته المدينة من حيث توفير الشغل والسكن والمرافق الاجتماعية..، وغيرها. وهو ما يدل عليه وجود دور الصفيح والأحياء الناقصة التجهيز والنسيج العتيق والفقر والهشاشة والتهميش المجالي. * توفر نسبة محترمة من التجهيزات الأساسية، من شبكات الماء والكهرباء والتطهير إلى المؤسسات التعليمية...، مقابل نقص في تجهيزات أخرى مثل المرافق الصحية والرياضية والبيئة (المساحات الخضراء). د- الحكامة المحلية تتميز بما يلي: * وجود برامج متعددة دون تنسيق أو نظرة شمولية، ومثاله: برنامج إعادة التأهيل 1و2، ومشروع تهيئة ضفتي أبي رقراق، وبرنامج النجاعة الطاقية، وبرنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية...، بيد أن مسألة التنسيق العمودي والأفقي بين هذه تظل مطروحة. * تعدد الفاعلين والمساهمين في هذه البرامج (العمالة، والجماعات، والمصالح الخارجية والقطاع الخاص والمجتمع المدني..)، وتوفر موارد متعددة للمدينة (غير ميزانية بلدية سلا). لكن تبقى الميزانية المخصصة للاستثمار ضعيفة، يزيدها ضعفا هشاشة التدبير وسوء التنسيق. الخلاصة التي انتهى إليها التشخيص هي أن مدينة سلا تتوفر على موقع جغرافي متميز يجب استغلاله، كما يجب دعم قطاعات الأنشطة الاستراتيجية التي تتوفر لها مثل التكنولو جيا الحديثة (مع تكنوبوليس سلا)، والصناعة التقليدية وصناعة التغذية والألبسة والسياحة، إلى جانب التفكير في «»الخروج من الموقع»، أي التوسع المجالي نحو منطقة تيفلت، لاستثمار الإمكانات العقارية المتوفرة. ثانيا- الملاحظات والأسئلة يثير هذا التشخيص في رأينا عددا من الملاحظات والأسئلة التي تتعلق بإشكالية التخطيط الحضري على المستويين المحلي والوطني. 1 - المستوى المحلي على هذا المستوى، يمكن قول ما يلي: * إن تكليف المجلس الحضري لسلا لمكتب الدراسات المعني بوضع تشخيص للمدينة لا أساس منطقي له. إذ أن المنطق كان يقتضي حصر تكليفه في مهمة مساعدة المجلس على وضع المخطط الجماعي للتنمية فحسب، على اعتبار أن المدينة تتوفر على ما يكفي ويزيد من التشخيصات مثل التشخيص البيئي والتصميم الموحد لسلا وعدد من وثائق التعمير (Strat, Snat, PA...). وبالتالي، لم تكن هناك أي ضرورة لإعداد تشخيص آخر غير الرغبة في إضاعة المال والجهد والوقت. * وما يدعم ذلك أن هذا التشخيص لم يقدم أي قيمة مضافة للتشخيصات المذكورة، حيث تنقصه العديد من المعلومات والأرقام الحديثة (تم الاعتماد غالبا على إحصاء العام للسكان سنة 2004)، كما تغيب عنه الجرأة في التحليل والإشارة إلى مراجع الدراسة. ناهيك أن تقديمه بعد خمس سنوات من بدء عمل المجلس الحضري الحالي يجعله عمليا دون فائدة (حتى لو تم على أساسه إنجاز مخطط جماعي في أقرب الآجال)، بحكم أن المدينة تنمو بناء على برامج التأهيل وليس على المخطط، وأننا على بعد سنة من نهاية ولاية المجلس الجماعي الحالي. * وهنا لا معنى لحديث التشخيص عن مخطط 2013-2019 لأن هذا لا يوافق مدة ولاية أي مجلس جماعي، وأن الميثاق الجماعي يحصر مدة المخطط ب 6 سنوات فحسب لكل مجلس. كما أن الحديث عن التخطيط الاستراتيجي للتنمية (25-30 سنة) يبقى دون أهمية بالنظر لضعف الاقتراحات التي قدمها التشخيص والتي لا تتجاوز التوصية باستغلال الموقع المتميز للمدينة وتطوير قطاعاتها الأساسية والخروج من الموقع، وهي أفكار تضمنتها –بل وتجاوزتها- عدد من التشخيصات ووثائق التعمير المذكورة. * لقد أحال التشخيص مسؤولية وضع المخطط إلى المجلس الجماعي، بعد فتح مشاورات مع الفاعلين المحليين في ذلك. والحال أن المكتب المعني سبق له أن فتح هذه المشاورات وخلق-كما قال- نحو 15 مختبرا موضوعاتيا في سبيل ذلك. والسؤال هو ألم يكن في استطاعته المبادرة، في ضوء هذه الاستشارات والمختبرات، بتقديم خطاطة عامة أو تصور عام عن هذا المخطط بتنسيق مع أعضاء المجلس المعني، ربحا للجهود والوقت؟ تفيد هذه الملاحظات إذن أننا إزاء إشكاليات كبرى للتخطيط الحضري. وهي إشكاليات ذاتية بالمجلس الجماعي المعني، كما تجد بعض جذورها أو أسبابها على المستوى الوطني. 2 - المستوى الوطني أعطى الميثاق الجماعي للجماعات المحلية صلاحية إعداد مخطط جماعي للتنمية. لكن الواقع يؤكد أن هذه الجماعات عاجزة عن ذلك كما ذكر في المقدمة. وحتى حين تنجح في إعداد هذا المخطط، كما قامت بذلك عدد من الجماعات، فغالبا ما يكون ذلك عبارة عن تقرير إداري أو تجميع لبعض المنجزات المزمع القيام بها، دون أي تصور استراتيجي مندمج للتنمية. لماذا؟ تعددت الأسباب، من أهمها في رأينا: * أنه من الصعوبة بمكان أن تقوم أي جماعة محلية بوضع مخطط جماعي لها في الوقت الذي تخلت فيه الدولة ذاتها عن وضع مخطط وطني (آخره كان مخطط 2000-2004)، إضافة إلى كونها لا تتحكم في المصالح القطاعية، وأن دور الوالي أو عامل الإقليم، المكلف بالتنسيق بين هذه المصالح، لا يتجاوز عادة الطابع التقني (ترأس اللجنة التقنية) ومحاولة تحفيز الفاعلين وتنشيط الاستثمار ومتابعة إنجاز بعض البرامج، دون أي صلاحية للتخطيط. * أن التفسخ السياسي (تفكك الأحزاب السياسية وانهيار المرجعيات والعزوف السياسي...) جعل المجالس المحلية في حالة عدم استقرار دائم، إضافة إلى أن المنتخبين يكادون لا يتحكمون في شيء في جماعاتهم غير ما يتعلق ربما بالتدبير اليومي (الماء والكهرباء والتطهير وجمع الأزبال...)، ومثاله: عجز منتخبي سلا على متابعة ونقد ما تقوم به وكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق من تكثيف سكني صارخ في مشروع باب البحر. * وبما أن الوضع السياسي المحلي على هذه الدرجة من الهشاشة والشلل، فإن السلطات المركزية أضحت غالبا ما تتدخل لفرض حلها الإداري-التقني على الجماعات المحلية. وهذا في شكل برامج وطنية جاهزة (برامج انبثاق ورواج والمغرب الأخضر والمبادرة الوطنية ومدن دون صفيح والتأهيل الحضري...) أو برامج ذات تركيبة خاصة (مثل مشروع تهيئة ضفتي أبي رقراق) أو في شكل تدشينات وبرامج تدخل في إطار المبادرة الملكية. * ويبدو أن آخر بدعة أضحت تفرض ذاتها تدريجيا في هذا الصدد هي «الاتفاقية-الإطار». وهي التي تتعلق بجمع عدد من البرامج المحلية والقطاعية، المنجزة أو في طريق الإنجاز أو المبرمجة، في شكل اتفاقية، يتم التوقيع عليها بحضور ملكي، دون أن تدخل في أي برنامج حكومي، وفي غياب أي استشارة فعلية للجماعات المحلية، باستثناء دعوتها في آخر لحظة (مع السلطات المحلية) لجمع المعلومات والمصادقة اللاحقة على الاتفاقيات المعنية، كما حدث بالنسبة لاتفاقيتي سلاوالرباط (وسيحدث بالنسبة لما سيأتي من اتفاقيات). * والحال أن ما يميز هذه الاتفاقيات هو خضوعها لقيادة خاصة وتركيبة مالية استثنائية وتجاهلها للبرنامج الحكومي والمجالس المحلية وعدم اعتبارها لتصاميم أو وثائق التعمير الجاري بها العمل. وهي تقنيات للتدبير قد تكون لها جوانب إيجابية –ربما- مثل تجاوز الشلل السياسي وبيروقراطية الإدارات والمجالس المحلية والمرونة والسرعة في الإنجاز...، لكنها تطرح تساؤلات كبرى بشأن الديموقراطية المحلية والدور الفاعل للمنتخبين. * ناهيك عن الغموض الذي أضحت تولده هذه الاتفاقيات مثل: الخلط بين اختصاصات الملك ورئاسة الحكومة والمجالس المحلية، وبين التجهيزات الكبرى التي أضحت تمول من «صندوق السيادة» والبرامج القطاعية الممولة من الميزانية العامة والبرامج المحلية الممولة من الجماعات والمجالس الجماعية، وبين البرنامج الحكومي وبرامج الاتفاقيات المعنية والمخططات الجماعية للتنمية...، وبين وبين، إلى درجة أضحى تحديد المسؤولية معها مسألة صعبة: من، يقوم بماذا، ولأي هدف؟ لسنا هنا ضد ابتكار تقنيات جديدة للبرمجة والتمويل لفائدة تطوير مدننا، وبلادنا بشكل عام. ولكن ضد خلط الاختصاصات والأدوار المتولدة عن تنفيذ مثل هذه التقنيات، ومع توضيح الأمور وتحديد المسؤوليات. فما هي البدائل الممكنة إذن لهذا الوضع؟ ثالثا: البدائل الممكنة لا شك أن عددا من الدراسات ووثائق التعمير قد تطرقت لعدد من هذه الإشكاليات وقدمت بعض المقترحات بشأنها. وتبعا لذلك، نرى أن هناك عددا من البدائل الممكنة، نظرية وعملية. -1 البدائل النظرية تتعلق هذه البدائل جميعها بترسيخ الديموقراطية على الصعيدين الوطني والمحلي، بما يعني: أولا- الحسم في مسألة الديموقراطية، من خلال احترام توزيع الاختصاصات بين السلطات القائمة، والبحث عن سبل تحسين الواقع السياسي المحلي في أفق ردم الهوة بين المنتخبين والسكان والحد من ارتفاع نسبة العزوف السياسي. وهذا على اعتبار أنه دون ديموقراطية ومشاركة للسكان فلا مجال للحديث عن أي تخطيط استراتيجي أو محلي. ثانيا- تعزيز الديموقراطية المحلية عن طريق: توسيع اختصاصات المجالس المحلية (وهذا طموح الجهوية المتقدمة على ما يبدو)، و تحميل هذه المجالس كامل المسؤولية عن تدبير المدن التي تديرها، والتوقف عن اعتبارها قاصرة والتدخل مكانها حتى في البرمجة المحلية العادية بواسطة قرارات أو برامج تفرض عليها هكذا «من فوق»، خارج عن أي إرادة للمنتخبين والسكان. ثالثا- الإيمان بضرورة التخطيط الحضري على المستوى الوطني، بما يتطلب استغلال الوثائق والأجهزة الموجودة مثل التصميم الوطني لإعداد التراب والاستراتيجية الوطنية للتنمية الحضرية وأجهزة الوكالات الحضرية...، لاقتراح نظرة شمولية للنهوض بشأن المدن المغربية، كما تطمح إلى تحقيقه عنه هذه الوثائق والأجهزة فعلا، تجعل من مجالنا الترابي الوطني بشكل عام، والمجال الترابي المحلي منه بشكل خاص، مصدرا للتنمية المستدامة في بلادنا. رابعا- أن هذا يتطلب حل مجمل الإشكاليات التي تعاني منها الجماعات المحلية، الداخلية منها من ميزانية وموارد مادية وبشرية، والخارجية من علاقات مع سلطات الوصاية والمصالح القطاعية. وعلى رأس هذه الإشكاليات مسألتين: المسألة السياسية التي تتعلق بصنع القرار المحلي وتحديد المسؤولية، والمسألة التنظيمية-التقنية التي تتعلق بالبرمجة والتمويل والقيادة والتنفيذ والتقييم. إننا نعني بوضوح هنا أن الحل التقني الإداري لإشكاليات الديموقراطية لا يكفي وأنه لابد من دفع الطبقة السياسية، الوطنية والمحلية، إلى تحمل مسؤولياتها الكاملة في مسألة التدبير الحضري. 2 - البدائل العملية يصعب اقتراح البدائل العملية المحلية دون حل إشكاليات البدائل الوطنية الممكنة، بالنظر لارتباطاتهما الوثيقة. لكن تجاوزا لذلك، ما فتئت الجماعات المحلية تسعى، في حدود وضعها المذكور، إلى تنمية مجالها الترابي. لكن السؤال المطروح هو: ما السبيل إلى ذلك، سيما وقد اتضح عجز هذه الجماعات البنيوي عن وضع مخططات جماعية للتنمية ذات مصداقية؟ إن الحل كما نراه، لا يكمن في التشبت الأعمى بوضع مخطط وطني أو محلي بيروقراطي صارم (الذي أضحى مستحيلا على كل حال، سيما في السياق المغربي كما تبين). وإنما يكمن في وضع تصور عام على الأقل، يتضمن توجهات وسيناريوهات أو أهداف كبرى يهتدي بها كل الفاعلين في كل مدينة. وإذا أخذنا مدينة سلا هنا كنموذج، يمكن القول إن هناك 8 توجهات كبرى من شأنها تجسيد هذا التصور على المستوى العملي. وهي ما تتعلق: بالتعمير والسكن والاقتصاد والتجهيز والتطور الاجتماعي والبيئة والثقافة والتواصل. * في مجال التعمير، المقترح: توسيع المجال الترابي لعمالة سلا بما يمكن تسميته ب.»سلا الكبرى»، ونقل مطار الرباط-سلا إلى منطقة تيفلت، وإنشاء مركزية قوية للمدينة مكانه، وربط المقاطعات والتجزئات بعضها مع بعض، وإدماج بعض التجهيزات الكبرى المعزولة (ملعب الخيل، المركب الرياضي مولاي رشيد، تكنوبوليس...)، واستغلال الأراضي التي توفرها وثائق التعمير (...). * في مجال الاقتصاد، المقترح: تحديث المناطق الصناعية الموجودة (نحو 7 مناطق)، وخلق مناطق صناعية ولوجسستيكية وخدماتية جديدة، وإحداث مشاتل لخلق المقاولات في كل المقاطعات، وفتح مراكز للأعمال (في مشروع أبي رقراق والمطار لاحقا)، واستغلال قطب التكونولوجيا الحديثة (تكنوبوليس-سلا) للتنمية، وتطوير صناعات التغذية والنسيج والسياحة، وتنظيم التجارة المحلية...؛ * في مجال السكن، المقترح: جعل سلا مدينة دون صفيح في أفق 2020-2025، واستكمال مشروع إعادة هيكلة الأحياء الناقصة التجهيز، وإصلاح الدور المهددة بالسقوط، والحد من منطق التجزئات المتجاورة لصالح منطق «الأحياء المندمجة»، ودعم النمو السكني للمدينة من الداخل (التوسع العمودي)، وفتح مناطق سكنية جديدة (حي المحيط، سيدي عبد الله، ولاد يحيى...). * في مجال التجهيز، المقترح: تزويد سلا بعدد من التجهيزات الأساسية مثل: القطب الجامعي، والمستشفى الكبير (قيد البناء)، والملعب الرياضي، ومركز متعدد الاختصاصات (قاعة للمؤتمرات)، وهذا إلى جانب مواصلة بناء تجهيزات القرب في كل المقاطعات (الماء والكهرباء والتطهير ودور الشباب والمراكز الصحية...). واستعمال الأراضي العارية لإنشاء المرافق الأساسية للمدينة، وتحسين شبكة النقل المحلي ومنها تمديد خطي الترامواي 1و2 إلى الأحياء ذات الكثافة السكنية الكبرى. * في المجال الاجتماعي، المقترح: تقليص الفوارق المجالية-الاجتماعية بين المقاطعات، ودعم قطاع التربية والتكوين وكل المجهودات الرامية لتأطير الأطفال والشباب، ومحاربة أشكال العزوف السياسي ونقص المواطنة، وتشجيع أشكال التضامن أو التكافل الاجتماعي، ودعم الجمعيات المجتمع المدني ذات الصلة، ومواصلة الاهتمام بالفئات المهمشة من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. * في المجال الثقافي، المقترح: تعزيز هوية المدينة، وتزويدها بالبنيات الثقافية اللازمة (مراكز ثقافية، وخزانات، ومسارح، ومتاحف..)، ودعم الجمعيات الثقافية والأنشطة والمهرجانات الثقافية المحلية (خلق مؤسسة للثقافة والفنون)، والعناية بالتراث المادي واللامادي والطبيعي للمدينة (الآثار والمواقع التاريخية والمدينة العتيقة، والمشاهد الطبيعية...)، وتخصيص جوائز للإبداع...؛ * في المجال البيئي، المقترح: تنفيذ توصيات برنامج «سلا: مدينة خضراء»، وتقليص النقص الحاصل في استفادة المواطن من المساحات الخضراء (الذي لا يتعدى اليوم 9،0م2)، وخلق حدائق كبرى (ومنها تجهيز منتزه المعمورة، وتأهيل غابة عين لحوالة)، وتشجير الطرق، وإعطاء قيمة لمواقع الساحل والشاطئ والوادي، والحفاظ على الحزام الأخضر، وتفعيل برنامج الطاقة البديلة؛ * في مجال التواصل، المقترح: خلق مرصد حضري للمدينة، وتبني برنامج «المدينة الرقمية» (الذي يفرض قيام كل الجماعات والمؤسسات والمصالح الخارجية بإنشاء مواقع إلكترونية لها)، وضمان والتواصل الدائم للمسؤولين المحليين مع الرأي العام المحلي. ودعم كل أشكال التواصل بين المدينة وسكانها. وتزويد المدينة بمعالم واضحة (des repères) وتحسين التشوير والعلامات والترقيم، ووضع خريطة للمدينة (...). تبقى هذه مجرد اجتهادات فردية، ناقصة بالضرورة، ويمكن الإضافة إليها أو تصحيحها، حسب خصوصية كل مدينة أو جماعة محلية. لكن الفكرة الأساسية التي ندافع عنها هنا هي أن مددننا اليوم بحاجة لتوجهات كبرى تحكم تنميتها، بناء على استراتيجية وطنية للتنمية الحضرية. خلاصة حاولنا في هذه الدراسة الوقوف عند إشكالية إعداد المخطط الجماعي للتنمية في الجماعات المحلية في المغرب بشكل عام، وفي مدينة سلا بشكل خاص. فتبين لنا من خلال تحليل التشخيص الذي قدمه أحد مكاتب الدراسات أن هذا التشخيص تعتريه عدة نقائص، ويعكس في جوهره عددا من الإشكاليات الحضرية ذات الطابع الوطني. وأن البدائل لذلك، هي وطنية تتعلق بتعزيز الديموقراطية المحلية ومراجعة أساليب التعامل مع الجماعات المحلية، كما أنها محلية تتطلب، على مستوى النموذج المذكور، تبني نظرة للتنمية للمحلية تقوم، لا على مخطط صارم (يستحيل إعداده والالتزام به على كل حال)، ولكن على الأقل على توجهات كبرى متوافق بشأنها تضمن التطور الشمولي للمدينة بصفة تدريجية ومنسجمة. سلا في يونيو 2014