أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا لثلاثة أيام مع أسبوع غضب    في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-    الأزمي يتهم زميله في المعارضة لشكر بمحاولة دخول الحكومة "على ظهر العدالة والتنمية"        تقديم العروض لصفقات بنك المغرب.. الصيغة الإلكترونية إلزامية ابتداء من فاتح يناير 2025    بيت الشعر في المغرب والمقهى الثقافي لسينما النهضة    الزمامرة والوداد للانفراد بالمركز الثاني و"الكوديم" أمام الفتح للابتعاد عن المراكز الأخيرة    اعتقال بزناز قام بدهس أربعة أشخاص    بووانو: حضور وفد "اسرائيلي" ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب "قلة حياء" واستفزاز غير مقبول        بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    المغرب-الاتحاد الأوروبي.. مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية        بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي        محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    نادي قضاة المغرب…تعزيز استقلال القضاء ودعم النجاعة القضائية    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    تولي إيلون ماسك لمنصب سياسي يُثير شُبهة تضارب المصالح بالولايات المتحدة الأمريكية    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا        الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التراث الثقافي الساحلي في المغرب (مدينة الرباط أنموذجا) (1/2)

ناقش الطالب الباحث إبراهيم إغلان، في رحاب كلية الآداب بالمحمدية، أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه يوم الجمعة فاتح أبريل الجاري. وقد أشرف د. حسن أميلي على الرسالة التي تناولت موضوع «التراث الثقافي الساحلي في المغرب، مدينة الرباط أنموذجا»، بينما تكونت لجنة المناقشة من: دة. فائزة البوكيلي رئيسة، ود.عبد الرزاق العسري ود. حسن بحراوي. وقد حصل الطالب الباحث على دكتوراه بميزة مشرف جدا مع توصية بالنشر.
أسفله الجزء الأول من ملخص العمل.
1 - الموضوع:
إن البحث في التراث الثقافي الساحلي في المغرب، من خلال نموذج مدينة الرباط، هو بحث في تاريخ علاقة المغرب بالمجال البحري. وهي علاقة، وإن اتسمت في كثير من الاحيان بالالتباس، فإنها مع ذلك، ظلت علاقة جدلية، تميزت على مر التاريخ بالحضور تارة، وبالغياب تارة أخرى. حيث إن موقع المغرب الجغرافي المتميز، والمطل على واجهتين بحريتين: البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، كان له تأثير على ثقافة المغرب، وتراوح هذا التأثير بين الانفتاح والانغلاق، بين الحرب والسلم، بين الدفاع والهجوم، بين مستقبل للهجرة ومصدر لها. إنها ثنائيات متعددة في المنطلق والمنتهى.
كان على سكان المغرب الاختيار بين الرهان على البحر، كأفق اقتصادي وسياسي وثقافي وديني، وفي الوقت ذاته كمجال سلبي، يأتي بالكفر والاستعمار والفضول والرهبة. لذا تشكلت بنيات ثقافية وذهنية، تراكم مفعولها عبر الزمن، لتترجم في النهاية الى موقف وسلوك وذاكرة، لا زالت بعض تداعياتها الرمزية مستمرة حتى الوقت الراهن.
ولا شك أن البحث في هذه العلاقات المتشابكة بين المغاربة والمجال البحري، هو ما جعلنا نفتح أسئلة حول مدينة الرباط، باعتبارها نموذجا استثنائيا لفهم وتحليل علاقة المدينة بمجالها الساحلي، انطلاقا من تاريخ هذه المدينة، والذي ارتبط بمحطات تاريخية، امتدت منذ فترات ما قبل التاريخ، وتواصلت مع دخول الاسلام إلى بلاد المغرب، لتستمر مع حركة الجهاد البحري نحو الأندلس، وما آلت إليه من انبعاث المدينة من جديد، وبخاصة مع دخول الاندلسيين خلال القرن السابع عشر الميلادي، كحركة ثقافية فاعلة ومنتجة في بنية المدينة، ولعل أبرزها الانفتاح على المجال البحري، ثم انتهاء بالوجود الفرنسي في سنة 1912م، واعتبار الرباط عاصمة مركزية للمغرب، وأخيرا ما تشهده المدينة اليوم، من مشاريع تهيئة، تروم المصالحة بين المدينة ومجالها الساحلي، من خلال مشروع تهيئة ضفتي أبي رقراق، وأخيرا مشروع « الرباط مدينة الأنوار: عاصمة المغرب الثقافية 2014-2018 «، كأفق لجعل الثقافة محورا مركزيا في التنمية.
إن غياب تداول التراث الثقافي الساحلي في أدبيات التراث الوطني، باستثناء حضوره في بعض الجامعات، كجامعة الحسن الثاني، وتحديدا مختبر الاركيولوجيا والتراث الساحلي، ثم فيما بعد مختبر التراث والحداثة التابع لكلية الآداب والعلوم الانسانية بالمحمدية، هو ما يجعل البحث في هذا الحقل المعرفي في غاية الصعوبة، لافتقار المكتبة المغربية لمراجع ، قد تساعد في خلق تراكم، يمكن الانطلاق منه، والاستفادة منه. في الوقت الذي شهد فيه الغرب ، تأسيس مجال التراث البحري والتراث الساحلي منذ منتصف التسعينيات من القرن العشرين. حيث تراكمت المعرفة التاريخية والاثنولوجية والأركيولوجية، الى جانب القوانين المنظمة لهذا المجال، مع حركية المجتمع المدني التي ساهمت في الحفاظ على هذا التراث وتثمينه.
2- الاختيار:
كان لاختيار هذا الموضوع دوافع ذاتية وموضوعية وعامة:
دوافع ذاتية: ارتبطت باهتمامي بالتراث وقضاياه، الى جانب تخصصي الأصلي في مجال
علم الاثار، ثم إن عملي الوظيفي في المكتبة الوطنية جعلني قريبا من الرصيد الوثائقي النادر حول مدينة الرباط، وخاصة الرصيد الايكونوغرافي من صور وتصاميم تهيئة ومخططات وخرائط، وهي كلها عوامل حفزتني لإنجاز عمل بيبليوغرافي خاص عن مدينة الرباط، ينتظر استكماله فور الانتهاء من هذا البحث.
دوافع موضوعية: املتها الحاجة الى مقاربة تراث ثقافي مغيب في البحث العلمي، ومحاولة مصالحة المدينة مع مجالها البحري، كما أن اختيار مدينة الرباط نموذجا لموضوعنا، له مسوغاته الثقافية، ويكفي أن نشير هنا إلى الاوراش الكبيرة التي اطلقها الملك محمد السادس، سواء تلك التي انطلقت زمنيا قبل اختيار موضوع البحث، أو بعده، وهي الأوراش التي ستجعل من الرباط « مدينة الانوار: عاصمة المغرب الثقافية (2014-2018)» .
دوافع عامة: قيمة التراث الثقافي الوطني في تكريس قيم المواطنة والهوية ودوره في التنمية المحلية، وإعادة الاعتبار الى التراث الثقافي الساحلي، كمكون من مكونات التراث الثقافي بمدينة الرباط.
إن لهذا الاختيار أهداف، يمكن اجمالها كالآتي:
رصد المراحل التاريخية لمدينة الرباط، ودور كل مرحلة في إغناء تجربة المدينة على المستوى الحضري؛
إبراز خصوصيات التراث الثقافي الساحلي، من حيث البنيات والوظائف، ومن حيث الذهنيات
والممارسات؛
استعراض مختلف المشاريع والبرامج التي ترفع شعار انفتاح المدينة على مجالها الساحلي،
ومحاولة الوقوف على الانجازات والاختلالات؛
توظيف نتائج البحث في طرح تصورات وتوصيات بشأن آفاق التراث الثقافي الساحلي.
3- مشكلات البحث:
إن أول مشكلة اعترضت الباحث في اختيار الموضوع، منذ بدايته، ندرة المراجع والدراسات حول الموضوع المطروح، باستثناء بعض المراجع كما سيتضح لاحقا، وهو ما يضع الباحث في مأزق منهجي، أي في صعوبة تحديد مفهوم التراث الثقافي الساحلي، وكيفية تناول بعض أشكال هذا التراث. ولعل هذا المبرر ما جعل الباحث يعيد النظر في ترتيب خطة البحث المقترحة في أكثر من مناسبة. ويزداد الوضع تأزما، حينما يفتقد الباحث الى أبحاث ميدانية لجرد التراث المرتبط بالأنشطة البحرية.
ومن مشكلات هذه الدراسة أيضا، أن الباحث لم يكن يتوقع، أثناء بحثه الميداني، هذا التراجع المخيف لبعض أشكال التراث الساحلي في مدينة ساحلية بامتياز، بل إن التسجيلات الصوتية التي اعتمدها الباحث، لتوثيق ذاكرة أهل البحر المحليين، في مجملها فقيرة من حيث المعطيات الجديدة حول الثقافة البحرية للمدينة. وهذا ما شكل إحدى معيقات هذه الدراسة.
4- الإطار المنهجي للبحث:
منذ أن تبادرت فكرة اختيار موضوع هذا البحث، ظلت الفرضية التالية: إلى أي حد يمكن الحديث عن تراث ثقافي ساحلي بالمغرب، وبمدينة الرباط كنموذج واضح لقياس وجود ما أطلقنا عليه « ثقافة البحر»؟ فرضية مركزية ما فتأت تتردد كلما حاولنا الإجابة عن السؤال العام : لماذا مدينة الرباط تعطي ظهرها للبحر؟
انطلاقا من هذا الاستفهام الملتبس والمشروع في الآن نفسه، كان لا بد من البحث عن جدوى هذا التوصيف الذي بات ملتصقا بالرباط، لاعتبارات عديدة منها غياب الساحل من مشاريع التهيئة، سواء في زمن الحماية أو في فترة الاستقلال وبعده؛تراجع الحرف والتقاليد المحلية المرتبطة بالبحر، مما أحدث فراغا مهولا، ملأته ممارسات وذهنيات، قادمة من مناطق زراعية وجبلية وبدوية، فرضتها الهجرة القروية منذ الحماية الفرنسية، للأسباب والشروط الموضوعية المعروفة (الجفاف، الحاجة، إغراءات المدينة، أوراش البناء والتشييد التي أطلقها ليوطي في العاصمة..). لتتفاقم ظاهرة الهجرة مع فترة الاستقلال، وما نتج عن ذلك، من سوء التخطيط الحضري والتدبير المجالي وغياب الحكامة الجيدة التي سادت في المدينة منذ أكثر من أربعة عقود.
لقد كانت هذه المعطيات كفيلة بتأطير هذا السؤال بالفرضية المشار اليها، وهي الفرضية التي تحكمت في منهجية البحث، والتي تفرعت عنها عدة تساؤلات، شكلت بدورها البنية العامة لهذا البحث، وهي:
ما الدور الذي لعبته البيئة الطبيعية في تشكيل مختلف الأنماط التراثية الثقافية الموجودة على
الساحل ؟ بمعنى آخر، تفاعل الانسان المحلي مع البيئة البحرية والنهرية، وقدرته على انتاج ثقافة أمينة لجغرافيتها وتاريخها، وهي الثقافة الساحلية التي تتميز بالمغامرة والمبادرة وروح الانفتاح والتبادل والتواصل والتثاقف، وهي جميعها قيم أملتها الجغرافيا، كما أملتها الرغبة في الوجود الانساني ضمن العالمين الجهوي والدولي.
أي دور لتخطيط وتدبير المجال الحضري لمدينة الرباط في تكريس المصالحة أو الخصام بين
المدينة ومجالها الساحلي؟ منذ اللحظة الاستعمارية الفرنسية الى مشروع ضفتي ابي رقراق؟
من 1912 الى الوقت الراهن، مسافة زمنية ممتدة، عرفت فيها مدينة الرباط مشاريع تهيئة، مختلفة من حيث الاستراتيجيات، ومتفقة على أهمية الساحل كمحور مجالي في تخطيط المدينة وتعميرها. فكان لا بد من دراسة هذه المشاريع، لاستنتاج ما أطلقنا عليه جدلا ثنائية المصالحة والخصام بين المدينة ومجالها الساحلي.
أية مقاربة ممكنة للحفاظ على التراث الثقافي الساحلي لمدينة الرباط وتثمينه؟
تعددت المشاريع التي أخذت على عاتقها الحفاظ على التراث الثقافي الوطني، تنظيما وتقنينا وممارسة، وكانت الرباط إحدى المدن التي استفادت من هذه المشاريع منذ سنة 1912 الى الوقت الحاضر. لكن ظل التراث الثقافي الساحلي، كمفهوم واصطلاح، مغيبا في هذه المشاريع، لذا ارتأينا الاستئناس بمقاربة جديدة لتثمينه، وبالتالي اعادة الاعتبار الى الانتماء الطبيعي للمدينة، والمتمثل أساسا في مجالها الساحلي.
إن تناول التراث الساحلي لمدينة الرباط، يفرض منهجيا الحديث عن الشروط التاريخية والطبيعية والثقافية للمدينة، كمجال وفضاء، تداخلت فيه الذهنيات والممارسات، لتنتج في النهاية أنماطا ثقافية، متعددة الروافد ومنصهرة في الذاكرة الجمعية.
وانطلاقا من هذا التصور، حاولنا في هذا البحث إنجاز مقاربة تاريخية لمختلف تجليات التراث الساحلي بمدينة الرباط، سالكين بذلك ما يمكن نعته بأسلوب التحقيب، أي الوقوف على المراحل البارزة في مسار المدينة، وذلك لتحقيق هدفين إثنين: أولهما؛ التأكيد على الهوية الثقافية للمدينة، بغض النظر عن طبيعة المراحل الزمنية والتاريخية التي مرت منها المدينة، وهي هوية أيضا مشبعة بالاختلاف والتعدد. وثانيهما؛ ترسيخ مبدأ التاريخ الخاص للمدينة في علاقتها بالمجال البحري.
كما أن تناول التراث الساحلي للرباط، يقتضي تصنيفه الى ثلاثة أشكال رئيسية، كما هو متداول في جل الاتفاقيات والمواثيق الدولية الخاصة بقضايا التراث الثقافي وأسئلته، وبالتالي مقاربة هذه الأشكال مقاربة وصفية، تهم بالأساس البنيات والوظائف، وهذه الأشكال أو ما أطلقنا عليه تجليات التراث الثقافي الساحلي هي:
التراث الثقافي المادي: وهو أبرز أشكال التراث الثقافي الساحلي بمدينة الرباط، لكون أغلب نماذجه لا زالت قائمة حتى يومنا هذا، على الرغم من حالة بعضه التي يسودها التدهور والخراب. واتباعا للمقاربة الوصفية التي أشرنا اليها في هذا السياق، حولنا تصنيف التراث الثقافي المادي، هو الآخر، الى ثلاثة أشكال: التراث المعماري العسكري (الأسوار، الحصون، الابواب، الأبراج...)، التراث المعماري المدني، والتراث الحضري.
التراث الثقافي غير المادي: وهو أكثر أشكال التراث الثقافي الساحلي تعرضا للاندثار، لذا حاولنا
مقاربته مقاربة مقارنة بين ما جاء في كتاب لوي برينو:
La mer dans les traditions et les industries indigènes à Rabat et Salé (1920).
وفي كتابي حسن أميلي : « الجهاد البحري بمصب أبي رقراق خلال القرن السابع عشر « (2006)،
و» المغاربة والمجال البحري في القرنين 17 و 18م « (2011)، وبين ما استنتجناه من العمل الميداني الذي تطلب منا إجراء عدة تسجيلات صوتية مع بعض بحارة الرباط و سلا، فكان لا بد من مقارنة بعض الظواهر البحرية الراهنة بظواهر أخرى خلال القرنين 17 و18م الى جانب العمل التوثيقي المهم الذي أنجزه برينو خلال فترة الحماية الفرنسية، من أجل فهم التطور والتغير الثقافيين الذين عرفهما المجتمع الرباطي في علاقته بالمجال البحري، سواء على مستوى الذهنيات (علاقة البحر بالمقدس، علاقة البحر بالسحر والتطبيب، أولياء البحر...)، أو على مستوى الممارسات ( الأعراف والطقوس، الانشطة البحرية المختلفة كالصيد التقليدي بأنواعه...).
التراث المزدوج (الطبيعي والثقافي): أي المواقع الطبيعية ذات الأبعاد الثقافية.
وإذا كانت منهجية البحث متعددة المقاربات (تاريخية، وصفية، نقدية، تشاركية..)، فلأن طبيعة الموضوع تقتضي الانفتاح على مفاهيم ومصطلحات، تنتمي الى حقول معرفية مختلفة (تاريخ، جغرافيا، علم الآثار، انثروبولوجيا، إثنولوجيا، إثنوغرافيا، سوسيولوجيا، تعمير، فن المعمار، ثقافة شعبية...).
وتماشيا مع منهجية البحث المقترحة، وبناء على المقاربات سالفة الذكر، فقد تطلب منا عملا توثيقيا اوليا، حيث تم جمع أكثر من 1000 وثيقة من الرصيد الوثائقي والإكونوغرافي حول مدينة الرباط، المتوفر في المكتبة الوطنية للمملكة المغربية ومؤسسات أخرى، والذي تطلب وقتا وجهدا لم يكونا في الحسبان، حيث تمت رقمنة جل الوثائق الإدارية الخاصة بمدينة الرباط في فترة الحماية الفرنسية، وتصاميم التهيئة، وصور شمسية نادرة، و برنامج تهيئة ضفتي وادي ابي رقراق والساحل ، وقد أنجز هذا العمل في مختبر الرقمنة بالمكتبة الوطنية، بوسائل تقنية حديثة.
والى جانب العمل التوثيقي المذكور، استلزمت طبيعة الموضوع العمل الميداني المباشر، انطلاقا من لقاءات عديدة مع « رجال البحر « في عدوتي الرباط وسلا، وتسجيل ذلك عبر الوسائل العلمية المتداولة (تصوير وتسجيل صوتي..). إضافة الى تسجيل مختلف الملاحظات التي بدت أنها ستغني البحث بخاصة في زياراتنا المتكررة للمدينة العتيقة، والتقاط الصور الجديرة بدعم منهجية البحث.
ويبقى ان نشير الى أن الموضوع المطروح في بحثنا هذا، كان له الاثر الإيجابي على مؤسسة ثقافية كبرى كالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية والتي بادرنا، بحكم مسؤوليتنا على شعبة الانشطة الثقافية والتواصل، الى اطلاق مشروع ترجمة المراجع الأساسية الى اللغة العربية، والتي جعلت من الرباط مادة لتفكيرها، وأغلب هذه المراجع يعود زمنيا الى فترة الحماية الفرنسية، وهي مبادرة شخصية ومؤسساتية للمساهمة في مشروع «الرباط مدينة الأنوار: عاصمة المغرب الثقافية 2014-2018».
5 - مصادر البحث:
إذا كانت أبرز مشكلات هذا البحث، كما أشير الى ذلك سابقا، مرتبطة بندرة المراجع حول موضوع التراث الثقافي الساحلي بالمغرب عموما ومدينة الرباط خصوصا، فإن ذلك لا يعني اطلاقا عدم الاستفادة والاستئناس بمادة مرجعية أساسية في مقاربة الموضوع المطروح، على الأقل فيما يتعلق بتاريخ مدينة الرباط. و يمكن إجمال هذه المادة حسب التصنيفات التالية:
كتابات أجنبية مواكبة للفترة الاستعمارية: وهي كتابات تناولت الحديث عن التراث الثقافي
الساحلي بمدينة الرباط في إطار حديثها عن تاريخ المدينة وحضارتها، أو في إطار التاريخ الأركيولوجي والمعماري للمدينة، أو في سياق الحديث عن علاقة أهالي الرباط بالبحر. ومن أبرز هذه الكتابات، نذكر:
كتاب: « البحر في التقاليد والحرف المحلية بالرباط وسلا « للوي برينو.
Louis, BRUNOT, La mer dans les traditions et les industries indigènes à Rabat et Salé
وعلى الرغم من أهمية هذا الكتاب، فإن بعض استنتاجاته لا تخلو من الرؤية المركزية الاوروبية التي ترى الى الآخر (الأهالي) عدم قدرته على انتاج ثقافة بحرية، بخاصة حرف وتقاليد النشاط البحري، وبالتالي تؤكد على أن كل ما تحقق منها عبر التاريخ، هو نتاج مساهمة الغرباء من فينيقيين ورومان وعلوج أوربيين وإسبان (أندلسيون).
كتاب «مدينة الرباط من التأسيس الى غاية الحماية الفرنسية: تاريخ وأركيولوجيا»(3 أجزاء).
Jacques CAILLE, La ville de Rabat jusqu'au protectorat français, histoire et archéologie (3 V)
يعتبر هذا المرجع بمثابة الأساس الأول الذي لا محيد عنه بالنسبة لكل من يريد البحث في تاريخ الرباط، فهو الى جانب منهجيته العلمية، يتناول جميع المراحل التاريخية للمدينة منذ تأسيسها في العهد الموحدي الى غاية الحماية الفرنسية. كما أن دراسته المعمارية، والمعززة علميا برسومات ومخططات وصور، ساهمت في توثيق العديد من المعالم التاريخية للمدينة.
وهناك العديد من الدراسات والمقالات المتناثرة في بعض المجلات والجرائد، وخاصة مقالات المهندسين المشاركين في عملية بناء وتشييد مدينة الرباط، كإيكوشار ولابراد، وأغلب هذه المقالات موزعة عبر بعض المجلات مثل: France Maroc و Construire و Batir و النشرة الاقتصادية المغربية B.E.S.M، وكذا بعض الجرائد؛ كالجريدة الرسمية لنظام الحماية بالمملكة الشريفة، وجريدة السعادة. وتعد هذه الكتابات مادة مرجعية أساسية، سواء على مستوى التخطيط الحضري لمدينة الرباط، أو على مستوى المعلومات المتعلقة بالتنظيمات والقوانين والظهائر.
ب – كتابات مغربية: هي كتابات، وإن اختلفت في الإطار الزمني التي تتحرك فيه، الا أنها تتفق على الاطار الجغرافي الذي هو منطقة ضفتي أبي رقراق ومدينة الرباط على وجه الخصوص. وهي عبارة عن كتب، هي في الاصل أطروحات جامعية، شكلت في نظرنا تراكما جديرا بالقراءة والمتابعة، ومن أهمها:
كتاب « الجهاد البحري بمصب أبي رقراق خلال القرن السابع عشر الميلادي» لحسن أميلي، وهو
كتاب مرجعي في البحث التاريخي المغربي حول مدينة الرباط وعلاقتها بالساحل خلال القرن 17م.
كتاب « المغاربة والمجال البحري في القرنين 17 و 18 م» لحسن أميلي، كتاب هو الآخر يروم
الحفر في علاقة المغاربة بالبحر، بشكل عام، وعلاقة أهل سلا والرباط بالساحل بشكل خاص. وتكمن أهمية هذا الكتاب في كونه ألم بالمجال الساحلي المغربي خلال القرنين 17 و 18م، وبخاصة في الفصل الثاني من الكتاب، والذي خصه المؤلف لموضوع البحر في الذهنية المغربية، ودور الأثر الديني والأثر الصوفي في تفاعل الانسان المغربي مع مجاله البحري، الى جانب تمثلات هذا الأخير في تصور المجتمع المغربي من خلال المعتقدات الشعبية.
كتاب « مدينة الرباط في القرن التاسع عشر (1818-1912)، جوانب من الحياة الاجتماعية
والاقتصادية» لعبد العزيز الخمليشي، كتاب مفيد لكل من يريد البحث في تاريخ مدينة الرباط منذ 1818 سنة تخلي المدينة عن وظيفتها الأساس، أي وظيفة الجهاد البحري، الى سنة 1912 حيث اصبحت فيها الرباط العاصمة الادارية للمملكة.
« بلدية الرباط في عهد الحماية 1911-1939» لعبد الإله الفاسي، أطروحة دكتوراه، والتي
تناولت، كما هو واضح من عنوانها، دور مصلحة بلدية الرباط في تدبير شؤون المدينة وتهيئة المدينة الجديدة. وعلى أهمية هذه الاطروحة على مستوى الوثائق المعتمدة، فإنها لم تتناول الحديث عن تعمير وعمارة مدينة الرباط الجديدة، وأيضا التراث الثقافي الساحلي.
ج- مصادر أخرى: وهي متنوعة ومختلفة، من حيث الحامل (ورقي، رقمي..)، ومن حيث قيمتها وتوظيفها في البحث. وقد اعتمد الباحث في هذا الاطار على المجموعات المتخصصة ضمن الرصيد الايكونوغرافي المتوفر في المكتبة الوطنية، حيث تمت معالجة 406 صورة فوتوغرافية عن مدينة الرباط، حيث تم تصنيفها ورقمنة أكثر من 200 صورة نادرة حول التراث الثقافي الساحلي للمدينة. كما تمت معالجة أكثر من 30 تصميم تهيئة ورقمنة أبرزها. اضافة الى حوالي 20 خريطة لها علاقة بالموضوع.
وهناك مصادر أخرى، اعتمدت في البحث، منها على وجه الخصوص الظهائر والقوانين المنظمة للتراث الثقافي، سواء على المستوى الوطني أو على مستوى الاتفاقيات والمواثيق الدولية ذات العلاقة بالتراث الثقافي وتثمينه.
هذا جزء من المصادر والمراجع التي اعتمدناها في هذا البحث، الى جانب مراجع أخرى، كبرامج ومخططات التهيئة، والتي تمت برمجتها في اطار مشروع تهيئة ضفتي أبي رقراق و برنامج « الرباط مدينة الأنوار: عاصمة المغرب الثقافية». غير أن المعلومات التي تقدمها هذه المادة المرجعية، بمختلف أصنافها، هي قليلة بالنظر الى طبيعة الموضوع المطروح، وبالتالي لا تسمح بإعطاء صورة دقيقة عن أشكال التراث الثقافي الساحلي وكيفية الحفاظ عليه وتثمينه.
انطلق مشروع الترجمة بكتاب «
La mer dans les traditions et les industries indigènes à Rabat et Salé (1920).
والذي قام بترجمته مشكورا الاستاذ حسن اميلي، وسيصدر قريبا ضمن منشورات المكتبة الوطنية للمملكة المغربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.