عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر،صدر للباحث الدكتور حسن أميلي أستاذ التعليم العالي في التاريخ الحديث وعضو مؤسس مختبر الأركيولوجيا والتراث الثقافي الساحلي مؤخرا في طبعة أولى، مؤلف أكثر واقعية وراهنية يتجاوب تاريخيا مع مشاغل وقضايا المغرب المعاصر . الإصدار، يحمل عنوان «المغاربة والمجال البحري في القرنين 17 و18م «، وهو من القطع المتوسط في 415صفحة. صمم غلافه الفنان التشكيلي المغربي عبد الكبير البحتري. قدم الباحث تصوره ومقاربته للمجال البحري باعتباره مدى حيويا من شأنه أن يؤهل الإنسان المغربي ليفتح أبوابه على العالم بشكل جيد،بعد أن كان المغرب في حقبة تاريخية معينة، منكمشا على الذات، لايعير اهتماما للبحر،ما جعل أوروبا تستغل خلاء الساحة لاستثمار المجال المائي بل والقبض عليه بيد من حديد، وقد أثر سلوكها هذا وحضورها القوي، في التركيبة الاجتماعية والاقتصادية لكل المناطق المتاخمة للبحر، على نحو ترتب عنه زعزعة وضعها الديمغرافي والإنتاجي. غاص المؤلف في هذا الموضوع الهام والخطير وضبط حلقاته ومراحله وتفاصيله، عن دراسة جادة وعميقة وبحث وجهد جهيدين.ولم يكن أبدا تكريس وقته وجهده وماله لمجرد التأليف أو رغبة في الكسب.وكلنا يذكر تلك الدراسة الرائعة التي أنجزها هذا الباحث المجتهد والنشيط منذ ما يقارب العقدين عن «الجهاد البحري في مصب أبي رقراق خلال القرن 17م»، و»المعجم الملاحي».. وعملا مترجما: «تاريخ بارباريا وقراصنتها للراهب بيير دان»...وهي مؤلفات تنم عن أن الرجل فعلا متخصص، ومن تلك القلة القليلة من الباحثين المتمرسين، التي نشهد لها حقيقة بالفرادة في مضماره هذا ،أقول: ما أحوجنا اليوم لاستثمار كفاءته وعلمه. سعى الإصدار إلى تقديم قراءة من زاوية أخرى للمجال البحري المغربي، واقفا عند تلك العوامل الحائلة دون تأسيس ثقافة ملاحية مغربية حقيقية،الشيء الذي جعل من تناول تاريخ المجال البحري في شموليته الحلقة الأضعف والأكثر في التاريخ العام كتجل واضح لموقع المغرب في الجغرافية التاريخية. وإذ توخى المؤلف أن يحدد موضوع دراسته هاته في القرنين 17 و18م فلأن الأمر يتعلق بمرحلة تاريخية حساسة وحرجة، لها مزتها، من حيث أن المجال البحري كان دالا على تخلف المغرب عن ركب التطور واتساع الفجوة بينه وبين أوروبا. وفي رحلته الشاقة والشيقة هاته، لرصد ممارسة المغاربة للأنشطة البحرية، تصادف الدكتور حسن أميلي عوائق جمة ترتبط بندرة أو بمحدودية المصادر والدراسات المحلية لأن أغلبها تعوزه الخصوصية التقنية واللغوية المرتبطة بالعمل والمادة الملاحيين وكذا عدم اكتراث المؤرخين الأوروبيين لنشاط المجال الملاحي.ولكنه مع ذلك، استطاع أن يعد بيبليوغرافيا قيمة في هذا الصدد من مصادر ودراسات بالعربية وكذا بالأجنبية )الفرنسية والانجليزية( من شأنها أن تعبد الطريق أمام الدارسين والباحثين للنبش أو تعميق البحث في زاوية أو زوايا أخرى من البحث،تنضاف للجهد الكبير الذي نحن بصدده. اعتمد الباحث منهجا تاريخيا وصفيا تحليليا.لم يهمل الهوامش والإحالات.كان دقيقا وعلميا أكثر.توسل أسلوبا صارما..علميا..هادئا..تدل عليه الجمل القصيرة والنفس الطويل من خلال استثمار الفواصل بشكل جيد وفوق هذا مركزا استجمع فيه فكره.. وقد خلل موضوعه ببيانات هامة ورسومات وخرائط ومقاطع طبوغرافية ملاحية ووثائق نادرة واتفاقيات ومعاهدات مغربية أوروبية خلال القرن 17م. وكانت فقرات البحث الواحدة منها تاخذ بعناق الأخرى فيما يسمى بحسن التخلص ما يحقق انسيابية تشهد بمستوى كتابةرصينة ورفيعة. ووردت خطة الموضوع واضحة:مقدمة فقسمان. القسم الأول، وعنونه ب»الأساليب والتقنيات.وفرعه إلى خمسة فصول.والقسم الثاني وجعله تحت عنوان الممارسة وردود الفعل وفصل القول فيه بثلاثة فصول. وختم المؤلف إصداره بالتأكيد على أن مشكلة تفاعل المغرب مع مجاله البحري وضعف استثماره له بصورة مزمنة لاتزال انعكاساتها ماثلة حتى الآن،تبدو واقعا تاريخيا معقدا تتداخل أسبابه،وتتشابك عوامله،بشكل يصعب اختزاله في خانة محددة،وان ضعف هذه الاستغلالية يندرج في ضوء سكونية التطور التقني والإنتاجي بالمغرب قياسا بما شهدته الشعوب التي تعاطت للشأن البحري، وتتحكم فيه الشروط غير الملائمة التي منعته -على الأقل- من ملاحقة التقدم العام الذي عرفته أوروبا،والذي شكل التطور التقني الملاحي أبرز مظاهره في التاريخ الحديث.