جاء إلى الوجود في ظروف ولادة عسيرة. لم يصرخ عند رؤيته نور الدنيا كباقي المواليد، مما اضطر الأطباء المشرفين على ولادته لإعطائه الأوكسجين الاصطناعي، كمية لم تكن كافية لإنقاذه من الشلل الدماغي الذي تم اكتشافه من طرف الأب بعد ثلاثة أيام من الولادة. ومن هنا انطلقت مسيرة البحث عن العلاج ولازالت مستمرة. أحمد أمين النولي طفل تازي ذو جسم نحيف، ابتسامته لا تفارق وجهه الصغير، إصابته بشلل دماغي أقعدته على كرسي متحرك مسنود دائما بمجموعة من الوسادات التي تساعده على الجلوس في وضعية شبه مريحة، هذه الإصابة حرمته كذلك من قدراته الحركية والنطقية. التحق بالروض لأول مرة وعمره ما بين الرابعة أو الخامسة.. تركيز المعلمين كان يقتصر على الرسم و التلوين لأنهم لاحظوا فيه راحته ومتعته. تعلم بعض الحروف في هذا الروض، وكذلك في روض آخر حيث قضى مدة طويلة إلى أن تم، سنة 2005، إحداث قسم إدماج في المؤسسة التي كان يشتغل بها والده كمعلم ( مدرسة الأرز بتازة)، لتأخذ بعد ذلك حياته الدراسية منهجا آخر. ››لن أنسى فضل الأستاذ يوسف العزوزي الذي علمني الحروف بطريقة خاصة، يقول أحمد أمين، طريقة سهلت علي حفظها و استعمالها، وكان له الفضل في إدماجي مع الأسوياء في المستوى الأول بعض قضاء سنتين في قسم الإدماج ‹›. انتقل أمين من المستوى الأول إلى الثالث، وتابع دراسته حتى حصل على الشهادة الابتدائية الذي اجتاز امتحانها بطريقة فريدة، حيث كانت قدم رجله اليسرى هي التي تقوى على كتابة الأجوبة على الحاسوب في حضور تغطية إعلامية من القناة الثانية لهذه الطريقة في اجتياز هذا الإمتحان.. ›› نجحت بمعدل جيد، يضيف أحمد أمين،وتابعت دراستي في الإعدادي، وأيضا طريقة الحاسوب كانت هي الطريقة الوحيدة التي اجتزت بها الامتحان الإشهادي الإعدادي وهاأنذا اليوم أدرس في جذع مشترك أدبي بثانوية سيدي عزوز بتازة حيث حصلت على معدل 20. 15 وأنا في الرتبة الثالثة ‹›. »من التلاميذ الذين أتشرف بتدريسهم مادة اللغة العربية، يقول أستاذه عزيزعشعاش،تعرفت عليه بداية هذا الموسم الدراسي 2015/2016، كتلميذ حريص على دروسه بشغف وإقبال منقطعين النظير. ومع مرور الأيام، وتوالي الأشهر، تطورت علاقتي به لدرجة أصبح يشكل بالنسبة لي، ولجل الأساتذة الذين يدرسونه، نموذجا فذا للسلوك والمعاملات الراقية.فجل من يشتغل بالثانوية على علم بمواهبه وجديته وتفانيه في الدراسة فضلا عن بشاشته ورقته ورحابة صدره، رغم الإعاقة التي لم تشكل له يوما عائقا. فلم أره قط يوما مكفهرا أو عبوسا، إذ لا يطل علينا في مختلف الحصص الدراسية، يضيف الأستاذ، إلا والبسمة تعلو محياه، حركاته وانفعالاته التي يتواصل بها أفصح وأبلغ من أي كلام، وكتاباته يسري عليها القول الرفيع». يوم الإجازة هو يوم راحة لأحمد أمين يقضيه في بعض الأحيان مع أصدقائه الذين يزورونه في غرفته الصغيرة و المليئة بملصقات و صور للصحراء وكذلك لعاهل البلاد، وفنانه المحبوب محمد عبدو.الإجازات الطويلة،والتي يكرهها لأنها تجعل منه سجين غرفته يقضيها في مزاولة هواياته المفضلة: الرسم، كتابة القصص، وإخراج الأفلام التي تعالج في معظمها حالات ذوي الاحتياجات الخاصة. » في بداية الأمر كنت أرسم بالصباغة و الريشة برجلي اليسرى ولكن صحتي تدهورت بعض الشيء فاعتمدت على الحاسوب في كل أعمالي- يقول أحمد أمين. لقائي مع الملك جعلني عظيما قبل أن يلتقي بصاحب الجلالة الملك محمد السادس في مهرجان ذوي الاحتياجات الخاصة كان قد التقاه في تازة سنة 1999 حيث كان أحمد أمين ضمن الوفد الرسمي. انحنى صاحب الجلالة على أحمد أمين الذي كان جالسا على كرسيه المتحرك والمسنود بالوسادات،لتحيته وبحكم إعاقته كانت ابتسامته الجميلة هي السبيل الوحيد لرد التحية. تحدث صاحب الجلالة مع والده عن إعاقته وقال له ‹› نحن كلنا مغاربة، علينا خدمة هذا الوطن››. يصيف أمين ‹›جاءت الفرصة الثانية سنة 2005 بالدارالبيضاء. كنت أعرض لوحاتي الأولى فأقبل علي الملك وقبلني واستفسر عن أعمالي، وكنت أجيبه بتحريك رأسي بسرعة من شدة الفرح، ثم سأل أمي التي شرحت له طريقة عملي ولوحاتي التي تتحدث عن المواطنة و السلام والصحراء. سأل أمي عن اسمي عدة مرات حتى تمكن منه، واعتنى بي كثيرا فيما بعد». أحلام أحمد أمين كثيرة،لكنه الآن يريد أن يعرض أعماله و لوحاته خارج المغرب كفرنسا و الإمارات العربية المتحدة، ويتابع تكوينا متخصصا في فن الرسم كما يتمنى مرة أخرى أن يلتقي صاحب الجلالة و يطلب منه زيارة مدينته تازة فهي في حاجة إلى تنمية و تأهيل، أما حلمه الكبير فهو إتمام دراسته ليصبح في المستقبل وزيرا خاصا بذوي الحاجات الخاصة. ›› المعنى والعبرة واحدة لا شك فيها.ابني العزيز علمني الصبر وحسن التعامل مع الناس والابتسامة في وجه الجميع، يقول الجيلالي النولي،أصبحت مرتبطا به كالهواء الذي أتنفسه، هوالابن و الصديق الذي كلما ناداني أو حدثني أستمد منه الطاقة والإرادة والأمل والتفاؤل فهو صابر شاكر،واستطاع سحق المستحيل بقبضة إرادته الصلبة.أجمل اللحظات معه عندما أحمله بين يدي، يقبلني قبلة تسيل دموعي لكوني أحس بالحنان. إنها مسيرة طويلة والكلام ?ينتهي في حق هذا الابن الكريم«.