1 المنجز الشعري الذي راكمه الشاعر الزجال المغربي احمد لمسيح منذ السبعينات كبير ومتنوع ومتميز بالتوحد والتفرد احيانا والتجديد احيانا أخرى، ابداع فيه أشكال من التحرر والإنعتاق وإن بدا في الاول تحريضيا متمردا ومغامرا في الثاني ثم ثالثا متأملا صوفيا ذاتيا جمعويا متحررا باعتبار التحرر ضد الجمود والانكماش امام السيولة والمتابعة والخصوبة . أحمد لمسيح، لم يستكين الى الجاهز ولم يهادن، في فترة الاشتعال وسنوات الرصاص بل حقق نجاحا كبيرا في العديد من القصائد النارية حيث اشعل المدرجات وقاعات الثانويات ودور الشباب وأسال الكثير من المداد بالنظر الى خصوصية المرحلة وأفقها المتمرد والتي كان يعيشها وتعيشه ، مرحلة تواشجت مع الواقع وتشابكت مع الهم العام والبحث عن التغبير وطرح البديل في اطار ايديولوجية معينة أججت الوضع وسخنت الطرح وساهمت في اثراء المشهد العام . إن ما يميز الكتابة الزجلية لدى احمد لمسيح كونها قوية متمردة أصيلة نابعة من الذوق ومن الهم الانساني / الواقعي ، كتابة تستمد قوتها من الامكانات المتوفرة للشاعر ومحاولاتها التجريب والتجديد عبر الحفر والنحت في الزجل المغربي ( إيصال صوت الزجل إلى أعلى مكان) مشاركة قوية في المهرجانات المحلية والوطنية والعربية ،حضور بالجزائر وتونس واسبانيا ..) الى ذلك، فهو لا يطمئن إلى خطوه بل تراه دائم التجريب والبحث في المنجز نلاحظ تراكم المنجز الشعري حوالي 20 ديوانا متنوعا ) . وقد تحدتث سابقا عن خصوصية لمسيح التي اعتبرها تجربة رائدة ومرجعا مهما للكثير من الاصوات الواعدة ولما يحمله منجزه من مظاهر قيمة ومؤثرات ومرجعيات مختلفة من الثقافة الشعبية المحلية والخصوية المغربية : الغني والتعدد بين الشفاهي والمدون.. كتابة تعتمد القوة والعمق البدوي ثم العطف إلى الليونة التمدن والسهولة . 2 إن القصيدة الزجلية المغربية بأصوات متعددة وبأحد روافدها احمد لمسيح شكلت تجديدا، مغامرة وكتابة التجاوز لسابقاتها بالاعتماد على الخرق والابداع وبقيم جديدة فنية وجمالية وهذا ما ميز فرادة الزجال لمسيح فلغته عمقت حضوره ( ما لم أستطع قوله بالفصحى أقوله بالعامية ) فاللغة لديه سلاح قبل أن تكون هدفا وتقنية في اطار سياق عام وقبل أن تكون الكلمة/ كلمة بوح ، مضمرة وجاهزة لحمل اكثر من معنى وما كان يتحقق دواخله رغبة جامحة تتحكم في نفسيته المتمردة للدفع بالكتابة الى المعاناة وبلوغ درجة الاكتمال في العديد من الدواويين وآخرها (أنا ما كاينش ) بسؤال الكينونة وسؤال الذات ، سؤال فلسفي/ وجودي عصي، بضمير منفصل متبوع بأداة نفي مقابل ذات / وجود ، أنا كاين / حاضر ، أسلوب قلق وجواب لسؤال محذوف ، عصي على البدء، متميز بالكثافة والتشظي والابحاء، ألم يقل جيرار جينيت : (احذروا العناوين والعتبات باعتبارها نصوصا موازية وباعتبارها مدخلا لتلقي هذه النصوص..) (أنا ما كاينش)، عنوان/ عتبة يخلخل الجاهز الكائن ويغير بالتالي نظرتنا لكثير من القيم للوجود والاشياء ... مقابل في الماضي / السابق، ومتمم له : ( أنا غير مسيح بوهالي فرزت ما كالت الكانة/ عشيري اغبر/ وانا سويرتي مولانا ) ..، يعني ، أن لمسيح/ الآخر ذات مقابل ذوات اخرى ، لا يكاد يخرج عن جبته عن قصيدته الاولى ، ونتذكر قوله (كل قصيدة هي تفريخ لقصيدة أخرى) . ومساره الطويل الاول يعمق جذوره وترحاله ، يكرر المشهد في تجلي صوفي / فلسفي عميق مرتهن بالواقع / الحال ، حال الذات والذوات بكون الشعر ممارسة خلاقة مضيئة ومشرقة. لم يعد الحديث الان، عن محدودية القصيدة الزجلية المغربية بل عن كونيتها وقضاياها المطروحة بل بالعكس إنها الان تشكل بوءرة المختلف والمتعدد في الثقافة المغربية بدليل تميز تسابقي في احتضان بعض المدن لإحياء العديد من المهرجانات والملتقيات الزجلية محليا ووطنيا ودوليا مستمدين روح الثقافة العصرية والتواصل والموروث الثقافي لكي ترقى من البعد المحلي/ الجهوي والوطني الى البعد الكوني الإنساني . 3 لا بد من الاشارة الى أن ديوان ( أناما كاينش) بشكله الابيض الناصع تتوسطه لوحة الشاعر عزيز ازغاي بوجه وهلال ودائرة زرقاء يخترقها شريط بالاسود ، الصادر عن عن دار البوكيلي 2013 ، وأن نصوصه كتبت مابين في صيف 2012 باسثتناء قصيدة : (مالي ومال الموت؟) فقد كتبت صيف 2009 حسب إحالة الشاعر في ص 4 من الديوان ب 98 ص . اللوحة نافذة مشرعة تطل عن بعد مشبع بالامل رغم إنها تبدو احيانا ماكرة بسؤال الصمت والمواد الخليط) المكون لها، تمتلئ ضوءا بلطخات ريشة هي أشبه بضربات فرشاة بنقط المتخيل من ذاكرة الطفل تكشف اكثر ما تحجب خدوشا وأجراسا وما نتخيل من الرؤيا اكبر مما نتوهم .. في قصيدة أنا ما كاينش ص 7 ، ويكررها على ظهر الغلاف ، يقول : يمكن أنا حلمه/ حلم بها شي حد .. وطاحت ف الما / يمكن شي حاجه / تخيلها شي حد/ يمكن ظل سحابه/ يمكن مويهه وتبخرت يمكن متبوع _ هربان وتخبيت في كناش الاحصاء . ... يمكن كنت والو/ وعطاوني سمية ص8 الموضوع في هذا المجال أصعب من تسويده اجتراح بعض الاشكالات الشائكة للنص الزجلي له خصوصية السفر عبر التخوم الذات والاشياء والعالم والمحو، يقول الشاعر في ص 19 : تخابلت انامعايا والكاس تنوى،/ تخايلت أنت مع القصيدة والحروف نايضة . النص الزجلي المغربي اثبث جدارته وخصوصيته عن طريق كتابة المحو والالق الشعري ومعاناة التهميش والاقصاء بعد صراع كبير داخل الحقل الثقافي المغربي واضحى اكثر انفتاحا على حقول معرفية عديدة وأصبح يتغذى من مجالات الفلسفة والاسطورة والحكاية والملحون والشعر العالمي الانساني.. اضافة الى الترجمات المواكبة للزجل المغربي (لمسيح والقادري والمسناوي ..)، لذلك لا بد من ضرورة الانصات للنص الزجلي المغربي ولتجاربه المتفردة خصوصا الاصوات الشابة التي هي استمرار للاصوات الراشدة وعلى تأسيس وعي نقدي قادر على المواكبة والمتابعة بجدية وأناة وصبر. 4 يمكن كنت حرف والو/ وعطاوني سمية/ ..يمكن كنت حرف على الورقة .. وتمحيت يمكن كنت سطر محرز ولما عرفو سري، ما بقيتش كاين...ص8 في ديوان (انا ما كاينش) تسائل اللغة، اللغة بتوترها النفسي الداخلي كدفق، كتساؤل ملموس وبشكل جلي عن حرقة الشاعر وشوقه ، قريبا من الذات المكلومة/ الجريحة بكتابة مغايرة صياغة أخرى كرؤيا تقول جهارا أو في قالب جديد مموسق رنان للخروج من ربقة القديم الى الغنائي. حقق لمسيح من خلال تجربته الابداعية الطويلة المهمة ، انصياعها وانحيازها للذاتي الاجتماعي وللحظة التأمل الفلسفي دون ان تنطفئ أو تكل .. والنص التالي يلمس تجليات لمسيح الشعرية الملتهبة يمكن أنا كذبه.. أنا ما كاينش أنا كثير بالزاف.. هي ما كا يناش.. ص9 النص، بلغته السهلة المطواعة الشيقه العذبة السلسة كالماء وامضة كالوميض ، مقترة من جراح الوجود والموجود وتربة الواقع بالقبض والتحذلق والنسج والتقشف وحلاوة الدفق، تداعيات صور طفولة مستعادة كل واحد مفصل لي قناع راسم لي صفة ك بغى هو / أنا ما كاينش/.. ثم يضيف: جماعة بغات تكوني / جماعة بغات تكون هي مرايتي جماعة مخبية في لساني ..ص10 .. انا واقيل ما اكاينش انا نيت ما كاينش بغيت نكون ..بغيت .. شحال بغيت ... ص11 تبدو وكأنها نصوص مشعة كحديقة غناء كل شيء فيها مرتب / مستف بعناية كبرى بلا زيادة وبلا نقصان، يبدو لي - مرة أخرى- ولتسعفني العبارة وكأنها كتبت دفعة واحدة ، أليس العالم يقطن القصيدة والقصيدة جغرافيا العالم ، نلاحظ اشارة الشاعر في البداية أنها حررت صيف 2012 مرة واحدة . في ص 55 يقول : كتبت الكلام / صفيت حروفو ما بين راسي وصدري . كتبت النص / ونقيتو.. اتمحى / ما ابقات غير ريحتو. ويقول أيضا : الكتابة شهوة راقدة / زلزال يفيقها وتصب على ثلج الورقة نار تدفي قلبها / يدق.. يدق.. ص41 5 في قصائد لمسيح هذا الحضور / البياض المنقط ، نقط الحذف إنه بدون شك يتحرر من مشروعه نحو شعرية لها خصوصيتها و( إيقاعها الخاص) وأتساءل : ما دلالة الحذف مقابل الصمت / البياض.....؟ هل يريد أن يشرك القارئ/ المتلقي في لعبته ابداعه ..؟ ما علاقته المتوترة بالكتابة أصلا، أليست الكتابة طريقة لتهدئة الرعب الذي يسكن..ه ، ويسكن.. نا؟ أتذكر قولة متميزة يقول فيها أحدهم (أكتب لكي أبقى هادئا) ، تجد لها مبتغى ومنحى في قصيدة النثر وفي الشذرة بالخصوص التي يوظفها لمسيح بجمالية متميزة ، يقول في هذا المقطع الجميل .. خليت المجد واخترت القصيدة تلفت العقل وفضلت التبوهيلة . ص ورغم ضياعه وتأسفه على ما فات فيبدو سعيدا معترفا ب : ضيعت كل شيء وحزت الكلام . في نهاية القصيدة (حزت الكلام ) من الديوان وفي قصيدة سابقة يصرح بأنه دفن رأسه في لاله مولاتي لاله القصيدة . ص78 . بحضور الذات، كما أسلفت وحضور عناصر أخرى كالطفولة والذاكرة الخصبة نكتشف اشتعال وحضور تيمة الموت بدلالتها الدينية والفلسفية خصوصا في ديوانيه الاخيرين ، ديوان (كلام آخر) حيث الموت يوحد الذات لتحيا الكتابة . مت اصاحبي موووت مت يحيا الحرف / ارحل أو نرحل إن الموت هنا له دلالة عميقة والتساؤل بفعل الامر يلغيه بقدر ما يحييه ، الذات هنا ، مقابل ذات ظله فرغم ظلال الحزن والموت الطاغي فالتساؤل يدفع إلى طرح سؤال الحياة والرحيل والرحيل مقترن بالسفر عبر أسئلة وجودية يذكيها الخيال وعمق المعنى والاثر الصوفي من خلال ينبوع طفولته الاول كما يحكي (في البحر ذاكرتي ). في الموت ميلاد / في الزيادة خسران في الظهور / خفا كاين وما كاين .. (ديوان كلام اخر ص 37) وفي المقطع السابع والأخير من قصيدة مالي ومال الموت ؟ من ديوان : انا ما كاينش ، يقول : مالي ومال الموت ايلا كانت الدنيا فيها شويه من الجنة ؟ ص94 أخيرا وليس آخرا .. كلما قرأنا زجل لمسيح كلما استمتعنا وتذوقنا شهي وجميل الكلام وها نحن مع تجربة اخرى غنية وثرية وسهلة من السهل الممتنع والممتع المفيد تتغيى البساطة والجمال والتغني بالذات والتأمل الصوفي بنفس طفولي متجدد عميق ومرجعية ثقافية قوية تستمد تاريخها وخصوصيتها من المختلف والمتعدد والغنى التريد ولا يسعنا الا نهنأه على عطائه واستمراره شعلة متوهجة ومسارا عاكسا تجربة مستمدة من الذات والواقع أجمل اللحظات وأمتع النصوص.ويدفعنا الى اعادة القراءة من جديد وترتيب اوراقنا لانه بدون شك بعثرها اولا وتركنا في متاهة بورخيس نبحث وقبل هاذ سفر التكوين وبلان ايسان تكنوين خل ابا احمد يشوف ص22